المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : حياة الفهد «الأم المفجوعة» في «بس يا بحر»


بحر الحب
22-08-2009, 02:46 PM
http://www.annaharkw.com/annahar/Resources/ArticlesPictures/2009/08/22/161962_fv_main.JPG

نجم وفيلم 1

الحديث عن فيلم «بس يا بحر» للمخرج الكبير خالد الصديق، يذهب في اتجاهات عدة، فالقراءة المتأنية لهذا الفيلم تذهب بنا الى آفاق تحليلية عميقة، ولكننا نذهب في هذه المحطة، الى جانب واحد، وهو العلاقة التي تسلكها تجربة الفنانة الكبيرة حياة الفهد مع هذا الفيلم وايضا ابعاد تلك التجربة على مسيرتها الفنية التي تنوعت وتشكلت وتعددت... والذهاب الى الفنانة حياة الفهد، بمعنى الذهاب الى مشوار عامر بالبصمات والانجازات، التي يصعب تناولها بشيء من العجالة، واعتقد شخصيا، بان هذه الفنانة الكبيرة، لم تدرس حتى الآن، بالشكل الذي يليق بقيمتها وتجربتها وايضا الاضافات التي حققتها في جملة المجالات الفنية ككاتبة درامية وكممثلة ذات امكانات جبارة.
نذهب اليها من خلال «بس يا بحر» حيث شخصية «أم مساعد» المرأة التي سحقتها الايام والتجارب والفقر، خصوصا، بعد اعاقة زوجها البحار، قدم الشخصية (الفنان الكبير سعد الفرج) ولاحقا، حيث الفاجعة الكبرى، برحيل ولدها الوحيد (مساعد)، جسد الشخصية الفنان الكبير محمد المنصور، عندها، نكون امام واحد من أكثر المشاهد تراجيدية بالذات، حينما، يأتي البحارة لاعطاء أم مساعد «الدانة» الثمينة، وتقوم بإلقائها في وجوههم، وبدأت بإلقاء التراب على وجهها وهي تصرح: «ما أبيها... أبي ولدي مساعد».


في ذلك المشهد، اختصرت الفهد كل حزنها، وكل موروث الحزن الذي تجمع بداخلها، وبداخل نساء الكويت، اللواتي عانين من البحر وعذاباته وأهواله، وهن يشهدن سفر ازواجهن وأبنائهن، وفقدانهم ورحيلهم وموتهم.
صرخة مجلجلة، تستحضر من خلالها الفهد، كل طقوس الحزن العربية... والخليجية... والكويتية، صرخة وألم وتراب ينهال ووجع مدمر... اختصار للحزن السرمدي، والعلاقة مع البحر، حيث الكويت ودول المنطقة، في تلك المرحلة، ليس أمامها من مصدر للرزق الا البحر.

في ذلك المشهد، لم تكن (أم مساعد) بالصوت الاحادي، بل كانت اختصار للأصوات، واختصار للمعاناة حتى معاناة البحارة الذين لم يكن امامهم سوى البحر، وجدوا في صراخها تعبير... وموقف... وبوح... ربما يكون صعبا عليهم، كرجال، البوح به، او التعبير عنه، الا من خلال طرح (النهام) وأغاني «الهولو» و«اليامال».

ولكن «ام مساعد» تلك الشخصية التي كتبها بعناية السينارست عبدالرحمن الصالح والكاتب عبدالرحمن الضويحي، وبلورتها مضامين ومعاناة الفنانة حياة الفهد، وايضا تلك الصورة السينمائية عالية الاحساس بالألم من قبل خالد الصديق، الذي يذهب الى البساطة ليفجر قضايا الانسان، فهو في «بس يا بحر» لا يذهب الى الموروث، كي يحوله الى «بوست كارد» أو صورة سينمائية للتصدير، بل مضامين ألم... ووثيقة معاناة، وتاريخ كفاح...

وهو حينما يستدعي الأغنية الشعبية، فانما لتكون شواهد ألم وتعب وغربة وموت.

في جميع شخصيات «بس يا بحر» هم ووجع وألم وصراع... وايضا موقف واضح من كل شيء... التقاليد والعادات... واحتفاء عال بالمرأة...

وفي هذا الاطار نلقي المرساة...

فالمرأة في «بس يا بحر» حاضرة، عبر عدد من الشخصيات، وهي في كل مرة، مقيدة بالظروف، مكبلة بالتقاليد، راضخة... الا من تلك الصرخة المجلجلة التي تطلقها «أم مساعد».

المرأة في «بس يا بحر» مسلوبة، تلغي حبها... وعشقها البريء، وتكون زوجة لرجل يكبرها... من خلال شخصية «السيدة نوال باقر» في الفيلم و«أم مساعد» تشخص للوقوف مع زوجها في معاناته وألمه، لعلها تجد الفرح في ابنها، رغم علمها الأكيد، بان مصيره، آجلا أم عاجلا، ليكون كمصير والده... وكمصير المئات من ابناء الكويت... والآلاف من أبناء الخليج... والملايين من أبناء المدن البحرية في أنحاء المعمورة.

وتأتي صرخة «ام مساعد» لترفض... وتواجه... وتعلن موقف... لم يستطع البوح به والتعبير عنه كل الرجال...

انها لا تريد «الدرر» ولا تريد «اللؤلؤ» بل تريد «مساعد»!

فكيف وقد أخذ البحر مساعدها... الابن والحبيب والأمل... عندها، تأتي «الصرخة» الاختصار والتي تحمل كل المضامين، وكل المعاني المقرونة بالألم... والمعاناة.

ويذهب الفيلم الى انحاء العالم، ليحصد الجوائز، والتأكيد على أهمية التجربة في رصدها لمعاناة الإنسان في هذه المنطقة من العالم، والتشديد على مجموعة من المفردات، من بينها دور المرأة الكويتية في المجتمع، ودورها في تحمل نسبة كبيرة من المعاناة والألم.

ويمر الزمان..

تقدم الفنانة حياة الفهد، كما من الاعمال والنتاجات المسرحية (مع فرقة مسرح الخليج) على وجه الخصوص، والتلفزيونية.

وتتواصل الأعمال، وفي كل مرة، تطل بها الفنانة حياة الفهد، فإنها تستدعي (بركان الألم) و(ترسانة الحزن).

وفي أعمالها الدرامية الأخيرة، وبالذات (الفرية) و(الخراز) و(الداية) في تلك الأعمال تأتي ومعها ذلك الحزن، ولكنها لا تهيل التراب على رأسها تصرخ ألماً.. تبكي ألماً.. تقول ألما.. تبوح ألما.. تترك الكاميرا تجول في ملامحها، بلا كلمة تارة.. وبلا دمعة تارة أخرى، ولكنها دائما صنوان مع الحزن.. والألم.

في «الفرية» تبكي وتصرخ وتبوح.

وفي «الداية» تتفجر ألماً وحزناً.

تلعن الفقر، والظروف والماضي بكل قسوته.

وهي المرأة ذاتها، ولكن بمعايير ومضامين جديدة، «أم مساعد» المفجوعة، بالزوج الذي أقعده البحر.. والابن الذي ذهب بلا عودة.. وهنا أو هناك، امرأة تتحمل المسؤولية مع زوج مريض.. وأبناء يمارسون العقوق، وزمن أرعن يفرض الوصاية عليها لئيم.

الدمعة في عيني حياة الفهد لا تحتاج إلى ذريعة كي تنطلق.. إنها شيء من ملامحها وعناوينها الإنسانية.

لهذا فإنها مهما ابتعدت عن «أم مساعد» في «بس يا بحر» فإنها لن تكون إلا مخزون الحزن للمرأة العربية.. والخليجية.. والكويتية.

المرأة.. الأم.. الإنسانة، المحاصرة بالفقر والألم والتعب.. وأنماط متعددة من الظروف، أقلها المواجهة مع «البحر»، وأيضاً «الفقر» و«العقوق» وفقدان العزيز.

في «بس يا بحر» لا تأتي الفنانة حياة الفهد بشكل أحادي، إنها تأتي إلى المشهد السينمائي، وهي مثقلة بكل معاناة المرأة الكويتية، في تلك المرحلة من تاريخ الكويت، في الثلاثينيات والأربعينيات ومطلع الخمسينيات من القرن الماضي.

امرأة عليها أن تكون.. الزوجة والأم.. تواجه ظروفها، وظروف مجتمعها، وهي كما أمها، وأختها وأبنائها.. جيل يرث الآخر، حيث لا شيء، سوى الألم والفاجعة.

وتجد الفنانة حياة الفهد، في شخصية «أم مساعد» ما يطلق العنان (لرصيد) الحزن بداخلها (ولمخزون) الألم الذي يحيط بها و(لموروث) التعب الذي عاشته وشاهدته وسمعته.

وهي حينما تكتب، فإنها تذهب إلى تلك المرحلة ذاتها، وذات النساء، والعلاقات الاجتماعية ذاتها، والظروف ذاتها.

البكاء، حيث البكاء تقليد يومي.

والحزن، حين لا شيء غيره.

والألم، ينبض، كما السكين في الخاصرة.

إن التحليل في هذا الجانب، يذهب بنا، للتأكيد بأن نقطة التحول المحورية، في مسيرة هذه الفنانة الكبيرة، تنطلق اصلا، من شخصية «أم مساعد» التي تمثل نقطة تحول اساسية ومفصلية.

وقد يكون الفيلم ذهب الى النسيان، بالنسبة للكثيرين، ولكنه في ذاكرة ووجدان الفنانة حياة الفهد، يظل ينبض.. ويتأكد.. ويتجدد، كلها جاءت شخصية جديدة، وكلما كان هناك حزن، فكيف وحياة والحزن بينهما علاقة سرمدية. وقد يكون الفيلم قد تلاشت صورته في المخيلة امام ازدحام الافلام، الا انه في حقيقة الامر، لا يكاد يفارق حياة الفهد، فأم مساعد، هي كل النساء.. وكل الالم.

في «بس يا بحر» لم تكن المعاناة في الفيلم والالم معاناة لمجتمع الرجال والبحارة، بل هو تحليل عميق للمجتمع الكويتي في تلك المرحلة، ورغم ان المجتمع الذكوري يحتل رقعة كبيرة من احداث الفيلم التي تمضي على مدى قرابة الساعة والنصف الا ان الم نصف المجتمع ( المرأة) ينطلق مدوياً.. صارخاً رافضاً.. عبر شخصية (ام مساعد).

وهي الاختصار وهي ايضا الموقف..

وتقدم حياة الفهد ذلك «الاختصار» وذلك الموقف عبر صرختها التي ستظل تصدح في ذاكرة الكويت.

وما احوجنا الى ان نعود لدراسة تلك التجربة والشخصية وايضا الفيلم.. وقبل كل هذا وذاك، لغة الاداء الخصبة عند الفنانة الكبيرة حياة الفهد.. التي تظل نموذجاً منفرداً للاداء الفني المقرون بالتفاعلات الانسانية الخصبة والثرية بكل المفردات والمعاني.



بس يا بحر

قصة وسيناريو وحوار: عبدالرحمن الصالح - عبدالرحمن الضويحي

إخراج: خالد الصديق

بطولة: حياة الفهد، سعدالفرج، محمد المنصور، أحمد الصالح، محمد المنيع، علي المفيدي، نوال باقر، عبدالله خريبط، مكي القلاف، أحمد الراشد، يوسف درويش، حسين السلمان.

إنتاج: عام 1971.

http://www.annaharkw.com/annahar/Resources/ArticlesPictures/2009/08/22/6e712388-3281-4ba0-b54b-6b2a0d418f30_main.jpg

http://www.annaharkw.com/annahar/Article.aspx?id=161962

love funoon
08-09-2009, 05:08 PM
أشكرك أخوي ع الموضوع الجميل

فنونة
11-09-2009, 03:36 AM
يسلمووووووووو