المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أخبار الحمقى و المغفلين * لابن الجوزي


نوره عبدالرحمن "سما"
11-07-2010, 08:45 PM
http://www.neelwafurat.com/images/lb/abookstore/covers/normal/145/145821.gif


أدب فكاهي -كتاب أخبار الحمقى و المغفلين لابن الجوزي



النفس إن اعتادت الرتابة لن تغير و لن تنتج..و الحكمة قد تؤخذ من غير أهلها !

الكتاب يأخذ القارىء ويجعل فسحة هده الأخبار متنفس في هده الحياة وبعدها يعتبر

لم يترك ابن الجوزي من أخبار الحمقى والمغفلين شيئاً إلا ذكره في كتابه، ابتداءً بأخبارهم من القرّاء والمحدّثين ثم ممن كان منهم من رواة الحديث والمصحفين، أو من الأمراء والولاة والقضاة، أو من الكتّاب والحجاب أو من الأئمة والمؤذنين، أو من الأعراب، أو من القصّاص والواعظ والمزهدين أو من المعلمين والحاكة.

والحقيقة أنه لم يترك خبراً عن مغفل أو أحمق إلا ونقله فكان كتابه جامعاً لذكر المغفلين والحمقى، كما ذكر بعضاً من أقوال الحمقى والغفلة ممّا يصدر عن العاقلين في بعض الأحايين. لكن ما يثير الدهشة أن الحماقة والغفلة إذ صدرت عن الحمقى والمغفلين قد تنتزع الضحك من الأفواه لأنها تأتي عفو الخاطر دون تصنع أو تكلّف.... لكنها إذا أتت من العقلاء تفجر الضحك تفجيراً على أفواه السامعين أو المشاهدين أو الذين قاموا بالغفلة وذلك لأنها زيادة على كونها ظهرت دون قصد إلا أنها ظهرت في العاقل عفو الخاطر ودون أن يدري، وهو يعتقد كل الاعتقاد أن ما قام به هو عمل جيد غير مستهجن وغير مضحك، حتى إذا فاق إلى رشده لا يتمالك نفسه من الارتماء والقهقهة أضعاف ما ضحك مما يرى من الحمقى أنفسهم المعروفين بهذه الصفات.


للتحميل

http://www.4shared.com/file/31709655/109f8d68/____.html?dirPwdVerified=da17f0f5

نوره عبدالرحمن "سما"
11-07-2010, 08:47 PM
قال ابن الأعرابي‏:‏ الحماقة مأخوذة من حمقت السوق إذا كسدت فكأنه كاسد العقل والرأي فلا يشاور ولا يلتفت إليه في أمر حرب‏.‏
وقال أبو بكر المكارم‏:‏ إنما سميت البقلة الحمقاء لأنها تنبت في سبيل الماء وطريق الإبل‏.‏

قال‏:‏ ابن الأعرابي‏:‏ وبها سمي الرجل أحمق لأنه لا يميز كلامه من رعونته‏.‏

الفرق بين الحماقة والجنون‏:‏ فصل وقد ذكرنا ما يتعلق باللغة في هذا الاسم ولا يظهر المقصود إلا بكشف المعنى فنقول‏:‏ معنى الحمق والتغفيل هو الغلط في الوسيلة والطريق إلى المطلوب مع صحة المقصود بخلاف الجنون فإنه عبارة عن الخلل في الوسيلة والمقصود جميعاً فالأحمق مقصوده صحيح ولكن سلوكه الطريق فاسد ورويته في الطريق الوصال إلى الغرض غير صحيحة والمجنون أصل إشارته فاسد فهو يختار ما لا يختار ويبين هذا ما سنذكره عن بعض المغفلين فمن ذلك‏:‏ أن طائراً طار من أمير فأمر أن يغلق باب المدينة‏!‏ فمقصود هذا الرجل حفظ الطائر‏.‏
صفات الأحمق :
صفات الأحمق تقسم إلى قمسين‏:‏ أحدهما‏:‏ من حيث الصورة والثاني‏:‏ من حيث الخصال والأفعال‏.‏
صفات الأحمق من حيث الصورة‏:‏ ذكر القسم الأول‏:‏ قال الحكماء‏:‏ إذا كان الرأس صغيراً رديء الشكل دل على رداءة في هيئة الدماغ‏.‏
قال جالينوس‏:‏ لا يخلو صغر الرأس البتة من دلالة على رداءة هيئة الدماغ وإذا قصرت الرقبة دلت على ضعف الدماغ وقلته ومن كانت بنيته غير متناسبة كان رديئاً حتى في همته وعقله مثل الرجل العظيم البطل القصير الأصابع المستدير الوجه العظيم القامة الصغير الهامة اللحيم الجبهة والوجه والعنق والرجلين فكأنما وجهه نصف دائرة‏ .‏

علامات الحمـق‏ :‏ وقال أبو حاتم بن حيان الحافظ‏:‏ علامة الحمق سرعة الجواب وترك التثبت والإفراط في الضحك وكثرة الإلتفات والوقيعة في الأخيار والإختلاط بالأشرار والإحمق إن أعرضت عنه أعتم وإن أقبلت عليه اغتر وإن حلمت عنه جهل عليك وإن جهلت عليه حلم عليك وإن أحسنت إليه أساء إليك وإن أسأت إليه أحسن إليك وإذا ظلمته أنصفت منه ويظلمك إذا أنصفته فمن ابتلى بصحبة الأحمق فليكثر من حمد الله على ما وهب له مما حرمه ذاك‏.‏

قال محمد الشامي‏:‏ السريع‏:‏ لنا جليسٌ تاركٌ للأدب جليسه من قوله في تعب يغضب جهلاً عند حال الرضى ومنه يرضى عند حال الغضب .

الناس أربعة أصناف‏:‏ وكذلك روينا عن الأحنف بن قيس أنه قال‏:‏ قال الخليل بن أحمد‏:‏ الناس أربعة رجل يدري ويدري أنه يدري فذاك عالم فخذوا عنه ورجل يدري وهو لا يدري أنه يدري فذاك ناسٍ فذكروه ورجل لا يدري وهو يدري أنه لا يدري فذاك طالب فعلموه ورجل لا يدري ولا يدري أنه لا يدري فذاك أحمق فارفضوه‏.‏
في ضرب العرب المثل بمن عرف حمقه :
العرب تضرب للأحمق تارة بمن قد عرف حمقه من الناس وتارة بما ينسب إلى سوء التدبير من البهائم والطير وتارة بما لا يقع منه فعل ولكن لو تصور له فعل كان ما ظهر منه حمقاً‏.‏

حمقى ضرب بهم المثل‏:‏ فأما ضربهم المثل بمن قد عرف حمقه فقال أبو هلال العسكري‏:‏ تقول العرب‏:‏ أحمق من هبنقة وستأتي أخباره وأحمق من حذنة قيل هو رجل بعينه وقيل هو الصغير الأذن الخفيف الرأس القليل الدماغ وكذلك يكون الأحمق‏.‏

وقيل‏:‏ حذنة امرأة كانت تمتخط بكوعها‏.‏

وتقول العرب‏:‏ أحمق من أبي غبشان وأحمق من جحا وأحمق من عجل بن لجيم وأحمق من حجينة وهو رجل من بني الصداء وأحمق من بيهس ومن مالك بن زيد مناة ومن عدي بن حباب وأحمق من الممهورة إحدى خدمتيها‏.‏
حيوانات ضرب المثل بحمقها‏:‏ وأما ذكرهم للبهائم فيقولون‏:‏ أحمق من الضبع وأحمق من أم عامر وأحمق من نعجة على حوض لأنها إذا وردت الماء أكبت عليه ولا تنثني وأحمق من ذئبة لأنها تدع ولدها وترضع ولد الضبع‏.‏
طيور ضرب المثل بحمقها‏:‏ وأما ذكرهم الطير فيقولون‏:‏ أحمق من حمامة لأنها لا تصلح عشها وربما سقط بيضها فانكسر وربما باضت على الأوتاد فيقع البيض وأحمق من نعامة لأنها إذا مرت ببيض غيرها حضنته وتركت بيضها وأحمق من رخمة وأحمق من عقعق لأنه يضيع بيضه وفراخه وأحمق من كروان لأنه إذا رأى أناساً سقط على الطريق فيأخذونه‏.‏
ومن الموصوف بالحمق من الحيوان‏:‏ الحبارى والنعجة والبعير والطاووس والزرافة‏.‏
نبتة ضرب المثل بحمقها‏:‏ وأما ضربهم المثل بمن لا فعل له كقولهم‏:‏ أحمق من رجلة وهي البقلة الحمقاء لأنها تنبت في مجاري السيل‏.‏
من أخبار هبنقة الأحمق‏:‏ فمنهم هبنقة واسمه يزيد بن ثروان ويقال‏:‏ ابن مروان أحد بني قيس بن ثعلبة ومن حمقه أنه جعل في عنقه قلادة من ودع وعظام وخزف وقال‏:‏ أخشى أن أضل نفسي ففعلت ذلك لأعرفها به‏.‏
فحولت القلادة ذات ليلة من عنقه لعنق أخيه فلما أصبح قال‏:‏ يا أخي أنت أنا فمن أنا ؛ وأضل بعيراً فجعل ينادي من وجده فهو له فقيل له‏:‏ فلم تنشده قال‏:‏ فأين حلاوة الوجدان وفي رواية‏:‏ من وجده فله عشرة فقيل له‏:‏ لم فعلت هذا قال‏:‏ للوجدان حلاوة في القلب‏.‏
واختصمت طفاوة وبنو راسب في رجل ادعى كل فريق أنه في عرافتهم فقال هبنقة‏:‏ حكمه أن يلقى في الماء فإن طفا فهو من طفاوة وإن رسب فهو من راسب‏.‏
فقال الرجل‏:‏ إن كان الحكم هذا فقد زهدت في الديوان‏.‏
وكان إذا رعى غنماً جعل يختار المراعي للسمان وينحي المهازيل ويقول‏:‏ لا أصلح ما أفسده الله‏.‏
أبو غبشان الأحمق‏:‏ ومنهم أبو غبشان وهو من خزاعة كان يلي الكعبة فاجتمع مع قصي بن كلاب بالطائف على الشرب فلما سكر اشترى منه قصي ولاية البيت بزق خمر وأخذ منه مفاتيحه وسار بها إلى مكة وقال‏:‏ يا معشر قريش هذه مفاتيح بيت أبيكم إسماعيل ودها الله عليكم من غير غدر ولا ظلم‏.‏
وأفاق أبو غبشان فندم فقيل‏:‏ أندم من أبي غبشان وأخسر من أبي غبشان وأحمق من أبي غبشان قال بعضهم‏:‏ البسيط‏:‏ باعت خزاعة بيت الله إذ سكرت بزق خمرٍ فبئست صفقة البادي باعت سدانتها بالخمر وانقرضت عن المقام وضل البيت والنادي ثم جاءت خزاعة فغالبوا قصياً فغلبهم‏.‏
عبد الله بن بيدرة الأحمق‏:‏ ومنهم شيخ مهو وهي قبيلة من عبد القيس واسمه عبد الله بن بيدرة وكانت إياد تعير بالفسو فقام رجل منهم بعكاظ ومعه بردا حبرة فنادى‏:‏ ألا إنني من إياد فمن يشتري مني عار الفسو ببردي هذين‏.‏ فقال عبد الله بن بيدرة فقال‏:‏ أنا‏.‏ واتزر بأحدهما وارتدى الآخر وأشهد الإيادي عليه أهل القبائل وانصرف عبد الله إلى قومه فقال‏:‏ جئتكم بعار الأبد فلزم العار بذلك عبد القيس‏.‏
عجل بن لجيم الأحمق‏:‏ ومنهم عجل بن لجيم بن صعب بن علي بن بكر بن وائل‏.‏
من حمقه أنه قيل له‏:‏ ما سميت فرسك فقام إليه ففقأ إحدى عينيه وقال‏:‏ سميته الأعور‏.‏
قال العنزي‏:‏ الطويل‏:‏ رمتني بنو عجلٍ بداء أبيهم وأي امرىءٍ في الناس أحمق من عجل ألبس أبوهم عار عين جواده فصارت به الأمثال تضرب بالجهل حمزة بن بيض الأحمق‏:‏ ومنهم حمزة بن بيض‏.‏
عن أبي طالب عمر بن إبراهيم أنه قال‏:‏ دعا حمزة بن بيض حجاماً وكان الحجام ثقيلاً كثير الكلام فلما أرهف المشاريط قال له‏:‏ الساعة توجعني‏.‏
قال‏:‏ لا‏.‏
قال‏:‏ فانصرف اليوم‏.‏
قال‏:‏ لا تفعل فإنك محتاج إلى إخراج الدم وذلك بين في وجهك وهي سنة نبوية قال‏:‏ انصرف وعد إلي غداً قال‏:‏ لست تدري ما يحدث إلى غد والمشاريط حادة وإنما هي لحظة‏.‏
قال‏:‏ إن كان كما تقول فاعطني فردة بيضة من خصيتك تكون في يدي رأينة إن أوجعتني أوجعتك‏.‏
فقام الحجام وقال‏:‏ أرى أن تدع الحجامة في هذا العام وانصرف‏.‏
عن محمد بن العلاء الكاتب أنه قال‏:‏ قال حمزة بن بيض لغلام له‏:‏ أي يوم صلينا الجمعة في الرصافة ففكر الغلام ساعة ثم قال‏:‏ يوم الثلاثاء‏.‏
وقيل لحمزة بن بيض‏:‏ كم تشرب من النبيذ قال‏:‏ أكثر من رطلين شيء‏.‏
أبو أسيد الأحمق‏:‏ ومنهم أبو أسيد‏.‏
عن محمد بن رجاء قال‏:‏ قال أبو أسيد وحدث بحديث‏:‏ كان ذلك في خلافة المهدي قبل موت المنصور‏.‏
وقال‏:‏ مر على أبي أسيد بعيران فقام قوم كانوا حوله‏:‏ ما أفرههما فقال أبو أسيد‏:‏ أحدهما أفره من الآخر قالوا‏:‏ أيهما أفره قال‏:‏ القدامي أفره من الأول‏.‏
وعزى أبا أسيد رجل عن مصيبته فقال له‏:‏ رزقنا الله مكافأتك‏.‏
وعن محمد بن عبد المطلب قال‏:‏ قال أبو أسيد ونظر إلى رجل نائم‏:‏ قم فكم تنام كأنك بعير ناد وقيل لأبي أسيد‏:‏ حدثنا عن ابن عمر فقال‏:‏ كان يحف شاربه حتى يبدو بياض إبطيه‏.‏
جحا الأحمق‏:‏ ومنهم جحا ويكنى أبا الغصن وقد روي عنه ما يدل على فطنة وذكاء إلا أن الغالب عليه التغفيل وقد قيل‏:‏ إن بعض من كان يعاديه وضع له حكايات والله أعلم‏.‏
عن مكي بن إبراهيم أنه يقول‏:‏ رأيت جحا رجلاً كيساً ظريفاً وهذا الذي يقال عنه مكذوب عليه وكان له جيران مخنثون يمازحهم ويمازحونه فوضعوا عليه‏.‏
من حماقات جحا‏:‏ وعن أبي بكر الكلبي أنه قال‏:‏ خرجت من البصرة فلما قدمت الكوفة إذا أنا بشيخ جالس في الشمس فقلت‏:‏ يا شيخ أين منزل الحكم فقال لي‏:‏ وراءك فرجعت إلى خلفي فقال‏:‏ يا سبحان الله‏!‏ أقول لك وراءك وترجل إلى خلفك‏.‏
أخبرني عكرمة عن ابن عباس في قوله تعالى‏:‏ ‏"‏ وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينةٍ غصباً ‏"‏ قال‏:‏ بين أيديهم فقلت‏:‏ أبو من قال‏:‏ أبو الغصن فقلت‏:‏ الاسم قال‏:‏ جحا‏.‏
وعن عباد بن صهيب قال‏:‏ قدمت الكوفة لأسمع من إسماعيل بن خالد فمررت بشيخ جالس فقلت‏:‏ يا شيخ كيف أمر إلى منزل إسماعيل بن خالد فقال‏:‏ إلى ورائك فقلت‏:‏ أرجع فقال‏:‏ أقول لك وراءك وترجع‏!‏ فقلت‏:‏ أليس ورائي خلفي قال‏:‏ لا‏.‏
قلت‏:‏ بالله من أنت يا شيخ قال‏:‏ أنا جحا قال المصنف‏:‏ وجمهور ما يروى عن جحا تغفيل نذكره كما سمعناه‏.‏
عن أبي الحسن قال رجل لجحا‏:‏ سمعت من داركم صراخاً قال‏:‏ سقط قميصي من فوق قال‏:‏ وإذا سقط من فوق قال‏:‏ يا أحمق لو كنت فيه أليس كنت قد وقعت معه وحكى أبو منصور الثعالبي في كتاب غرر النوادر قال‏:‏ تأذى أبو الغصن جحا بالريح مرة فقال يخاطبها‏:‏ ليس يعرفك إلا سليمان بن داود الذي حبسك حتى أكلت خراك‏.‏
وخرج يوماً من الحمام في يوم بارد فضربته الريح فمس خصيتيه فإذا إحدى بيضتيه قد تقلصت فرجع إلى الحمام وجعل يفتش الناس فقالوا‏:‏ ما لك فقال‏:‏ قد سرقت إحدى بيضتي ثم إنه دفىء وحمى فرجعت البيضة فلما وجدها سجد شكر لله قال‏:‏ كل شيء لا تأخذه اليد لا يفقد‏.‏
ومات جار له فأرسل إلى الحفار ليحفر له فجرى بينهما لجاج في أجرة الحفر فمضى جحا إلى السوق واشترى خشبة بدرهمين وجاء بها فسئل عنها فقال‏:‏ إن الحفار لا يحفر بأقل من خمسة دراهم وقد اشترينا هذه الخشبة بدرهمين لنصلبه عليها ونربح ثلاثة دراهم ويستريح من ضغطة القبر ومسألة منكر ونكير‏.‏
وحكي‏:‏ أن جحا تبخر يوماً فاحترقت ثيابه فغضب وقال‏:‏ والله لا تبخرت إلا عرياناً‏.‏
وهبت يوماً ريحٌ شديدةٌ فأقبل الناس يدعون الله ويتوبون فصاح جحا‏:‏ يا قوم لا تعجلوا بالتوبة وإنما هي زوبعة وتسكن‏.‏
وذكر أنه اجتمع على باب دار أبي جحا تراب كثير من هدم وغيره فقال أبوه‏:‏ الآن يلزمني الجيران برمي هذا التراب وأحتاج إلى مؤنة وما هو بالذي يصلح لضرب اللبن فما أدري ما أعمل به فقال له جحا‏:‏ إذا ذهب عنك هذا المقدار فليت شعري أي شيء تحسن فقال أبوه‏:‏ فعلمنا أنت ما تصنع به‏.‏
فقال‏:‏ يحفر له آبار ونكبسه فيها‏.‏
واشترى يوماً دقيقاً وحمله على حمال فهرب بالدقيق فلما كان بعد أيام رآه جحا فاستتر منه فقيل له‏:‏ ما لك فعلت كذا فقال‏:‏ أخاف أن يطلب مني كراه‏.‏
ووجهه أبوه ليشتري رأساً مشوياً فاشتراه وجلس في الطريق فأكل عينيه وأذنيه ولسانه ودماغه وحمل باقيه إلى أبيه فقال‏:‏ ويحك ما هذا فقال‏:‏ هو الرأس الذي طلبته‏.‏
قال‏:‏ فأين عيناه قال‏:‏ كان أعمى‏.‏
قال‏:‏ فأين أذناه قال‏:‏ كان أصم‏.‏
قال‏:‏ فأين لسانه قال‏:‏ كان أخرس‏.‏
قال‏:‏ فأين دماغه قال‏:‏ فكان أقرع قال‏:‏ ويحك رده وخذ بدله‏.‏
قال‏:‏ باعه صاحبه بالبراءة من كل عيب‏.‏
وحكي‏:‏ أن جحا دفن دراهم في صحراء وجعل علامتها سحابة تظلها‏.‏
ومات أبوه فقيل له‏:‏ اذهب واشتر الكفن فقال‏:‏ أخاف أن أشتري الكفن فتفوتني الصلاة عليه‏.‏
وحكي‏:‏ أن المهدي أحضره ليمزح معه فدعا بالنطع والسيف فلما أقعد في النطع قال للسياف‏:‏ أنظر لا تصب محاجمي فإني قد احتجمت‏.‏
ورأوه يوماً في السوق يعدوا فقالوا‏:‏ ما شأنك قال‏:‏ هلا مرت بكم جارية رجل مخضوب اللحية واجتاز يوماً بباب الجامع فقال‏:‏ ما هذا فقيل مسجد الجامع فقال‏:‏ رحم الله جامعاً ما أحسن ما بنى مسجده‏.‏

ومر بقوم وفي كمه خوخ فقال‏:‏ من أخبرني بما ي كمي فله أكبر خوخةٍ فقالوا‏:‏ خوخ فقال‏:‏ ما قال لكم هذا إلا من أمه زانية‏.‏

وسمع قائلاً يقول ما أحسن القمر فقال‏:‏ أي والله خاصة في الليل‏.‏

وقال له رجل‏:‏ أتحسن الحساب بإصبعك قال‏:‏ نعم قال‏:‏ خذ جريبين حنطة فعقد الخنصر والبنصر فقال له‏:‏ خذ جريبين شعيراً فعقد السبابة والإبهام وأقام الوسطى فقال الرجل لم أقمت الوسطى قال‏:‏ لئلا يختلط الحنطة بالشعير‏.‏

ومر يوماً بصبيان يلعبون ببازي ميت فاشتراه منهم بدرهم وحمله إلى البيت فقالت أمه‏:‏ ويحك ما تصنع به وهو ميت فقال لها‏:‏ أسكتي فلو كان حياً ما طمعت في شرائه بمائة درهم‏.‏
وخرج أبوخ مرة إلى مكة فقال له عند وداعه‏:‏ بالله لا تطل غيبتك واجتهد أن تكون عندنا في العيد لأجل الأضحية‏.‏
مزبد الأحمق‏:‏ ومنهم مزبد‏.‏
قال أبو زيد‏:‏ قيل لمزبد‏:‏ إن فلاناً الحفار قد مات فقال‏:‏ أبعده الله من حفر حفرة سوء وقع فيها‏.‏
وقال مزبد لرجل‏:‏ أيسرك أن تعطى ألف درهم وتسقط من فوق البيت قال‏:‏ لا قال مزبد‏:‏ وددت أنها لي وأسقط من فوق الثريا فقال له الرجل‏:‏ ويلك فإذا سقطت مت قال‏:‏ وما يدريك‏!‏ لعلي سقطت في التبانين أو على فرش زبيدة‏.‏
وقيل له‏:‏ أيسرك أن تكون هذه الجبة لك قال‏:‏ نعم وأضرب عشرين سوطاً قالوا‏:‏ ولم تقول هذا قال‏:‏ لأنه لا يكون شيء إلا بشيء‏.‏
أزهر الحمار الأحمق‏:‏ ومنهم أزهر الحمار كان جالساً بين يدي الأمير عمرو بن الليث يوماً يأكل بطيخاً فقال له عمرو‏:‏ كيف طعمه يا أزهر أحلو هو قال‏:‏ ما أكلت الخرا قط وقدم على الأمير عمرو رسول من عند السلطان فأحضر مائدته فقال لأزهر‏:‏ جملنا بسكوتك اليوم فسكت طويلاً ثم لم يصبر فقال‏:‏ بنيت في القرية برجاً ارتفاعه ألف خطوة فأومأ إليه حاجبه أن أسكت فقال له الرسول‏:‏ في عرض كم قال‏:‏ في عرض خطوة فقال له الرسول‏:‏ ما كان ارتفاعه ألف خطوة لا يكفي عرضه خطوة‏!‏ قال‏:‏ أردت أن أزيد فيه فمنعني هذا الواقف‏.‏
وقدم رسول آخر فقيل لأزهر‏:‏ لا تتكلم اليوم وتجمل لهذا الرسول فسكت ساعة فعطس الرسول فأراد أزهر أن يشمته فيقول يرحمك الله فقال‏:‏ صبحك الله فقال الأمير‏:‏ أليس قد قدمت إليك أن لا تتكلم‏!‏ فقال‏:‏ أردت أن لا يرجع الرسول إلى بغداد فيقول‏:‏ إن هؤلاء لا يعرفون وقال له الطبيب‏:‏ خذ رمانتين فاعصرهما بشحميهما واشرب ماءهما فعمد إلى رمانتين وقطعة شحم ودقهما ف موضع واحد وعصرهما وأخذ ماءهما فشربه‏.‏
أبو محمد الصيدلاني الأحمق‏:‏ ومنهم أبو محمد جامع الصيدلاني‏.‏
قال علي بن معاذ‏:‏ كتبت إلى جامع الصيدلاني كتاباً فكتب جوابه وجعل عنوانه‏:‏ إلى الذي كتب إلي‏.‏
وجاء إليه قوم في أمر حائط فقالوا‏:‏ يا أبا محمد منذ كم تعرف هذا الحائط فقال‏:‏ أعرفه منذ كان وهو صغير لفلان‏.‏

وقيل له يوماً‏:‏ كم سنة تعد فقال‏:‏ إحدى وسبعين سنة قيل له‏:‏ فمن تذكر من ولد العباس قال‏:‏ ايتاخ‏.‏

وركب زورقاً فأعطى الملاح قطعة فاستزاده فقال‏:‏ مسخني الله ذو أربع قوائم مثلك إن زدتك شيئاً‏.‏

ومضى إلى السوق ليشتري لابنه نعلاً فقيل له كم سنة فقال‏:‏ ما أدري ولكنه ولد أول ما جاء العنب الداراني ومحمد ابني استودعه الله أكبر منه بشهرين ونصف سنة‏.‏

وانبثق كنيف لجامع الصيدلاني فقال لغلامه‏:‏ بادر وأحضر من يصلحه حتى نتغدى به قبل أن يتعشى بنا‏.‏

وحج ابنه في بعض السنين فقال له‏:‏ يا بني أنت تعلم أنني لا أصبر عنك فأجهد نفسك أن لا تضحي إلا عندنا فإنك تعلم أن أمك لا تأكل شيئاً في العيد حتى تجيء من الصلاة‏.‏

أبو عبد الله الجصاص الأحمق‏:‏ ومنهم أبو عبد الله الجصاص‏.‏

حكي عنه أنه كان يوماً يأكل مع الوزير فلما فرغ من الأكل قال‏:‏ الحمد لله الذي لا يحلف بأعظم منه‏.‏

ونظر يوماً في المصحف وجعل يقول‏:‏ رخيص والله وهذا من فضل ربي آكل وأتمتع بدرهم وإذا في المصحف ‏"‏ ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ‏"‏ فصحّف ذرهم فظن أنه درهم‏.‏

ودخل ابن الجصاص يوماً على ابن الفرات الوزير الخاقاني وفي يده بطيخة كافور فأراد أن يعطيها الوزير ويبصق في دجلة فبصق في وجه الوزير ورمى البطيخة في دجلة فارتاع الوزير وانزعج ابن الجصاص وتحير وقال‏:‏ والله العظيم لقد أخطأت وغلطت أردت أن أبصق في وجهك وأرمي البطيخة في دجلة‏.‏

فقال له الوزير‏:‏ كذلك فعلت يا جاهل‏.‏

فغلط في الفعل وأخطأ في ونظر يوماً في المرآة فقال‏:‏ اللهم بيض وجوهنا يوم تبيض وجوه وسودها يوم تسود وجوه‏.‏

وقال يوماً‏:‏ أشتهي بغلة مثل بغلة النبي صلى الله عليه وسلم حتى أسميها دلدل‏.‏

وقال يوماً‏:‏ خريت على يدي فلو غسلتها ألف مرة لم تنظف حتى أغسلها مرتين‏.‏

ونظر يوماً في المرآة فقال لإنسان عنده‏:‏ ترى لحيتي طالت فقال له‏:‏ المرآة في يدك‏.‏
فقال‏:‏ صدقت ولكن الشاهد لا يرى ما لا يراه الغائب‏.‏

وكسر يوماً لوزاً فطارت لوزة فقال‏:‏ لا إله إلا الله كل شيء يهرب من الموت حتى البهائم‏.‏

وأهدى إلى العباس بن الأحنف الوزير نبقاً وكتب إليه‏:‏ تفيلت أن تبقى فأهديتك النبقا فكتب في جوابه‏:‏ ما تفيلت يا أبا عبد الله ولكن تبقرت‏.‏

وكان ابن الجصاص يسبح كل يوم فيقول‏:‏ نعوذ بالله من نعمه ونتوب إليه من إحسانه ونستقيله من عافيته ونسأله عوائق الأمور‏.‏

حسبي الله وأنبياؤه والثغور الكنائس سبحان الله قبل الله سبحان الله بعد الله‏.‏

وأتاه غلامه يوماً بفرخ فقال‏:‏ أنظروا إلى هذا الفرخ ما أشبهه بأمه ثم قال‏:‏ أمه ذكر أم أنثى واعتل مرة فقيل له‏:‏ كيف تجدك فقال‏:‏ الدنيا كلها محمومة‏.‏

وذكر محمد بن أحمد الترمذي قال‏:‏ كنت عند الزجاج أعزيه بأمه وعنده الخلق من الرؤساء والكتاب إذ أقبل ابن الجصاص فدخل ضاحكاً وهو يقول‏:‏ الحمد لله قد سرني والله يا أبا إسحاق فدهش الزجاج ومن حضر وقيل له‏:‏ يا هذا كيف سرك ما غمه وغمنا فقال‏:‏ ويحك بلغني أنه هو الذي مات فلما صح عندي أنها هي التي ماتت سرني ذلك‏.‏
فضحك الناس جميعاً‏.‏

وكتب ابن الجصاص إلى وكيل له يحمل إليه مائة من قطناً فحملها فلما حلجها خرج منها ربع الوزن فكتب إلى الوكيل‏:‏ لم يحصل من هذا القطن إلا خمسة وعشرون مناً فلا تزرع بعد هذا إلا قطناً محلوجاً وشيئاً من الصوف أيضاً‏.‏

ودخل يوماً بستاناً فثار به المرار فطلب بصلاً بخل ليطفىء المرار ولم يكن عند البستاني فقال له‏:‏ لم لم تزرع لنا بصلاً بخل‏.‏

وكان يوماً خلف الإمام فقال الإمام‏:‏ ‏"‏ ولا الضالين ‏"‏ فقال ابن الجصاص‏:‏ أي لعمري‏.‏

وكان إذا سبح يقول‏:‏ حسبي الله وحدي‏.‏

وقال يوماً‏:‏ ينبغي للإنسان أن يصير إلى المقابر ليغتاظ أراد يسير ليتعظ‏.‏

وقال يوماً‏:‏ كان الفأر يؤذينا في سقوفنا فوصف لي إنسان دواء فما سمعت لهم حسوه وأراد حساً‏.‏

وذكر يوماً ثلاثة أصناف من الثياب ثم قال‏:‏ إذا لبست واحدة من هؤلاء فما أبالي بغيرها‏.‏

وقدمت له هريسة من نعامة فاستطابها فقال‏:‏ كيف لو أكلتها بقرية أراد سكباجاً‏.‏

ومرض فقيل له‏:‏ لعلك تناولت شيئاً ضاراً فقال‏:‏ لا والله ما أكلت إلا مزورة بفرخ فروج‏.‏

وذكر بين يديه رجل فقال‏:‏ أخبرتني أمه أنه ولد أبوه وله ثمانون سنة‏.‏

وقدمت إليه اسفيداجة فقال لمن حوله‏:‏ كلوا فهذه أم القرى‏.‏

وقال يوماً‏:‏ قمت البارحة إلى المستراح وقد انطفأ القنديل فما زلت أتلمظ المقعدة حتى وجدتها‏.‏

ودخل يوماً على مريض فجلس عنده فشكا إليه الكتف فقال‏:‏ والله ما أغفل من وجع كتفي هذين وضرب بيديه على ركبتيه‏.‏

ابن الجصاص لم يكن أحمق‏:‏ وقد نقل عن ابن الجصاص ما يدل على أنه كان يقصد التطابع لا أنه كان بهذه المثابة‏.‏

عن علي بن أبي علي التنوخي عن أبيه قال‏:‏ اجتمعت ببغداد سنة ست وخمسين وثلاثمائة مع أبي علي بن أبي عبد الله بن الجصاص فرأيته شيخاً حسناً طيب المحاضرة فسألته عن الحكايات التي تنسب إلى أبيه مثل قوله خلف الإمام حين قرأنا ‏"‏ ولا الضالين ‏"‏ فقال‏:‏ أي لعمري بدلاً عن آمين ومثل قوله أراد أن يقبل رأس الوزير فقل له‏:‏ أفيه ذهب فقال‏:‏ لو كان في رأس الوزير خرا لقبلته ومثل قوله وقد وصف مصحفاً بالعتق فقال‏:‏ كسروي‏!‏ فقال‏:‏ أما أي لعمري ونحو هذا فكذب وما كان فيه علامة تخرجه إلى هذا وما كان إلا من أدهى الناس ولكنه يطلق بحضرة الوزراء قريباً مما يحكى عنه لسلامة طبع كان فيه ولأنه كان يحب أن يصور نفسه عندهم بصورة الأبله ليأمنه الوزراء لكثرة خلواته بالخلفاء فيسلم عليهم‏.‏

قصة الجصاص مع ابن الفرات‏:‏ وأنا أحدثك عنه حديثاً حدثنا به تعلم معه أنه كان في غاية الحزم فإنه حدثني فقال‏:‏ إن أبا الحسن بن الفرات لما ولي الوزارة قصدني قصداً قبيحاً فأنفذ العمال إلى ضياعي وأمر بقبض معاملاتي وبسط لسانه بثلبي وتنقصني في مجلسه فدخلت يوماً داره فسمعت حاجبه يقول وقد وليت‏:‏ أي بيت مال يمشي على وجه الأرض ليس له من يأخذه فقلت‏:‏ إن هذا من كلام صاحبه وإني مسلوب وكان عندي في ذلك الوقت سبعة آلاف دينار عيناً وجواهر سوى ما يحتويه عليه ملكي‏.‏

فهسرت ليلتي أفكر في أمري معه فوقع لي الرأي في الثلث الأخير فركبت إلى داره في الحال فوجدت الأبواب مغلقة فطرقتها فقال البوابون‏:‏ من هذا قلت‏:‏ ابن الجصاص‏.‏

فقالوا‏:‏ ليسوا هذا وقت وصول والوزير نائم فقلت‏:‏ عرفوا الحجاب إني حضرت في مهم فعرفوهم فخرج إلي أحدهم فقال‏:‏ إنه إلى ساعة ينتبه فيجلس فقلت‏:‏ الأمر أهم من ذاك فنبهه وعرفه عني فدخل وأبطأ ساعة ثم خرج وأدخلني إلى دار حتى انتهيت إلى مرقده وهو جالس على سرير له وحواليه نحو خمسين فراشاً وغلمان كأنهم حفة وهو مرتاع قد ظن أن حادثة حدثت وأني جئته برسالة الخليفة وهو متوقع لما أورده فقام فرفعني وقال‏:‏ ما الذي جاء بك في هذا الوقت هل حدثت حادثة أو معك من الخليفة رسالة قلت‏:‏ خير ما حدثت حادثة ولا معي رسالة ولا جئت إلا في أمر يخصني ويخص الوزير ولم تصلح المفاوضة فيه إلا على خلوة‏.‏

فسكن وقال لمن حوله‏:‏ انصرفوا‏.‏

فمضوا وقال‏:‏ هات قلت‏:‏ أيها الوزير إنك قد قصدتني أقبح قصد وشرعت في هلاكي وإزالة نعمتي وفي إزالتها خروج نفسي وليس عن النفس عوض ولعمري إني أسأت في خدمتك وقد كان في هذا التقويم بلاغ وجد عندي وقد اجتهدت في إصلاحك بكل ما قدرت عليه وأبيت إلا الإقامة على إيذائي وليس شيء أضعف في الدنيا من السنور وإذا عوينت في دكان البقال وظفر صاحبها بها ولزها إلى زاوية ليخنقها وثبت عليه فخدشت وجهه وبدنه ومزقت ثيابه وطلبت الحياة بكل ما يمكنها وقد وجدت نفسي معك في هذه الصورة ولست أضعف من السنور بطشاً وقد جعلت هذا الكلام عذراً بيناً فإن نزلت تحت حكمي في الصلح وإلا فعلي وعلي وحلفت أيماناً مغلظة لأقصدن الخليفة الساعة ولأحولن إليه من خزائني ألفي ألف دينار عيناً وورقاً ولا أصبح إلا وهي عنده وأنت تعلم قدرتي عليها وأقول خذ هذا المال وسلم ابن الفرات إلى فلان واستوزره وأذكر له أقرب من يقع في نفسي أنه يجيب إلى تقليده ممن له وجه مقبول ولسان عذب وخط حسن ولا أعتمد إلا على بعض كتابك فإنه لا يفرق بينك وبينهم إذا رأى المال حاضراً فيسلمك في الحال ويراني المتقلد بعين من أخذه وهو صغير فجعله وزيراً وغرم عليه هذا المال الكثير فيخدمني ويتدبر برأيي وأسلمك إليه فيفرغ عليك العذاب حتى يأخذ ألفي ألف الدينار منك بأسرها وانت تعلم أن حالك تفي بهذا ولكنك تفتقر بعدها ويرجع المال إلي ولا يذهب مني شيء وأكون قد أهلكت عدوي وشفيت غيظي واسترجعت مالي وصفت نعمتي وزاد محلي بصرفي وزيراً وتقليدي وزيراً‏.‏

فلما سمع هذا الكلام سقط في يده وقال‏:‏ يا عدو الله أو تستحل هذا قلت‏:‏ لست عدواً لله بل عدو الله من استحل مني هذا الذي أخرجني إلى الفكر في مثل هذا ولم لا أستحل مكروه من أراد هلاكي وزوال نعمتي فقال‏:‏ أو إيش فقلت‏:‏ أن تحلف الساعة بما استحلفك به من الأيمان المغلظة أنك تكون لي لا علي في صغير أمري وكبيره ولا تنقص لي رسماً ولا تغير لي معاملة ولا تدس علي المكاره ولا تشر لي في سوء أبداً ظاهراً ولا باطناً فقال‏:‏ وتحلف أنت أيضاً لي بمثل هذا اليمين على جميل النية وحسن الطاعة والمؤازرة فقلت‏:‏ افعل فقال‏:‏ لعنك الله فما أنت إلا إبليس والله لقد سحرتني‏.‏

واستدعى دواة وعملنا نسخة يمين فأحلفته أولاً بها ثم حلفت له فلما أردت القيام قال‏:‏ يا أبا عبد الله لقد عظمت في نفسي وخففت ثقلاً عني والله ما كان المقتدر يفرق بين كفاءتي وبين أخس كتابي مع المال الحاضر فليكن ما جرى مطوياً‏.‏

فقلت‏:‏ سبحان الله‏.‏

فقال‏:‏ إذا كان غداً فصر إلى المجلس لتر ما أعاملك به فنهضت فقال‏:‏ يا غلمان بأسركم بين يدي أبي عبد الله فخرج بين يدي نحو مائتي غلام وعدت إلى داري ولما طلع الفجر واسترحت جئته في المجلس فعرفني الذين كانوا بحضرته وعرفهم ما جرى من التفريط التام وعاملني بما شاهده الحاضرون وأمر بإنشاء الكتب إلى عمال النواحي بإعزازي وإعزاز وكلاتي وعمالي وصيانة أسبابي وضياعي‏.‏

فشكرت الله وقمت فقال‏:‏ يا غلمان بين يديه‏.‏

فخرج الحجاب يجردون سيوفهم بين يدي والناس يعجبون ولم يعلم أحد سبب ذلك فما حدثت بذلك إلا بعد القبض عليه‏.‏

قال لي أبو علي‏:‏ هل هذا فعل من يحكى عنه تلك الحكايات قلت‏:‏ لا‏.‏

وقد حكى التنوخي إن ابن الجصاص صودر في أيام المقتدر فارتفعت مصادراته سوى ما بقي له من الظاهر وكانت ستة آلاف ألف دينار‏.‏

قال التنوخي‏:‏ وحدثني أبو محمد عبد الله بن أحمد بن مكرم قال‏:‏ حدثني بعض شيوخنا قال‏:‏ كنا بحضرة أبي عمرو القاضي فجرى ذكر ابن الجصاص وغفلته فقال أبو عمرو‏:‏ معاذ الله ما هو كما يقال عنه ولقد كنت عنده منذ أيام وفي صحن داره سرادق مضروب فجلسنا بالقرب منه نتحدث فإذا بصرير نعل من خلف السرادق فقال‏:‏ يا غلام جئني بصاحب هذا النعل فأخرجت إليه جارية سوداء فقال‏:‏ ما كنت تصنعين ها هنا قالت‏:‏ جئت إلى الخادم أعرفه أني قد فرغت من الطبيخ وأستأذن في تقديمه فقال‏:‏ انصرفي لشأنك فعلمت أنه أراد يعرفني بذلك الوطء إنه وطء جارية سوداء مبتذلة وأنها ليست من حرمه فهل يكون هذا من التغفيل‏.‏

الجصاص يدلي بنصيحة تدل على العقل البالغ‏:‏ عن أبي القاسم علي بن المحسن التنوخي عن أبيه قال‏:‏ حدثني أبو القاسم الجهني قال‏:‏ كنت بحضرة أبي الحسن بن الفرات وابن الجصاص حاضر فذكروا ما يعتقده الناس لأولادهم فقال ابن الفرات‏:‏ ما أجل ما يعتقده الناس لأعقابهم فقال من حضر‏:‏ الضياع وقال بعضهم‏:‏ العقار وقال بعضهم‏:‏ العقار الصامت وقال بعضهم‏:‏ الجوهر الخفيف الثمين‏.‏

في ذكر أخبار جماعة من العقلاء صدرت عنهم أفعال الحمقى وأصروا عليها مستصوبين لها فصاروا بذلك الإصرار حمقى ومغفلين
أول العقلاء الحمقى إبليس فأول القوم إبليس فإنه كان متعبداً مؤذناً للملائكة فظهر منه من الحمق والغفلة ما يزيد على كل مغفل فإنه لما رأى آدم مخلوقاً من طين أضمر في نفسه لئن فضلت عليه لأهلكنه ولئن فضل علي لأعصينه‏.‏

ولو تدبر الأمر لعلم أنه كان الاختيار قد سبق لآدم لم يطق مغالبته بحيلة ولكنه جهل القدر ونسي المقدار‏.‏

اعتض على حكمة الله‏:‏ ثم لو وقف على هذه الحالة لكان الأمر يحمل على الحسد ولكنه خرج إلى الاعتراض على المالك بالتخطئة للحكمة فقال‏:‏ ‏"‏ أرأيتك هذا الذي كرمت علي ‏"‏ والمعنى لم كرمته ثم زعم أنه أفضل من آدم بقوله‏:‏ ‏"‏ خلقتني من نارٍ وخلقته من طين ‏"‏ ومجموع المندرج في كلامه‏:‏ أني أحكم من الحكيم وأعلم من العليم وأن الذي فعله من تقديم آدم ليس بصواب هذا وهو يعلم أن علمه مستفادٌ من العالم الأكبر فكأنه يقول‏:‏ يا من علمني أنا أعلم منك ويا من قدر تفضيل هذا علي ما فعلت صواباً‏.‏

رضي بإهلاك نفسه‏:‏ فلما أعيته الحيل رضي بإهلاك نفسه فأوثق عقد إصراره ثم أخذ يجتهد في إهلاك غيره ويقول لأغوينهم وجهله في قوله ‏"‏ لأغوينهم ‏"‏ من وجهين أحدهما‏:‏ أنه أخرج ذلك مخرج القاصد لتأثر المعاقب له وجهل أن الحق سبحانه لا يتأثر ولا يؤذيه شيءٌ ولا ينفعه لأنه الغني بنفسه‏.‏

والثاني‏:‏ نسي أنه من أريد حفظه لم يقدر على إغوائه ثم انتبه لذلك فقال‏:‏ ‏"‏ إلا عبادك منهم المخلصين ‏"‏ فإذا كان فعله لا يؤثر وإضلاله لا يكون لمن قدرت له الهداية فقد ذهب علمه باطلاً‏.‏

رضي إبليس بالخساسة‏:‏ ثم رضي لخساسة همته بمدة يسيرة يعلم سرعة انقضائها فقال‏:‏ ‏"‏ انظرني إلى يوم يبعثون ‏"‏ وصارت لذته في إيقاع العاصي بالذنب كأنه يغيظ بذلك ولجهله بالحق أنه يتأثر ثم نسي قرب عقابه الدائم فلا غفلة كغفلته ولا جهالة كجهالته وما أعجب قول القائل في إبليس‏:‏ الرجز‏:‏ عجبت من إبليس في نخوته وخبث ما أظهر من نيته تاه على آدم في سجدةٍ وصار قواداً لذريته ابن الراوندي الفيلسوف الأحمق‏:‏ وما رأيت من غير إبليس وزاد عليه في الجنون والتغفيل مثل أبيالحسين ابن الراوندي فإن له كتباً يزري فيها على الأنبياء عليهم السلام ويشتمهم ثم عمل كتاباً يرد فيه على القرآن ويبين أن فيه لحناً وقد علم أن هذا الكتاب العزيز قد عاداه خلق كثير ما فيهم من تعرض لذلك منه ولا زعم أنه استدرك على الفصحاء‏:‏ فاستدرك هو بزعمه على الفصحاء كلهم‏.‏

ثم عمل كتاب الدامغ فأنا أستعصم أن أذكر بعض ما ذكر فيه من التعريض للرد على الخالق سبحانه وذكر إياه بأقبح ما يذكر به آدمي مثل أن يقول‏:‏ منه الظلم ومنه الشر في عبارات أقبح من هذه قد ذكرت بعضها في التاريخ فالعجب ممن يعترض على الخالق بعد إثباته‏.‏

فأما الجاحد فقد استراح أتراه خلق لهؤلاء عقولاً كاملة وفي صفاته هو نقص تعالى الله عن تغفيل هؤلاء‏.‏

غفلة قابيل‏:‏ فصل ثم اتبع إبليس في الغفلة والحمق قابيل فإن من أعظم التغفيل قوله لمن قبله قربانه ‏"‏ لأقتلنك ‏"‏ وهذا من أسمج الأشياء لأنه لو فهم لنظر سبب قبول قربان أخيه ورد قربانه ثم من التغفيل أنه حمل على ظهره ولم يهتد لدفنه‏.‏

القرآن الكريم حدثنا عن بعض المغفلين‏:‏ ومثل هذا التغفيل ‏"‏ حرقوه وانصروا آلهتكم ‏"‏ ومثله ‏"‏ أن امشوا واصبروا على آلهتكم ‏"‏ ومن جنسه ‏"‏ أنا أحيي وأميت ‏"‏‏.‏

ومثله ‏"‏ أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي ‏"‏‏.‏

فافتخر بساقية لا هو أجراها ولا يدري منتهاها ولا مبتداها ونسي أمثالها مما ليس تحت حكمه وليس في الحمق أعظم من ادعاء فرعون أنه الإله‏.‏

إبليس عند فرعون‏:‏ قد ضرب الحكماء له مثلاً فقالوا‏:‏ أدخل إبليس على فرعون فقال‏:‏ من أنت قال‏:‏ إبليس قال‏:‏ ما جاء بك قال‏:‏ جئت أنظر إليك فأعجب من جنونك قال‏:‏ وكيف قال‏:‏ أنا عاديت مخلوقاً مثلي وامتنعت من السجود له فطردت ولعنت وأنت تدعي أنك أنت الإله‏!‏ هذا والله الجنون البارد‏.‏

اتخاذ الأصنام تغفيل‏:‏ ومن أعجب التغفيل اتخاذ الأصنام آلهة فالإله ينبغي أن يفعل لا أن يفعل‏.‏

ومن التغفيل بنيان نمرود الصرح ثم رميه بنشابه ليقتل بزعمه إله السماء أتراه لو كان خصمه في مكان فرأى قوساً تصرف إخوة يوسف تغفيل‏:‏ ومن أعظم التغفيل ما جرى لإخوة يوسف في قولهم ‏"‏ أكله الذئب ‏"‏ ولم يشقوا قميصه وقصتهم مع يوسف في قوله إن الصاع يخبرني بكذا وكذا‏.‏

ومن التغفيل ادعاء هاروت وماروت الإستعصام عن الوقوع في الذنب ومقاومة الأقدار فلما نزلا من السماء على تلك النية نزلا‏.‏

تغفيل بني إسرائيل‏:‏ ومن عجيب التغفيل قول بني إسرائيل لموسى وقد جاوز بهم البحر‏:‏ ‏"‏ اجعل لنا إلهاً ‏"‏ وقول النصارى إن عيسى إله أو ابن إله ثم يقرون أن اليهود صلبوه فادعاؤهم الإلهية في بشر لم يكن فكان ولا يبقى إلا بأكل الطعام‏!‏ والآله من قامت به الأشياء لا من قام بها فظنهم أنه ابن الإله والبنوة تقتضي البعضية والمثلية وكلاهما مستحيل على الإله وقولهم إنه قتل وصلب فيقرون عليه بالعجز عن الدفع عن نفسه وكل هذه الأشياء تغفيل قبيح‏.‏

اعتقاد المشبهة تغفيل‏:‏ ومن أعجب التغفيل اعتقاد المشبهة الذين يزعمون أن المعبود ذو أبعاض وجوارح وأنه يشبه خلقه مع علمهم أن المؤلف لا بد له من مؤلف‏.‏

ومن أعجب التغفيل‏:‏ أن الرافضة يعلمون إقرار علي على بيعة أبي بكر وعمر واستيلاده الحنفية من سبي أبي بكر وتزويجه أم كلثوم ابنته من عمر وكل ذلك دليل على رضاه ببيعتهما ثم فيهم من يكفرهما وفيهم من يسبهما يطلبون بذلك على زعمهم حب علي وموافقته وقد تركوها وراء ظهورهم‏.‏

ومثل هذا الجنس كثير إذ تتبعته رأيته وإنما أشرنا بهذه النبذة إليه ليفكر في جنسه ولم نر بسط القصص فيه لأن المقصود الأكبر في هذا الكتاب غير ذلك‏.‏

عن أحمد بن حنبل أنه قال‏:‏ لو جاءني رجل فقال‏:‏ إني قد حلفت بالطلاق أن لا أكلم يومي هذا أحمق فكلم رافضياً أو نصرانياً لقلت‏:‏ ما حنث‏.‏
قال‏:‏ فقال له الدينوري‏:‏ أعزك الله تعالى لم صارا أحمقين قال‏:‏ لأنهما خالفا الصادقين عندهما أما الصادق الأول فإنه المسيح عليه السلام قال للنصارى ‏"‏ اعبدوا الله ‏"‏ وقال‏:‏ ‏"‏ إني عبد الله ‏"‏ فقالوا‏:‏ لا ليس هو بعبد بل هو إله‏.‏
وأما علي رضي الله عنه فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لأبي بكر وعمر‏:‏ ‏"‏ هذان سيدا كهول أهل الجنة ‏"‏ ثم سبهما هذا وتبرأ منهما هذا‏.‏

تغفيل عابد قديم‏:‏ هذا ومن أعجب تغفيل القدماء ما روي عن جابر بن عبد الله أنه قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ تعبد رجل في صومعة فأمطرت السماء فأعشبت الأرض فرأى حماراً يرعى فقال‏:‏ يا رب لو كان لك حماراً رعيته مع حماري فبلغ ذلك نبياً من أنبياء بني إسرائيل فأراد أن يدعو عليه فأوحى الله تعالى إليه إنما أجزي العباد على قدر عقولهم ‏"‏‏.‏

تغفيل غير مقصود‏:‏ فصل وقد جرى من خلق كثير من العقلاء ما يشبه التغفيل إلا أنهم لم يقصدوا ذلك فذكرت منهم طرفاً لشبهه بالتغفيل‏.‏

فمن ذلك ما حكي عن بعض المغنين قال‏:‏ حضرت عند أمير لأغنيه فجرى حديث بعض الوزراء فذكرت من محاسنه وكرمه شيئاً لأحركه به ليفعل مثله ثم غنيته‏:‏ الطويل‏:‏ قواصد كافور توارك غيره ومن قصد البحر استقل السواقيا فقال لي‏:‏ قبحك الله ما هذه المعاشرة فاستيقظت وحلفت أني ما قصدته‏.‏

ومثل هذا ما جرى لعبد الله بن حسن فإنه كان يساير السفاح وينظر إلى مدينته التي بناها ظاهر مدينة ألم تر مالكاً أضحى يبني بيوتاً نفعها لبني بقيلة يرجى أن يعمر عمر نوح وأمر الله يأتي كل ليلة فغضب فاعتذر إليه‏.‏

وبينا عيسى بن موسى يساير أبا مسلم يوم إدخاله على المنصور تمثل عيسى فقال‏:‏ الطويل‏:‏ سيأتيك ما أفنى القرون التي مضت وما حل في أكباد عاد وجرهم فقال أبو مسلم‏:‏ هذا مع الأمان الذي أعطيت فقال عيسى‏:‏ اعتقت ما أملك إن كان هذا شيئاً أضمرته‏.‏

ثلاث غفلات لجارية الأمين‏:‏ ولما حوصر الأمين قال لجاريته‏:‏ غني فغنت الطويل‏:‏ كليب لعمري كان أكثر ناصراً وأيسر جرماً منك ضرج بالدم فاشتد ذلك عليه ثم قال غني غير هذا‏.‏

فغنت‏:‏ البسيط‏:‏ شكت فراقهم عيني فأرقها إن التفرق للأحباب بكاء فقال‏:‏ لعنك الله أما تعرفين غير هذا فغنت‏:‏ البسيط‏:‏ إلا لنقل السلطان من ملكٍ قد غاب تحت الثرى إلى ملك فقال‏:‏ قومي فقامت فعثرت بقدح بلور فكسرته فإذا قائل يقول‏:‏ ‏"‏ قضي الأمر الذي فيه تستفتيان ‏"‏‏.‏

ولما دخل المأمون على زبيدة ليعزيها في الأمين قالت‏:‏ أرأيت أن تسليني في غدائك اليوم عندي فتغدى وأخرجت إليه من جواري الأمين من تغنيه فغنت‏:‏ الطويل‏:‏ هم قتلوه كي يكونوا مكانه كما فعلت يوماً بكسرى مرازبه فوثب مغضباً فقالت له‏:‏ يا أمير المؤمنين حرمني الله أجره إن كنت علمت أو دسست إليها فصدقها‏.‏

المعتصم يتطير من قول شاعر‏:‏ ولما فرغ المعتصم من بناء قصره دخل الناس عليه فاستأذنه إسحاق بن إبراهيم أن ينشده شعراً في صفته وصفة المجلس أوله‏:‏ الكامل‏:‏ يا دار غيرك البلى ومحاك يا ليت شعري ما الذي أبلاك فتطير المعتصم وعجب الناس من إسحاق كيف فعل هذا مع فهمه فقاموا وخرب القصر وما وأنشد الصاحب بن عباد عضد الدولة مديحاً له من قصيدة يقول فيها‏:‏ الطويل‏:‏ ضممت على أبناء تغلب تاءها فتغلب ما كر الجديدان تغلب فتطير عضد الدولة من قول تغلب وقال‏:‏ نعوذ بالله فتيقظ الصاحب لقوله وتغير لونه‏.‏

وقال إسحاق المهلبي‏:‏ دخلت على الواثق فقال‏:‏ غنني صوتاً عربياً فقلت‏:‏ السريع‏:‏ يا دار إن كان البلى محاك فإنه يعجبني أراك قال فتبينت الكراهية في وجهه وندمت‏.‏

الشاعر العجلي يوجأ في عنقه لغفلته‏:‏ ودخل أبو النجم العجلي على هشام بن عبد الملك فأنشده أبياتاً حتى بلغ فيها ذكر الشمس فقال‏:‏ ‏"‏ وهي على الأفق كعين الأحول ‏"‏ فأمر أن يوجأ في عنقه وأخرج‏.‏

أرطاة يخطىء خطأً غير مقصود‏:‏ ودخل أرطأة على عبد الملك بن مروان وكان شيخاً كبيراً فاستنشده ما قاله في طول عمره فأنشده‏:‏ الوافر‏:‏ رأيت المرء تأكله الليالي كأكل الأرض ساقطة الحديد فاعلم أنها ستكر حتى توفي نذرها بأبي الوليد فارتاع عبد الملك وظن أنه عناه وعلم أرطأة أنه زل فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين إني أكنى بأبي الوليد وصدقه الحاضرون‏.‏

ذو الرمة عند عبد الملك‏:‏ ودخل ذو الرمة على عبد الملك فأنشده‏:‏ البسيط‏:‏ ما بال عينيك منها الدمع ينسكب كأنه من كلى مفرية سرب واتفق أن عيني عبد الملك كانت تسيلان فظن أنه عرض به فغضب وقطع إنشاده وأخرجه‏.‏

ودخل شاعر على طاهر بن عبد الله فأنشده‏:‏ الخفيف‏:‏ شب بالإبل من عزيزة نار أوقدتها وأين منك المزار وكان اسم والدة طاهر عزيزة فتغامز الحاضرون وأعلموه بهفوته فأمسك‏.‏

غفلة شاعر في حضرة عقبة بن مسلم‏:‏ ودخل رجل على عقبة بن مسلم الأزدي فأنشده‏:‏ المديد‏:‏ يا ابنة الأزدي قلبي كئيبٌ مستهامٌ عندكم ما يؤوب فتغير وجه عقبة فنظر الشاعر فقطع‏.‏

أسرجوا العلوي‏:‏ ودخل الرئيس أبو علي العلوي يوماً على بعض الرؤساء فتحادثا فجءا غلام لذلك الرجل فقال‏:‏ يا سيدي أي الخيل نسرج اليوم فقال‏:‏ اسرجوا العلوي‏.‏

فقال له أبو علي‏:‏ أحسن اللفظ يا سيدي فاستحيا وقال‏:‏ هفوة‏.‏

المشاكلة اللفظية تسبب الأزمات‏:‏ واجتاز المرتضى أبو القاسم نقيب العلويين يوم جمعة على باب جامع المنصور عند المكان الذي يباع فيه الغنم فسمع المنادي يقول‏:‏ نبيع هذا التيس العلوي بدينار فظن أنه قصده بذلك فعاد متألماً من المنادي فكشف عن الحال فوجد أن التيس إن كان في رقبته حلمتان سمي علوياً نسبة لشعرتي العلوي المسبلتين على رقبته‏.‏

ونحو هذا ما جرى لأبي الفرج العلوي فإنه كان أعرج أحول فسمع منادياً ينادي على تيس‏:‏ كم عليكم في هذا العلوي الأعرج الأحول فلم يشك أنه عناه فراغ عليه ضرباً إلى أن تبين أن التيس أحول أعرج فضحك الحاضرون مما اتفق‏.‏

أراد أن يمدحه فذمه‏:‏ وقال أبو الحسن الصابىء‏:‏ دخل بعض أصدقائنا إلى رجل قد ابتاع داراً في جواره فسلم عليه وأظهر الأنس بقربه وقال‏:‏ هذه الدار كانت لصديقنا وأخينا إلا أنك بحمد الله أوفى منة وكرماً وأوسع نفساً وصدراً والحمد لله الذي بدلنا به من هو خيرٌ منه وأنشد‏:‏ بدل بالبازي غرابٌ أبقع‏.‏

فضحك منه الرجل حتى استلقى وخجل وصارت نادرة يولع الرجل بها‏.‏

في ذكر المغفلين من الأعراب :


الأعرابي والخياط‏:‏ عن أبي عثمان المازني أنه قال‏:‏ قدم أعرابي على بعض أقاربه بالبصرة فدفعوا له ثوباً ليقطع منه قميصاً فدفع الثوب إلى الخياط فقدر عليه ثم خرق منه قال‏:‏ لم خرقت ثوبي قال‏:‏ لا يجوز خياطته إلا بتخريقه وكان مع الأعرابي هراوة من أرزن فشج بها الخياط فرمى بالثوب وهرب فتبعه الأعرابي وأنشد يقول‏:‏ الكامل‏:‏ ما إن رأيت ولا سمعت بمثله فيما مضى من سالف الأحقاب من فعل علج جئته ليخيط لي ثوباً فخرقه كفعل مصاب فعلوته بهراوةٍ كانت معي فسعى وأدبر هارباً للباب أيشق ثوبي ثم يقعد آمناً كلا ومنزل سورة الأحزاب الكريم لا يرجع في هبته‏:‏ وعن الأصمعي أنه قال‏:‏ مررت بأعرابي يصلي بالناس فصليت معه فقرأ والشمس وضحاها والقمر إذا تلاها كلمة بلغت منتهاها لن يدخل النار ولن يراها رجل نهى النفس عن هواها فقلت له‏:‏ ليس هذا من كتاب الله قال‏:‏ فعلمني فعلمته الفاتحة والإخلاص ثم مررت بعد أيام فإذا هو يقرأ الفاتحة وحدها فقلت له‏:‏ ما للسورة الأخرى قال‏:‏ وهبتها لابن عم لي والكريم لا يرجع في هبته‏.‏

أعرابي يؤم في البادية‏:‏ وعنه أنه قال‏:‏ كنت في البادية فإذا بأعرابي تقدم فقال‏:‏ الله أكبر سبح اسم ربك الأعلى الذي أخرج المرعى أخرج منها تيساً أحوى ينزو على المعزى ثم قام في الثانية فقال‏:‏ وثب الذئب على الشاة الوسطى وسوف يأخذها تارة أخرى‏.‏

أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى ألا بلى ألا بلى فلما فرغ قال‏:‏ اللهم لك عفرت جبيني وإليك مددت يميني فانظر ماذا تعطيني‏.‏

أعرابي يؤدب أمه‏:‏ وعنه قال‏:‏ رأيت أعرابياً يضرب أمه فقلت‏:‏ يا هذا أتضرب أمك فقال‏:‏ أسكت فإني أريد أن تنشأ على أدبي‏.‏

دعاء أعرابي حول الكعبة‏:‏ وعنه أنه قال‏:‏ حج أعرابي فدخل مكة قبل الناس وتعلق بأستار الكعبة وقال‏:‏ اللهم اغفر لي قبل أن يدهمك الناس‏.‏

أصحاب النحو زنادقة‏:‏ وعن أبي الزناد قال‏:‏ جاء أعرابي إلى المدينة فجالس أهل الفقه ثم تركهم ثم جالس أصحاب النحو فسمعهم يقولون نكرة ومعرفة فقال‏:‏ يا أعداء الله يا زنادقة‏.‏

وعن العلاء بن سعيد قال‏:‏ قعد طائي وطائية في الشمس فقالت له امرأته‏:‏ والله لئن ترحل الحي غداً لأتبعن قماشهم وأصوافهم ثم لأنفشنه ولأغسلنه ولأغزلنه ثم لأبعثنه إلى بعض الأمصار فيباع وأشتري بثمنه بكراً فأرتحل عليه مع الحي إذا ترحلوا قال الوج‏:‏ أفتراك الآن تاركتني وابني بالعراء قالت‏:‏ أي والله قال‏:‏ كلا والله وما زال الكلام بينهما حتى قام يضربها فأقبلت أمها فقالت‏:‏ ما شأنكم وصرخت‏:‏ يا آل فلانة أفتضرب ابنتي على كد يديها ورزق رزقها الله فاجتمع الحي فقالوا‏:‏ ما شأنكم فأخبروهم بالخبر‏!‏‏!‏ فقالوا‏:‏ ويلكم القوم لم يرحلوا وقد تعجلتم الخصومة‏.‏

طلق امرأته لوجه الله‏:‏ وعن الأصمعي قال‏:‏ خرج قوم من قريش إلى أرضهم وخرج معهم رجل من بني غفار فأصابهم ريح عاصف يئسوا معها من الحياة ثم سلموا فأعتق كل رجل منهم مملوكاً فقال ذلك الأعرابي‏:‏ اللهم لا مملوك لي أعتقه ولكن امرأتي طالق لوجهك ثلاثاً‏.‏

أعرابي يعمل في معمل للذهب‏:‏ وكان رجل من الأعراب يعمل في معمل للذهب فلم يصب شيئاً فأنشأ يقول‏:‏ الرجز‏:‏ صفراء تجلو كسل النعاس فضربته عقرب صفراء سهرته طول الليلة وجعل يقول‏:‏ يا رب الذنب لي إذ لم أبين لك ما أريده اللهم لك الحمد والشكر فقيل له‏:‏ ما تصنع أما سمعت قول الله تعالى ‏"‏ لئن شكرتم لأزيدنكم ‏"‏‏:‏ فوثب جزعاً وقال‏:‏ لا شكراً لا شكراً‏.‏

الأعرابي وقراءة القرآن‏:‏ وسئل أعرابي هل تقرأ من القرآن شيئاً فقرأ أم الكتاب والإخلاص فأجاد فسئل هل تقرأ شيئاً غيرهما فقال‏:‏ أما شيئاً أرضاه لك فلا‏.‏

يعتذر من صلاته قاعداً‏:‏ قال الأصمعي‏:‏ ورأيت أعرابياً يصلي في الشتاء قاعداً ويقول‏:‏ الطويل‏:‏ إليك اعتذاري من صلاتي قاعداً على غير طهرٍ مومياً نحو قبلتي فما لي ببرد الماء يا رب طاقةٌ ورجلاي لا تقوى على طي ركبتي ولكنني أقضيه يا رب جاهداً وأقضيكه إن عشت في وجه صيفتي وإن أنا لم أفعل فأنت محكم إلهي في صفعي وفي نتف لحيتي وعض ثعلب أعرابياً فأتى راقياً فقال الراقي‏:‏ ما عضك فقال‏:‏ كلب واستحى أن يقول ثعلب فلما ابتدأ بالرقية قال‏:‏ وأخلط بها شيئاً من رقية الثعالب‏.‏

وقال بعض الأعراب‏:‏ لنا تمر تضع التمرة في فيك فتبلغ حلاوتها إلى كعبك‏.‏

أرسل غيره وأرحنا‏:‏ وقرأ إمام في صلاته‏:‏ ‏"‏ إنا أرسلنا نوحاً إلى قومه ‏"‏ فأرتج عليه وكان خلفه أعرابي فقال‏:‏ لم يذهب نوح فأرسل غيره وأرحنا‏.‏

أكره أن أثقل على ربي‏:‏ وكان أعرابي يقول‏:‏ اللهم اغفر لي وحدي فقيل له‏:‏ لو عممت بدعائك فإن الله واسع المغفرة فقال‏:‏ أكره أن أثقل على ربي‏.‏

أدعو لأمي لا لأبي‏:‏ دعا أعرابي بمكة لأمه فقيل له‏:‏ ما بال أبيك قال‏:‏ ذاك رجل يحتال لنفسه‏.‏

مناجاة أعرابي عند الكعبة‏:‏ وقيل إن محمد بن علي عليه السلام رأى في الطواف أعرابياً عليه ثياب رثة وهو شاخص نحو الكعبة لا يصنع شيئاً ثم دنا من الأستار فتعلق بها ورفع رأسه إلى السماء وأنشأ يقول‏:‏ الطويل‏:‏ أما تستحي مني وقد قمت شاخصاً أناجيك يا ربي وأنت عليم فإن تكسني يا رب خفاً وفروة أصلي صلاتي دائماً وأصوم وإن تكن الأخرى على حال ما أرى فمن ذا على ترك الصلاة يلوم أترزق أولاد العلوج وقد طغوا وتترك شيخاً والداه تميم فدعا به وخلع عليه فروة وعمامة وأعطاه عشرة آلاف درهم وحمله على فرس فلما كان العام الثاني جاء الحج وعليه كسوة جميلة وحال مستقيم فقال له‏:‏ أعرابي رأيتك في العام الماضي بأسوأ حالٍ وأراك الآن ذا بزة حسنة وجمال فقال‏:‏ إني عاتبت كريماً فأغنيت‏.‏

مغفل يعاتب ربه‏:‏ وكان لبعض المغفلين حمار فمرض الحمار فنذر إن عوفي حماره صام عشرة أيام فعوفي الحمار فصام فلما تمت مات الحمار فقال‏:‏ يا ربت تلهيت بي‏!‏ ولكن رمضان إلى هنا يجيء والله هرب الأعرابي من الصلاة‏:‏ وصلى بعض الأعراب خلف بعض الأئمة في الصف الأول وكان اسم الأعرابي مجرماً فقرأ الإمام‏:‏ والمرسلات‏.‏

‏.‏

إلى قوله‏:‏ ‏"‏ ألم نهلك الأولين ‏"‏ فتأخر البدوي إلى الصف الآخر فقال‏:‏ ‏"‏ ثم نتبعهم الآخرين ‏"‏ فرجع إلى الصف الأوسط فقال‏:‏ ‏"‏ كذلك نفعل بالمجرمين ‏"‏ فولى هارباً وهو يقول‏:‏ ما أرى المطلوب غيري‏.‏

أعرابي يرى سورة الفيل من الطوال‏:‏ وصلى أعرابي خلف إمام صلاة الغداة فقرأ الإمام سورة البقرة وكان الأعرابي مستعجلاً ففاته مقصوده فلما كان من الغد بكر إلى المسجد فابتدأ الإمام بسورة الفيل فقطع الأعرابي الصلاة وولى وهو يقول‏:‏ أمس قرأت البقرة فلم تفرغ إلى نصف النهار واليوم تقرأ الفيل ما أظنك تفرغ منها إلى نصف الليل‏.‏

أعرابي صالح ومغفل‏:‏ وكان أعرابي يصلي فأخذ قوم يمدحونه ويصفونه بالصلاح فقطع صلاته وقال‏:‏ مع هذا إني صائم‏!‏ تذاكر قوم قيام الليل وعندهم أعرابي فقالوا له‏:‏ أتقوم بالليل قال‏:‏ أي والله قال‏:‏ فما تصنع قال‏:‏ أبوك وأرجع أنام‏.‏

يحتفظ بالحجر المعبود في الجاهلية‏:‏ وقال إسحاق الموصلي‏:‏ تذاكر قوم من نزار واليمن أصنام الجاهلية فقال رجل لهم من الأزد‏:‏ عندي الحجر الذي كان قومنا يعبدونه قالوا‏:‏ وما ترجو به قال‏:‏ لا أدري ما يكون‏.‏

أفضل الميتات‏:‏ وروى أبو عمر الزاهد أن بعض الأعراب قال‏:‏ اللهم أمتني ميتة أبي‏!‏ قالوا‏:‏ وكيف مات أبوك قال‏:‏ أكل بذجاً وشرب مشعلاً ونام في الشمس فلقي الله وهو شبعان ريان دفئان‏.‏

في ذكر من قال شعراً من المغفلين :

أنشد بعض الحمقى‏:‏ عن المبرد قال‏:‏ قال الجاحظ‏:‏ أنشدني بعض الحمقى‏:‏ مجزوء الرمل‏:‏ إن داء الحب سقمٌ ليس يهنيه القرار ونجا من كان لا يع شق من تلك المخازي فقلت‏:‏ إن القافية الأولى راء والثاني زاي فقال‏:‏ لا تنقط شيئاً فقلت‏:‏ إن الأولى مرفوعة والثانية مكسورة فقال‏:‏ أنا أقول تنقط وهو يشكل‏.‏

ألجاته ضرورة الشعر إلى الطلاق‏:‏ وحكى بعضهم‏:‏ قال‏:‏ اجتمعنا ثلاثة نفر من الشعراء في قرية تسمى طيهاثا فشربنا يومنا ثم قلنا‏:‏ ليقل كل واحد بيت شعر في وصف يومنا فقلت‏:‏ نلنا لذيذ العيش في طيهاثا فقال الثاني‏:‏ لما احتثثنا القدح احتثاثا فارتج على الثالث فقال‏:‏ امرأته طالق ثلاثا ثم قعد يبكي على امرأته ونحن نضحك عليه‏.‏

الأمير كسنور وأعداؤه كالفئران‏:‏ عن أبي الحسن علي بن منصور الحلبي قال‏:‏ كنت أحضر مجلس سيف الدولة فحضرته وقد انصرف من غزو عدو له ظفر به فدخل الشعراء ليهنئوه فدخل رجل وأنشد‏:‏ الطويل‏:‏ وكانوا كفأرٍ وسوسوا خلف حائطٍ وكنت كسنورٍ عليهم تسلقا فأمر سيف الدولة بإخراجه فقام على الباب يبكي فأخبر سيف الدولة ببكائه فأمر برده فقال‏:‏ ما لك تبكي فقال‏:‏ قصدت مولانا بكل ما أقدر عليه فلما خاب أملي وقابلني بالهوان ذلت نفسي فبكيت فقال له سيف الدولة‏:‏ ويلك من يكون له مثل هذا النثر يكون له ذلك النظم‏!‏ فكم أملت قال‏:‏ خمس مائة درهم فأمر له بألف درهم‏.‏

شعر تستحق أم قائله الطلاق‏:‏ عن الصولي قال لمحمد بن الحسن ابن فقال له‏:‏ إني قد قلت شعراً قال‏:‏ انشدنيه قال‏:‏ فإن أجدت تهب لي جاريةً أو غلاماً قال‏:‏ أجمعهما لك‏.‏

فأنشده‏:‏ مجزوء الكامل‏:‏ إن الديار طيفا هيجن حزناً قد عفا أبكينني لشقاوتي وجعلن رأسي كالقفا فقال‏:‏ يا بني والله ما تستاهل جاريةً ولا غلاماً ولكن أمك مني طالق ثلاثاً إذا ولدت مثلك‏.‏

منا الوزير ومنا الأمير ومنا أنا‏:‏ قال أبو سجادة الفقيه في شعر له‏:‏ المتقارب‏:‏ ومنا الوزير ومنا الأمير ومنا المشير ومنا أنا يقع التغفيل من فطناء الشعراء‏:‏ وقد وقع شيء يشبه التغفيل من فطناء الشعراء قال‏:‏ فإن البحتري دخل على بعض من يمدحه ومدح رجل معن بن زائدة فقال‏:‏ الطويل‏:‏ أتيتك إذا لم يبق غيرك جابر ولا واهب يعطي اللها والرغائبا فقال معن‏:‏ ليس هذا مدحاً وهلا قلت كما قال أخو بني تيم لمالك بن مسمع‏:‏ الخفيف‏:‏ قلدته عرى الأمور نزار قبل أن تملك السراة النحورا .

في ذكر المغفلين على الإطلاق :

جار الجاحظ‏:‏ عن أبي العيناء قال‏:‏ قال لي الجاحظ‏:‏ كان لنا جار مغفل جداً وكان طويل اللحية فقالت له امرأته‏:‏ من حمقك طالت لحيتك فقال‏:‏ من عير عير‏.‏

قال‏:‏ وقد رأى على بابه قذراً فقال‏:‏ هذا الذي قذر خلفنا إن كان صادقاً فليقذر في وجوهنا حتى نعلم‏.‏

وولد له ولد فقيل له‏:‏ ما تسميه فقال‏:‏ عمر بن عبد العزيز وهنؤوه به فقال‏:‏ إنا هو من الله ومنكم‏.‏

دعا الله أن لا يؤاخذ موسى‏:‏ وعن أحمد بن عمر البرمكي قال‏:‏ قال أبو المنذر‏:‏ مرت بي آية وهي قوله تعالى‏:‏ ‏"‏ لا أملك إلا نفسي وأخي ‏"‏ فلم يرض موسى أن ادعى ملك نفسه حتى ادعى ملك أخيه رحم الله موسى ما إن كان إلا قدرياً صرفاً أسأل الله أن لا يؤاخذه‏.‏

أفسد بدل أن يصلح‏:‏ عن إسماعيل بن زياد قال‏:‏ نشزت على الأعمش امرأته وكان يأتيه رجل يقال له‏:‏ أبو البلاد فصيح يتكلم بالعربية يطلب منه الحديث فقال له‏:‏ يا أبا البلاد‏:‏ إن امرأته قد نشزت علي وغمتني فادخل عليها وأخبرها بمكاني من الناس وموضعي عندهم فدخل عليها فقال‏:‏ إن الله قد أحسن قسمك هذا شيخنا وسيدنا وعنه نأخذ ديننا وحلالنا وحرامنا لا يغرك عموشة عينيه ولا خموشة ساقيه فغضب الأعمش عليه وقال‏:‏ أعمى الله قلبك قد أخبرتها بعيوبي كلها أخرج من بيتي فأخرجه‏.‏

زيادة المرء أو نقصه في التكلم‏:‏ عن محمد بن سلام قال‏:‏ قال الشعبي‏:‏ كان شاب يجلس إلى الأحنف فأعجبه ما رأى من صمته إلى أن قال له ذات يوم‏:‏ أود أن تكون على شرف هذا المسجد وإن لك مائة ألف درهم فقال له‏:‏ يا ابن أخي والله إن مائة الألف لمحروص عليها ولكني قد كبرت وما أقدر على القيام على هذه الشرفة وقام الفتى فلما ولى قال الأحنف‏:‏ الطويل‏:‏ وكأين ترى من صامت لك معجب زيادته أو نقصه في التكلم لسان الفتى نصف ونصف فؤاده فلم يبق إلا صورة اللحم والدم مزاح ابن عمر‏:‏ عن نافع قال‏:‏ كان ابن عمر يمازح جارة له فيقول‏:‏ خلقني خالق الكرام وخلقك خالق اللئام‏.‏

فتغضب وتصيح وتبكي ويضحك ابن عمر‏.‏

من قصص ابن أبي الشوارب‏:‏ عن محمد بن الحسن بن زياد عن بعض ولد أبي الشوارب وكان أحمق أن أباه أمره بتقيير حب فقيره من خارج فقال له أبوه‏:‏ ما هذا الفعل قال‏:‏ إذا شئت أن تقلبه فاقلبه‏.‏

وحكي أن هذا المذكور قد احتلم ليلة في وقت بارد وكره أن ينغمس في الماء البارد وطلب شيئاً يسخن فيه الماء فلم يجد فنزع ثوبه وعبر النهر سباحة حتى استعار شيئاً يسخن فيه الماء ورجع سباحة ثم سخن فيه واغتسل‏.‏

عن أبي العيناء أنه قال‏:‏ رأيت يوماً في الوراقين منادياً مغفلاً في يده مصحف مخلق الأداة فقلت له‏:‏ ناد عليه بالبراءة من العيب وأنا أعني به الأداءة فأقبل ينادي بالبراءة مما فيه فأوقعوا به‏.‏

لماذا لم يوتر المغفل‏:‏ عن البحتري قال‏:‏ قال لي السراج‏:‏ منذ أربعين سنة لم أوتر خلافاً لمن يوجبها قلت‏:‏ أنظر إلى تغفيل هذا الرجل كيف ترك واجباً عند قوم وسنة عند الأكثرين وما يضر من أوجبها من تركه إياها‏.‏

لا أبيت في هذه البلدة‏:‏ عن معمر أنه قال‏:‏ دخلت مسجد حمص فإذا أنا بقوم لهم رواد فظننت فيهم الخير فجلست إليهم فإذا هم ينتقصو علي بن أبي طالب ويقعون فيه فقمت من عندهم فإذا شيخ يصلي ظننت فيه الخير فجلست إليه فلما أحس بي وسلم قلت‏:‏ يا عبد الله ما ترى هؤلاء القوم ينتقصون علياً ويشتمونه وجعلت أحدثه بمناقبه وأنه زوج بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو الحسنين وابن عم الرسول فقال‏:‏ يا عبد الله ما لقي الناس من الناس ولو أن أحداً نجا من الناس لنجا منهم أبو محمد رحمه الله هو ذا يشتم وحده‏.‏

قلت‏:‏ ومن أبو محمد قال‏:‏ الحجاج بن يوسف‏.‏

وجعل يبكي فقمت عنه وقلت‏:‏ لا يحل لي أن أبيت في هذه البلدة فخرجت من يومي‏.‏

أعجب ما أرى في الكوفة‏:‏ قال‏:‏ وفي هذا المعنى قال ابن الماجشون‏:‏ كان لي صديق مدني فقدته مدة ثم رأيته فسألته عن حاله فقال‏:‏ كنت بالكوفة فقلت‏:‏ كيف أقمت بها وهم يسبون أبا بكر وعمر فقال‏:‏ يا أخي قد رأيت منهم أعجب من ذا قلت‏:‏ وما هو قال‏:‏ يفضلون الكباشي على معبد في الغناء فسمع المهدي بذلك فضحك حتى استلقى‏.‏

الشعير أولاً‏:‏ وعن علي بن مهدي قال‏:‏ مر طبيب بأبي واسع فشكا إليه ريحاً في بطنه فقال له‏:‏ خذ الصعتر‏.‏

فقال‏:‏ يا غلام دواة وقرطاس وقال‏:‏ قلت ماذا أصلحك الله قلت‏:‏ كف صعتر ومكوك شعير فقال‏:‏ لم لم تذكر الشعير أولاً قال‏:‏ ما علمت أنك حمار إلا الساعة‏.‏

خبير بالبراذين‏:‏ وعن ابن خلف قال‏:‏ كان رجل يعرف بالمسكي يدعي البصر بالبراذين فنظر يوماً إلى برذون واقف قد بلع رأس اللجام فقال‏:‏ العجب كيف لا يزرعه القيء أنا لو أدخلت أصبعي في حلقي لما بقي في جوفي شيء قال‏:‏ قلت الآن علمت أنك بصير بالبراذين‏.‏

إذا جاء رمضان استويا في العمر‏:‏ قال‏:‏ وسأل أبو نواس أحد الوراقين الذين كانوا يكتبون في حانوت أبي داود‏:‏ أي أسن أنت أم أخوك قال‏:‏ إذا جاء رمضان استوينا‏.‏

قال‏:‏ وسرقت منه دراهم فقيل له‏:‏ نرجو أن نكون في ميزانك فقال‏:‏ من الميزان سرقت‏.‏

لا أحتاج إلى أحد‏:‏ وقيل لسورة الواسطي وأراد سفراً‏:‏ أحسن الله صحابتك‏:‏ قال‏:‏ ما أحتاج الموضع أقرب من ذلك‏.‏

يموت إن شاء الله‏:‏ عن أبي حصين قال‏:‏ عاد رجلٌ عليلاً فعزاهم فيه إنه لم يمت فقال‏:‏ يموت إن شاء الله‏.‏

وعن أبي عاصم قال‏:‏ قال رجل لأبي حنيفة‏:‏ متى يحرم الطعام على الصائم قال‏:‏ إذا طلع الفجر قال‏:‏ وإذا طلع الفجر نصف الليل قال‏:‏ قم يا أعرج‏.‏

جليس أبي حنيفة‏:‏ عن أبي بكر بن مروان قال‏:‏ كان يجلس إلى أبي حنيفة رجل يطيل الصمت فأعجب ذلك أبو حنيفة وأراد أن يبسطه فقال له‏:‏ يا فتى ما لك لا تخوض فيما نخوض فيه فقال الفتى‏:‏ متى يحرم على الصائم الطعام فقال أبو حنيفة‏:‏ أنت رجل أعرف بنفسك‏.‏

جليس أبي يوسف‏:‏ وعن طاهر الزهري قال‏:‏ كان رجل يجلس إلى أبي يوسف فيطيل الصمت فقال له أبو يوسف‏:‏ ألا تتكلم قال‏:‏ بلى متى يفطر الصائم قال‏:‏ إذا غابت الشمس قال‏:‏ فإن لم تغب إلى نصف الليل فضحك أبو يوسف وقال‏:‏ أصبت في صمتك وأخطأت في استدعائي لنطقك ثم قال‏:‏ الطويل‏:‏ عجبت لإزراء العيي بنفسه وصمت الذي كان بالصمت أعلما وفي الصمت ستر للعيي وإنما صحيفة لب المرء أن يتكلما عن أبي الحسن المدني قال‏:‏ سرق لأبي الجهم بن عطية حمار فقال‏:‏ لا والله يا رب ما أخذ حماري غيرك وأنت تعرف موضعه فاردده علي‏.‏

إنه يعرف لبس أمه‏:‏ عن مسعود قال‏:‏ وجه عمرو بن سلمة ابن قتيبة أخاه ليشتري لأمه كفناً فقال للبائع‏:‏ لا تنتخبه فإنها رحمها الله كانت رديئة اللبس‏.‏

مسألة غامضة قال الدارقطني‏:‏ عن أبي الحسين بن عبد الرحيم الخياط قال‏:‏ كنت جالساً عند أحمد بن الحسين فجاءته امرأة برقعة فيها مسألة فقال لي‏:‏ اقرأها علي يا أبا الحسين فقرأتها فإذا فيها‏:‏ رجل قال لامرأته أنت طالق إن ثم وقف عند إن فقال لها‏:‏ فما حال إن قالت‏:‏ لسن أعرف عند إن‏.‏

فقال لي‏:‏ أعد القراءة فأعدت عليه كما قرأت أول مرة فقال لها‏:‏ فثم وقف عند إن هذه ولم يتم قالت‏:‏ لا والله ما أعرف وقف عند إن قال‏:‏ وكان في المسجد جماعة فقال لهم‏:‏ أنظروا فقرأوا كلهم كما قرأت ثم تنبه بعضهم لذلك فقال‏:‏ إنما هو‏:‏ رجل قال لامرأته أنت طالق إن ثم وقف عند إن‏.‏

وعن المرزبان قال‏:‏ قال أبو عثمان البصري‏:‏ كان أخوة ثلاثة أبو قطيفة والطبلي وأبو كلير وهم ولد غياث بن أسيد فأما أحدهم فكان يحج عن حمزة بن عبد المطلب ويقول‏:‏ استشهد قبل أن يحج والآخر يضحي عن أبي بكر وعمر ويقول‏:‏ غلطا في ترك الأضحية والآخر يفطر عن عائشة أيام التشريق ويقول‏:‏ غلطت في صوم أيام العيد فمن صام عن أبيه فأنا أفطر عن أمي عائشة‏.‏

غافل أساء الأدب‏:‏ قال أبو عثمان‏:‏ وذكر لأبي شعيب البلال عبد الله بن حازم وحميد الطوسي ويحيى الحرمي وما كانوا فيه من كثرة القتل والضرب والعذاب فقال‏:‏ ويحهم كيف يجسرون على ذاك الأسد‏!‏ يعني الله تعالى عما قال‏.‏

شهادة الأحمق‏:‏ قال أبو عثمان‏:‏ وسمع بعض الحمقى مؤذناً يؤذن يقول‏:‏ أشهد أن لا إله إلا الله فقال الأحمق‏:‏ أشهدها مع كل شاهد وأجحدها مع كل جاحد‏.‏

لا يرى ضرورة للقسم‏:‏ وعن علي بن المحسن التنوخي عن أبيه قال‏:‏ تقدم إلي في سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة وأنا أتقلد القضاء بالأهواز في مجلس حكم رجلان ادعى أحدهما على الآخر دعوى فسألته عنها فأنكرها فطالبت المدعي ببينة فعدمها وطلب استحلاف الخصم فقتل له‏:‏ أتحلف فقال‏:‏ ليس له علي شيء كيف أحلف ولو كان له علي شيء لحلفت له وأكرمته‏.‏

خرج من الكتاب فتعلم كل شيء‏:‏ وعن ثمامة بن أشرس قال‏:‏ شهدت رجلاً وقد قدم خصماً له إلى بعض الولاة فقال‏:‏ أصلحك الله أنا رافضي ناصبي وخصمي جهمي مشبه مجسم قدري يشتم الحجاج بن الزبير الذي هدم الكعبة على علي بن أبي سفيان ويلعن معاوية بن أبي طالب فقال له الوالي‏:‏ ما أدري مم أتعجب من علمك بالأنساب أم من معرفتك الألقاب قال‏:‏ أصلحك الله ما خرجت من الكتاب حتى تعلمت هذا كله‏.‏

عاقل يجري عليه حكم جاهل‏:‏ وعن محمد بن المبرد عن الحسن بن رجاء أن الرشيد لما غضب على ثمامة دفعه إلى سلام الأبرش وأمره أن يضيق عليه وأن يدخله بيتاً ويطين عليه ويترك فيه ثقباً ففعل دون ذلك وكان يدس إليه الطعام فجلس سلام عشية وهو يقرأ في المصحف فقرأ ويل يومئذ للمكذبون فقال ثمامة‏:‏ إنما هو المكذبين وجعل يشرح ويقول‏:‏ المكذبون هم الرسل والمكذبين هم الكفار فقال‏:‏ قد قيل لي‏:‏ إنك زنديق ولم أقبل ثم ضيق عليه أشد الضيق قال‏:‏ ثم رضي الرشيد عن ثمامة فجالسه فقال‏:‏ أخبروني عن أسوأ الناس حالاً فقال كل واحدٍ شيئاً قال ثمامة‏:‏ وبلغ القول إلي فقلت‏:‏ يا أمير المؤمنين عاقل يجري على حكم جاهل فتبينت الغضب في وجهه فقلت‏:‏ يا أمير المؤمنين ما أحسبني وقعت بحيث أردت قال‏:‏ لا والله فانشرح فحدثته بحديث سلام فضحك حتى استلقى وقال‏:‏ صدقت والله لقد كنت أسوأ الناس حالاً‏.‏

صب علي الماء البارد‏:‏ عن المرزبان قال‏:‏ أخبرني بعض أصحابنا قال‏:‏ قال رجل لرجل في يوم بارد‏:‏ أصبت عليك جرة ماء وأعطيك درهماً‏!‏ فتلكأ فقال آخر‏:‏ إفعل ذلك علي والدرهم بيني وبينه‏.‏

حلق الله لحيتك‏:‏ وعن ابن المرزبان قال‏:‏ أخبرني بعض الأدباء قال‏:‏ قال رجل من العراق لرجل من الشام في كلام جرى بينهما‏:‏ حلق الله لحيتك قال‏:‏ بمكة إن شاء الله‏.‏

كذلك قال بعض الأدباء‏:‏ قال‏:‏ سئل خطيب أي أفضل معاوية أم عيسى بن مريم فقال‏:‏ لا إله إلا الله أتقيس كاتب الوحي بنبي النصارى‏.‏

خروج الريح في الصلاة‏:‏ قال‏:‏ تقدم رجل إلى بعض الفقهاء فقال له‏:‏ الرجل إذا خرجت منه الريح تجوز صلاته قال‏:‏ لا قال‏:‏ قد فعلت أنا وجاز‏.‏

اعترفت بذنبي فاغفر لي‏:‏ وعن ابن المرزبان قال‏:‏ دعا رجل من الأشراف بمكة فقال‏:‏ اللهم إن كنت ما تعرفني فأنا فلان بن فلان وأني مررت بعبدك فلان وهو يقول شيئاً فيه فحش فرفسته فانبطح يفحص برجليه ميتاً اللهم قد أقررت لك الآن فاغفر لي كما تريد‏.‏

موضع إن شاء الله‏:‏ وخرج رجل إلى السوق يشتري حماراً فلقيه صديق له فسأله فقال‏:‏ إلى السوق لأشتري حماراً فقال‏:‏ قل إن شاء الله فقال‏:‏ ليس ها هنا موضع إن شاء الله الدراهم في كمي والحمار في السوق فبينما هو يطلب الحمار سرقت منه الدراهم فرجع خائباً فلقيه صديقه فقال له‏:‏ ما صنعت فقال‏:‏ سرقت الدراهم إن شاء الله فقال له صديقه‏:‏ ليس ها هنا موضع إن شاء الله‏.‏

لا تستثن حتى تسلم‏:‏ قال‏:‏ وركب أحمقان في قارب فتحركت الريح فقال أحدهما‏:‏ غرقنا والله وقال الآخر‏:‏ لا إن شاء الله قال‏:‏ لا تستثن حتى تسلم‏.‏

تزوج الصغيرة تقليلاً للشر‏:‏ قال‏:‏ وأخبرني بعض أصحابنا قال‏:‏ تزوج رجل امرأة صغيرة فقيل له في ذلك فقال‏:‏ إنما المرأة شر وكلما أقللت من الشر كان خيراً‏.‏

عمل بالنصائح مجتمعة‏:‏ عن أبي علي البصري‏:‏ قال‏:‏ أخبرت أن رجلاً ورث مالاً جزيلاً فعمل فيه ما اشتهى فقال‏:‏ أريد أن تفتحوا علي صناعة لا يعود علي منها شيء فأتلف بها هذا المال فقال له أحد جلسائه‏:‏ اشتر التمر من الموصل واحمله إلى البصرة وقال آخر له‏:‏ اشتر من ابر الخياطة التي ثلاثة بدرهم فإذا جمعت عشرة أرطال أسبكها نقداً تبيعها بدرهمين وقال آخر‏:‏ اشتر ما شئت واخرج إلى الأعراب فبعه منهم وخذ سفاتجهم إلى الأكراد وبع من الأكراد وخذ سفاتجهم إلى الأعراب فكان يفعل ذلك حتى فني ماله‏.‏

عن الحارث قال‏:‏ قال رجل لامرأته وقد غضب عليها‏:‏ يا هذه أنا الذي إذا رأيت المرأة تأتي بقبيح أهينها وأهين من يهينها‏.‏

عمر أبي فضالة‏:‏ قال الحارثي‏:‏ وكان يلزم القاضي أبا الحسن الهاشمي رجل بالبصرة من أهلها يقال له أبو فضالة وكان ربما سأل القاضي عن مولده فيقول‏:‏ ولدت في سنة خمس وسبعين ومائتين فما أراه يكثر في طول هذه المدة فإذا الكبر يكون عنده بقدم المولد إلى فوق‏.‏

ظن الهرة مصباحاً‏:‏ قال‏:‏ وكنا نتماشى في ليلة مقمرة فرأى سنوراً أبيض أسود الذنب فقال لي‏:‏ يا أحمد ما ترى هذه السبيكة التي في طرفها المصباح ترى ممن سقطت وجاء ليأخذها فوثبت عليه ونهشت يده فأفلتها‏.‏

عجوز تلعن نفسها‏:‏ عن الهذيل أنه قال‏:‏ كان عندنا بالمدينة لحام فجاءته عجوز فقالت‏:‏ أعطني بدرهم لحماً وطيبه لي وأخبرني باسمك حتى أدعو لك فأعطاها شر لحم وقال‏:‏ اسم من تمد فلما أفطرت العجوز جعلت تمد اللحم فلا تقدر عليه فجعلت تقول‏:‏ لعن الله من تمد فتلعن نفسها‏.‏




المصدر (http://www.libyanboyscout.com/muntada/showthread.php?t=2339)