المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : هل لدينا حقاً مسرح عربي؟


بحر الحب
10-01-2011, 01:03 PM
مقالة للكاتب يوسف العاني في جريدة النهار

http://www.annaharkw.com/annahar/Resources/ArticlesPictures/2011/01/10/248108_1_main.JPG

ما أحلى وأبهى، وما أعمق وأنبل وأكرم حين يجمعنا المسرح موحدين به، منتمين اليه، من أكثر من موقع عربي.

أرى اليوم أمامي لبنان بمسرحه والخليج بمسارحه ومصر بمسرحها العريق والعراق باصرار مسرحييها على العطاء وسوريا بتواصل عطائها ومسرح الأردن بنشاطه، أرى فضاءات المغرب العربي المتعددة لأعود الى مشرقه، أراه كله موحداً تحت شعار مبارك: المسرح العربي.

ولكن أرجو ألا يستفزكم تساؤلي: هل لدينا حقاً (مسرح عربي)؟

لا تفكروا بالرد على هذا التساؤل الآن، فتتعبوا أنفسكم منذ سطور رسالتي الأولى، أو ترددوا بصوت هامس أو عال وبعجالة نعم، أو لا..!

فأنا ما جئت لأقدم رسالة الهيئة العربية للمسرح فحسب، بل لأعيش أيام فرح معكم وبكم، نتبادل الهموم المرة ممزوجة بحلاوة هذا الفرح، وتظل عيوننا وقلوبنا متطلعة الى الأمل، فنحن كما قال سعد الله ونوس. محكومين به.

ماذا نريد؟

اليوم 10/1/2011، وأنا بينكم أبا أو أخاً وزميلاً لن أعيد ما تضمنته الرسائل التي قرأت في يوم المسرح العربي في الأعوام الثلاثة الماضية ولاسيما ما يتعلق بما يجب علينا ان نعمله جميعاً لأنني أؤيد ما ورد فيها جملة وتفصيلاً، وقد أضيف اليها توصيات أخرى.

في صغري كنت أحلم بالوحدة العربية، أهتف لها وأسير في مظاهراتها الصاخبة معتقداً ان صراخي وصراخ اخواني سيفتح أمامي حدود البلاد العربية كلها أتنقل فيها وكأنني أتنقل من بيت الى بيت آخر لجاري أو شقيقي.

وكبرنا ودخلنا مراكز الشرطة والمعتقلات أكثر من مرة وصار مسرحنا منذ بدايته يشكل جريمة يعاقب عليها القانون لأنه مسرح معارض، ودرست القانون ومارست المحاماة زمناً ولم أجد مبرراً لما اتخذ أو يتخذ ضدنا. وجاءت أنباء من البلدان العربية الشقيقة ان هناك مسرحيين مثلنا، لكننا لم نكن ندري ماذا حل أو يحل بهم، وبعد زمن قصير اكتشفت ان الوحدة التي هتفت لها، والمسرح الذي بدأنا به صدقاً واخلاصاً وشرفاً، لن يكتمل أو ينمو ويقوى أثراً وفرحاً وضوءاً في النفس الا بالتعارف الحقيقي لكل منا ومسرح كل منا، وصارت السياسة التي تعنى بالانسان في كل مكان جوهرا مسرحيا.

لقد أقمنا المؤتمرات والمهرجانات وصار من حسن حظي أو سوئه لا أدري أنني حضرت وشاركت فيها منذ عام 1957 حتى بلغت 58 مؤتمراً ومهرجاناً للمسرح. ونحن في كل مرة نبحت عن مسرح يكون جسراً ثقافياً واحداً وان اختلفت جغرافية المكان الذي يصب فيه من كل بلد عربي.

كنا نصدر القرارات عسى ان نخطو خطوة ليكون لنا التأكيد على مسرح عربي متقارب له جذوره وبعده الأصيل، لاسيما وهناك محاولات جادة ومخلصة في أكثر من بلد عربي، لكنها ظلت في الخطوة نفسها التي انطلقت منها، كما ظلت قراراتنا في أدراج المسؤولين متكدسة مع آلاف الأوراق والسطور الملتوية الأخرى: دون ان ينفذ لها بصيص ضوء أو نسمة ريح لتتحول الى فعل جاد مخلص.

وتتجدد العروض المسرحية بمهرجاناتها في أكثر من بلد فلا نجد جديداً الا في العدد لا بالعدة حيث يكون الهدف ارضاءً (للفوق) بان الكم قد زاد وان النوع قد تراجع أو ظل مقلداً أو قريباً من مدارس مسرحية تعلمناها أو استنسخناها وجئنا بها وما استطعنا الا بالقليل والنادر لان نلائمها مع مسرحنا الذي نريد،

عام 1973 تمت لنا محاولة جريئة في بغداد لان نقدم مسرحية (بونتيلا وتابعه ماتي) لبرتولد برشت، تبنى اخراجها المرحوم (ابراهيم جلال) لتقدم بعنوان (البيك والسائق) دون تبديل أو تعديل في النص، وعرضناها في بغداد ثم في دمشق والقاهرة والاسكندرية.

بعد عرض المسرحية بدمشق جاءنا مدير فرقة فايمار الألمانية وهو أحد مديري مسرح برتولد برشت، ومن الذين اشتركوا في مهرجان دمشق نفسه، مهنئاً بنجاح العرض، ثم قال:

لقد شاهدت اليوم مسرحية عربية، أعني ليست ألمانية بكل ما شهدت وبلا تقليد أو استنساخ لما نقدمه نحن، مع ذلك كان برتولد برشت موجوداً.

قلت له: لقد استضفنا برشت فصار ضمن مسرحنا.

قال: هذا صحيح.

هذه المحاولة ومحاولات عديدة أخرى وفي أكثر من بلد عربي - اذا ما استبعدنا واستثنينا المسرح الطارئ على الفهم الحقيقي لفن وثقافة المسرح أكدت ومازالت تؤكد ان ما نقدمه في مسارحنا ليس (عالة) على مسارح الغرب أو الشرق بل هي بمصافها بوعي وبقدرات ما عادت في غفلة من الزمن الحضاري، لكن الكثير من مسرحيينا لازال يتوجس من ان يثبت حضوره وابداعه الأصيل النابع من عمق وأصالة عطائه.

رسالة وحلم

اننا ورغم ما أشرت اليه علينا ان نعيد النظر في تجاربنا نحو الايجاب والسلب، وان نؤكد أهمية تعاون وتبادل الخبرة في البلد العربي الواحد أولاً. بين المسرحيين المبدعين أنفسهم لا ان تقف كل مجموعة ضد أخرى من أجل الغاء عطاء الآخر وحتى المبدع فيه! بل ان يكون في منافسة شريفة نحو الأفضل.

الاستفادة من الرعيل الأول بما اغنوا وبما أبدعوا، وان نتبنى الشباب بصدق حماستهم المثقفة، بما يقدمون من محاولات ابداعية مطورة لما كان، وألا نقف موقف المتعالي على الكفاءات الجديدة، فهي مفتاح المسرح الآتي.

لا بد ان نكون أمناء في اختيار ما نعرض في كل مهرجان عربي أو دولي.

ان تكون هناك تجربة جديدة مضافة الى تجارب أخرى لنتوحد فيها ونسير معها على درب المسرح الذي نريد.

لقد صار العالم صغيراً لكن الأمل الذي كان يحكم فنان المسرح قد اتسع واتسع حتى صار حلماً، يحكم الشباب والشيوخ.

فأنا وعمري المسرحي الآن قد بلغ السابعة والستين بسنواته الطويلة وتجاربه الكثيرة والتي تنوعت وتغيرت وتناقضت وتآلفت، جعلتني محكوماً بالحلم بعد ان اجتزت مرحلة الأمل وصار علي ان أنقل حلمي الى كل المسرحيين العرب، والى الهيئة العربية للمسرح بالذات لتعمل أو تحاول ان تعمل وأقول: تحاول أكثر من مرة لازالة السدود والحدود، وأكرر تحاول لكي يتحقق المسرح العربي الواحد: مدرسة وفناً وفكراً، دون عزلة عن مسارح العالم بل بتميز جدير به وأصالة عريقة فيه بعد ان نتواصل بيننا ونصل الى أفضل ما يقدمه أشقاؤنا في هذا البلد أو ذاك، ان نتبادل الرأي ونكتشف الرؤى سواء ما كان جديداً منها أو التي مازالت تبحث عن السبل الخلاقة للمسرح الآتي لنا وان تظل الصراحة في الطرح أساساً صادقين مع أنفسنا أولاً، كي نصل مهما طال الزمن الى سمات وملامح وجذور في الشكل والمضمون ليكون مسرحنا بعد هذا (مصدراً) مسرحياً جديداً لا على صعيد مسارحنا وحدها، بل على صعيد المسرح العالمي كله.

حلمنا الذي نريده ان يتحقق حاجة نعيش مرارة فقدانها، ألا يسأل فناننا الى أين أنت ذاهب مادام حاملاً رسالته النبيلة الشريفة يجوب بها خشبة المسرح العربي الواحد، فهي هويته وجواز سفره.

لنرفع هذا الشعار المخلص بثقة واصرار ونخرج به من لقائنا هذا في يوم المسرح العربي ونحاول تحقيقه على مختلف السبل والمستويات، واعلموا أيها الأصدقاء، ان هذا الحلم ليس ابن اليوم، بل هو حلم عدد كثير من مسرحيينا الأوفياء الباسلين الذين فارقونا وغادرونا الى الأبد، وهناك من ينتظر، وأنا أولهم

http://www.annaharkw.com/annahar/Article.aspx?id=248108