إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 12-08-2010, 09:09 PM   #1 (permalink)
خبيرة في التنمية البشرية
 
 العــضوية: 5529
تاريخ التسجيل: 17/09/2009
المشاركات: 3,872
الـجــنــس: أنثى

افتراضي أراد أن يرحمها - د . مصطفى محمود


أراد أن يرحمها





هي صاحبة مال و جمال و دلال.
...


في أناملها الرقيقة المرصعة من خواتم الماس و الزمرد ما يكفي لبناء جامعة.



و على كتفيها معطف أنيق من فراء الفيزون النادر يكفي للإنفاق على مستشفى.



و في جراج بابا ثلاث عربات مرسيدس أمد الله في عمره و هو لا يرد لها طلبا.. و كلما رفض لها عريسا زادها في أصابعها خاتما.



و هي بعد أن امتلكت الدنيا لا تعرف ماذا تريد بالضبط.



و هي و إن كانت لا تعرف ماذا تريد فإنها تعرف تماما ماذا ترفض.



و هي ترفض كل ما يطرق عليها الباب.



حتى الطقس ترفضه.. فهو دائما حار أكثر من
اللازم أو بارد أكثر من اللازم.. أو غائم أكثر من اللازم أو صحو أكثر من
اللازم أو رطب أكثر من اللازم.



كما أن الطعام دسم أكثر من اللازم أو مملح أكثر من اللازم أو مسكر أكثر من اللازم أو ساخن أكثر من اللازم أو بارد أكثر من اللازم.



و لابد أن ترى في كل شيء عيبا.



نوع من الدلع و سوء التربية.



عقدة الترف و الوفرة.



و أف من هذا.



و أف من ذاك.



بردانة.. حرانة.. متضايقة.. قلقانة.. زهقانة.. يرن تليفونها كل ثلاث دقائق.



تبكي بلا سبب.



من الضجر أحيانا..



أو من عبء حرية لا تعرف فيما تنفقها و لا كيف تنفقها.



أو من أثقال ثروة لا تعرف كيف تبددها.



أو من وطأة زمن لا معقول يجرجر وراءه العقم و اللاجدوى.. و العبث الفارغ.



رأيتها تدور كالفراشة حول غرفة نوم في معرض موبيليا.. و تحملق في الأثاث المترف بعيون نائمة.. على السرير بطاقة بالثمن 26 ألف جنيه.



و من خلال أهدابها المطلية بالماسكارا
تتأمل وسائد ريش النعام و الدولاب المكسو بالشاموا و الازرار الإلكترونية
في متناول اليد التي تطفئ و تدير و تغير قنوات التليفزيون المثبت في أقصى
السرير و تشغل الستريو و البيك آب و الكاسيت.



و سمعتها تمط شفتيها و تهمس في نبرة لا مبالية.. موش بطال.



لا شك أنها سوف تحدث صاحبها في التليفون بعد دقائق في شأن هذه الغرفة.



و لا شك بعد ذلك أنها سوف تنسى الموضوع.



ثم إنها لن تفاجأ كثيرا حينما تطرق بابها عربة الأثاث تحمل إليها غرفة النوم الأنيقة.



و لا شك أنها سوف تتمدد عليها كقطة. و لا شك أنها سوف تتثاءب في ملل بعد دقائق.. ثم ما تلبث أن تفقد الشعور بجمالها و طرافتها.



فإنها كالعادة.. كل شيء تملكه ما تلبث أن تزهده.



ثم يعود كابوس الملل و الضجر.. و الزمن الثقيل الذي يجرجر قطار اللاجدوى يضغط على أعصابها.



لا تحتقروها يا سادة.



و لكن أشفقوا عليها.



فإن الله لم يحتقر شيئا حين خلقه.



و لو أنه احتقر شأنها لما خلقها من
البداية. و لكن كل ما في الأمر.. أنها امرأة مدللة لم تجد الأب الذي يؤدبها
و لا الأم التي تنهرها و لا الدنيا التي تقهرها.



و لكن الله لا يهمل أحدا..



و قد كتب على نفسه في أزله الرحمة للجميع.



و قال عن نفسه أنه الرب لا رب سواه.. و قد اقتضت رحمته أن يقسو أحيانا على بعض خلقه ليصلحهم..



فإنه لا يرضى أن تكون لنا عيون و لا نبصر و تكون لنا آذان و لا نسمع.



و قد شق اللحم ليفتح عيون الأجنة في الأرحام كما شق الرءوس ليفتح مجاري الآذان.



و قد شاء ربنا عناية منه بهذه المرأة أن يرحمها.



فصحت الجميلة ذات صباح لتكتشف أنها مسلوبة نعمة البصر.



انطبقت الظلمة على عينيها تماما فلم تعد تبصر شيئا.



و صرخت و بكت و ارتعدت رعبا.



و اجتمع على رأس فراشها طب الأمريكان و الإنجليز و الفرنسيين و الأسبان.



و تداول علماء الشرق و الغرب و انفضوا و هم يقلبون الأكف يأسا و عجزا.



و لا شفاء..



و لا حل..



و لا أمل في حل..



و في الظلمة المطبقة المطلقة.. كانت تتحسس وجه حبيبها و تبكي في حرقة و تهمس.



هل تصدق أني لم أرى وجهك.. حينما كانت لي عينان و حينما كان لي بصر لم أكن أراك.



لم أكن أرى سوى رغباتي.



لم أكن أشعر إلا بنفسي.



لم أكن أرى أحدا.



كان العالم كله مجموعة من المرايا لا أرى فيها إلا وجهي أنا.. و جمالي أنا.. و رغباتي أنا..



اليوم فقط أحاول أن أستشف ملامحك بأناملي و أحاول أن أتعرف عليك.. و أحاول أن أقترب منك.



يا حبيبي كم أتمنى أن أراك.. و أن أعاشر وجهك بعيني.



و بكت و غسلت يديه بدموعها.



صدقوها يا سادة.



فهذه أول مرة تطلب شيئا بحق و تتمنى شيئا بحق.. و تشعر على وجه اليقين أن هناك شيئا يسعدها.



صدقوها... و اسألوا لها الشفاء.



فاليوم ولدت إنسانيتها.. بفعل من أفعال الرحمة الإلهية.. و بسر من أسرار الله الذي يخفي رحمته في عذابه.

........

د.مصطفى محمود
أناشيد الإثم والبراءة







http://www.facebook.com/?ref=hp#!/dr.mostafa.mahmoud

 

 

__________________

 


لم يكتشف الطغاة بعد سلاسل تكبل العقول... اللورد توماس

نوره عبدالرحمن "سما" غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
محمود, أراد, مصطفى, من, يرحمها


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
رحلتى من الشك إلي الإيمان ( د. مصطفى محمود ) نوره عبدالرحمن "سما" القاعة الكبرى ( القضايا العامة وملتقى الاعضاء ) 0 12-09-2010 12:59 AM
العذاب ليس له طبقة ( من روائع الدكتور مصطفى محمود ) نوره عبدالرحمن "سما" القاعة الكبرى ( القضايا العامة وملتقى الاعضاء ) 0 21-08-2010 02:32 AM
لغز الموت ! ( مصطفى محمود ) نوره عبدالرحمن "سما" القاعة الكبرى ( القضايا العامة وملتقى الاعضاء ) 0 16-08-2010 05:16 PM
الدكتور مصطفى محمود .. و كيف تحرر نفسك من الخوف ؟؟ نوره عبدالرحمن "سما" القاعة الكبرى ( القضايا العامة وملتقى الاعضاء ) 0 11-07-2010 03:19 PM
البرمجة العقلية -د. مصطفى محمود نوره عبدالرحمن "سما" القاعة الكبرى ( القضايا العامة وملتقى الاعضاء ) 0 03-06-2010 02:46 PM


الساعة الآن 05:52 PM


طلب تنشيط العضوية - هل نسيت كلمة المرور؟
الآراء والمشاركات المدونة بالشبكة تمثل وجهة نظر صاحبها
7 9 244 247 267 268 269 270 271 272 273 274 275 276 277 278 279 280 281 282 283 284 285 286 287 289 290 291 292