المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : عندما خاف السنباطي على «أطلال» ناجي من أم كلثوم


نوره عبدالرحمن "سما"
16-08-2010, 04:31 AM
أوراق منسية من سيرة كوكب الشرق (6-6)
عندما خاف السنباطي على «أطلال» ناجي من أم كلثوم


جهاد فاضل
رغم مرور أكثر من ثلث قرن على رحيلها لا تزال أم كلثوم تملأ الدنيا وتشغل الناس سواء في ما يتصل بفنها أو بسيرتها. ويبدو انه على الرغم من الكلام الكثير الذي قيل حول هذه المطربة العظيمة، ما زال هناك الكثير الذي لم يُقل بعد، أو الذي قيل حديثا.

عن بداياته يقول السنباطي، وبذلك يشرح التكوين الفني المتين الذي خضع له: «ولدت في 30 مارس 1911 ببلدة فارسكور. في سنّ الثامنة رحلت مع والدي الى المنصورة، وحدث لي ما يحدث لكل هاوٍ للفن. كنت أهرب من المدرسة الى دكان نجار من هواة العزف. ولكن معلمي الحقيقي كان أبي».
ويلتقي السنباطي وهو في سنّ الثالثة عشرة بسيد درويش الذي يعجب به فيصحبه الى حلواني المنصورة الشهير راندو بولو يدعوه الى الكاتو والآيس كريم، ويزداد اقتناعه به عندما يغني أمامه أغانية الشهيرة «أنا هويت وانتهيت»، و«ضيعت مستقبل حياتي».
أدرك سيد درويش بحاسته الموسيقية انه أمام موهبة نادرة، فأراد ان يصحبه معه، لكن والده محمد السنباطي لم يكن باستطاعته الابتعاد عن الابن الذي أصبح بلبل الفرقة.
خوف ونجاح
وسافر رياض السنباطي بصحبة والده الى القاهرة سنة 1930، إذ قُبل في معهد الموسيقى العربية كأستاذ عود لا كتلميذ «وفرحت لأن هذا سيغطي نفقات دراستي، بل سيكون لي راتب، وقد رشحني مدحت عاصم للتعاون مع شركة أسطوانات أوديوت لتلحين عدد من الأغنيات لعدد من المطربين. وكان أول لحن لي مع أم كلثوم «النوم يداعب عيون حبيبي»، وكان أصعب ألحاني «الأطلال»، كنت خائفا من الأداء. لم أكن واثقا لأول مرة في حياتي من أداء أم كلثوم. ولما أخبرتها بالتلفون بمخاوفي قبل الحفل قالت لي: «ما تخفش يا جدع! وحاتشوف حاعمل ايه في العمق اللي أنت عاوزه وخايف عليه»..
ونجحت «الأطلال» ولم يعد هناك سواها لتتضاءل أمامها كل الألحان التي أتت بعدها بما فيها ألحان السنباطي نفسه!
أولاد وبنات.. وأغنيات
في جلسة بمنزل الوجيه حافظ بك بهجت، وهو من عشاق الطرب الأصيل، يلتقي السنباطي بكوكب عبدالبّر المنوفي التي سيتزوجها لاحقا. نظرة فابتسامة فسلام وكلام.
يسألها حافظ بك: تحبّي تسمعي ايه؟ فترد باستحياء وبساطة: «أحب أسمع الجندول»..
ويأتي ردّ السنباطي برقة بالغة: «والله الجندول دي مش بتاعتي، وأنا مش حافظها أنا حاسمّعك حاجة ثانية».. ويتم الزفاف بعد ذلك، وتشارك أم كلثوم في الفرح وتغنّي فيه وصلتين.
ويلد للسنباطي بعد ذلك أولاد وبنات: ولدت الأبنة الكبرى راوية في موسم «سلوا كؤوس الطلى»، ورفيعة في موسم «كيف مرّت على هواك القلوب»، وميرفت التي جاءت في عام «جدّدت حبّك ليه»، ومحمد الذي ولد في موسم «سهران لوحدي»، وأحمد الذي ولد مع قصيدة «ولد الهدى»، وناهد صغرى بناته التي جاءت مع أغنية «يا ظالمني». وبهذه الطريقة كان السنباطي يؤرخ ولادة أولاده!
ألحان خالدة
ومن يستطيع من العرب ان ينسى ما شدت به أم كلثوم من تلحين رياض السنباطي:
«أقول لك ايه عن الشوق يا حبيبي، عايزة أعرف لتكون غضبان، أو شاغل قلبك انسان، حيّرت قلبي معاك، دليلي احتار وحيّرني، أطفئ لظى القلب بشهد الرضاب فإنما الأيام مثل السحاب، لستُ أنساك وقد أغريتني بفم عذب المناداة رقيق، عودّت عيني على رؤياك، ومن أجل عينيك عشقت الهوى، سهران لوحدي، والموج يناغي النسيم يحكي له قصة هوانا، والقلب يعشق كل جميل، واثق الخطوة يمشي ملكا، ظالم الحسن شهيّ الكبرياء، أولى بهذا القلب أن يخفق، وفي ضرام الحب أن يُحرقا، ما أُضيع اليوم الذي مرّ بي، من غير أن أهوى وأن أعشق.. أين مني مجلس أنت به؟ كيف ذاك الحب أمسى خبرا وحديثا من أحاديث الجوى؟ حتى الجنا محروم منه.. يا اللي كان يشجيك أنيني، بافكر فيك وأنا ناسي..
أغار من نسمة الجنوب على محيّاك يا حبيبي. أكاد أشك فيك وأنت مني، وما أنا بالمصدّق فيك قولا ولكني شقيت بحسن ظني، وإذا ما التأم جرح جدّ بالتذكار جرح، جرح الأحبة عندي غير ذي ألم، هجرتك، قصة الأمس، ذكريات مشت فيها بيقين وهي قرب ووصال، اذكريني كلما الفجر بدا، حديث الروح، يا فؤادي لا تسل أين الهوى، يقول الناس إنك خُنت عهدي، ولم تحفظ هواي ولم تصنّي، هجرتك والأسى يدمي فؤادي، وصنت كرامتي من قبل حبي، أروح لمين وأقول يا مين ينصفني منك.. وما نيل المطالب بالتمني ولكن تؤخذ الدنيا غلابا، أنا لن أعود إليك، لسه فاكر قلبي يديلك أمان، أراك عصيّ الدمع شيمتك الصبر، آه من قيدك أدمى معصمي، يا حبيبي كل شيء بقضاء ما بأيدينا خُلقنا تعساء، ربما تجمعنا أقدارنا ذات يوم بعدما عز اللقاء، فإذا أنكر خ.لّ خلّه، وتلاقينا لقاء الغرباء، ومضى كلّ الى غايته، لا تقل شئنا فإن الحظ شاء..

كيف تعرّف عليها؟

في يوم تاريخي تقابل رياض وأم كلثوم للمرة الاولى، وعن هذا اللقاء يقول الكاتب الصحفي أنيس منصور: الصدفة جمعت بين أم كلثوم ورياض السنباطي عند منتصف الليل تحت خيمة في محطة سكك حديد قرية درين.. كانت أم كلثوم وأبوها وأخوها وأولاد عمها يغنون في أحد الأفراح. وكان رياض السنباطي هو ووالده يتبادلان الغناء في فرح.. وانتهى الفرحان في وقت واحد، وركبوا الحمير متجهين إلى المحطة في انتظار القطار الفرنساوي.
وأشار السنباطي الكبير لابنه رياض وقال: أم كلثوم التي يتحدثون عنها.
ونظر رياض السنباطي لأول مرة في حياته ليجد أم كلثوم ولم يكن قد سمع لها، وإنما سمع عنها فقط. كانت قصيرة القامة جدا، تلبس بالطو رجاليا أسود بصفي زراير. كانت تلف رأسها بالعقال، وكان وجهها في غاية الحيوية والذكاء.
وفي أحد لقاءاته الصحافية روى رياض السنباطي حكاية لقائه بأم كلثوم بعد مرور سبعة عشر عاما على اللقاء الأول فقال:
بعد سبعة عشر عاما من لقائنا الأول في قرية درينش إحدى قرى الدقهلية، التقيت بالفتاة أم كلثوم مرة أخرى، بعد أن كان صيتها قد ملأ الآفاق في القاهرة. وقتها كنت أحسد الذين يلحنون لها، وكانت تتحرك في أعماقي ملكة التلحين، تعبيرا عن عواطف جياشة يعيشها الشاب في مثل سني.. كنت أقيم في شقة لوحدي وطلبت تلفونا كي يسهل عليّ أعمالي واتصالاتي، وفي اليوم الأول الذي دخل فيه التلفون إلى الشقة، سمعت أغنية لأم كلثوم من الراديو، فتذكرت تعارفنا في محطة الدلتا. وكنت قد عرفت رقم تلفونها من الإذاعة فاتصلت بها، وعندما ذكرت لها اسمي تذكرت بأن والدها الشيخ ابراهيم كان يغني مع والدي في الأفراح، ودار بيننا حديث قصير قالت لي في نهايته «ابقي خلينا نشوفك يا أستاذ رياض، مادام أنت في مصر وأنا في مصر».




http://www.alqabas.com.kw/Article.aspx?id=629574&date=16082010