المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : حديقة الغروب لـ د. غازي القصيبي


نوره عبدالرحمن "سما"
23-06-2010, 12:24 PM
حديقة الغروب

غازي القصيبي على فراش المرض يرثي نفسه .




خمـسٌ وستُـونَ.. فــي أجـفـان إعـصـارِ
أمـــا سـئـمـتَ ارتـحــالاً أيّــهــا الــســاري؟
أمــا ملـلـتَ مــن الأسـفـارِ.. مـــا هـــدأت
إلا وألــقــتــك فــــــي وعـــثــــاءِ أســـفــــار؟
أمــا تَعِـبـتَ مــن الأعـــداءِ.. مَـــا بـرحــوا
يـــحـــاورونــــكَ بــالــكــبــريــتِ والـــــنــــــارِ
والصحبُ؟ أين رفاقُ العمرِ؟ هـل بَقِيَـتْ
ســــــــوى ثُــمـــالـــةِ أيــــــــامٍ.. وتــــذكـــــارِ
بلى! اكتفيتُ.. وأضناني السرى! وشكا
قلـبـي الـعـنـاءَ!... ولـكــن تـلــك أقـــداري
أيــا رفـيـقـةَ دربـــي!.. لـــو لـــديّ ســـوى
عمـري.. لقلـتُ: فــدى عينـيـكِ أعـمـاري
أحـبـبـتـنــي.. وشــبــابــي فــــــي فــتــوّتــهِ
ومـــــا تـغــيّــرتِ.. والأوجـــــاعُ سُـــمّـــاري
منحتـنـي مــن كـنـوز الـحُـبّ.. أَنفَـسـهـا
وكــنــتُ لــــولا نــــداكِ الـجــائــعَ الــعـــاري
مــــاذا أقـــــولُ؟ وددتُ الـبــحــرَ قـافـيـتــي
والـغـيــم مـحـبـرتـي.. والأفــــقَ أشــعــاري
إنْ سـاءلــوكِ فـقـولـي: كــــان يعـشـقـنـي
بـكــلِّ مـــا فـيــهِ مـــن عُـنــفٍ.. وإصــــرار
وكـــان يــــأوي إلــــى قـلـبــي.. ويـسـكـنـه
وكـــــان يـحــمــل فــــــي أضـــلاعـــهِ داري
وإنْ مضـيـتُ.. فقـولـي: لــم يـكـنْ بَـطَـلاً
لــكــنــه لـــــــم يــقــبّـــل جــبــهـــةَ الـــعــــارِ
وأنــتِ!.. يـــا بـنــت فـجــرٍ فـــي تنـفّـسـه
مــا فــي الأنـوثـة.. مــن سـحـرٍ وأســـرارِ
مــــاذا تـريـديــن مــنــي؟! إنَّــنــي شَــبَـــحٌ
يـهــيــمُ مـــــا بــيـــن أغـــــلالٍ.. وأســـــوارِ
هذي حديقة عمـري فـي الغـروب.. كمـا
رأيـــتِ... مـرعــى خـريــفٍ جـائــعٍ ضـــارِ
الـطـيـرُ هَــاجَــرَ.. والأغــصــانُ شـاحـبــةٌ
والــــــوردُ أطــــــرقَ يــبــكــي عـــهـــد آذارِ
لا تتبعيـنـي! دعيـنـي!.. واقـرئـي كتـبـي
فــبــيـــن أوراقِــــهــــا تــلـــقـــاكِ أخــــبــــاري
وإنْ مضـيـتُ.. فقـولـي: لــم يـكـن بـطـلاً
وكــــــــان يــــمـــــزجُ أطـــــــــواراً بــــأطـــــوارِ
ويــــا بـــــلاداً نـــــذرت الـعــمــر.. زَهــرتَـــه
لعزّهـا!... دُمـتِ!... إنـي حـان إبحـاري
تــركــتُ بــيـــن رمـــــال الـبــيــد أغـنـيـتــي
وعـنــد شـاطـئـكِ المـسـحـورِ.. أسـمــاري
إن سـاءلــوكِ فـقـولـي: لـــم أبـــعْ قـلـمـي
ولـــم أدنّـــس بــســوق الــزيــف أفــكــاري
وإن مضـيـتُ.. فقـولـي: لــم يـكـن بَـطَـلاً
وكــان طـفـلـي.. ومحـبـوبـي.. وقـيـثـاري
يــا عـالـم الـغـيـبِ! ذنـبــي أنـــتَ تـعـرفُـه
وأنــــــت تــعــلــمُ إعـــلانـــي.. وإســـــــراري
وأنـــــــتَ أدرى بــإيــمـــانٍ مــنــنـــتَ بـــــــه
عـــلـــي.. مــــــا خــدشــتــه كـــــــل أوزاري
أحببتُ لقياكَ.. حسن الظـن يشفـع لـي
أيــرتُــجَــى الــعــفــو إلاّ عـــنــــد غـــفَّــــارِ؟


_ منقولة _


د/ غازي بن عبدالرحمن القصيبي
شاعر سعودي معاصر