المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : المساء - لخليل مطران


نوره عبدالرحمن "سما"
26-06-2010, 02:10 PM
المساء - لخليل مطران


قالها الناظم وهو عليل في الاسكندرية



دَاءٌ أَلَمَّ فخِلْتُ فيهِ شِفَائي
من صَبْوَتي ، فتَضَاعَفَتْ بُرَحَائي

يَا لَلضَّعيفَينِ ! اسْتَبَدَّا بي ، ومَا

في الظُّلْمِ مثلُ تَحَكُّمِ الضُّعَفَاءِ

قَلْبٌ أَذَابَتْهُ الصَّبَابَةُ وَالجَوَى ،

وَغِلاَلَةٌ رَثَّتْ مِنَ الأَدْوَاءِ

وَالرُّوحُ بَيْنَهُمَا نَسِيمُ تَنَهُّدٍ

في حَالَيِ التَّصْوِيبِ وَالصُّعَدَاءِ

وَالعَقْلُ كَالمِصْبَاحِ يَغْشَى نُورَهُ

كَدَرِي ، وَيُضْعِفُهُ نُضُوبُ دِمَائي

***

هذا الذي أَبْقَيْتِهِ يَا مُنْيَتِي

مِنْ أَضْلُعِي وَحُشَاشَتِي وَذَكَائي

عُمْرَيْنِ فِيكِ أَضَعْتُ ، لَوْ أَنْصَفْتِني

لَمْ يَجْدُرَا بتَأَسُّفِي وَبُكَائي

عُمْرَ الفَتَى الفَانِي ، وَعُمْرَ مُخَلَّدٍ

ببَيَانِهِ ، لَوْلاَكِ ، في الأَحْيَاءِ

فَغَدَوْتُ لَمْ أَنْعَمْ ، كَذِي جَهْلٍ ،وَلَمْ

أَغْنَمْ ، كَذِي عَقْلٍ ، ضَمَانَ بَقَائي

***

يَا كَوْكَبَاً مَنْ يَهْتَدِي بضِيَائِهِ
يَهْدِيهِ طَالِعُ ضِلَّةٍ وَرِيَاءِ

يَا مَوْرِدَاً يَسْقِي الوُرُودَ سَرَابُهُ

ظَمَأً إِلَى أَنْ يَهْلِكُوا بظَمَاءِ

يَا زَهْرَةً تُحْيي رَوَاعِيَ حُسْنِهَا

وَتُمِيتُ نَاشِقَهَا بلاَ إِرْعَاءِ

هَذَا عِتَابُكِ ، غَيْرَ أَنِّي مُخْطِىءٌ

أَيُرَامُ سَعْدٌ في هَوَى حَسْنَاءِ ؟

حَاشَاكِ ، بَلْ كُتِبَ الشَّقَاءُ عَلَى الوَرَى

وَالحُبُّ لَمْ يَبْرَحْ أَحَبَّ شَقَاءِ

نِعْمَ الضَّلاَلَةُ حَيْثُ تُؤْنِسُ مُقْلَتِي

أَنْوَارُ تِلْكَ الطَّلْعَةِ الزَّهْرَاءِ
نِعْمَ الشّفَاءُ إذَا رَوِيتُ برَشْفَةٍ
مَكْذُوبَةٍ مِنْ وَهْمِ ذَاكَ المَاءِ

نِعْمَ الحَيَاةُ إذَا قَضَيْتُ بنَشْقَةٍ

مِنْ طِيبِ تِلْكَ الرَّوْضَةِ الغَنَّاءِ

***

إِنِّي أَقَمْتُ عَلَى التَّعِلَّةِ بالمُنَى
في غُرْبَةٍ قَالُوا : تَكُونُ دَوَائي

إِنْ يَشْفِ هَذَا الجسْمَ طِيبُ هَوَائِهَا
أَيُلَطِّفُ النِّيرَانَ طِيبُ هَوَاءِ ؟

أَوْ يُمْسِكِ الحَوْبَاءَ حُسْنُ مُقَامِهَا ،

هَلْ مَسْكَةٌ في البُعْدِ لِلْحَوْبَاءِ ؟

عَبَثٌ طَوَافِي في البلاَدِ ، وَعِلَّةٌ

في عِلَّةٍ مَنْفَايَ لاسْتِشْفَاءِ

مُتَفَرِّدٌ بصَبَابَتي ، مُتَفَرِّدٌ
بكَآبَتي ، مُتَفَرِّدٌ بعَنَائِي

شَاكٍ إِلَى البَحْرِ اضْطِرَابَ خَوَاطِرِي

فَيُجيبُني برِيَاحِهِ الهَوْجَاءِ

ثَاوٍ عَلَى صَخْرٍ أَصَمََّ ، وَلَيْتَ لي

قَلْبَاً كَهَذِي الصَّخْرَةِ الصَّمَّاءِ !

يَنْتَابُهَا مَوْجٌ كَمَوْجِ مَكَارِهِي ،

وَيَفتُّهَا كَالسُّقْمِ في أَعْضَائي

وَالبَحْرُ خَفَّاقُ الجَوَانِبِ ضَائِقٌ

كَمَدَاً كَصَدْرِي سَاعَةَ الإمْسَاءِ

تَغْشَى البَرِيَّةَ كُدْرَةٌ ، وَكَأَنَّهَا

صَعِدَتْ إلَى عَيْنَيَّ مِنْ أَحْشَائي

وَالأُفْقُ مُعْتَكِرٌ قَرِيحٌ جَفْنُهُ ،

يُغْضِي عَلَى الغَمَرَاتِ وَالأَقْذَاءِ

يَا لَلْغُرُوبِ وَمَا بهِ مِنْ عِبْرَةٍ

لِلْمُسْتَهَامِ ! وَعِبْرَةٍ لِلرَّائي !

أَوَلَيْسَ نَزْعَاً لِلنَّهَارِ ، وَصَرْعَةً

لِلشَّمْسِ بَيْنَ مَآتِمِ الأَضْوَاءِ ؟

أَوَلَيْسَ طَمْسَاً لِلْيَقِينِ ، وَمَبْعَثَاً

لِلشَّكِّ بَيْنَ غَلائِلِ الظّلْمَاءِ ؟

أَوَلَيْسَ مَحْوَاً لِلوُجُودِ إلَى مَدَىً ،

وَإِبَادَةً لِمَعَالِمِ الأَشْيَاءِ ؟

حَتَّى يَكُونَ النُّورُ تَجْدِيدَاً لَهَا ،

وَيَكُونَ شِبْهَ البَعْثِ عَوْدُ ذُكَاءِ

***

وَلَقَدْ ذَكَرْتُكِ وَالنَّهَارُ مُوَدِّعٌ ،

وَالقَلْبُ بَيْنَ مَهَابَةٍ وَرَجَاءِ

وَخَوَاطِرِي تَبْدُو تُجَاهَ نَوَاظِرِي

كَلْمَى كَدَامِيَةِ السَّحَابِ إزَائي

وَالدَّمْعُ مِنْ جَفْني يَسِيلُ مُشَعْشَعَاً

بسَنَى الشُّعَاعِ الغَارِبِ المُتَرَائي

وَالشَّمْسُ في شَفَقٍ يَسِيلُ نُضَارُهُ

فَوْقَ العَقِيقِ عَلَى ذُرَىً سَوْدَاءِ

مَرَّتْ خِلاَلَ غَمَامَتَيْنِ تَحَدُّرَاً ،

وَتَقَطَّرَتْ كَالدَّمْعَةِ الحَمْرَاءِ

فَكَأَنَّ آخِرُ دَمْعَةٍ لِلْكَوْن ِ قَدْ

مُزِجَتْ بآخِرِ أَدْمُعِي لرِثَائي

وَكَأَنَّني آنَسْتُ يَوْمِي زَائِلاً ،

فَرَأَيْتُ في المِرْآةِ كَيْفَ مَسَائي






= شرح قصيدة ((المساء- خليل مطران))

1- داءٌ ألمَّ فخِلْتُ فيهِ شفائي *** من صَبوتي فتضاعفَتْ بُرَحائي

ألمَّ بي مرضٌ جسديٌّ فحسبْتُ أنَّ فيهِ البرء والشفاء والسلوان مما أحسُّ من لوعة الحب، ولكن تضاعفت أشواقي.

2- ياللضَّعيفين استبدّا بي وما *** في الظّلم مثلُ تحكُّمِ الضّعفاءِ

أستغيث من هاتين ِ العلتينِ اللتينِ تحكَّمتا بِي؛ مرض الجسد ومرض الروح، فازدادت معاناتي، وليس هناك أشقى من استبداد الضعيف بالقوي لو تحكَّم بهِ.

3- قلبٌ أصابَتْهُ الصَّبابةُ والجوى ** وغِلالةٌ رثَّتْ من الأدواءِ

غدا قلبِي ضعيفاً من اللوعة والهوى والغرام والبعد، وجسدي الذي حلَّت به الأسقامُ، فبتُّ واهناً ضعيفاً حتَّى تعبْتُ من كثرة الأدوية.

4- إنّي أقمْتُ على التَّعلَّةِ بالـمُنَى ** في غربةٍ قالوا : تكونُ دوائي

وارتحلْتُ في بلاد الغربة أُقيمُ بِها، مُعلِّلاً نفسي بالأمل ، فلعلَّنِي أجدُ في هذه الغربة دواءً شافياً من مرضي.

5- شاكٍ إلى البحرِ اضطرابَ خواطري** فيجيبُني بريــاحِهِ الهــوجاءِ

أقف على شاطئ البحر أشكو إليهِ همومي وآلامي وخواطري القلقة الحائرة، وجوابه هدير امواجه وعواصف رياحه الهائجة.

6- ثاوٍ على صخرٍ أصمَّ وليتَ لي ** قلباً كهذي الصّخرةِ الصّمّـــاءِ

أقيم على صخرةٍ صمَّاء، وكم أتمنَّى لو أنَّ فؤادي يصبح كهذه الصخرة بلا إحساسٍ ولا ألمٍ.

7- يا لَلغروبِ وما بهِ من عَبْرةٍ ** للمُســـتهامِ وعِبْرةٍ للرّائــي


آهٍ من منظر الغروب وما فيهِ من مواعظ لروح العاشق الهائم، ودموعٍ تسيل على الخدينِ لمن يرى منظره.

8- والشّمس في شفقٍ يسيلُ نضارُه** فوقَ العقيقِ على ذُراً سوداءِ

والشمس التي آذنت في الغروب مصطبغةً بحمرة الشفق، التي تبدو كلون العقيق على القمم الداكنة.

9- مرَّتْ خلالَ غمامتيْن تحدُّراً ** وتقطّرتْ كالدّمعةِ الحمراءِ


وقد رأيُتُ الشمس تغيبُ من بين غيمتيْنِ منحدرةً، فكانَّها قطرة دمعٍ حمراء، تبكي على ألمي.

10- فكأنّ آخرَ دمعةٍ للكونِ قد** مُزجَتْ بآخرِ أدمعي لرثائي

وأتخيَّلُ الشمس في غروبها الأخير كدمعةٍ أخيرةٍ للكونِ ، ممتزجةً بدموعي الأخيرة، فاتحدت دمعة الكون ودمعتِي لتبكي عليَّ وتندبني.

11-وكأنّني آنسْتُ يومي زائلاً *** فرأيْتُ في المـرآةِ كيفَ مسائي؟

حين أرى منظر الغرول وانتهاء اليوم، فأتخيل أنَّ عمري قد لفظ آخر أيامه، وكأنّني أرى غروب الشمسِ مرآةً لزوال حياتي في مسائي الأخير.


شرح القصيدة و إعرابها متوافر على :


http://www.7bb8.com/vb/showthread.php?t=8037