المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : التدين اليوم خرج من روح التدين! ( د. مصطفى محمود)


نوره عبدالرحمن "سما"
20-05-2011, 10:23 AM
الناس يفهمون الدين على أنه مجموعة الأوامر و النواهي و لوائح العقاب و حدود الحرام و الحلال.. و كلها من شئون الدنيا.. أما الدين فشيء آخر أعمق و أشمل و أبعد

...الدين في حقيقته هو الحب القديم الذي جئنا به إلى الدنيا و الحنين الدائم الذي يملأ شغاف قلوبنا إلى الوطن الأصل الذي جئنا منه، و العطش الروحي إلى النبع الذي صدرنا عنه و الذي يملأ كل جارحة من جوارحنا شوقا و حنينا.. و هو حنين تطمسه غواشي الدنيا و شواغلها و شهواتها

و لا نفيق على هذا الحنين إلا لحظة يحيطنا القبح و الظلم و العبث و الفوضى و الاضطراب في هذا العالم فنشعر أننا غرباء عنه و أننا لسنا منه و إنما مجرد زوار و عابري طريق و لحظتها نهفو إلى ذلك الوطن الأصل الذي جئنا منه و نرفع رؤوسنا في شوق و تلقائية إلى السماء و تهمس كل جارحة فينا.. يا الله.. أين أنت

و لحظة نخطئ و نتورط في الظلم و ننحدر إلى دركات الخسران فننكس الرؤوس في ندم و ندرك أننا مدانون مسئولون.. فذلك هو الدين.. ذلك الرباط الخفي من الحنين لماض مجهول.. و ذلك الإحساس بالمسئولية و بأننا مدينون أمام ذات عليا.. و ذلك الإحساس العميق في لحظات الوحدة و الهجر.. بأننا لسنا وحدنا و إنما في معية غيبية و في أنس خفي و أن هناك يدا خفية سوف تنتشلنا، و ذاتا عليا سوف تلهمنا و ركنا شديداسوف يحمينا، و عظيما سوف يتداركنا.. فذلك هو الدين في أصله و حقيقته

و ما تبقى بعد ذلك من أوامر و نواه و حرام و حلال و أحكام و عبادات هي تفاصيل و نتائج و موجبات لهذا الحب القديم.

و لكن الحب هو رأس القضية.. و إذا غاب ذلك الحب فإن كل العبادات و الطاعات لن تصنع دينا و لن تصنع متدينا مسلما كان أو مسيحيا أو يهوديا

و ما كان الصليبيون الذين جاءونا غزاة طامعين.. على دين أي دين.. و لا كان سفاحو الصرب الذين يقتلون الأبرياء على أي ملة من ملل النصارى و لا كان إرهابيو اليوم الذين يفجرون القنابل مسلمين.. و لو صلوا جميعا و لو صاموا الدهر و لو أطالوا اللحى و قصروا الجلابيب و حملوا المصاحف و رتلوا الآيات.. ما بلغوا من الدين شيئا.

و هل بلغ النبي يحيا ( يوحنا المعمدان ) عليه الصلاة و السلام ما بلغه من نبوة إلا بذلك الحنان الذي كان يفيض منه و الذي قال فيه ربه: (( و حنانا من لدنا و زكاة و كان تقيا )) [ مريم : 13 ]

فتلك كانت أركان نبوته.. الحنان و الزكاة و التقوى.

و نبينا عليه الصلاة و السلام الذي كان يحتضن جبل أحد و يقول:

هذا جبل يحبنا و نحبه..

حتى الجماد كان موضع حب النبي و توقيره.

و هذا ابن عربي يقول:

لن تبلغ من الدين شيئا حتى توقر جميع الخلائق و لا تحتقر مخلوقا ما دام الله قد صنعه.

و هذا ربنا يقول عن المؤمنين:

(( أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى )) [ الحجرات : 3 ]

فالقلوب هي دائما موضوع الامتحان.

و حب الله و حب ما خلق و ما صنع من أرضين و سماوات و نبات و حيوان و بشر هو جوهر كل الديانات الحقة.. و هو المقياس الذي نفرق به بين أهل الدين.. و الأدعياء المشعوذين و الكذبة.

و كل الدعاة الذين يغرقون أتباعهم في التفاصيل و القشور و المظاهر و يبتعدون بهم عن روح الدين.. عن الحب و الرحمة و التقوى و مكارم الأخلاق.. هم من الكذبة بقدر بعدهم عنها.

و ما كان اعتراض المسيح على الفريسيين إلا لإغراقهم في الجدل و في حرفية النصوص و في ظاهر الكلمات دون الالتفات إلى روحها.

و ما كانت نقمة موسى على اليهود حينما أمرهم بأن يذبحوا بقرة.. إلا لإغراقهم في الجدل و التنطع و السؤال.. أي بقرة تكون و ما لونها.. بنية هي أم مرقشة أم صفراء.. عجوز أم بكر.. ادع لنا ربك يبين لنا ما هي.. أو لعلك تهزأ بنا.

هذا الجدل و الغرق في التفاصيل و التحجر على الحروف و الكلمات أخرجهم من الدين في نظر موسى و استحقوا عليه التقريع و اللوم.

و للأسف الشديد التدين اليوم خرج من روح التدين بسبب انحراف الدعوة و انحراف أكثر الدعاة و إغراقهم في القشور و التفاصيل و الخلافيات و الأمور الثانوية مما ألقى بأكثر المسلمين إلى الاختلاف و الجدل و التعصب، و مما أوجد هذا التدين السطحي المتهوس الأبله.

و أرى أننا مطالبون اليوم أكثر من أي يوم مضى بالعودة إلى روح الإسلام و إلى نبعه الشامل.. إلى فضائل الحب و الرحمة و المودة و التقوى و سعة الصدر مع الخصوم و تدبر معاني النصوص و عدم الوقوف عند حروفها و قراءة القرآن بالقلب و ليس بالأحداق.

و الإسلام ليس ألغازا و ليس لوغاريتمات و لا يحتاج منا إلى كل تلك الفتاوى.

و النبي عليه الصلاة و السلام أجاب من سأله عن الإسلام فقال في كلمات قليلة بليغة:

قل لا إله إلا الله ثم استقم.

هكذا ببساطة.. كل المطلوب هو التوحيد و الاستقامة على مكارم الأخلاق

إنها الفطرة و البداهة التي نولد بها لا أكثر.. أن تحب أخاك كما تحب نفسك

إسأل نفسك.. هل تنام كل يوم على مودة و حب و رغبة في الخير و نية في عمل صالح ؟ أم على غل و كراهية و حسد و تربص ؟.. و ستعلم إلى أي مدى أنت على دين الإسلام

ماذا تخفي في طيات ثيابك ؟ هل تخفي خنجرا أم مسدسا ؟ أم تخفي هدية حب و رسالة خير لإخوانك ؟

هل تخطط لتبني أم لتهدم ؟

هل تنطق بالطيب من القول و بالنافع من الكلام ؟ أم تدعو إلى الخراب و الدمار و الفتن ؟

إن الدين لا يحمل سيفا إلا للدفاع عن مظلوم و لا يعرف العنف إلا إصلاحا

بهذه المقاييس تعرف نفسك و تعرف الخانة التي يقف فيها ذلك الداعية الذي يدعوك إلى الإسلام.. و تعلم أين يقف.. مع الدين أم مع الإجرام

إن الفطرة و البداهة دليلك.. و لست في حاجة إلى فقه أو فلسفة أو فتوى

قلبك يفتيك

إنه الحب.. قلب القضية و روحها.. و الجوهر الصافي لجميع الأديان و كل الرسالات

أما الشرائع و الأوامر و النواهي فهي لتنظيم شئون الدنيا لا غير.. و هي تابعة للإطار العام.. إشاعة السلام و العدل و الحب بين الناس.. و سوف يتوقف عملها في الآخرة.. حينما لا يعود لأحد حكم أو سلطان

د. مصطفى محمود

http://www.facebook.com/dr.mostafa.mahmoud

ترنيمة :

يذكر الذهبي في الميزان٣/٥٢٨: "أن أبا بكر بن الدهان كان حنبليا ، ثم صار شافعيا لما درس في النظامية، لأن شرط الواقف أن يكون المدرس شافعيا، وكذا محمد بن خلف تحنبل ثم تحنف ثم تشفع ، فلقب( بحنفش)!". ماأجمل التقلب بين فقه المذاهب فإنها مزاج الحياة!!

http://a3.sphotos.ak.fbcdn.net/hphotos-ak-snc6/229535_10150186553858813_177610833812_7024202_8120 991_n.jpg