المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الضغوط النفسية ..والطب الرياضي


نوره عبدالرحمن "سما"
18-02-2010, 03:07 AM
الضغوط النفسية ..والطب الرياضي


من كتاب الطب الرياضي ..والوقاية من الأمراض المعاصرة للدكتور سليم بيك علاء الدين الشيشاني

لايختلف اثنان على أن الحياة مليئة بالضغوط النفسية التي تعصف بالإنسان ، ويعتقد أن الضغوط النفسية قد بدأت مع خلق الإنسان ، وهي جزء من هذه الحياة ، ومع تقدم الحضارة والمدنية ، زادت المشكلات والضغوط التي تواجه الفرد وأصبح التعامل معها مشكلة كل فرد وعامل سوءا كان هذا الفرد رئيسا أو مرؤوسا ، وتزداد المشكلة تعقيدا في أن الضغوط النفسية ليس لها دواء شاف أو علاج ناجح مثل الكثير من الأمراض العضوية . وتشير بعض الدراسات العلمية إلى أن الضغوط النفسية مسؤولة عن أكثر من 50 % من حالات الشكوى التي تصل إلى عيادات الأطباء .

إن الضغوط النفسية التي تواجه الفرد لها علاقة بكثير من الأمراض العضوية ، منها صداع الرأس ، وآلام الظهر ، والتهيج المعوي أو البطني والقرحة في المعدة والإثني عشر ، أو القولون ، والأزمة التنفسية ، والحساسية والحمى المفرطة . كما أن لها علاقة كبيرة في ارتفاع ضغط الدم ، وأمراض القلب والشرايين . و تشير الجمعية الأمريكية للقلب بهذا الصدد إلى أن أحد الأسباب الرئيسية للإصابة بالجلطة الدموية هي الضغوط النفسية . ولقد سئل الإمام علي كرم الله وجهه يوما عن أقوى شيء في هذه الدنيا ، فأجاب : إن هناك عشرة أشياء تعد الأقوى ، وهي الجبال الرواسي ، ثم الحديث يهد الجبال ، ثم النار تذيب الحديد ، ثم الماء يطفئ النار ...إلخ إلى أن وصل إلى أقوى شيء في الدنيا ألا وهو الهم ، وهو ما يعرف الآن بالضغط النفسي .


إن الأسباب الحقيقية لظاهرة الضغط النفسي التي يتعرض لها آلاف الأفراد كثيرة ومتنوعة ، إلا أنه يمكن القول إنها قد تكون ناتجة عن مشكلات نفسية أو اجتماعية تؤثر في دماغ الفرد ، الأمر الذي يؤدي بهذا الدماغ إلى إصدار تعليماته و أوامره إلى جميع أجزاء الجسم للقيام بالتعديل ، والضبط الملائم والمناسب لنوع المشكلة المسببة وشدتها . و هذا الوضع يترتب عليه تغيرات فسيولوجية في الجهاز العصبي التلقائي السمبثاوي sympathetic system أو الجهاز الإرادي ، الذي يسمى بالعصب الودي ، وهو الذي وهبنا الله إياه لكي نسيطر من خلاله على عضلاتنا لنقوم بالسعي الذي من أجله خلقنا في الحياة الدنيا ، والباراسمبثاوي parasympathetic system أو الجهاز اللا إرادي الذي يسمى بالعصب جار الودي ( باراسمبثاوي ) و الذي يسيطر على عمل القلب والرئتين والشرايين والقناة الهضمية ابتداء من المريء وانتهاء بالمستقيم والشرج وأعضاء الحس وهي من خارج سيطرتنا ، ويعمل دون توقف ليلا ونهارا منذ نفخ الله الروح في الجسم حتى انتزاعها لإفراز هرمونات عديدة من غدد مختلفة لها علاقة بإحداث تغييرات فسيولوجية في الجسم ، مثل زيادة عدد ضربات القلب وارتفاع ضغط الدم ، وزيادة عدد مرات التنفس ، و زيادة تدفق الدم إلى العضلات بنسبة 300% -400% و غيرها ، الأمر الذي يؤدي إلى مشكلات صحية كثيرة ربما تؤدي إلى الموت . و تشير الدراسة إلى أن الضغوط النفسية ربما لها علاقة بجميع العلل والأمراض التي تصيب الإنسان ، ومن هذه الأمراض ارتفاع ضغط الدم ، والجلطة الدموية ، وأمراض القلب ، والقرحة ، والسرطان والحساسية ، والأزمة ، والحمى والروماتيزم ، وغيرها من الأمراض التي تنتج عن تغير فسيولوجية الجسم بسبب ما يتعرض له الدماغ من ضغوط .

إن أعراض الضغط النفسي ربما تكون صداعا ، وصعوبة الهضم ، و ألم العضلات ، والأرق ، وعصبية المزاج ، وحدة الطبع ، والشعور بالتعاسة ، وعدم القدرة على التركيز ، وكثرة التدخين ، وفي بعض الأحيان كثرة الأكل .

ولا شك أن إدارة الضغوط النفسية ومعالجتها تساعد بشكل كبير على تلافي العلل والأمراض سالفة الذكر ، وكذلك الوقاية منها بالدرجة الأولى ، إلى جانب إعطاء قيمة إضافية لمعالجة الأمراض في حالة حدوثها ، ولذلكـ فإن عدم التعامل مع الضغوط النفسية بطريقة صحيحة يؤدي إلى ضرر حقيقي للجسم الإنساني .

إن ممارسة النشاطات البدنية والرياضية تعد من أبرز العوامل التي تستخدم لمقاومة الضغوط النفسية ومعالجتها ، وتشير أيضا إلى أهمية النشاط البدني في إبعاد الفرد عن الأخطار والأمراض ، كما أنها تعد وسيلة للاسترخاء، وبخاصة النشاطات البدنية الأوكسجينية ، مثل المشي الذي يقلل من القلق والحزن ، والهبوط ، والشد ، والتوتر .

إن فائدة النشاطات البدنية لا تتوقف عند الناحية الصحية وتطويرها فحسب ، بل تتعدى ذلكـ إلى الارتقاء بالحالة النفسية ، وزيادة اللياقة البدنية للجهاز العضلي من ناحية صفتي التحمل والقوة ، إلى جانب صفة المرونة على مفاصل الهيكل العظمي ، إضافة إلى تنمية صفة التحمل الدوري التنفسي ، والتي تعني رفع لياقة القلب ، والأوعية الدموية ، والجهاز التنفسي ، وهذا يمكن أن يتم من خلال عمل التمرينات الأوكسجينية مثل المشي .

ويشير الباحثون إلى أن المشي يعتبر من النشاطات البدنية المهمة للأفراد المبتدئين وله العديد من الفوائد التي يمكن إجمالها في ما يأتي :

1. تخليص الفرد من الهموم الكثيرة والضغوطات النفسية .
2. خفض وزن الجسم و تقليل السمنة ، فمثلا مشيء 20 دقيقة يوميا أكثر من المعتاد يؤدي إلى خفض وزن الجسم حوالي نصف كيلو غرام خلال 36 يوما و 5 كيلو غرامات خلال سنة ، وإذا زدنا عملية المشي إلى ساعة يوميا زيادة على ما نحن متعودون عليه يؤدي ذلكـ إلى فقدان 15 كيلو غراما خلال سنة .
3. يساعد المشي على الخلود إلى النوم بسرعة .
4. يساعد المشي على حماية العظام من احتمالية إصابتها بالكسر .
5. المشي يساعد على تأخير الشيخوخة ومقاومة الميكروبات والجراثيم .
6. يساعد في تعجيل فترة النقاهة والشفاء بعد العمليات الجراحية .
7. يعد المشي عنصرا مهما في تقليل آلام الطمث عند السيدات .
8. يعد المشي عاملا مهما في حماية المرأة بعد سن اليأس من مخاطر الجلطة الدموية .
9. المشي مهم في المساعدة على الإقلاع عن التدخين .
10. يعد المشي أحد العوامل الرئيسية في الحياة الممتعة والمتحررة من ضغوط العمل وغيرها .

إن المشي السريع لمدة 20 دقيقة بخطوات معتدلة ورشيقة هو المطلوب وإذا ما تحسنت لياقة الفرد البدنية يمكن زيادة ذلكـ إلى 30دقيقة وبخطوة سريعة ، ولكي يتم تحسين عمل الأجهزة يجب أن تكون سرعة الخطوة بمعدل 5 كم في الساعة ، ويمكن تكرار هذا الأداء ما بين 3-4 مرات في الأسبوع .

إن من أبرز النقاط التي يجب مراعاتها في عملية المشي هي الاستمرار بما يعادل 3-4 مرات أسبوعيا ، ما بين 15-30 دقيقة كل مرة وبشدة مناسبة ويمكن تحديد هذه الشدة عن طريق عدد ضربات القلب ، إذ يجب أن لا تقل لرجل عمره 35 سنة مثلا عن 130 نبضة / د إلى 157 نبضة /د في أثناء المشي ، أو في أثناء أداء النشاط البدني ، وذلكـ لإحداث تأثيرات في أجهزة الجسم ورفع الناحية الصحية لها . أما إذا كانت الشدة أقل من ذلكـ فإن التحسن يكون بطيئا ، ويمكن حساب الشدة لكل فرد عن طريق معرفة الحد الأقصى لضربات قلبه من خلال معادلة 220 – العمر ( 220 – 25 = 185نبضة / د- هذا لعمر 35 سنة ) ولمعرفة الشدة المناسبة يمكن ضرب هذا النبض بـ 70% أو 85% وهذا يمثل شدة الحمل أو التدريب المناسب لتحسين اللياقة البدنية وتطويرها ، ويمكن حساب ذلكـ على النحو الآتي :

0،70 x 185 =130 نبضة / د أو
0،85x 185 = 157 نبضة /د


ويمكن أن تقاس نبضات القلب خلال المشي أو الأداء بوضع إصبعي الشاهد والوسطى على العنق وتحسس النبض والعد لمدة 10 ثوان ، ثم ضرب الرقم بـ 6 لنحصل بعد ذلكـ على ضربات القلب بالدقيقة الواحدة ، و التي يجب أن تكون ما بين 130-157 نبضة / د. فإذا كان عمر الفرد 35 سنة و يتمتع بصحة جيدة فإنه يحتاج إلى نشاط بدني مدته 15-30 دقيقة و بمعدل 3-4 مرات أسبوعيا ويكون عدد ضربات القلب ما بين 22-26 نبضة لكل 10 ثوان ، وذلكـ للوصول إلى لياقة بدنية للجهاز الدوري والتنفسي .

إن هذه المعادلة خاصة بالأصحاء الذين لا يعانون من أمراض القلب ، أو أمراض أخرى لها تأثير في الصحة ، أما الأفراد الذين يعانون من أمراض القلب أو غيرها فإن ذلكـ يستدعي تعديل هذه المعادلة لتتلاءم مع حالتهم الصحية . كما أن الأفراد الذين يعانون من السمنة يحتاجون أيضا إلى تعديل هذه المعادلة لتناسب حالتهم ، فبدلا من أن تكون الشدة 70-85% من أقصى ضربات قلب ، تكون بحدود 50% فقط .

إن هذا النوع من النشاط البدني يحتاج إليه الفرد للمساعدة في التخلص من الضغوط النفسية ومعالجتها بشكل صحيح ، كما أن هذا النشاط يؤدي إلى تحسين الرضا النفسي بسبب زيادة اللياقة البدنية ، إلى جانب أن المشي كنشاط بدني يبعد الفرد عن التفكير بالمشكلات اليومية .

وتشير بعض الدراسات إلى أن ممارسة النشاطات البدنية تؤدي إلى إفراز مادة الأندورفينز ، و هي مادة كيميائية تعمل على تخدير الألم والشعور بالصحة الجيدة ، كما أنه يجب التأكد من أن المشي أو النشاط الذي يمارسه الفرد ذو خطوة ثابتة ومبرمج بشكل طبيعي وبسهولة ، كذلكـ التأكد من عدم إخضاع الجسم إلى برنامج شديد أو عالي الشدة ، لأن ذلكـ قد يزيد من الضغوط على الجسم بدلا من خفضها .