المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الكاتب الألماني غونتر غراس: جائزة نوبل ليست قيداً يكبّلني في كتاباتي


نوره عبدالرحمن "سما"
26-08-2010, 02:34 PM
الكاتب الألماني غونتر غراس:
جائزة نوبل ليست قيداً يكبّلني في كتاباتي
فولكر هاج وكاتيا ثيم

http://www.aljareeda.com/AlJarida/Resources/ArticlesPictures/2010/08/26/0_ddfgsgssdf%20copy_small.jpg (http://www.aljareeda.com/AlJarida/Resources/ArticlesPictures/2010/08/26/0_ddfgsgssdf%20copy.jpg)




في مقابلة مع {شبيغل}، يتحدث الكاتب الألماني الحائز جائزة نوبل غونتر غراس، عن أسباب عدم خوفه من الموت، الفرص الضائعة لإعادة توحيد ألمانيا، وما يدفعه إلى الاعتقاد بأن الأخوين غريم أبدعا في كتاباتهما.

يحمل كتابك الجديد العنوانGrimms Wörter. Eine Liebeserklärung (كلمات الأخوين غريم. تعبير عن الحب). كيف بدأ، في رأيك، حبّ الأخوين غريم، اللغويين الألمانيين الغنيين عن التعريف اللذين جمعا قصصاً خرافية في القرن التاسع عشر؟

تعود علاقتي بفيلهلم وجاكوب غريم إلى الطفولة. فقد كبرت مع قصص الأخوين غريم الخرافية. حتى إن والدتي اصطحبتني ذات مرة لمشاهدة مسرحية {توم ثامب} في المسرح الوطني في دانزيغ (غدانسك في الوقت الراهن). وقد أثر هذان الأخوان في الأعمال التي ابتدعتها لاحقاً في حياتي.

ما كان تأثيرهما فيك؟

ترى ملامح شخصية توم ثامب في أوسكار ماتزيراث من روايتي The Tin Drum. كذلك يؤدي فيلهلم وجاكوب نفسهما دوراً في كثير من رواياتي. مثلاً، يظهران فيThe Rat من خلال شخصيتي وزير ونائبه يحاولان وقف موت الغابات (بسبب المطر الحمضي).

ما الذي يجذبك إلى الأخوين غريم؟

لعل إحدى أهم صفاتهما طبيعتهما الرافضة لأي مساومة أو تنازل. ففي عام 1837، احتجا في مدينة غوتنغن ضد إلغاء الدستور (في مملكة هانوفر) وضد سلطة الدولة. وعلى غرار الآخرين في مجموعة الأساتذة السبعة في غوتنغن، خسر هذان الأخوان منصبهما. ولا شك في أن المهمة التي سعيا بعد ذلك إلى تحقيقها كانت شبه مستحيلة: معجم ألماني مليء باقتباسات وأمثلة. فلم ينجحا في إكمال غير الأحرف الستة الأولى من الأبجدية. وأنهى آخرون هذه المهمة.

لكن هؤلاء أنتهوا منها بعد أكثر من 120 سنة!

تثير هذه الفترة الطويلة أيضاً إعجابي. فقد عمل على هذا المعجم متخصصون ألمان من الألمانيتين كلتيهما طوال السنوات الخمس عشرة الأخيرة. فنحو منتصف الحرب الباردة، جلس هؤلاء بهدوء إلى مكاتبهم في برلين الشرقية وغوتنغن وراحوا يجمعون الحواشي لتأليف معجم ألماني. ويعكس هذا الحدث التاريخ الألماني ذاته الذي أتحدث عنه في كتابي {كلمات الأخوين غريم}.

كذلك تؤدي علاقتك التاريخية بهذا البلد دوراً بارزاً في كتابك الجديد، أليس كذلك؟

سلّطت الضوء على سنوات شبابي في كتاب Peeling the Onion. وفي Die Box (The Box) ، كتبت عن حياة عائلتي بمشاكلها وروابطها. أما هذا الكتاب الأخير، فيدور حول الجانبين السياسي والاجتماعي. لذلك تتلاءم حياة الأخوين غريم مع قصته، خصوصاً أنهما عاشا، على غراري أنا، خلال فترة اتسمت بتغييرات جذرية كثيرة.

تصف الأخوين غريم بأنهما {يبالغان في التدقيق بالكلمات}، فيركزان على كل حرف. كذلك تكتب: {من ناحية، تظهر الكلمات منطقية، إلا أنها تبدو، من ناحية أخرى، معدّة لابتكار الترهات. فقد تكون الكلمات مفيدة أو مسيئة}. كيف صاغت مختلف أوجه الكلمات حياتك؟

تبيّن لي أن الكلمات المشبعة بالأسى أو المفعمة بالحماسة والإغراء تنجح في الترويج للتفاهات. وأحد الأمثلة على ذلك كلمات أدولف هتلر: {هل تريدون حرباً شاملة؟}. وينطبق الأمر عينه على عبارة: {ندافع عن حريتنا في هندوكوش أيضاً} (تفوه بها وزير الدفاع الألماني السابق بيتر ستراك لتبرير مهمة ألمانيا العسكرية في أفغانستان). تحمل هاتان العباراتان معنى قوياً. وتتمتعان بقدرة كبيرة على إيصال المعنى. سمعتُ ما يكفي من كلمات مسيئة، وأعتقد بأن من المعيب جداً أن يوصف المواطنون، الذين يشيرون مثلي إلى الانتهاكات في بلدهم، بالمصلحين السذج. فهذه العبارات، التي تُستخدم لوقف المناقشات، تصبح تدريجاً جزءاً من الكلام الشائع.

هلا تطلعنا على بعض الكلمات أو العبارات المفيدة التي تتذكرها.

ترتبط الأجمل بينها بطفولتي. توقظ كلمة Adebar (طائر اللقلق) عالماً كاملاً من الذكريات في داخلي. ومن العبارات الجميلة أيضاً Labsal (انعاش) التي كادت تُنتسى. أحب صوت الألف الطويل المتكرر. وقد أعجب به الأخوان غريم أيضاً. تبدو هذه الكلمة مريحة، إذ تمنحك شعور العائد إلى المنزل بعد خوض تجربة مريعة.

يبدو أن اللغة تمنحك شعوراً بالأمان والدفء.

نعم، كتبت روايتي The Tin Drum في باريس، حيث بدأت أعمل أيضاً علىDog Years. لكن بعد مرور أربع سنوات، أدركت مدى إحساسي بالضياع، إذ كنت محاطاً بلغة أجنبية. لذلك عدت إلى مكان يتكلم فيه الناس الألمانية. تُعتبر تجربتي هذه شبيهة بما مرّ به كتّاب كثيرون هاجروا إلى الولايات المتحدة خلال الحقبة النازية. فلم يستطع بعضهم تحمّل هذه التجربة، مع أن ديكتاتوراً وحشياً كان يتحكم بوطنهم. فقد افتقدوا اللغة التي يحتاجون إليها لفهم الآخرين والتعبير عن أنفسهم.

لكن الكاتب قد يمرّ بهذه التجربة في وطنه، مع أنها قد لا تكون بالحدة ذاتها. فتمتاز ثقافة الشبان بنمطها اللغوي الخاص. هل تفهم دوماً ما يقوله أحفادك؟

نعم بالتأكيد. أعتقد بأنني حققت مكسباً كبيراً لأنني تمكنت بمساعدة أحفادي من تتبع المفردات المستعملة راهناً. في المقابل، ما عادت عبارات برلين القديمة، مثلknorke  (رائع)، تُستعمل اليوم.

هل تأسف على هذه الخسارة؟

من الجيد أن كلمات مثلknorke  لا تزال محفوظة في الكتب. أوافق جاكوب غريم رأيه في هذا المجال وأشعر أن علينا ألا نعيق تغيّر اللغة ونموها غير المضبوط. صحيح أن هذه العملية قد تؤدي إلى ظهور كلمات جديدة خطيرة، غير أن اللغة تحتاج إلى فرصة لتجدد نفسها باستمرار. ففي فرنسا، حيث تضبط الأكاديمية الفرنسية اللغة، نُلاحظ أن الفرنسية أصبحت لغة رسمية جامدة لأنها تعاني حماية مبالغ فيها.

في كتابك {كلمات الأخوين غريم}، تذكر أنك لا تعارض دخول تعديلات إلى اسمك، لماذا؟

أكتب اسمي بطريقتين مختلفتين: Grass أو Graß. وقبل عملية إصلاح اللغة الألمانية، كانت كلمة Hass (كره) تكتب Haß. أفضل استعمال حرف ß في إمضائي. أحب هذه الاختلافات، تماماً كما أتحمس لاختيار شكل الأحرف التي سيُطبع به الكتاب ونوعية ورقه. ومن حسن حظي أنني وجدت في غيرهارد شتيدل ناشراً يهوى صنع الكتب ويعامل الورق وآلات الطبع برقة فائقة.

أنت واحد من كتّاب قلائل يتولون مهمة تصميم كتبهم. فقد صممت أغلفة كل كتبك أنت بنفسك. لمَ تعتبر هذا الأمر مهماً؟

تشكّل هذه التفاصيل اللمسة الأخيرة. وهي مهمة بقدر الجملة الأولى في الكتاب. لذلك تتطلب العناية ذاتها التي يوليها الكاتب لمحتوى روايته.

ما هي مواصفات الغلاف الجيد؟

يجب أن يُلخص الغلاف محتوى الكتاب ويبسطه، كما لو أنه رمز. على غلاف كتابDog Years، نرى أصابع يد ترسم شكل رأس كلب. واخترت لغلاف Local Anesthetic ولاعة مع إصبع ممدودة فوقها. أما لغلاف كتاب {كلمات الأخوين غريم}، فانتقيت مجموعة من الأحرف. فما كان يكفي أن أضع صورة مزدوجة للأخوين غريم لأنها كانت ستنقل جزءاً من الرسالة فحسب. حملتُ النسخة الأولى من الكتاب المطبوع بين يديّ قبل أيام. أشعر أن هذه تجربة ممتعة خضت غمارها.

إذاً، لا بدّ أنك مستأء من التطورات الأخيرة التي تشهدها سوق الكتب؟ فقد بدأت مبيعات الكتب الإلكترونية تتزايد باطراد في الولايات المتحدة.

أظن أن الكتاب سيتخذ قيمة مختلفة. صحيح أن الإنتاج سيتراجع، إلا أن الكتاب سيرجع غرضاً يستحق أن تحتفظ به وتورثه لأولادك.

هل تتخيل الناس يقرأون كتابك {كلمات الاخوين غريم} على جهاز iPad؟

أستبعد ذلك. فقد توصَّلت إلى اتفاق مع الناشر يمنعه من نشر كتبي إلكترونياً ما لم يُسنّ قانون يحمي حقوق المؤلف. وأدعو الكتّاب كلهم إلى أن يحذوا حذوي في هذه المسألة.

هل تدعو إلى تظاهرة احتجاج؟

أودّ وضع حدّ لتفشي ظاهرة القراءة على الكمبيوتر، لكن يبدو هذا مستحيلاً. غير أن مساوئ هذه العملية الإلكترونية تبدو جلية خلال كتابة الروايات. يفضّل معظم الكتّاب الشبان تدوين رواياته على جهاز الكمبيوتر مباشرة، ثم يحررها وينقحها. أما أنا، فأتبع خطوات أولية عدة: أضع أولاً مسودة بخط يدي، ثم أطبعها على آلتي الكاتبة من نوع {أوليفيتي}. في النهاية، تُدخل السكرتيرة النص إلى الكمبيوتر وتطبع منه نسخاً عدة، فأدوّن عليها الملاحظات والتصحيحات بخط يدي. بيد أن هذه الخطوات تضيع عندما يعمل الكاتب مباشرة على الكمبيوتر.

ألا تشعر أنك قديم الطراز عندما تعمل على الآلة الكاتبة؟

لا، عند العمل على الكمبيوتر، يبدو النص منتهياً دوماً، حتى وإن كان بعيداً كل البعد عن ذلك. أدوّن كامل النسخة الأولى بخط يدي. وعندما أصادف تفصيلاً لا يروقني، أترك بجانبه فراغاً. أملأ هذه الفراغات وأنا أعمل على الآلة الكاتبة. وبسبب هذه الدقة، يمتلئ النص ببعض الإسهاب والمبالغة في التوضيح. لذلك أعمل في النسخ التالية على الجمع بين أصالة النسخة الأولى ودقة الثانية. لا شك في أن هذه عملية بطيئة، لكنها تحول دون تسلل الابتذال والعشوائية إلى النص.

هل تبدلت لغتك على مرّ العقود؟

حاولت في البداية أن أبذل قصارى جهدي لأنجح. فعندما كتبت The Tin Drum وCat and Mouse وDog Years، كان كثير من الكتّاب الأكبر سناً يشعرون أن من الضروري الوقوف في وجه انتهاكات تُرتكب بحق اللغة الألمانية.

هل تقصد بكلامك هذا مَن دعوا بأنصار Kahlschlagliteratur (الأدب الواضح المعالم) عقب الحرب واشتهروا بلغتهم البسيطة والمباشرة؟

نعم، لكن ثمة أسباب كثيرة دفعت هؤلاء الكتّاب إلى توخي الحذر. فقد تعرضت اللغة الألمانية لأذى بالغ خلال الحقبة النازية. لكننا نحن الكتاب الشبان، مثل وارتن والسر وهانز ماغنس أنزنسبورغ، لم نشعر أننا مكبلون ورفضنا إدانة اللغة ككل. لذلك، نبعت كتاباتي من رغبة في عرض كل ما تستطيع اللغة تقديمه. وبعد أن تقدّمت في السن، أرى أن الخبرة هي جزء من هذه العملية، شأنها في ذلك شأن الكتابة بوعي أكبر.

ماذا تقصد؟

أقصد في المقام الأول خبرتي السياسية التي وصفتها في كتاب {كلمات الأخوين غريم}. مثلاً، في عام 1961، انضممت إلى حملة ويلي برانت وسافرت للمرة الأولى في حياتي (كان ويلي برانت آنذاك عمدة برلين الغربية، وقد ترشح لمنصب مستشار ألمانيا في عام 1961. لكنه تبوأ هذا المنصب في عام 1969). كذلك شكّل بناء جدار برلين إحدى التجارب التي مررت بها، فضلاً عن وحدة ألمانيا عام 1990/1989 وما سبقها من زيارات كثيرة إلى ألمانيا الشرقية.

ما الذي دفعك إلى زيارة ألمانيا الشرقية؟

كنت أحد أشدّ المؤمنين بمفهوم أمة موحدة ثقافياً. وقد التقى كتّاب شرق ألمانيا وغربها في شقق خاصة في برلين الشرقية، حيث كانوا يقرأون أجزاء من مؤلفاتهم. أشك في أن مخبري الشرطة السرية في ألمانيا الشرقية أدركوا يوماً ما كنت أسعى إليه. فلم يستطيعوا أن يفهموا كيف يمكن لشخص ما أن يرفض طرفي النزاع كليهما، أو كان هذا على الأقل الانطباع الذي شكّلته عندما قرأت ملفهم عني.

ما الشعور الذي انتابك خلال قراءة هذا الملف؟

شعرت بالسأم. رفضت طوال فترة قراءة هذه السخافات، ولم أقدّم طلباً لذلك. يحتوي هذا الملف على مئتي صفحة. وأصرّت ماريان بيرثلر، المسؤولة الفدرالية عن أرشيف الشرطة السرية في ألمانيا الشرقية، على إعطائي إياه، إلا أني طلبت منها حذف أسماء المخبرين كلهم، إذ لم أرد معرفة هوية من تجسّس علي، لا سيما أنه لم تعد لهذه المسألة أهمية بعد مرور 20 سنة على توحيد ألمانيا.

عارضت الوحدة بعناد. فما هو حكمك اليوم؟

أعتقد، كما في السابق، أنه ما كان يلزم ضمَّ ألمانيا الشرقية بهذه السرعة. فمن المعيب أننا ضيّعنا تلك الفرص الكبيرة. ما كان يجب أن نخنق تلك اللحظة. فبعد نظامي حكم مستبدين، ازدهر الوعي الديمقراطي مع عبارة {نحن الشعب} (كانت هذه العبارة الشعار الذي أنشده المتظاهرون الموالون للديمقراطية في ألمانيا الشرقية في الأشهر التي سبقت سقوط جدار برلين). فما هي إلا فترة قصيرة حتى صُفّي البلد وقطاعه الصناعي وباعت Treuhand  (الوكالة التي خصخصت شركات ألمانيا الشرقية الحكومية) أصولها بأبخس الأسعار. وخلال الحقبة الطويلة التي تلت الحرب، اضطر 17 مليون شخص (في ألمانيا الشرقية) إلى تحمّل عبء الحرب الثقيل، حرب شنها الألمان كافة وخسروها.

ما الخطوات التي كان يلزم اتخاذها في رأيك؟

كان من المفترض زيادة الضرائب والسعي إلى تحقيق الوحدة بواسطة أموال مقترضة. عندما نهنئ أنفسنا في ذكرى الوحدة العشرين، معلنين أنها سارت على خير ما يُرام، ينطوي كلامنا هذا على نوع من خداع الذات. فالوقائع تُظهر العكس، من البطالة المرتفعة إلى المناطق المهجورة. فضلاً عن ذلك، يقول الناس اليوم إن {الجدار ما زال قائماً في عقولنا}. وقد ساهمت طريقة التعاطي مع حزب الاشتراكية الديمقراطية في تعزيز نمط التفكير هذا. فقد انهال عليه المديح وازدادت شعبيته. ومع أنه خلف حزب الوحدة الاشتراكي الألماني (الحزب الشيوعي في ألمانيا الشرقية)، لم يُحاسب (على أعمال دولة ألمانيا الشرقية)، بل منح حرية مطلقة. فأساءت هذه المقاربة إلى الحزب الديمقراطي الاجتماعي.
هل يزعجك فقدان الحزب الديمقراطي الاجتماعي أهميته؟ لهذا الحزب اليساري التقليدي الألماني تاريخ طويل وعريق، إلا أنه فقد شعبيته عندما توجه نحو الوسط في السنوات الأخيرة، خلال عهد غيرهارد شرودر.

يشكّل الحزب الديمقراطي الاجتماعي عنصر استمرارية. وهذا سبب تعلقي به. تفتقر ألمانيا إلى عناصر استمرارية مماثلة. فقد مضى على تأسيس هذا الحزب ما يُقارب المئة والخمسين سنة. لا شك في أنه ارتكب أخطاء كثيرة وعانى مشاكل جمَّة. إلا أن مبادئه الاجتماعية، التي تعود جذورها إلى حركة العمال الشعبية في القرن التاسع عشر، تتمتع بأهمية كبرى في بلدنا. صحيح أن عدداً كبيراً من أعضاء هذا الحزب الشبان غير مطلع على تاريخه، لكن هذه أيضاً مشكلة سيتخطاها الحزب الديمقراطي الاجتماعي بالتأكيد.

في كتابك {كلمات الأخوين غريم}، لا تأتي على ذكر أي رأي سياسي كوّنته. ألم تخطئ الحكم يوماً؟

بعد الوحدة، خشيت نشوء دولة ألمانية كبرى تتحكم فيها سلطة مركزية مقرها في برلين. لكن الفدرالية الألمانية بدت قوية كفاية للتغلب على هذه الميول. صحيح أن الفدرالية لها عيوبها، إلا أن هذا التوازن بين الولايات يُعتبر الخيار الأفضل لألمانيا.

أما زلت تتذكر بعض الأخطاء التي ارتكبتها في حياتك؟

كما يعرف الجميع، انجذبت إلى منظمة {شباب هتلر} عندما كنت في مقتبل العمر. وتحدثت بإسهاب عن زلتي هذه في كتابي Peeling the Onion. وأعتقد أنني كسبت مناعة ضد أي موقف عقائدي نتيجة هذا الخطأ.

في كتابك {كلمات الأخوين غريم}، تتحدث عن الفترة التي أمضيتها مع فرقة Waffen-SS العسكرية، وتصف أداءك القسم في إحدى ليالي الشتاء الصافية الباردة. كنت آنذاك في السابعة عشرة من عمرك. فهل تعتبر انضمامك إلى هذه الفرقة أحد الأخطاء التي اقترفتها في حياتك؟

لم أقدم بملء إرادتي على هذه الخطوة. فقد أُرغمت، على غرار الآلاف، على الالتحاق بهذه الفرقة، وقد حررتني نهاية الحرب من التزامي بتقديم الطاعة العمياء لها. بعد ذلك، أدركت أنني لن أقدّم ولائي لأي منظمة أخرى.

مع أن جذورك ضاربة عميقاً في التاريخ الألماني، تعارض دوماً أي شكل من أشكال القومية. فما رأيك بالحماسة الوطنية الجديدة التي شهدناها، مثلاً، خلال بطولة كأس العالم لكرة القدم؟

طالما آمنت بأن مناقشة مسألة القومية يجب ألا تكون حكراً على اليمينيين. لا يمكننا الاضطلاع بدور مسؤول في أوروبا إن لم نتمكن من تحديد شعورنا بالهوية الوطنية بما يتخطى القومية. لكن كان للأعلام الألمانية الصغيرة التي حملها الناس خلال كأس العالم وجه مضحك، إذا جاز التعبير. فقد رأيت نساء يضعن مصاصات سوداء وحمراء وذهبية في أفواه أطفالهن. ولا شك في أن هذه الأمور تبطل أي إحساس بالأسى.

لاحظنا أن كثيراً من الكتّاب الذين ينتمون إلى جيلك أدلوا بتصريحات سياسية عدة. هل تعتبر أن الكتّاب الشبان اليوم يفتقرون إلى هذه الحماسة؟

في رأيي، يجب ألا يكرروا أخطاء جمهورية فايمر ويتقوقعوا في عالم خاص بهم. فقد ساهم المفكرون مساهمة كبيرة في تطور ديمقراطيتنا الناشئة في ألمانيا الغربية لتصبح ديمقراطية قوية راسخة. لكن ثمة إشارات إلى أن هذه المساهمة تتراجع. فعلى الكتّاب الشبان التعبير عن آرائهم في مسائل مثل الأزمة المالية وحالة العوز التي يعيشها الأطفال وترحيل المهاجرين غير الشرعيين وتنامي الفجوة بين الأغنياء والفقراء.

تراجعت مشاركاتك السياسية أخيراً. في رسالة مفتوحة إلى المستشارة الألمانية، طالب الكاتب مارتن والسر، أحد معاصريك، بانسحاب ألمانيا من أفغانستان. ألا تملك موقفاً من هذه الحرب؟

طبعاً، لكن لا يمكن المبالغة في تبسيط حرب أفغانستان خصوصاً. فبخلاف الحرب على العراق، يتوافر لهذه المسألة تفويض صادر عن الأمم المتحدة. وقد تبيّن أن تدخلنا في أفغانستان خطأ فادح. غير أن من الصعب تحديد طريقة مسؤولة للتخلي عن هذه المهمة. فضلاً عن ذلك، ما كان يجب منح الولايات المتحدة دور القيادة في أفغانستان. فالأميركيون عاجزون عن شن هذا النوع من الحروب. وها هم يتقهقرون مجدداً, تماماً كما حدث في فيتنام. ونحن نهوي معهم.

بعد فوزك بجائزة نوبل، أصبح لرأيك اليوم ثقل أكبر. لمَ تحتفظ بأفكارك لنفسك؟

لا أظن أن هذا ما أقوم به. علاوة على ذلك، لا أمضي اليوم كله في التفكير في جائزة نوبل. صحيح أن البعض يذكرني بها، خصوصاً حين أعبّر عن رأيي، لكن لا تأثير لها حين أجلس للكتابة.
ألا تجعلك جائزة نوبل تشعر بالضغط؟

لا تشكّل جائزة نوبل قيداً يكبّلني في كتاباتي، ربما لأنني فزت بها في سن متقدمة. أعتقد أن الجائزة التي قدمتها لي {مجموعة 47} (جمعية عريقة من الكتّاب تشكّلت بعد الحرب) في عام 1958 كانت أكثر أهمية، لأني كنت آنذاك في حالة يُرثى لها. وقد قدمها لي كتّاب زملاء، ما يمنحها معنى مختلفاً تماماً عن جائزة نوبل. لا أقصد بكلامي هذا التقليل من أهمية الأخيرة، لكن تأثيرها في حياتي لم يكن عميقاً.

بصراحة، ألم تكن تأمل بالفوز بها منذ زمن؟

فقدت هذه الرغبة بعد طول انتظار. مررت بالتجربة طوال العشرين سنة الفائتة: فكل خريف، كان الصحافيون يتصلون بي ليخبروني بأنني أحد المرشحين للجائزة وأنهم يريدون الحصول على أول مقابلة معي، ثم لا تلبث هذه المعمعة أن تهدأ لمدة سنة.

هل استأت حين فاز الكاتب الألماني هاينريش بول بالجائزة عام 1972؟

لا، حتى إن لم تصدّق ذلك. كنت منهمكاً في حملة الحزب الديمقراطي الاجتماعي الانتخابية. وكنت جالساً في حافلة فولكس فاغن في إحدى أسواق ولاية راينلاند بالاتينات. عملنا آنذاك على الإعداد لمناسبات عفوية شملت التنقل بين المدن الصغيرة. كنت ألقي خطاباً، حين أعطاني أحدهم ورقة كُتب عليها: فاز بول بجائزة نوبل. فأعلنت الخبر خلال الحملة لأننا كلينا نؤيد المبادئ السياسية عينها.

تتوصّل إلى خلاصة مثيرة في كتابك. تذكر أن {التكرار} في الحياة لا ينتهي وأن {القصص، حتى التقليدية منها، ستتردّد مراراً. وبعد كل نهاية، أدرك أن ثمة بعد أعمالاً كثيرة لأقوم بها}. أي نوع من الأعمال تنوي إنجازه مستقبلاً؟

بعد أن أمضيت سنوات طويلة في الكتابة، علي تبديل أدواتي وتخصيص وقتي مجدداً للطباعة الفنية (Printmaking). أريد أن أعدّ صوراً جديدة لروايتي Dog Years بمناسبة مرور 50 سنة على نشرها. يسم كتاب {كلامات الأخوين غريم} نهاية كتاباتي عن حياتي. فمن صار في مثلي سني لا يتوقع العيش للربيع المقبل. وأدرك تماماً كم من الوقت تستغرق كتابة مؤلف يتناول موضوعاً مهماً.

هل تخشى الموت؟

لا، أدركت أن الإنسان مستعد للموت. لكن مسائل جمة ما زالت تثير فضولي. فماذا سيحدث لأحفادي؟ وماذا ستكون نتيجة مباراة كرة القدم في نهاية الأسبوع؟ لا شك في أنني ما زلت أرغب في اختبار بعض الأمور التافهة. كتب جاكوب غريم مؤلفاً رائعاً عن التقدّم في السن. كذلك وقعت على جملة في عمل آخر من كتابته تقول: {نضج الحصاد الأخير}. أثّرت فيّ هذه العبارة ودفعتني إلى التفكير في سني، لكني اكتشفت أنني لا أخشى الموت.


كوتس

مقابلة راقت لي كثيرا ;)

http://www.aljareeda.com/aljarida/Article.aspx?id=174164
http://www.aljareeda.com/AlJarida/Resources/ArticlesPictures/2010/08/26/0_sdfdsdgsdfsdf%20copy_smaller.jpg (http://www.aljareeda.com/AlJarida/Resources/ArticlesPictures/2010/08/26/0_sdfdsdgsdfsdf%20copy.jpg)http://www.aljareeda.com/AlJarida/Resources/ArticlesPictures/2010/08/26/0_srgsgssdf%20copy_smaller.jpg (http://www.aljareeda.com/AlJarida/Resources/ArticlesPictures/2010/08/26/0_srgsgssdf%20copy.jpg)