نوره عبدالرحمن "سما"
23-07-2010, 01:36 AM
المرأة والحكاية والتراث في المسرح السعودي
تجارب المسرحيين السعوديين مع كتابة النص المسرحي
«الشرق الأوسط» (http://www.aawsat.com/details.asp?section=19&issueno=11555&article=578634&feature=1)
انفض ملتقى المسرحيين السعوديين بعد أن ناقش الكثير من القضايا الملحة في المسرح السعودي، ولعل أهمها غياب أو تغييب المرأة في المسرح، كذلك دور الحكاية في النص المسرحي والتراث وغياب المؤسسية عن المسرح، بالإضافة إلى هاجس الرقابة الاجتماعية.
في ورقة الكاتب المسرحي محمد العثيم التي قدمها في الملتقى تحدث عن تجربته مع المفردة المسرحية، بقوله: «إننا أحوج ما نكون إلى فلسفة مسرحية أكثر من حاجتنا إلى المسرح نفسه، فجمهورنا بحاجة إلى معرفة تامة بالمسرح».
إن الوضع القائم في المسرح السعودي، هو بالنسبة إليه أشبه بحالة النشوة التي قد تصاحب بعض الرقصات الشعبية التي يبدأ فيها الراقصون بترديد كلمات معينة دون أن يعوا معناها لأنهم في حالة نشوة مفرطة.
وفي ورقة بعنوان «إشكالية تغييب العنصر النسائي في النص المسرحي السعودي» طرح الكاتب المسرحي محمد السحيمي السؤال الأهم في ملتقى النص المسرحي وهو: «ما سر غياب المرأة في المسرح السعودي؟» وهل السبب وراء ذلك رضوخ كاتب النص المسرحي للعادات أو الإرادة الاجتماعية التي ترفض ظهور المرأة على خشبة المسرح؟
ويعلق السحيمي على ذلك بقوله: «هذه هي الإجابة السهلة التي كنا نتعاطاها كل هذه السنين. لكن ماذا لو عكسنا الصورة، أي أن نقول: إن الكاتب بادر إلى تغييب المرأة على مستوى النص، مما أدى إلى تكريس ثقافة التغييب في المجتمع». لكن المجتمع، كما يلاحظ، الذي يرفض المرأة على المسرح قبلها منذ البداية في الدراما التلفزيونية، والسبب بحسب السحيمي أن السينارست لم يغيب المرأة هناك بينما غيبها على المسرح.
ويضيف السحيمي: «إن تنازل الكاتب عن العنصر النسائي أدى إلى سلسلة من التنازلات الأخرى كالتنازل عن الموسيقى والموضوعات التي لا يقبلها المجتمع والقاعات المسرحية الحقيقية فصار يؤدي بروفاته المسرحية في مواقف السيارات، وتنازل عن معاهد أكاديمية لأنه تواطأ مع المجتمع فغاب المسرح».
* الحكاية في النص المسرحي
* يقول الناقد محمد العباس في الورقة التي قدمها للملتقى وطرح فيها دراسة نقدية لبعض المسرحيات التي قدمها الكاتب المسرحي سامي الجمعان: إنه منذ عبارة أنتونان آرتو (سنقوم بالإخراج دون أن نلقي بالا بالنص) صار المسرح المعاصر يتعامل مع النص على أساس كونه مجرد منتج موضوعي، وبالتالي فهو ليس الركيزة في اللعبة المسرحية، حسب القراءات الحداثية وما بعدها، بل هو خارجها، مقابل الخبرات الرؤيوية والمعرفية والجمالية للمخرج، بالإضافة إلى أدائيات الممثل.
ويضيف قائلا: «النصوص المسرحية الحديثة لا تستقر إلا بعد أن يصبغها المخرج ببصمته، ويعبث الممثلون بسياقاتها، لأنها لا تكتب أصلا لتقرأ، إنما لتؤدى..
هكذا ينبغي أن تؤلف كل شخصية شخصيتها، وترسم دورها في العرض، بمعنى تأويل الشكل الذي ينبغي أن تكون عليه. إن سامي الجمعان يتخفف من دوره الاستحواذي كمؤلف، ليقوم بمهمة إعادة ترتيب الأفعال والصور والمشاهد، ويبقي على مساحة معقولة للحذف والتعديل والإضافة، فالمعالجة النصية عملية إبداعية تقوم على التركيب المعماري التصاعدي، الذي يسمح للنص ككائن بيولوجي بالنمو والتكامل. وذلك هو الكفيل بتحريك المختبرات المسرحية، المفتوحة على الخبرات الثقافية للخطاب التمثيلي، وتجاوز المختبرات النصية، بمعناها المعتاد، الرافلة في الكلامية، فكلمة المؤلف، حسب بريشت غير مقدسة أكثر مما هي حقيقية، والمسرح ليس خادما للمؤلف، بل للمجتمع».
ويرى سامي الجمعان رئيس جمعية الثقافة والفنون بالإحساء أن من أهم أسباب نجاح النص المسرحي هو الحكاية التي يتضمنها النص، فحضورها أمر بالغ الأهمية، ويقول: «في خضم بحثي عن أسرار النص المسرحي لفتني سر الحكايات فيه وقدرتها العجيبة على التغلغل في ثناياه والتعاضد مع عناصره الأخرى إلى حد التشابك والاندماج. وقد قرأت نصوصا لا حصر لها استلهمت الحكاية بشتى صنوفها: شعبية، خرافية، سيرية».
وهذه الحكائية، كما يقول، أخذته إلى عوالم التناصات والاقتباسات وتداخل الأجناس الأدبية وتعالقها، مما جعل النص الأدبي في نظره مدى لا سياج له، ويضيف: «جماليات النص المسرحي تكمن في قدرته على قبول مختلف الأجناس الإبداعية الأخرى، ومرونته في ابتلاعها في أفقه الشاسع، وهي رخصة يمنحها النص المسرحي للكتاب كي يتعلموا منها آلية قبول الرأي والرأي الآخر، وإمكانية أن يكون منتجك الإبداعي مزيجا من خبراتك وخبرات الآخرين».
ويذكر الجمعان أن الوفاء للحكاية في نصوصه المسرحية جزء من بنيته الأساسية وواحد من روافده التي لا فرار منها، وإن كانت الحكاية في جانبها التوظيفي مغامرة يحفها الخطر إذا لم يتمكن الكاتب المسرحي المستلهم أو الموظف من تخليص الحكاية من سلطة السرد وقوة حضوره، ولم يتمكن من بث الروح الدرامية وبعثها في السرد، وتحريك الساكن في النص الحكائي الأصلي ودمجه في اشتراطات المنظور المسرحي القائم على تثوير الإمكانات البصرية وتكنولوجيا الصورة والحركة، فالمسرح صورة لا كلمة مؤداة فحسب.
* حكاية مسرح الممثل الواحد
* أما الكاتب عبد العزيز الصقعي، فتحدث عن علاقته الطويلة بالمسرح. ويقول عن ذلك: أشعر بأن كل عرض مسرحي أشاهده يفتح نافذة على حياة مذهلة غالبا لا أعيشها. لم تكن هنالك مسارح في مدينة الطائف، بل مشاهد مسرحية تقدم بين فقرات الحفلات المدرسية. هنالك بعض المسرحيات يعرضها التلفزيون السعودي، لذا فعندما سنحت لي فرصة دراسة اللغة الإنجليزية في بريطانيا فترة الصيف، وأنا في سنتي الجامعية الأولى في 1978، ولسد عجز إتقان اللغة الإنجليزية التحقت بمعهد اللغة والذي يقع في مدينة (نورج) شمال شرق لندن.. فكان يقيم بعض الأنشطة، والفعاليات، ومن ضمنها، حضور بعض المسرحيات، بأنواعها المتعددة: الكلاسيكي، البانتومايم الإيمائي، وغيرها. كانت لغتي بسيطة، فلم أكن أستوعب تلك الأعمال كنصوص، ولكن كنت أستمتع بالعروض المسرحية، منها مسرحية الممثل الواحد، بعد ذلك بدأت أبحث في تراثنا العربي عن شيء مشابه، هنا تذكرت الراوي أو الحكواتي ذلك العربي الذي يسرد قصص ألف ليلة وليلة وتغريبة بني هلال والزير سالم، وقد سمعنا عن ابن المغازلي وغيره من الرواة والحكواتية في تراثنا العربي، بالطبع هناك اختلاف كبير بين الحكواتي، وممثل مسرحية الشخص الواحد.
فالحكواتي يتحدث فقط، ربما يغاير بعضهم بين نبرات صوته، فيتحرك قليلا يصرخ يبكي، لكن يبقى يتحدث، أما مسرحية الممثل الواحد، فهنالك شخص رجل أو امرأة، يتحرك، وبالطبع يتحدث، لكنه حديث بنسق خاص.
بعد ذلك تعرفت على المونودراما، ومع الزمن بدأ يتضح لي كثير من الأجوبة حول هذا المسرح، فهو قد يكون مريحا ولا يكلف كثيرا، ربما لا يحتاج العرض إلا لممثل واحد ومخرج واحد، وشخص يقوم بمساعدة المخرج في الإضاءة والصوت، إذن هي وسيلة للتقشف وتوفير المصاريف.
ويضيف يبقى الأمر الأهم هو قدرة الممثل على تقديم النص وحيدا، فمن دون الحضور المسرحي للممثل، سيفشل العمل، أمر آخر وهو أنه يجب أن يتقبل الجمهور الممثل ويتابعه، ويجب على الممثل أن يهتم بإيقاع العمل، إن مجرد صمته للحظات أو خفوت صوته، سيتسبب بتسرب النعاس إلى أجفان الحضور، وهذا ما نشاهده في كثير من المحاضرات، وبالذات عندما يكون الإلقاء رتيبا، لذا يجب على الممثل أن يتحرك، ويواجه الجمهور، يتلاعب بأعصابهم، يجعلهم يضحكون، ويبكون، يمتعهم، حتى إن بعض الممثلين يمارسون الرقص.
يقول الصقعبي: كنت أنتظر فرصة الاقتراب من المسرح والمشاركة فيه، في الوقت ذاته كنت أبحث عما هو مختلف، وعندما كتبت نصوصا مسرحية كانت علاقتي بالمسرح علاقة متفرج فقط، ولم أكن بعيدا عن الكتابة، ففي وقتها كنت أنشر قصصا قصيرة في أغلب الصحف.
ويضيف: لكنه كان ثمة متعة خاصة بالمسرح، عرفتها كثيرا عندما صفق الجمهور بعد انتهاء العرض، فمع كل عرض أشعر بمتعة الانطباع المباشر لدى المتلقي.
وعن مشاركته في الملتقى يقول المؤلف والمخرج المسرحي فهد ردة الحارثي: حدث عام 1983 أن المؤلف عبد العزيز الصقعبي كان منهمكا في كتابة نصه المسرحي «صفعة في المرأة» وتحدث لي عن تجربته في النص وأنه يعتزم تقديمه مع الفنان راشد الشمراني ممثلا وعبد العزيز الرشيد مخرجا، قلت له وعلامات التعجب ترتسم على وجهي: ممثل واحد يا عبد العزيز!! حكي لي مرة أخرى عن تجربة مسرح الشخص الواحد عالميا وعربيا: كان عبد العزيز حكاء عظيما، فلم تمر فترة طويلة حتى كان مسرح جمعية الطائف مشتعلا بحركة بروفات العمل، ويوم العرض كنت أجلس قريبا أحاول أن أتلمس خلاصة التجربة ووقعها على المتلقي، ترك وقع التجربة ونجاحها أثره الكبير لدرجة أنها ظلت لفترة طويلة تتعرض لمحاولات استنساخ دون أن تنجح هذه المحاولات.
مرت سنوات قبل أن أتجرأ على أن أقدم عمل المونودراما الأول لي، حتى تهيأ لي ذلك عندما كنا في عام 1996 وكنا نشارك في الجنادرية ونسكن داخلها في طقس معماري خاص: بيت شعبي.. رواق.. أعمدة.. فناء تحيط به الغرف.. طقس معماري شعبي ملهم، هذا الطقس المعماري أوحى لنا بفكرة عمل حالة من التمسرح عليه، فكان نص مسرحية «زبن خليك رجال» بفكرته البسيطة.
* التراث في النص المسرحي
* المسرحي المخضرم عبد العزيز السماعيل يقول في ورقته التي قدمها في الملتقى: «تربيت في بيئة شعبية فلاحية عريقة في منزل صغير في حارة شعبية مليئة بالناس والعادات والتقاليد الشعبية الجميلة.. وعملت في النخيل مع والدي وتعلمت منه فنون الزراعة وعمارة النخل وعشقه وأغاني الفلاحين وأهازيجهم منذ نعومة أظافري.. ما زلت أشعر بالحنين إلى هناك، يوم كنت أصحو في كل فجر لأساعد والدي في جني الرطب أو صرام التمر أو العناية بالنخيل كل يوم.. وعملت في مجال البناء العربي وأنا طالب صغير مع من يكبرني سنا بكثير.. تعبت كثيرا معهم ولكني تعلمت منهم الكثير من عاداتنا وتقاليدنا الصارمة وسمعت منهم أيضا الكثير من الحكايات والمواقف الطريفة الحالمة. وعندما بدأت تأليف النصوص المسرحية والدراما للتلفزيون بعد تجربة التمثيل الطويلة في المسرح لم أكن أدرك تأثير ماهية ذلك المكون الثقافي وأهميته في تجربتي الخاصة إلا بعدما كتبت أو ألفت عددا من النصوص المسرحية والدرامية، حيث أصبحت صورة الأثر والتراث واضحة وجلية لدى من قرأ أو شاهد عرض مسرحيا من تأليفي قبل أن أتبناها أنا بنفسي». ويشير إلى أنه عندما أدرك صدق وجود تلك الخاصية جيدا كان لا بد من تتبعها نقديا وفنيا لإدراك المعني الحقيقي لها وقيمتها وبالتالي التعامل معها كخاصية مميزة في كتابة النص المسرحي والدرامي مستقبلا.
ويتابع: «كان ذلك الإحساس الواعي بسكون التراث الشعبي في تفكيري وفي علاقتي بالفن قد بدأ يتشكل بالفعل أثناء وبعد كتابة نص مسرحية «المغني فرج» عام 1999 بالتحديد والتي عشت في كتابته تجربة مثالية ممتعة أتاحت لي فرصة التعبير كثيرا عن مدى حبي وشغفي بالتراث الشعبي وتعلقي به. كنت فخورا بهذه العلاقة وممتنا لها في هذا النص الذي حاولت فيه كشف الخلل والتناقض الحاصل في ثقافة مجتمعنا التي تطورت بسرعة إلى ما يشبه حد القطيعة مع التراث وموروثه الفني بشكل عام والغناء الشعبي بشكل خاص».
وهو يرى أن الاندفاع نحو التراث بدافع العاطفة فقط والإحساس بالانتماء أو الرغبة في توظيفه لأجل التوظيف فقط لن يقدم في أحسن الأحوال سوى نتائج ساكنة وربما عكسية مسطحة هي أقرب إلى ردود الأفعال العابرة منها إلى نتائج ثابتة ومفيدة وقابلة للاستمرار في الحياة، وهو الأهم.
* ظروف المسرح في السعودية
* تقول الشاعرة والكاتبة المسرحية حليمة مظفر في ورقة العمل التي قدمتها في الملتقى عن ظروف الكتابة المسرحية في المسرح السعودي: إن الكاتب المسرحي السعودي دون غيره، قد يقع ضحية لتآمر ظروف المسرح في مجتمعه، فتغرر به وتوقعه في هذه الإشكاليات، ومن أهم هذه الظروف العلاقة المتوجسة والمرتابة من قبل المجتمع والرقيب الرسمي مع المسرح السعودي، نتيجة التخوف «من تحوله إلى أداة هدم لعاداته». وتضيف: «أن هذه الرؤية تتسبب في حالة شديدة من القلق والإرباك لأدوات الكاتب أثناء عملية بناء نصه المسرحي، والذي لن يكتب له الحياة بمعزل عن المجتمع، فهذه الحالة من القلق قد تنعكس بدورها على ملامح النص، نتيجة قلق الرقيب الذاتي لدى الكاتب، فيهدم قبل أن يبني، خوفا من المساس بالدوائر الحمراء أثناء فعل الكتابة، مثل استخدام (المرأة) التي لا يسمح بوجودها ممثلة على منصة المسرح السعودي». وتشير مظفر إلى أن هناك عاملين آخرين، هما من أهم العوامل إرباكا وقلقا للكاتب المسرحي، وتتضح ملامح تأثيرهما على النص المسرحي السعودي، وهما غياب الدراسة الأكاديمية المتخصصة للمسرح، ما يضطره لأن يجتهد في تكوين أدواته المعرفية الدرامية، بجانب غياب المسرح السعودي ككائن مكاني يحتل موقعا في ثقافة الشارع السعودي وكفعل اجتماعي منظم.
تجارب المسرحيين السعوديين مع كتابة النص المسرحي
«الشرق الأوسط» (http://www.aawsat.com/details.asp?section=19&issueno=11555&article=578634&feature=1)
انفض ملتقى المسرحيين السعوديين بعد أن ناقش الكثير من القضايا الملحة في المسرح السعودي، ولعل أهمها غياب أو تغييب المرأة في المسرح، كذلك دور الحكاية في النص المسرحي والتراث وغياب المؤسسية عن المسرح، بالإضافة إلى هاجس الرقابة الاجتماعية.
في ورقة الكاتب المسرحي محمد العثيم التي قدمها في الملتقى تحدث عن تجربته مع المفردة المسرحية، بقوله: «إننا أحوج ما نكون إلى فلسفة مسرحية أكثر من حاجتنا إلى المسرح نفسه، فجمهورنا بحاجة إلى معرفة تامة بالمسرح».
إن الوضع القائم في المسرح السعودي، هو بالنسبة إليه أشبه بحالة النشوة التي قد تصاحب بعض الرقصات الشعبية التي يبدأ فيها الراقصون بترديد كلمات معينة دون أن يعوا معناها لأنهم في حالة نشوة مفرطة.
وفي ورقة بعنوان «إشكالية تغييب العنصر النسائي في النص المسرحي السعودي» طرح الكاتب المسرحي محمد السحيمي السؤال الأهم في ملتقى النص المسرحي وهو: «ما سر غياب المرأة في المسرح السعودي؟» وهل السبب وراء ذلك رضوخ كاتب النص المسرحي للعادات أو الإرادة الاجتماعية التي ترفض ظهور المرأة على خشبة المسرح؟
ويعلق السحيمي على ذلك بقوله: «هذه هي الإجابة السهلة التي كنا نتعاطاها كل هذه السنين. لكن ماذا لو عكسنا الصورة، أي أن نقول: إن الكاتب بادر إلى تغييب المرأة على مستوى النص، مما أدى إلى تكريس ثقافة التغييب في المجتمع». لكن المجتمع، كما يلاحظ، الذي يرفض المرأة على المسرح قبلها منذ البداية في الدراما التلفزيونية، والسبب بحسب السحيمي أن السينارست لم يغيب المرأة هناك بينما غيبها على المسرح.
ويضيف السحيمي: «إن تنازل الكاتب عن العنصر النسائي أدى إلى سلسلة من التنازلات الأخرى كالتنازل عن الموسيقى والموضوعات التي لا يقبلها المجتمع والقاعات المسرحية الحقيقية فصار يؤدي بروفاته المسرحية في مواقف السيارات، وتنازل عن معاهد أكاديمية لأنه تواطأ مع المجتمع فغاب المسرح».
* الحكاية في النص المسرحي
* يقول الناقد محمد العباس في الورقة التي قدمها للملتقى وطرح فيها دراسة نقدية لبعض المسرحيات التي قدمها الكاتب المسرحي سامي الجمعان: إنه منذ عبارة أنتونان آرتو (سنقوم بالإخراج دون أن نلقي بالا بالنص) صار المسرح المعاصر يتعامل مع النص على أساس كونه مجرد منتج موضوعي، وبالتالي فهو ليس الركيزة في اللعبة المسرحية، حسب القراءات الحداثية وما بعدها، بل هو خارجها، مقابل الخبرات الرؤيوية والمعرفية والجمالية للمخرج، بالإضافة إلى أدائيات الممثل.
ويضيف قائلا: «النصوص المسرحية الحديثة لا تستقر إلا بعد أن يصبغها المخرج ببصمته، ويعبث الممثلون بسياقاتها، لأنها لا تكتب أصلا لتقرأ، إنما لتؤدى..
هكذا ينبغي أن تؤلف كل شخصية شخصيتها، وترسم دورها في العرض، بمعنى تأويل الشكل الذي ينبغي أن تكون عليه. إن سامي الجمعان يتخفف من دوره الاستحواذي كمؤلف، ليقوم بمهمة إعادة ترتيب الأفعال والصور والمشاهد، ويبقي على مساحة معقولة للحذف والتعديل والإضافة، فالمعالجة النصية عملية إبداعية تقوم على التركيب المعماري التصاعدي، الذي يسمح للنص ككائن بيولوجي بالنمو والتكامل. وذلك هو الكفيل بتحريك المختبرات المسرحية، المفتوحة على الخبرات الثقافية للخطاب التمثيلي، وتجاوز المختبرات النصية، بمعناها المعتاد، الرافلة في الكلامية، فكلمة المؤلف، حسب بريشت غير مقدسة أكثر مما هي حقيقية، والمسرح ليس خادما للمؤلف، بل للمجتمع».
ويرى سامي الجمعان رئيس جمعية الثقافة والفنون بالإحساء أن من أهم أسباب نجاح النص المسرحي هو الحكاية التي يتضمنها النص، فحضورها أمر بالغ الأهمية، ويقول: «في خضم بحثي عن أسرار النص المسرحي لفتني سر الحكايات فيه وقدرتها العجيبة على التغلغل في ثناياه والتعاضد مع عناصره الأخرى إلى حد التشابك والاندماج. وقد قرأت نصوصا لا حصر لها استلهمت الحكاية بشتى صنوفها: شعبية، خرافية، سيرية».
وهذه الحكائية، كما يقول، أخذته إلى عوالم التناصات والاقتباسات وتداخل الأجناس الأدبية وتعالقها، مما جعل النص الأدبي في نظره مدى لا سياج له، ويضيف: «جماليات النص المسرحي تكمن في قدرته على قبول مختلف الأجناس الإبداعية الأخرى، ومرونته في ابتلاعها في أفقه الشاسع، وهي رخصة يمنحها النص المسرحي للكتاب كي يتعلموا منها آلية قبول الرأي والرأي الآخر، وإمكانية أن يكون منتجك الإبداعي مزيجا من خبراتك وخبرات الآخرين».
ويذكر الجمعان أن الوفاء للحكاية في نصوصه المسرحية جزء من بنيته الأساسية وواحد من روافده التي لا فرار منها، وإن كانت الحكاية في جانبها التوظيفي مغامرة يحفها الخطر إذا لم يتمكن الكاتب المسرحي المستلهم أو الموظف من تخليص الحكاية من سلطة السرد وقوة حضوره، ولم يتمكن من بث الروح الدرامية وبعثها في السرد، وتحريك الساكن في النص الحكائي الأصلي ودمجه في اشتراطات المنظور المسرحي القائم على تثوير الإمكانات البصرية وتكنولوجيا الصورة والحركة، فالمسرح صورة لا كلمة مؤداة فحسب.
* حكاية مسرح الممثل الواحد
* أما الكاتب عبد العزيز الصقعي، فتحدث عن علاقته الطويلة بالمسرح. ويقول عن ذلك: أشعر بأن كل عرض مسرحي أشاهده يفتح نافذة على حياة مذهلة غالبا لا أعيشها. لم تكن هنالك مسارح في مدينة الطائف، بل مشاهد مسرحية تقدم بين فقرات الحفلات المدرسية. هنالك بعض المسرحيات يعرضها التلفزيون السعودي، لذا فعندما سنحت لي فرصة دراسة اللغة الإنجليزية في بريطانيا فترة الصيف، وأنا في سنتي الجامعية الأولى في 1978، ولسد عجز إتقان اللغة الإنجليزية التحقت بمعهد اللغة والذي يقع في مدينة (نورج) شمال شرق لندن.. فكان يقيم بعض الأنشطة، والفعاليات، ومن ضمنها، حضور بعض المسرحيات، بأنواعها المتعددة: الكلاسيكي، البانتومايم الإيمائي، وغيرها. كانت لغتي بسيطة، فلم أكن أستوعب تلك الأعمال كنصوص، ولكن كنت أستمتع بالعروض المسرحية، منها مسرحية الممثل الواحد، بعد ذلك بدأت أبحث في تراثنا العربي عن شيء مشابه، هنا تذكرت الراوي أو الحكواتي ذلك العربي الذي يسرد قصص ألف ليلة وليلة وتغريبة بني هلال والزير سالم، وقد سمعنا عن ابن المغازلي وغيره من الرواة والحكواتية في تراثنا العربي، بالطبع هناك اختلاف كبير بين الحكواتي، وممثل مسرحية الشخص الواحد.
فالحكواتي يتحدث فقط، ربما يغاير بعضهم بين نبرات صوته، فيتحرك قليلا يصرخ يبكي، لكن يبقى يتحدث، أما مسرحية الممثل الواحد، فهنالك شخص رجل أو امرأة، يتحرك، وبالطبع يتحدث، لكنه حديث بنسق خاص.
بعد ذلك تعرفت على المونودراما، ومع الزمن بدأ يتضح لي كثير من الأجوبة حول هذا المسرح، فهو قد يكون مريحا ولا يكلف كثيرا، ربما لا يحتاج العرض إلا لممثل واحد ومخرج واحد، وشخص يقوم بمساعدة المخرج في الإضاءة والصوت، إذن هي وسيلة للتقشف وتوفير المصاريف.
ويضيف يبقى الأمر الأهم هو قدرة الممثل على تقديم النص وحيدا، فمن دون الحضور المسرحي للممثل، سيفشل العمل، أمر آخر وهو أنه يجب أن يتقبل الجمهور الممثل ويتابعه، ويجب على الممثل أن يهتم بإيقاع العمل، إن مجرد صمته للحظات أو خفوت صوته، سيتسبب بتسرب النعاس إلى أجفان الحضور، وهذا ما نشاهده في كثير من المحاضرات، وبالذات عندما يكون الإلقاء رتيبا، لذا يجب على الممثل أن يتحرك، ويواجه الجمهور، يتلاعب بأعصابهم، يجعلهم يضحكون، ويبكون، يمتعهم، حتى إن بعض الممثلين يمارسون الرقص.
يقول الصقعبي: كنت أنتظر فرصة الاقتراب من المسرح والمشاركة فيه، في الوقت ذاته كنت أبحث عما هو مختلف، وعندما كتبت نصوصا مسرحية كانت علاقتي بالمسرح علاقة متفرج فقط، ولم أكن بعيدا عن الكتابة، ففي وقتها كنت أنشر قصصا قصيرة في أغلب الصحف.
ويضيف: لكنه كان ثمة متعة خاصة بالمسرح، عرفتها كثيرا عندما صفق الجمهور بعد انتهاء العرض، فمع كل عرض أشعر بمتعة الانطباع المباشر لدى المتلقي.
وعن مشاركته في الملتقى يقول المؤلف والمخرج المسرحي فهد ردة الحارثي: حدث عام 1983 أن المؤلف عبد العزيز الصقعبي كان منهمكا في كتابة نصه المسرحي «صفعة في المرأة» وتحدث لي عن تجربته في النص وأنه يعتزم تقديمه مع الفنان راشد الشمراني ممثلا وعبد العزيز الرشيد مخرجا، قلت له وعلامات التعجب ترتسم على وجهي: ممثل واحد يا عبد العزيز!! حكي لي مرة أخرى عن تجربة مسرح الشخص الواحد عالميا وعربيا: كان عبد العزيز حكاء عظيما، فلم تمر فترة طويلة حتى كان مسرح جمعية الطائف مشتعلا بحركة بروفات العمل، ويوم العرض كنت أجلس قريبا أحاول أن أتلمس خلاصة التجربة ووقعها على المتلقي، ترك وقع التجربة ونجاحها أثره الكبير لدرجة أنها ظلت لفترة طويلة تتعرض لمحاولات استنساخ دون أن تنجح هذه المحاولات.
مرت سنوات قبل أن أتجرأ على أن أقدم عمل المونودراما الأول لي، حتى تهيأ لي ذلك عندما كنا في عام 1996 وكنا نشارك في الجنادرية ونسكن داخلها في طقس معماري خاص: بيت شعبي.. رواق.. أعمدة.. فناء تحيط به الغرف.. طقس معماري شعبي ملهم، هذا الطقس المعماري أوحى لنا بفكرة عمل حالة من التمسرح عليه، فكان نص مسرحية «زبن خليك رجال» بفكرته البسيطة.
* التراث في النص المسرحي
* المسرحي المخضرم عبد العزيز السماعيل يقول في ورقته التي قدمها في الملتقى: «تربيت في بيئة شعبية فلاحية عريقة في منزل صغير في حارة شعبية مليئة بالناس والعادات والتقاليد الشعبية الجميلة.. وعملت في النخيل مع والدي وتعلمت منه فنون الزراعة وعمارة النخل وعشقه وأغاني الفلاحين وأهازيجهم منذ نعومة أظافري.. ما زلت أشعر بالحنين إلى هناك، يوم كنت أصحو في كل فجر لأساعد والدي في جني الرطب أو صرام التمر أو العناية بالنخيل كل يوم.. وعملت في مجال البناء العربي وأنا طالب صغير مع من يكبرني سنا بكثير.. تعبت كثيرا معهم ولكني تعلمت منهم الكثير من عاداتنا وتقاليدنا الصارمة وسمعت منهم أيضا الكثير من الحكايات والمواقف الطريفة الحالمة. وعندما بدأت تأليف النصوص المسرحية والدراما للتلفزيون بعد تجربة التمثيل الطويلة في المسرح لم أكن أدرك تأثير ماهية ذلك المكون الثقافي وأهميته في تجربتي الخاصة إلا بعدما كتبت أو ألفت عددا من النصوص المسرحية والدرامية، حيث أصبحت صورة الأثر والتراث واضحة وجلية لدى من قرأ أو شاهد عرض مسرحيا من تأليفي قبل أن أتبناها أنا بنفسي». ويشير إلى أنه عندما أدرك صدق وجود تلك الخاصية جيدا كان لا بد من تتبعها نقديا وفنيا لإدراك المعني الحقيقي لها وقيمتها وبالتالي التعامل معها كخاصية مميزة في كتابة النص المسرحي والدرامي مستقبلا.
ويتابع: «كان ذلك الإحساس الواعي بسكون التراث الشعبي في تفكيري وفي علاقتي بالفن قد بدأ يتشكل بالفعل أثناء وبعد كتابة نص مسرحية «المغني فرج» عام 1999 بالتحديد والتي عشت في كتابته تجربة مثالية ممتعة أتاحت لي فرصة التعبير كثيرا عن مدى حبي وشغفي بالتراث الشعبي وتعلقي به. كنت فخورا بهذه العلاقة وممتنا لها في هذا النص الذي حاولت فيه كشف الخلل والتناقض الحاصل في ثقافة مجتمعنا التي تطورت بسرعة إلى ما يشبه حد القطيعة مع التراث وموروثه الفني بشكل عام والغناء الشعبي بشكل خاص».
وهو يرى أن الاندفاع نحو التراث بدافع العاطفة فقط والإحساس بالانتماء أو الرغبة في توظيفه لأجل التوظيف فقط لن يقدم في أحسن الأحوال سوى نتائج ساكنة وربما عكسية مسطحة هي أقرب إلى ردود الأفعال العابرة منها إلى نتائج ثابتة ومفيدة وقابلة للاستمرار في الحياة، وهو الأهم.
* ظروف المسرح في السعودية
* تقول الشاعرة والكاتبة المسرحية حليمة مظفر في ورقة العمل التي قدمتها في الملتقى عن ظروف الكتابة المسرحية في المسرح السعودي: إن الكاتب المسرحي السعودي دون غيره، قد يقع ضحية لتآمر ظروف المسرح في مجتمعه، فتغرر به وتوقعه في هذه الإشكاليات، ومن أهم هذه الظروف العلاقة المتوجسة والمرتابة من قبل المجتمع والرقيب الرسمي مع المسرح السعودي، نتيجة التخوف «من تحوله إلى أداة هدم لعاداته». وتضيف: «أن هذه الرؤية تتسبب في حالة شديدة من القلق والإرباك لأدوات الكاتب أثناء عملية بناء نصه المسرحي، والذي لن يكتب له الحياة بمعزل عن المجتمع، فهذه الحالة من القلق قد تنعكس بدورها على ملامح النص، نتيجة قلق الرقيب الذاتي لدى الكاتب، فيهدم قبل أن يبني، خوفا من المساس بالدوائر الحمراء أثناء فعل الكتابة، مثل استخدام (المرأة) التي لا يسمح بوجودها ممثلة على منصة المسرح السعودي». وتشير مظفر إلى أن هناك عاملين آخرين، هما من أهم العوامل إرباكا وقلقا للكاتب المسرحي، وتتضح ملامح تأثيرهما على النص المسرحي السعودي، وهما غياب الدراسة الأكاديمية المتخصصة للمسرح، ما يضطره لأن يجتهد في تكوين أدواته المعرفية الدرامية، بجانب غياب المسرح السعودي ككائن مكاني يحتل موقعا في ثقافة الشارع السعودي وكفعل اجتماعي منظم.