المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قصة إهداء لأحمد سامي


المغربي
28-03-2009, 09:53 PM
منشورة بجريدة الأنباء الكويتية 1995(احمد توفيق أبو شهاب) المغربي
شر البلية ما يضحك/ من مذكرات مدخن
استيقظ "شهاب" من نومه فى موعده – السادسة صباحا – كالعادة، ليس على رنين المنبه.. ولكن على صفير صدره الذى يشبه صفير حكم كرة قدم من الدرجة العاشرة.. لا تنقطع صافرته أبدا وهو يحكم مباراة عنيفة بين الصبية فى أحد الأزقة..
استيقظ على صوت كحة شديدة.. صوتها غريب وكأنه قد ابتلع فحل جاموس بلدى سمين يقف فى رئتيه حتى كاد ذيله يخرج من فمه.
توضأ وصلى.. فتح باب ثلاجته بحثا عن شئ يأكله، فهو يعيش حياة العزوبية فى غربته تلك.. ولكن فحل الجاموس القابع فى ثنايا رئتيه حال دون اشتهاء أى شئ يأكله… فاكتفى بكوب من الشاى الثقيل، وعدد لا بأس به من السجائر.. بعدها ارتدى ملابسه وخرج إلى الشارع فى انتظار سيارة تقله إلى عمله حيث أنه يعمل فى إحدى دول الخليج.
وقف ينتظر.. وفجأة تذكر بأن هذا اليوم هو بداية تطبيق العقوبات على المدخنين فى الأماكن العامة المغلقة والمزدحمة..
وبلا شعور أخرج علبة سجائره يحصى ما بها من سجائر.. أخرج سيجارة يدخنها بسرعة وشراهة.. لم يكتف بعدد السجائر الباقية، بل وجد نفسه يدخل بسرعة لبقالة قريبة ويشترى علبة ثانية.. فأصبحت واحدة فى جيبه والأخرى يحملها فى يده..
تلفت يمينا ويسارا ناحية المارة فى الشارع وشعر أن عيونهم جميعا تخترق اليد الممسكة بعلبة السجائر.. شعر بخجل وكأنه يحمل شيئا ممنوعا فى الطريق العام.. أو كأنه مفطر يجاهر بإفطاره فى نهار شهر رمضان الكريم..
وبحركة لا شعورية تلفت حوله كلص جديد فى مهنته … فك أزرار قميصه وخبأها داخله من الجانب.. وأخرج من جيبه العلبة القديمة وأشعل منها سيجارة ثانية.. يأخذ نفسا عميقا.. يحبس دخانها داخل صدره وكأنه يلتهمها التهاما قبل أن يصل لمكان عمله ويصبح فى مكان مغلق ويمتنع عن التدخين.. فهو حتى الآن فى الطريق العام.. لا يؤذى أحدا.. ولن تطبق عليه الغرامة التى كلما تذكرها اقشعر بدنه وجيبه ألا وهى "خمسون دينارا" عن المرة الأولى.. يتطلع لسيجارته التى قاربت على الانتهاء ولأول مرة يشعر بأنه يحمل ثروة كبيرة داخل علبة سجائره تلك… تتسلل من بين شفتيه وأصابعه على هيئة دخان كثيف يتلاشى فى الهواء.. ولأول مرة يشعر بغلاء ثمن سيجارته.
نظر لساعته.. لا يزال هناك مزيد من الوقت – خمس وأربعون دقيقة – مازالت باقية على بداية العمل.
وفجأة عاد أدراجه للمنزل وأرتقى درجات السلم مرة أخرى فاتحا باب شقته ومتجها ناحية البوتاجاز وقام بعمل فنجان كبير من القهوة وجلس فى استرخاء.
أخرج علبة سجائره وأشعل منها واحدة تلو الأخرى وهو يبتسم حتى نفذ ما بها.. أخرج من ثنايا قميصه العلبة الجديدة قام بفتحها أيضا وكأنه فى عجلة من أمره… أشعل ما بها الواحدة تلو الأخرى.. أبتسم رغم توتره لأنه شرب كل هذا العدد الهائل من السجائر فى فترة قصيرة دون دفع فلسا واحدا غرامة..
نظر لساعته مرة أخرى فوجد أن الوقت قد حان للذهاب إلى العمل.. اتصل تليفونيا بتاكسى وطلب منه الحضور فورا لتوصيله للعمل.. وبمجرد أن وضع السماعة شعر أن فحل الجاموس الرابض فى رئتيه قد استدعى معه أصدقاءه من الحيوانات الأخرى كالماعز والحمير حتى القطط لم يتركها دون دعوة.. حضرت جميعا فى وقت واحد وازدحمت فى رئتيه وعلى صدره الذى أصبح هو الملجأ الوحيد لها.. فخرجت منه الكحة تشبه النواء تارة والنهيق والصفير تارة أخرى..
تحسس صدره بألم بالغ وشعر بأنها جاثمة عليه، ورغم فرحته بعدم دفع الغرامة، رغم ضيقه من ضيافة تلك الحيوانات داخله.. ازدادت الكحة وارتفع معها صوت الصفير والنهيق.. لم يستطع التنفس.. خرج من الشقة وهو يترنح..
نزل للشارع فوجد التاكسى بانتظاره.. وبحركة لا شعورية أيضا وجد نفسه يخرج علبة سجائره من جيبه وينظر إليها فى غيظ ويلقيها على الأرض.. ورغم ذلك لم تتركه تلك الحيوانات لحظة واحدة.. قفز داخل السيارة وكأنه على موعد مع الاسطبل " يقصد مع الموت" نظر إلى السائق الذى بادره بقوله:
- صباح الخير يا أستاذ.. على الشغل إن شاء الله؟
خرجت كلماته متقطعة ومنغمة على أنغام تلك السيمفونية الحيوانية غير الرائعة:
- صـ.. صباح الخير يا عم شكرى.. على.. على المستشفى إن شاء الله.. ولا أقول لك عند أقرب طبيب أحسن.
خرج من عند الطبيب متوجها لإحدى الصيدليات لصرف الروشته..
وعند خروجه وجد نفسه يضحك فى هيستيرية بالغة.. وكلما ارتفعت ضحكاته ارتفعت أصوات ضيوفه من الحيوانات القابعة والجاثمة على صدره.. فعندما أحصى نقوده الباقية وجد أنه قد أنفق عند الطبيب والصيدلية مبلغ خمسين دينارا وهى تعادل قيمة غرامة التدخين.. تمنى وقتها أن تكون الغرامة ألف دينار شريطة أن يتخلص من تلك الحيوانات الجاثمة فوق صدره.

العميد
24-09-2009, 09:20 PM
الف الف شكر لك...