المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الأندلس الحبيبة


نوره عبدالرحمن "سما"
23-06-2010, 02:26 PM
قصيدة أبو البقاء الرندي في رثاء الأندلس




لكل شيءٍ إذا ما تم نقصانُ *** فلا يُغرُّ بطيب العيش إنسانُ

هي الأيامُ كما شاهدتها دُولٌ لا*** مَن سَرَّهُ زَمنٌ ساءَتهُ أزمانُ

وهذه الدار لا تُبقي على أحد ***ولا يدوم على حالٍ لها شان

يُمزق الدهر حتمًا كل سابغةٍ*** إذا نبت مشْرفيّاتٌ وخُرصانُ

وينتضي كلّ سيف للفناء ولوْ*** كان ابنَ ذي يزَن والغمدَ غُمدان

أين الملوك ذَوو التيجان من يمنٍ ****وأين منهم أكاليلٌ وتيجانُ ؟


وأين ما شاده شدَّادُ في إرمٍ*** وأين ما ساسه في الفرس ساسانُ ؟

وأين ما حازه قارون من ذهب ***وأين عادٌ وشدادٌ وقحطانُ ؟

أتى على الكُل أمر لا مَرد له ***حتى قَضَوا فكأن القوم ما كانوا

وصار ما كان من مُلك ومن مَلِك** كما حكى عن خيال الطّيفِ وسْنانُ


دارَ الزّمانُ على (دارا) وقاتِلِه **وأمَّ كسرى فما آواه إيوانُ

كأنما الصَّعب لم يسْهُل له سببُ ***يومًا ولا مَلكَ الدُنيا سُليمانُ

فجائعُ الدهر أنواعٌ مُنوَّعة ***وللزمان مسرّاتٌ وأحزانُ

وللحوادث سُلوان يسهلها*** وما لما حلّ بالإسلام سُلوانُ

دهى الجزيرة أمرٌ لا عزاءَ له*** هوى له أُحدٌ وانهدْ ثهلانُ

أصابها العينُ في الإسلام فامتحنتْ **حتى خَلت منه أقطارٌ وبُلدانُ

فاسأل (بلنسيةً) ما شأنُ (مُرسيةً)*** وأينَ (شاطبةٌ) أمْ أينَ (جَيَّانُ)

وأين (قُرطبة)ٌ دارُ العلوم فكم ***من عالمٍ قد سما فيها له شانُ

وأين (حْمص)ُ وما تحويه من نزهٍ*** ونهرهُا العَذبُ فياضٌ وملآنُ


قواعدٌ كنَّ أركانَ البلاد فما** عسى البقاءُ إذا لم تبقَ أركانُ

تبكي الحنيفيةَ البيضاءُ من ! ;أسفٍ*** كما بكى لفراق الإلفِ هيمانُ

على ديار من الإسلام خالية*** قد أقفرت ولها بالكفر عُمرانُ

حيث المساجد قد صارت كنائسَ*** ما فيهنَّ إلا نواقيسٌ وصُلبانُ

حتى المحاريبُ تبكي وهي جامدةٌ*** حتى المنابرُ ترثي وهي عيدانُ

يا غافلاً وله في الدهرِ موعظةٌ ***إن كنت في سِنَةٍ فالدهرُ يقظانُ

وماشيًا مرحًا يلهيه موطنهُ*** أبعد حمصٍ تَغرُّ المرءَ أوطانُ ؟

تلك المصيبةُ أنستْ ما تقدمها*** وما لها مع طولَ الدهرِ نسيانُ

يا راكبين عتاق الخيلِ ضامرةً ***كأنها في مجال السبقِ عقبانُ

وحاملين سيُوفَ الهندِ مرهفةُ ***كأنها في ظلام النقع نيرانُ

وراتعين وراء البحر في دعةٍ*** لهم بأوطانهم عزٌّ وسلطانُ

أعندكم نبأ من أهل أندلسٍ ***فقد سرى بحديثِ القومِ رُكبانُ ؟

كم يستغيث بنا المستضعفون وهم *** قتلى وأسرى فما يهتز إنسان ؟

ماذا التقاُطع في الإسلام بينكمُ*** وأنتمْ يا عبادَ الله إخوانُ ؟

ألا نفوسٌ أبياتٌ لها هممٌ*** أما على الخيرِ أنصارٌ وأعوانُ

يا من لذلةِ قومٍ بعدَ عزِّهمُ ***أحال حالهمْ جورُ وطُغيانُ

بالأمس كانوا ملوكًا في منازلهم*** واليومَ هم في بلاد الكفرِّ عُبدانُ

فلو تراهم حيارى لا دليل لهمْ*** عليهمُ من ثيابِ الذلِ ألوانُ

ولو رأيتَ بكاهُم عندَ بيعهمُ ***لهالكَ الأمرُ واستهوتكَ أحزانُ

يا ربَّ أمّ وطفلٍ حيلَ بينهما*** كما تفرقَ أرواحٌ وأبدانُ

وطفلةً مثل حسنِ الشمسِ إذ طلعت ***كأنما هي ياقوتٌ ومرجانُ

يقودُها العلجُ للمكروه مكرهةً*** والعينُ باكيةُ والقلبُ حيرانُ

لمثل هذا يذوب القلبُ من كمدٍ** إن كان في القلبِ إسلامٌ وإيمانُ


جد موجعة القصيدة..