شبكة الدراما والمسرح الكويتية الخليجية > القاعات العامة والإدارية > القاعة الكبرى ( القضايا العامة وملتقى الاعضاء ) > حميركوفون - قصة قصيرة
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 08-07-2009, 03:15 PM   #1 (permalink)
عضو شبكة الدراما والمسرح
 
 العــضوية: 2592
تاريخ التسجيل: 23/03/2009
المشاركات: 41

افتراضي حميركوفون - قصة قصيرة


حـميركوفـون
نظر "حمريرو" الصغير إلى كومة البرسيم المبعثرة أمامه على الأرض وقد أنفت نفسه أكلها أو حتى تذوقها.. إكفهر وجهه وانتفخت أوداجه وخرج الزبد من فمه الطويل.. تراجع خطوات.. يهز أذنيه معترضا.. يلوح بذيله محتجا.. فقد أنفت نفسه هذه الحياة الحميرية.. يعمل طوال النهار.. يحمل العنب على ظهره ولا يستطيع تذوقه.. يتصبب جلده عرقا من حرارة الجو فيتمرغ فى التراب ليجففه.. يجر أحمالا أضعاف وزنه النحيل ولا يملك إلا النهيق.. يرى سيده وقد جلس تحت نخله من نخيل البلح.. يأكل منها ويرمى له بالنواه.. يلتقطها بفمه المتدلى.. يهرسها بين فكيه انتقاما.. ينظر بعدها لسيده شذرا.. يهز ذيله.. ليس سعادة.. ولكن توعدا.. وفى آخر النهار.. يجره سيده جراً إلى ذلك الإسطبل القذر فيلقى به مع أبيه.. فتارة يأخذه هو وتارة أخرى يأخذ أباه.. وهناك فى الاسطبل.. لا يوجد سوى البرسيم والتبن عشاء لهما.. تلك هى حياته التى تذمر منها.
تقدم فى غضب ناحية البرسيم.. وبنهيق يقطع الأفئدة بعثر تلك الكومة بقدمه.. واحمرت أذناه حتى صارتا بلون أحمال الطماطم التى كان يحملها.. واصفر وجهه فصار بلون العنب المحروم منه.. خرج من أنفه هواء زفير ساخن كاد يحرق أكوام القش الجافة المملوء بها الاسطبل..
وبحركة بهلوانية أخذ يضرب بحوافره الأرض تاره والجدار تارة أخرى.. ثم عاد وأخذ يعدو فى دوائر ضيقة كالمجنون.
وفجأة.. توقف عن هذه المظاهر الصاخبة.. وارتفعت أذناه ثم تدلتا مرة أخرى.. انفرجت أسارير وجهه بطوله.. وساد صمت رهيب لم يحطمه سوى حشرجة أنفاسه اللاهثة… فقد طرأت له فكرة مدهشة على مخه الحميرى..
أراد أن يتأكد مرة أخرى من نجاحها.. فعاد ناحية الجدار فى تؤده.. وفى نشوة "حميرية" لا تضاهيها نشوة.. بدأ ينهق.. يرفع رأسه لأعلى.. يهز أذنيه يمينا ويسارا فتلطم عينيه.. يطيل فى النهيق تارة ويقطعه فى دندنه حميرية تارة أخرى.. تختلط دقاته بنهقاته فيتجلى.. وتخرج زفراته تعصف بالأخضر واليابس تنثره هنا وهناك كيوم عاصف من شهر "أمشير".
لقد اكتشف "حمريرو" فى صوته وألحانه موهبة مدفونة لابد من إخراجها.. سيرفض هذه الحياة الحميرية بقوة حوافره..
سيخرج من هذا المكان.. سيتآمر على حياة البرسيم والتبن.. لقد دفن سيده موهبته فى ذلك الاسطبل اللعين وهذا العمل الشاق.. لقد فعلها غيره.. وها هم الآن يعيشون فى رغد من العيش والرفاهية.. يمتلك الواحد منهم أكثر من اسطبل خاص.. ومئات من "البرادع" المزينة والمطلية بالذهب الخالص.. وحوله آلاف من المعجبات بنهيقه الرائع.. يضربن بأرجلهن أرض الواقع.
اختمرت الفكرة فى رأس "حمريرو".. نعم سيغنى ويلحن.. سيفتح شركة كبيرة… سيسميها "حميركوفون".. سيسمع ألحانه وصوته الملايين.. ستأتيه المعجبات من كل حدب وصوب.. يتمايلن مع نهيقه.. ويرقصن على دقات حوافره.
نسى "حمريرو" نفسه.. فارتفع صوته بالنهيق مع الضرب الشديد بحوافره على حائط الاسطبل الضعيف..
وفجأة.. سقط الاسطبل وانهال على رأسه ورأس أبيه.. فأخذ يصرخ.. يحاول الخروج من تحت أكوام القش والخشب حتى وصل إليه سيده والشرر يتطاير من عينيه.. وأخذ يضربه بعنف.. فلقد هدم له الاسطبل الذى بناه بيده زمنا طويلا وأقسم وهو يضربه أن يبيعه بأبخس الأسعار..
نظر إليه "حمريرو" باستياء.. فلم يدرك أنه أمام سيد غبى لا يعيى معنى الموهبة والفن.. نظر إليه.. وحرك أذنيه.. وهز ذيله.. وأومأ برأسه الطويل وكأنه يقول له متوعدا:
- ولو .. سأغنى.. سأتخطاك كعقبة.. وستعرف من أنا.. وستسمع غدا عن "حميركوفون".

 

 

المغربي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
حنين- قصة قصيرة (المغربي) جريدة الأنباء 1996 المغربي القاعة الكبرى ( القضايا العامة وملتقى الاعضاء ) 1 24-09-2009 09:24 PM
قصة قصيرة و لكن مؤثرة زهراء القاعة الكبرى ( القضايا العامة وملتقى الاعضاء ) 1 14-09-2009 04:33 PM


الساعة الآن 11:48 AM


طلب تنشيط العضوية - هل نسيت كلمة المرور؟
الآراء والمشاركات المدونة بالشبكة تمثل وجهة نظر صاحبها
7 9 244 247 267 268 269 270 271 272 273 274 275 276 277 278 279 280 281 282 283 284 285 286 287 289 290 291 292