المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الحرية بين الاسلام والغرب ..


محمد العيدان
13-02-2010, 10:27 AM
أولاً: تعريف الحرية:
هناك عدد من التعريفات للحرية. فمنها التعريفات الفكرية والإنسانية والاجتماعية والسياسية والدينية وغيرها.
ولكنني سأركز على شيء واحد هو التعريف الفكري. التعريف الذي ستجده في جميع التعاريف الأخرى بشكل أو آخر.

الحرية درجة انعدام القيود. والحرية المطلقة هي انعدام القيود بشكل كامل.

وكلما زادت القيود قلت الحرية. والقيد نفسه عبارة عن قيود جزئية أقل عددها واحد.

والقيود لها جذور مادية أو اجتماعية أو فكرية أو نفسية وغير ذلك. وقد تكون وهمية أو حقيقية. وقد تكون مادية أو ترهيبية أو ناتجة عن الجهل.

كل تصنيف من هذه التصانيف يشرح حالات معينة للحرية والقيود المرافقة لها.

مثلاً: أنت الآن في بيتك تنظر إلى التلفاز، وتظن بأنك اخترت النظر إلى التلفاز بحرية كاملة.

أولاً: لا يمكنك أن تعرف إن كان هناك ما دفعك لذلك مما لم تدركه ولم تحس به. وأمثلة ذلك كثيرة: فهناك عقاقير وأدوية ويوجد أيضاً أساليب كثيرة نفسية تجعل الإنسان يتوجه في رغباته الداخلية نحو أشياء دون أشياء. وكل ذلك بدون أن يدرك. ولعل الموضوع يحتاج إلى مقالات لشرح بعض الأساليب الموجودة الآن، والتي أنا شخصياً أستعملها في تربية أولادي، بدون أن أضطر لأدخل في حرب معهم من أجل منعهم ما يريدون.

ثانياً: لا يمكنك أن تنكر بأن هناك أشياء كثيرة لو عرفتها لكنت اخترت عدم النظر إلى التلفاز وإنما فعل شيء آخر، أو حتى عدم فعل شيء.
مثلاً، أنت تجهل أن التلفاز ليس مصدراً موثوقاً للأخبار. تجهل بأنه لو وضع التلفاز في ميزان الشرع فسيكون من أدوات اللهو المحرمة. وقد لا توافقني على هذا، وتظن بأن التلفاز مفيد. وقد أكون أنا مخطئاً بذلك، ولكن لو ثبت لك كلامي، فهل تظن بأنك ستجلس عليه بحريتك الكاملة؟

ثالثاً: هل تعرف كيف تفرق بين ما تريده أنت وبين ما يوسوس به لك قرين السوء من الجن؟

رابعاً: هل تعرف كيف تفرق بين الاختيار والعادة؟ يعني أنت تشرب القهوة صباحاً كل يوم، فهل تفعل ذلك باختيارك أم بسبب العادة؟

خامساً: لو انعدمت المؤثرات السابقة، سيبقى المجهول. هل يمكنك أن تنكر احتمال وجود مؤثر ليس من العوامل التي قلتها لك؟

والوهم الذي يعيشه الغربيون هو أنهم ينظرون إلى طريقة تفكيرهم، فيظنون بأنهم أحرار حرية مطلقة في تصرفاتهم. ولكن لو نظروا مرة واحدة إلى الإحصائيات بعقل، لعلموا بأن غرائزهم تشدهم نحو أشياء ثابتة. وأن غرائزهم تؤثر على قراراتهم. فمثلاً: تسعين بالمئة من زوار الإنترنت، يدخلون إلى المواقع الإباحية. وهناك أضرار كبيرة جداً تحصل بسبب استعراض الموظفين لهذه المواقع داخل وقت العمل، مع كل ما يفرضه النظام من عقوبات لمن يفعل هذا.

لو كان الغربيون عندهم حرية مطلقة في الاختيار كما يتصورون، فالمفترض أن يكون عدد زوار المواقع الإباحية 50 بالمئة على الأكثر. بل كان يجب أن يكون جميع ما يقوم به الناس متعادلاً بشكل عام.

ولو نظروا إلى إحصائيات أخرى، لعرفوا بأن العادات أيضاً تشدهم نحو أشياء معينة: فمثلاً، أغلب الناس يستعملون الإنترنت إكسبلورر وخدمة الهوتميل. وكل متخصص يعلم بأن هاتين الخدمتين هي أكثر ما يسبب المشاكل في عالم الإنترنت على الإطلاق. ولكن ما الذي يجعل الناس يستعملونهما؟ بكل بساطة، العادة.

ومع الزمن، لو تبين لهم بالإحصائيات وجود أي علاقة بين تصرفاتهم وبين شيء آخر، يتبين لهم بأنهم كانوا مخطئين في ظنهم بأنهم كانوا أحراراً، بل وأغبياء لأنهم صدقوا هذا الإدعاء. فمثلاً:
كثير من الذين كانوا يتابعون الانتخابات الرئاسية الأمريكية في الستينات لم ينتبهو إلى أنه كان هناك تأثير غير مباشر على رأيهم بالرؤساء. وخاصة عندما يكون هناك مناظرة بين المرشحين للرئاسة. فقد كانوا يقولون لأحد المرشحين بأنه عليه أن يلبس اللون الفلاني. ويتركون الباقي بدون أن يعرفوا اللون الذي سيلبسونه. وكانوا يضعون في خلفية منصة المناظرة لوناً معيناً بحيث، إذا لبس المرشح اللون المطلوب، فسوف يظهر للناس بشكل أنيق ومؤثر. وإذا لبس اللون الاعتيادي فسوف يظهر بشكل غير أنيق وسوف يؤثر بشكل نفسي على المشاهد بحيث يراه ضعيفاً وغير مستقر. لأنه تم الوصول إلى دراسات تربط الشكل بطريقة الفهم. أما بعد أن تم الكشف عن هذه الدراسات التي للأسف كان اليهود هم أكثر من استفاد منها، وهم الذين طوروها أيضاً، فالآن، إذا كان هناك مناظرة، فيجب أن يطلع جميع المرشحين على جميع تفاصيل الصالة والمكان والألوان والحوادث التي ستحصل في هذه المناظرة قبل موافقتهم عليها.


وإليكم الآن الزبدة:

الحرية تقسم إلى قسمين. حرية مطلقة وحرية حرجة (أو مقيدة).

الحرية المطلقة هي حرية اختيارك لأي شيء بدون أن يكون هناك أي قيد. مثلاً، لو أردت أن تذهب من مكان إلى آخر، فإن اختيارك للطريق يجب أن لا يكون فيه أي عوامل تجعل طريقاً أفضل من طريق، وهذه عملياً وفعلياً ونظرياً غير ممكنة إلا لله تعالى. الله سبحانه وتعالى هو الوحيد الذي يملك الحرية المطلقة بهذا الشكل. فعندما أراد أن يخلق الخلق، خلقهم لعبادته، ولكن إذا قلت ولماذا يريدهم أن يعبدوه، فقد تجد جواباً وقد لا تجد. وحتى لو وجدت جواباً، فقد تقول لماذا مرة أخرى للجواب، وفي الأخير يجب أن تصل إلى مرحلة تعرف أن الله سبحانه وتعالى يمكن له ما لا يمكن لغيره، ويمكن أن يريد شيئاً لإرادته فقط. الله سبحانه وتعالى إذا أراد شيئاً فليس هناك داعي لأن تقول لماذا يريده، ولكن إن علمنا الله سبحانه وتعالى شيئاً، فهذا رحمة بنا ورأفة وربوبية. وهذا شيء يختلف عن الحكمة. الحكمة هي كيف فعل الله ما أراده. أما علة الإرادة، فهي غير واجبة في حق الله تعالى.

أما الحرية الحرجة أو المقيدة: فهي الحرية التي تكون تحت القيود. ولكن هذه القيود تكون متوازنة. فمثلاً: أنت تريد أن تذهب إلى العمل. وطبعاً الزوجة والأولاد والكسل والنعس والتعب وغيرها يدفعان باتجاه بقائك في البيت، ورغبتك في تحقيق أحلامك وعمل شيء مفيد للناس وتحصيل الأجر ومتابعة شؤون الناس الذين تخدمهم في عملك، كل هذا يدفعك نحو ذهابك إلى العمل. الآن، أنت في خيار بين أن تذهب وأن لا تذهب. فإن تعادل الطرفان فأنت في حرية مقيدة. وإن لم يتعادل، فأنت لست حراً. بل مجبر بأن تذهب باتجاه الجهة الأقوى.

وعندما تكون في حرية مقيدة، فأنت في الحقيقة حر في اختيارك. وحرية اختيارك لا تعني بأنك تختار بدون سبب. بل هناك سبب تختار من أجله. ولكن اختيارك أنت لهذا السبب هو حريتك. مثلاً، أنت شخص تحب الخير للناس، ولذلك، كلما كنت مختاراً، تفضل أن تعمل لخدمة الناس على أن تجلس في بيتك، لأن هذا يبعث السعادة في قلبك، ولكن بنفس الوقت، قد لا تعمل لخدمة الناس مطلقاً، لأنك دائماً تحت تأثير زوجتك وأولادك والكسل والتعب فتذهب للعمل فقط إن اضطررت للمال، وبقدر اضطرارك له فقط. وإذا اضطررت لأكثر، فستنام أثناء العمل، أو ستعامل الناس بمزاج سيء. وطبعاً عندها ستحس بأن حياتك غير سارة، وأنك لا تستطيع أن تفعل ما تريد، فأنت في الحقيقة لست حراً أبداً في تصرفاتك.

طبعاً، إذا كنت فعلاً تقوم بالأشياء بدون إراتك، فهناك حالتان:
الحالة الأولى: إن كنت تستطيع أن تغير حالك، وتحصل على مزيد من الحرية العملية وتبدأ بعمل ما تحب أن تفعله فعلاً. عندها، إن قمت بالتغيير، فستحصل على حريتك وتصبح إنساناً إيجابياً. وإن لم تقم بالتغيير، فسوف تحس بالذنب والحسرة في قلبك، وسوف تبدأ بعدم احترام ذاتك، كما يحصل معنا كلنا عندما نترك الشهوات تسيطر علينا ونترك ما يجب أن نقوم به مما نعلم كل العلم بأنه سبب سعادتنا، ونبدأ نحس بالنكتة السوداء التي تحصل في القلب.

الحالة الثانية: أنك لا تستطيع التغيير. وهنا يتميز المؤمن من غير المؤمن في أنه مع عدم قدرته على التغيير وعدم إحساسه بحريته، إلا أنه سعيد، لأنه يعلم بأن الصبر فيه أجر عظيم. أما الكفار، فعندما يعيشون حياة كلها ضغوطات بحيث لا يستطيعون عمل شيء مما يحبونه، فإنهم في الغالب ينتحرون أو يتحولون إلى مجرمين، ولذلك تجد أن أكثر الأنظمة نجاحاً في عالم الكفر هي الأنظمة التحررية لأنها تعطي جزءاً كبيراً من السعادة (طبعاً المؤقتة والدنيوية والوهمية في كثير من الحالات) للإنسان بحيث يجد سبباً لاستمرار حياته وعمله وكده.

والآن سأقارن بين حياة الكافر وحريته المزعومة وبين حياة المؤمن وحريته الحقيقية وذلك من حيث القيود وتوازنها:

الكافر عنده ثلاث دوافع للشر ودافعين للخير فقط:
دوافع الشر: الشهوات، والعادات، والقرين
دوافع الخير: العقل والقوانين

ولو نظرنا إلى دوافع الشر جيداً، فسنعرف بأنها أقوى بكثير من دوافع الخير. ولذلك نجد أن أغلب ما ينتجه الغرب يستعمل في الشر أو في إنتاج ما يستعمل للشر (وهذا الأخير هو ما يختلط على الناس بأنه خير، مثل السيارات والطائرات وغيرها التي في النهاية ستخدم الشهوات والعادات والشيطان في الغالب).

فالشهوات شديدة، لأن الإنسان الغربي يتربى من صغرى على أن يبحث عن الأشياء التي تجعله سعيداً، بدون أن يتم التفريق بين الشهوات والعقل. وتجد الإنسان الغربي في كثير من الحالات يفكر من الصباح إلى المساء فقط في شيء واحد، وهو شهوة الفرج. والسمنة في الغرب مشهورة جداً، وكل من ليس ببدين في الغالب يكون إنساناً شهوانياً. لأن شهوة البطن والفرج لا تجتمع في شخص واحد إلا ما ندر.

والعادات كلها موجهة نحو تشجيع الشهوات، فقد ظهرت منذ فترة في السويد دعايات كثيرة مدعومة من الدولة وغير الدولة تقول للمثليين بأن يخرجوا من البيت ويعلنوا شذوذهم، لأن هذا لم يعد عيباً.

القرين: أنا أظن أن القرين هو أضعف شيء هنا، لأنه لا يحتاج إلى كثير من العمل، وأظن أن الشيطان مظلوم في حالة الكفار في الغرب، لأنه في الحقيقة أضعف من أن ينافس الشهوات والعادات الفاسدة الموجودة عند الغربيين. ولكن طبعاً، الشيطان لا يفوت فرصة في زيادة الشر إن استطاع.

وبالمقابل: دوافع الخير ضعيفة:

العقل: ضائع، وذلك لكثرة من يدعي العقل والفساد بنفس الوقت. وفي الأخير، كيف يستطيع الإنسان أن يعلم بأن عقله صحيح وعقول أغلب الناس في الغرب فاسدة ومخربة؟

القوانين: قوانين هزيلة ضعيفة، يلعب بها الحزب الحاكم كما يشاء. ويخالفها الرئيس وعصابته كما يحب. وكثيراً ما يتم تطبيقها بشكل غير عادل. وإذا طبقت بشكل غير عادل، فإن نتيجتها في الغالب ظلم في ظلم. ويكفيك أن تعلم بأنهم يغيرون قوانينهم كل فترة لأنهم يكتشفون بأنها ظالمة.

فأين الحرية في حياة الغربيين؟

ولذلك، لا عجب أن ينتشر فيهم الفساد الشهواني في الجنس والأكل، وكذلك ينتشر فيهم الشذوذ الذي قام قرين السوء ببثه فيهم. وكذلك أن يتربى الطفل على كراهية الإسلام ومحبة الإلحاد والكفر وتأليه العقل الفاسد والعلم التجريبي.

بالمقابل المؤمن:

دوافع الشر: النفس الأمارة بالسوء، والعادات، وقرين السوء
دوافع الخير: العقل، القوانين، الإيمان

هنا نجد تعادلاً رائعاً، وهو كالتالي:
يأتي قرين السوء، فيجد الإيمان مترصداً له بالأذكار والطاعات.

ولا يمكن للعادات السيئة أن تحصل لأن قوانين الإسلام ثابتة لا تتغير. وعقيدته لا تتغير. فكل عادة سيئة يراد أن تنتشر، سوف يكون الإسلام لها بالمرصاد. أما في الغرب، فبكل بساطة، يقومون بتغيير قانون ما، فتنتشر عادة يريدون نشرها. ثم بعد زمن، يكتشفون بأنهم أغبياء، فيقومون بإعادة القانون الأول. وعندي نماذج عن قوانين تم وضعها وإزالتها نفسها وأحياناً بدون أي تعديل في مدة أقل من 100 عام.

فيبقى العقل والنفس. وهما الفطرة السليمة. وهما مناطا الخير والشر في الإنسان المسلم. وطبعاً هذا العقل هو العقل الفطري الذي لا يشوبه شائبة كذب أو افتراء أو ضلال. والنفس هذه هي النفس التي تطلب ولكن لا تتحكم. فإن تحكمت، تذكر العقل الجنة ونعيمها فسكنت الأحلام، وتذكر النار وعقابها فهدأت الشهوات.

عندها، ينظر الإنسان في سعادته، فيستطيع أن يقررها. ولو نظر فيها بحرية، لعلم بأن سعادته الحقيقة هي في عبودية الله. وعندها، إن كان حراً، فسيعبد الله عبادة مخلصة لا يشوبها شرك ..

منقول ..

نوره عبدالرحمن "سما"
13-02-2010, 02:42 PM
الحرية تتوقف حينما تبدأ حريات الآخرين لأنها لو تجاوزت ذلك صارت ظلما و تعديا على حقوقهم وكراماتهم ..أشكركـ جزيل الشكر استاذ محمد طرح أكثر من رائع

جنفر
14-02-2010, 12:31 AM
ألف شكر لك أخوي عالموضوع

محمد العيدان
14-02-2010, 06:53 AM
منورين بمروركم ..