المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : رباعيات عمر الخيام.. من الذي نظمها؟!


نوره عبدالرحمن "سما"
25-07-2010, 03:33 PM
رباعيات عمر الخيام.. من الذي نظمها؟!


http://www.alqabas.com.kw/Temp/Pictures/2010/07/25/2fa74f37-682a-48d7-b7c0-92400559d74b_main.jpg

ألهمت رباعيات الخيام معظم فناني أوربا




جهاد فاضل
هل الخيام العالم الرياضي والفلكي الفارسي الذي ولد في نيسابور في سنة 439 هــ وتوفي فيها في سنة 526 هــ هو الذي كتب الرباعيات الشهيرة التي ترجمت الى اكثر اللغات الحية، ومنها العربية التي ظفرت بست وخمسين ترجمة اليها، ام ان الذي كتب هذه الرباعيات، او أكثرها على الاقل، شخص آخر او اشخاص اخرون، وبكلمة اخرى: هل كان الخيام الشاعر شخصية «هيولية» جرى اختراعها، واليها نسبت هذه الرباعيات، ام كان هو نفسه عالم الفلك والرياضيات والشاعر؟
هذا السؤال حيّر الباحثين من فرس وغير فرس. ذلك ان الخيام الاصلي الحقيقي، ان جاز التعبير، هو الخيام العالم الفلكي والرياضي المعروف برصانته وزهده وبالقليل من الشعر بالفارسية والعربية، ولكن الشعر الذي يأتلف مع سمته العلمي وشخصيته الزهدية، اي الشعر الذي يناجي به العبد ربه، ويتقرب منه، وليس الشعر الآخر كالذي تغنيه المطربة ام كلثوم، اي شعر الخمر واللذة والغناء فيهما.
هذه هي صورة الخيام في الادب الفارسي القديم، فهو عالم وليس شاعرا، ولكن ما ان أهلّ العصر الحديث حتى غابت صورة العالم وبرزت صورة الشاعر، بل ان هذه الصورة الاخيرة طبقت شهرتها الافاق واحدثت دويا عالميا ولعل وراء هذه الشهرة والدوي كون الخيام في التراث الفارسي الاسلامي شخصية علمية وطبية ايضا.
فكيف تأتّى لهذا العالم والطبيب الرصين الطالع من عصور التزمت والزهد ان ينطوي على شخصية اخرى هي شخصية الماجن الذي يدعو الى حياة «ابيقورية» مماثلة لما دعا اليها الفيلسوف اليوناني أبيقور قبل ذلك بمئات السنين؟
عالم لا شاعر
لعل اول الذين فوجئوا بـ«اكتشاف» أو بـ«اختراع» الخيام الشاعر، والشاعر الكبير، كانوا الفرس انفسهم، ذلك انهم اعتادوا على التعامل معه كعالم لا كشاعر، ولم يكونوا يقدمون به كشاعر الا في اضيق الحدود، وبالتالي فانهم لم ينظروا اليه كشاعر يرقى الى مرتبة كبار شعرائهم كالفردوسي وحافظ وسعدي وجلال الدين الرومي وسواهم، ولكن ما ان أهلّ العصر الحديث ونشر الشاعر الانكليزي فيتزجرالد في الخمسينات في القرن التاسع عشر ترجمته لرباعيات الخيام حتى حصلت ضجة كبرى اثارت الاهتمام بشخصية عبقرية شاعرة اسقطها الباحثون في الادب الفارسي من حسابهم، هي شخصية عمر الخيام الذي لم يلق كشاعر وأديب من المستشرقين، بل ومن الباحثين الفرس انفسهم، الا الاهمال والاعراض، فاذا به فجأة يبلغ برباعياته المترجمة منزلة كبيرة في الآداب العالمية يحسده عليها الفردوسي وحافظ وسعدي وجلال الدين الرومي مجتمعين..
رباعيات جوالة
ولكن المستشرقين سرعان ما لجأوا الى ادواتهم النقدية الفاحصة، فتبين لهم ان بعض، او اكثر، هذه الرباعيات لا يمت الى الخيام بصلة، فقد تبين للمستشرق الروسي فالنتين أوكوفستي (نشر مقالا سنة 1898) عنوانه «رباعيات الخيام الجوالة» يبين فيه ان عددا كبيرا من الرباعيات التي نسبت الى الخيام تنسب ايضا الى شعراء آخرين غير الخيام، وان هذه الرباعيات موجودة في دواوين هؤلاء الشعراء بالفعل، مما يدل على انها من نظمهم هم لا من نظم الخيام، وانها ألصقت بالخيام من دون ان يكون هو ناظمها.
ولا يمكن استبعاد فرضية اخرى تقول ان من اصاب قيس بن الملوح (او مجنون ليلى) العربي اصاب ايضا عمر الخيام الفارسي، فقيس بن الملوح كان نوعا من مشجب علق عليه الكثير من الشعراء «المجنون ليلى» قصائدهم في العشق من دون ان يكون له في الواقع اي نصيب منها، نظم كثير من العشاق العرب قصائد يشكون فيها تباريح الجوى والوجد وقالوا انها من نظم المجنون، ويبدو ان ما خضع له المجنون العربي خضع له «الابيفوري»، او رجل اللذة والخمرة، الفارسي، نظم كثيرون رباعيات «ساخنة» «حارة» فيها دعوة الى تفضيل الحال على المال، والحاضر على المجهول، ونسبوها الى هذا العالم الفلكي الرصين الذي لم ينظم، على الارجح، الا رباعيات تأتلف مع سيرته الزاهدة.
رباعيات منحولة
وقد اعتبر المستشرقون انه لا بد من البحث عن مخطوطات لرباعيات الخيام قريبة من عصر الشاعر نفسه للتأكد من صحة انتساب هذه الرباعيات اليه، وبخاصة بعد ان تبين ان فيتزجرالد لم يلق بالاً، قبل ترجمته للرباعايات، الى توثيقها والتأكد مما اذا كانت هذه الرباعيات التي سيقدم على ترجمتها هي للخيام ام هي منحولة عليه، وقد تبين لاحقا ان فيتزجرالد رجع الى نسختين مخطوطتين للرباعيات أقدمها كتب بعد وفاة الخيام بثلاثة قرون، الامر الذي يزلزل الثقة بهذه النسخة الخطية جيدة العهد في عصر الشاعر، ويزيد من احتمال الانتحال على الخيام.
دوران بطيء
ويقول الباحثون ان هذه الرباعيات دارت دورانا بطيئاً للغاية في أول الأمر، اذ لا نكاد نعثر للخيام في مصادر القرن السادس الهجري على اكثر من 36 رباعية، فاذا ما وصلنا الى القرن الثاني الهجري بلغ عدد هذه الرباعيات نحو 60. وبدأ العد يتزايد بعد ذلك، في القرن الحادي عشر الهجري، اذ نعثر على مجموعات مخطوطة للرباعيات تنتظم ما بين 500 و1000 رباعية، ليس هذا فحسب، بل يبدو ان المترجمين الذين تصدوا في وقت مبكر لترجمة الرباعيات المنسوبة للخيام لم يكن لهم المام بالمشكلة الخاصة بالتوثيق، ففضلا عن فيتزجرالد وكثيرين ممن تبعوه، اشتملت طبعة كلكتا الأول (1836) على 462 رباعية، اما النص الذي ترجمه نيكولاس الى الفرنسية (1867) فيشتمل على 464 رباعية واشتمل نص هوينفلد وترجمته الانكليزية (1883) على 500 رباعية، واشتملت طبعة عبدالله جودت وترجمته التركية (1914) على 535 رباعية، بينما اشتملت طبعة محمد فيض الدين خان فياض للرباعيات في حيدر اباد الدكن (1893) على ما لا يقل عن 1030 رباعية، ومعظم هذه الرباعيات يمكن استبعاده لأول وهلة على اسس لغوية او تاريخية او فنية، من ذلك رباعيات تنطوي على القول بتناسخ الارواح، بل والالحاد والكفر والمروق، وهذا ما لا يمكن حصوله نظرا لقرب الخيام من سلاطين السلاجقة المتشددين في امور العقيدة والدين، ويتضمن بعض هذه الرباعيات مفارقات تاريخية كالاشارة التي وردت في احدى الرباعيات الى القائد المغولي هولاكو الذي قضى على الخلافة العباسية في بغداد سنة 656 هــ، اي بعد وفاة الخيام بنحو قرن ونصف القرن من الزمان.
لكل ذلك يبدو ان «خياما» ما قد جرى «اختراعه»، او الصق به ما لا علم له، او لتراثه، به وان الحاجة ما تزال ماسة الى البحث عما للخيام- على الخصوص- وعما لسواه!.


" القبس (http://www.alqabas.com.kw/Article.aspx?id=624222&date=25072010)"