المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مذكرات أسير كويتي في المعتقلات العراقيه


بيت العائلة
02-08-2012, 09:59 AM
الحمد لله وبعد …

فهذه قصتي مع الأسر أرويها لكم وسأجعلها على شكل حلقات

وهذه هي الحلقة الأولى

مذكرات أسير (1)

إرهاصات ومقدمات :

جريمة الإحتلال :-




كان إقدام العراق على احتلال الكويت جريمة هزت الضمير

والوجدان ، وشرخت جدار الأمة العربية والإسلامية المشروخ

أصلا ، لكن زادته تلك الفعلة النكراء تصدعا فوق تصدعه ، وكانت

فتنة جعلت الحليم حيران ، فبعد أن قام الشعب الكويتي في أواسط

الثمانينات بجميع فئاته ضد قرار مجرد رفع العلم الأمريكي فوق

ناقلات النفط الكويتية ، وجد الشعب الكويتي نفسه بعد ذلك بأربع

سنوات مضطرا لطلب المساعدة من دول كان يرفض بتاتا مجرد

رفع علمها على ناقلة نائية لا يعدو تأثير هذا الرفع عن أن يكون

معنويا في الظاهر إلا أنه كان يحمل في طياته سابقة خطيرة تفتح

الباب لتغلغل أكبر ومزاحمة للنفوذ بل وربما السيادة على الأرض

في الشئون المحلية والدولية ، ولذلك فطن الشعب الكويتي الواعي

ورفض ، لكنه مكر الليل والنهار والفتنة التي تجعل الحليم حيران

واليد التي في النار والتي تلومها الأيادي الباردة ، " وقد فصل

عليكم في الكتاب ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه " ذلك المكر

جعل من الشعب الكويتي يقلب موقفه مضطرا وهو يرى بأم عينه

ويلمس عيانا ضياع العرض والأرض والمال فكان أمام خطرٍ

محدق واقع في مقابل خطر متوقع ، فاختار الأمر الأقل مرارة

كالمضطر لأكل الميتة . وليس من إنسان شريف يعاين هتك عرضه

ونهب أرضه وقتل أهله وتعذيب ناسه وترويع ءامنيه ، ثم يجد من

يناصره لأي دافع كان إنساني ، مادي ، مصلحي ، …. ثم يرفض

نصرته ، خصوصا في شهود العالم كله على رفض الظلم المتحقق


،عدا القلة المخدوعة أو المتمصلحة على حساب العدل والحق .


قضيت سبعة أشهر وحدي دون أهلي :

بعد أسبوعين من الاحتلال البعثي البغيض ، بدأ دواء والدي ينفد ،

وأصبح شحيحا في الصيدليات ، إن تجده في هذه لا تجده في تلك ،

وهنا قرر الأهل الخروج إلى السعودية وقد اعتدنا أن نقول أن من

خرج أبان الاحتلال خرج معذورا ومن بقي بقي مأجورا ، كما قال

شيخ المرابطين الشيخ الدكتور جاسم الياسين ، وبقيتُ في البيت

وحدي ، طوال فترة الاحتلال ولم أخرج مع أهلي ، وكنت خلال

هذه الفترة أتردد على بيت عمتي جزاهم الله خيرا وكان يتابعني

على الدوام ويهتم بي العم النوخذة مقدم بحري عبدالله رحمه الله

( شايل همي ويقول أنت تحوس وايد) وقد تشاجر عدة مرات مع

العراقيين لمنعهم من سرقة سيارتي الجيب تويوتا فور رنر الذي

سرق أخيرا عندما خبأته في بيت المياس ، كما أقمت فترة عند

الأخ الصديق بوفهد الذي كان لوحده في البيت هو الآخر، بقيت في

الكويت ولم أخرج إذ كان لا بد من بقائي لأجل المساهمة في إدارة

العمل المدني ، ضمن حركة " المرابطون " وبالتحديد لجنة التكافل

، في منطقتنا ، وقد قمت خلال فترة الاحتلال بالسفر إلى بغداد أربع

مرات وذلك لزيارة أخي الأسير العقيد بالجيش . وكانت الزيارة

الخامسة الاضطرارية حيث أخذت أسيرا .

في طريق العودة من بغداد :

عُدت من زيارتي الرابعة لأخي من بغداد ليلة الخامس عشر من

يناير عام 1991 م حيث كانت المهلة الأخيرة للقوات العراقية

للإنسحاب من الكويت وإلا واجَهَت الحرب ، قام السيد أبو علاء

المدير السابق لأحد أفرع البنك الوطني وصديق الأخ الكبير أبو

أيمن وهو من العراقيين الشرفاء الذين أقاموا في الكويت مدة من

الزمن بحجز مقعدين في سيارة الجمس الخضراء التابعة للسفريات

كي نعود إلى الكويت وأرسل ولده معي إلى الكويت في هذا الوقت

الحرج جدا ، حيث كان من المتوقع نشوب الحرب بين ساعة

وضحاها ، وذلك ليقوم ابنه للبحث عن وساطة لدى مسئول عراقي

صديق قديم لوالده عليه فضل وعنده مكانة خاصة ، وكان هذا

المسئول قد تبوء منصبا في الكويت ، وذلك كي يقدم ما يستطيع

لابن عمي الأسير زكريا ، الذي لم يستطع أحدٌ زيارته ، من أجل أن

يرد بعض الجميل لصديقه القديم الذي دلني عليه ، في الطريق كان

معنا شخصان يتحدثان باللهجة الفلسطينية ، أحدهما فلسطيني

مقيم بالكويت في مدينة الأحمدي منذ الأربعينات جلس بجانبي في

الكرسي الخلفي، وجلس الثاني في الأمام بجانب السائق وهو

أمريكي من أصل فلسطيني وهو دكتور له عيادة خاصة وأخبرني

أنه يملك مزرعة في أمريكا مساحتها 2كم مربع ، وفي الخلف

جلس علاء.

في الطريق كنت والدكتور نتجاذب أطراف الحديث حول الأحداث ،

وأثناء حديثنا أخرج كاميرا فيديو من حقيبته ،

فبادرته قائلا : دكتور خبيء الكاميرا ، أما تدري أن من ضبط

ومعه كاميرا فمصيره الإعدام ،

فرد علي قائلا : أي إعدام ، أنا عندي عدم تعرّض موقع من

الرئيس صدام شخصيا ،

قلت له : دكتور الموضوع لا يحتمل المزاح ، لا تعرّضنا للمشاكل

، قال : ألا تصدّق

، وأخرج من جيبه ورقه أراني إياها ، وفيها ما مضمونه بأمر من

السيد رئيس الجمهورية يمنع التعرض لحامل هذه الورقة فلان

…. مراسل شبكة سي أن أن التلفزيونية … وفيها توقيع وختم

الرئيس العراقي .

خيّم الصمت للحظات وكأنها دقيقة حداد ، ثم سرحتُ مع نفسي

معاتبا : " يا سلام عليك وانت طايح له بالريّس من مساع وماخذ

راحتك " .

أفقت من سرحاني وانتبهت بعد برهة من غفلتي وشرود ذهني

على سؤال منه :

هل صدّقت الآن؟

قلت : نعم .

قال : هل رأيت

المقابلة مع الرئيس صدام يوم أمس ؟

قلت : نعم

قال : لقد ذكَرني

في حديثه أمس عندما سُئِل عن اتهام الجيش العراقي بسرقة

حاضنات الأطفال من المستشفيات وإخراج الأطفال الخدّج من

الحاضنات المشغولة وأخذها معهم .

قلت له : وهذا ما حصل

قال : كلا

قلت : إذن أنت مراسل السي أن أن الذي ذكره الرئيس في مقابلته

يوم أمس

وقال : إن مراسل السي أن أن الأمريكي هو

الذي نفى صحة هذا الكلام قبل أن ننفيه نحن ،

قال : نعم أنا هو .

قلت : وكيف نفيت هل تأكدت بنفسك؟

قال : نعم ، ذهبت إلى كل

مستشفيات الولادة في الكويت وسألتُ بنفسي الأطباء الكويتيين ،

دون غيرهم وهم أكدوا أن ذلك لم يحدث ،

قلت له : وبالطبع كان معك جنود عراقيون مدججون بالسلاح

قال : نعم هم يرافقونني في جولاتي لحمايتي

قلت : وهل تظن أنه وأمام الجنود المسلّحين سيجرؤ أحد أن يقول

كلمة سوء أو أي شيء ضد العراق ؟ هل هذا معقول ، وقتل

الإنسان عندهم أهون من قتل الدجاجة ؟

وقلت له : إنني رأيت الشيخ راشد الغنوشي التونسي وهو يدخل

فندق عشتار

شيراتون ببغداد وتوجهت إليه مباشرة لأبدي استغرابي من موقفه

ووقفته مع الظالم ضد المظلوم ، لكني وبعد دخوله مباشرة رأيت

الجنود المسلّحين يمشون خلفه فأعرضت عنه كأني لم أعرفه .

قال : لا لو كان الأمر قد حدث لأخبروني

وعندما هممت أن أكمل معه الحوار حول هذه النقطة غمزني ذلك

الأخ الذي كان يجلس بجانبي ونصحني عندما نزلنا في أحد

المحطات ألا أخوض معه وأن أحذر من السائق فغالبا ما يُجنّد

سُوّاق السفر من قبل المخابرات وأذكر أنه قال بلهجته العامية "

أنتِ شو عَرّفَك هاظا أبصَر أيش مخابرات والا مُصيبِة زركة " .

وقال الدكتور: أنه أول صحافي يُسمح له بدخول الكويت للتصوير

وذلك في شهر سبتمبر9 ، وبعدها قال الدكتور : إنه نصح المندوب

الكويتي في هيئة الأمم المتحدة في ضوء تجربته هو مع ضياع

قضية فلسطين ، وقال: قلت للمندوب الكويتي لا تكرروا غلطة

منظمة التحرير ، ودارت حوارات حول جوانب القضية من عدة

زوايا ، طلبت من الدكتور رقم تلفونه في أمريكا فأخرج الكرت

الخاص به وهم بإعطائي إياه ، لكنه تردد ثم في النهاية لم يعطني

إياه .

في أحد وقفاتنا لملء السيارة بالوقود رمقت بعيني لوحة على

مدرسة كُتب عليها بخط كبير هذه الجملة " إذا قال صدام قال

العراق " فذكرت قول فرعون " ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا

سبيل الرشاد " ، قريبا من البصرة توقفنا بجانب نسوة يبعن

السمك ، وما إن وقفنا حتى وجاءت بنتٌ إلى سائق السيارة

وقالت له : تتزوجني . بصيغة طلب ،

فأصيب السائق بإحراج شديد ونظر إلي وهو يُميل رأسه باليمين

بإيماءةٍ تشير إلى أنه لا ذنب له وأنه يستغرب هذا الكلام ، بدايةً لم

أستوعب كيف تعرض امرأةٌ الزواج على رجلٍ بهذه الطريقة وفي

هذا المكان ، فأخذت أُلِحُّ على الرجل أن يخبرني

ما الحكاية ؟

هل هي مجنونة ؟

هل هو يخدعها ويعدها بالزواج ؟

كونه يمر من هنا كثيرا ،

قال : كلا هؤلاء نسوة قُتِلَ

أزواجهن في الحرب مع إيران ، وهن يتاجرن ببيع السمك ،

وبزواج المتعة ، وأعرف أن هذا أمر حرام لكن ماذا أفعل ، عسى

الله أن يغفر لنا . الآن فهمت ، إنها كانت تعرض عليه زواج المتعة

، وأن الأخ " رايح راد " ،وأشار إلى شبرة على الطريق تقام فيها

هذه الزيجات المؤقتة التي هي زنا صريح ودعارة بمسمى الزواج

، ومن يطلع على كتاب الدكتورة شهلا الحائري يعرف كيف هو

الفساد باسم المتعة . نصحتُه فأظهر القبول ، قاتل الله المفسدين

في الأرض " .

وصلت إلى الكويت وذهبت لأقيم عند خالي الذي كان يُحضّر

الدكتوراه آنذاك وأتلف العراقيون مختبرات أبحاثه ، وحرقوا

أوراق بحوثه ، ضمن ما أحرقوه وأتلفوه بشكل متعمّد ، أقمت

عنده وما هي إلا ليلة والتي تليها إذا بالحرب الجوية تبدأ ، وبقيت

عنده مع خالي الآخر وعديل خالي الأخ بويوسف ، حيث كانت

مدرسةً علمية تربوية إداريةً ، تبادلنا فيها خبراتنا ، كلّ في مجال

تخصصه ، وقبل المعركة البرية والتحرير بثلاثة أيام وبالتحديد

يوم الخميس جاءني أخي بوعمر الخليفي الذي كان معي عند

دخولي للكعبة المشرفة ،

وقال : نريدك أن تخطب الجمعة عندنا غداً أيضاً ،

قال : فوافقتُ ،

وكنتُ قد خطبت الجمعة الماضية في مسجدهم

ودعوتُ في قنوت النوازل بالدعاء الذي اشتهر أثناء تلك الأزمة "

اللهم ارم الظالمين بالظالمين وأخرجنا من بين أيديهم سالمين " .

ماذا حدث ليلة الجمعة ؟

كيف اعتقلوني وأنا في طريقي لإلقاء خطبة الجمعة ؟


في المخفر . سجن الأحداث في الفردوس .


هذا ما سنعرفه في الحلقة القادمة .

بيت العائلة
02-08-2012, 10:01 AM
بداية آسف جدا على التأخير في الرد واستكمال الموضوع :

شكرا أخ أحمد على التفاعل

جوابا على أسئلتك :

لماذا لم تخرج مع أهلك خارج الكويت ؟ أقصد مبرراتك تجاه نفسك "حديث النفس"؟

كان لا بد من بقائي وذلك للمشاركة في أداء الواجب الشرعي والوطني

كانت منطقتنا بحاجة لكل جهد

وكنت مسئولا في العمل الشبابي الدعوي

وكنت قد تسلمت مهاما في لجنة التكافل بالمنطقة فكنت مسئول

لجنة النظافة ومسئول نوبة تنظيم طابور المخبز الآلي من الساعة

6 صباحا وحتى الثانية ظهرا وتوزيع الخبز في المنطقة ورعاية

أسر المعتقلين ومهام أخرى منها رصد تحركات الجيش العراقي

في المنطقة والمعلومات المهمة أولا بأول وتبليغها للأخ بو مصعب

لينقلها بدوره إلى غرفة تحرير يوميات الأحداث وقد علمت بعد

التحرير أنها في منزل أحمد العربيد بوأنس في الخالدية حيث كانت

ترسل الأخبار والتحركات يوميا إلى قوات التحالف حيث تلقت هذه

الغرفة كتاب شكر من نورمان شوارزكوبف بعد التحرير وهذا

الكتاب موجود رأيته في جمعية الاصلاح بعد التحرير وعملت في

توزيع الأموال التي كانت ترسلها الحكومة لمناطق خيطان

( عبر عدة أشخاص ) والعارضية ( عبر ديوان المنيع ) والأحمدي

( عبر أبناء عائلة السالم ) ، وتنظيم دورات الإسعافات الأولية

بالتعاون مع الهلال الأحمر الكويتي عبر الأخ الفيلكاوي نسيت

اسمه وتنظيم مراقبة محطات المجاري الرئيسية في منطقتي

مشرف والفروانية ، وعملت في توزيع بعض المواد الغذائية من

الهلال الأحمر الكويتي والإمامة في مساجد متنوعة وخطب الجمعة

في مساجد متنوعة وقراءة البيانات في المساجد أوائل أيام

الاحتلال ثم تم الاكتفاء بتوزيع النشرات فقط بعد تعرض بعض

الاخوة للاعتقال والتعذيب وغير ذلك مما تيسر مثل إلقاء الدروس

والخواطر وصلاة القيام بعدة مساجد على فترات متقطعة فصليت

مثلا عدة مرات صلاة القيام بعد صلاة العشاء في منطقة خيطان

بمسجد الشويب ومسجد الجويزي ومسجد العثمان وفي منطقة

العارضية بمسجد اللهيب وفي منطقة الروضة بمسجد الملا مرشد

بجانب بيت خالي وبمسجد الزير وفي منطقة السرة بمسجد جابر

بن عبدالله بجانب مدرسة الإسراء وهناك كان يصلي خلفي الفنان

خالد العبيد وكان ملتحيا .

ونسأل الله تعالى الاخلاص والصواب والأجر والثواب قال تعالى

( ونكتب ما قدموا وآثارهم وكل شيء أحصيناه في إمام مبين )


هل كنت تخطب الجمعة طوال الغزو ؟


وهل حصلت لك مضايقات ؟


نعم كنت أخطب الجمعة طوال مدة الغزو وأنقطع على فترات


منتظمة ، ولكن كانت التعليمات ألا يستلم أحد إمامة مسجد ثابت


في الإمامة والخطابة بل يتم التناوب وتنويع المساجد حتى لا


تصبح المسئولية على أحد معين عن الدروس والخواطر وتوزيع


المنشورات وتعليقها في المسجد ، وبهذا بحمد الله لم تحدث لي


مضايقات مباشرة .


الكثير لا يعرفون حركة المرابطون .


هل من الممكن توضيح أثرها في المجتمع الكويتي إبان الغزو ؟


وما هو دورك ؟


كانت لحركة " المرابطون " الآثار الايجابية الكبيرة في بث الإيمان


في النفوس وإشاعة معاني الصبر و التعاون والثبات والتراحم


والتكافل والصلة ونشر الطمأنينة ومعاونة المحتاجين وتقديم


الخدمات وتسيير حركة الحياة والشئون اليومية وتنظيم متطلبات


الحياة ومعينات الصمود كما كان لها دورا في المقاومة المسلحة .


وقد ذكرت دوري في إجابتي على السؤال السابق وقد كان كل ذلك


ضمن لجنة التكافل التي هي جزء من حركة المرابطون .


الأخت الأصيل


عليكم السلام


شاكرة لك أخي الكريم مشاركتنا هذه الأحداث و أتمنى أن تنشر


مذكراتك بالصحف المحلية و العربية فهذه الأحداث تعتبر توثيق


لهذا الحدث ( عسى الله لا يعودها من أيام )


الجواب :


ادعوا لي بالتوفيق لإكمال هذه المذكرات لتجد بعد ذلك طريقها إلى


النور من خلال النشر


الأخ الفاضل الشيخ


أبوعبدالرحمن الرحال


الله يعافيك ويحفظك


وإضاءتك جميلة في النقاط الأربع التي ذكرتها



الأخ بوعلي وفقك الله


أشكرك على الاطراء


------------------------------------


الأخت Backpacker Girl


شلون كنت تزور أخوك في بغداد أثناء الغزو ؟


وشلون عرفت مكانه؟


وشلون يسمحون لك تشوفه؟


وشنو كان يقول لك؟


الجواب :


يقال أن عائلة قبازرد وكان لديهم أبنا أسيرا ، هم من ذهبوا إلى


بغداد وقابلوا بعض المسؤولين هناك وأقنعوهم بالسماح للعوائل


الكويتية لزيارة أبنائها ، وبالفعل قد تم السماح بزيارة الأسرى ،


وقد لقيت العم بوعثمان يوما أثناء فترة الاحتلال فقال لي : زرت


أخوك


فقلت : شلون أزوره


قال : ما تدري فتحوا باب الزيارة احنا زرنا عثمان


قلت له : شلون ؟


قال : روح المطار واحجز تذكرة لبغداد وروح بالطيارة واسكن


هناك بفندق شيراتون أو فندق فلسطين ( ميريديان) وراح تلقى


هناك العوايل الكويتية تزور اعيالها ، اطلع من الفندق الصبح


مبكر واركب تاكسي من هالتكاسي وقول له يوديك مديرية الأسرى


بمنطقة الكاظمية مقابل الحديقة العامة وهناك قدم طلب زيارة


أخوك.


وهكذا فعلت وعندما وصلت إلى مديرية الأسرى هناك رأيت الناس


تقدم طلبات مكتوبة بخط اليد وكان الجنود بالاستقبال عند باب


المديرية يرفضون الطلبات لانها مكتوبة بصيغ غير مقبولة عندهم


والناس محتارة وسمعت الجندي يقول : هاي شنو هووا هيتشي


يكتبون كتب لا واجبات أركان لا أسلوب هسة شلون نودي هاي


الطلبات للضابط غير ….حظنا ( كلمة بذيئة مؤداها أن الضابط


سيؤذيهم لقبولهم لطلبات كتبت بطريقة خاطئة ولا ترضيهم ) .


فعرفت أنهم يريدون صياغة الكتب بالتنظيم العسكري للكتب وهو


ما يسمونه في العسكرية واجبات أركان وهذا هو مجال خدمتي في


التجنيد حيث خدمت قبل الغزو كمجند في معسكر قوة المدفعية


بالجهراء كتيبة صواريخ أرض أرض 22 بقيادة الرائد محمد


الفارسي ذلك الانسان العظيم والقائد المحنك والمثالي والنقيب


مجزع نقا الظفيري ذلك الرجل الشهم ، وكنت خطاطا في القلم


( السكرتاريا وهكذا يسمونها في الجيش )



وكان العراقيون لا يرضون أي ذكر في الكتاب لكلمة أسير أو أي



إشارة للأسرى لأنهم لا يعتبرون من لديهم أسرى لأنهم لا يعترفون



بالكويت كدولة ويعدون الكويتيين رعايا للدولة العراقية خسئوا


فإن أقروا بتسميتهم أسرى فهم يعترفون بالتالي بالكويت كدولة


وهذا ما لا يريدونه ، خسئوا وخاب مسعاهم ومرادهم .


فقمت باقتراح صيغة للجندي فأجاب بالموافقة وأخذت منه


المعلومات اللازمة للكتاب وقمت بصياغة كتاب طلب زيارة أخي


الموقوف عندهم وذكرت اسمه وبياناته وطبقت في الكتاب جميع


واجبات الأركان التي تتضمن ضرورة كتابة التاريخ أعلى أيسر


الصفحة ثم الشخص الموجه إليه الكتاب ثم التحية على اليمين


وتحتها في وسط الصفحة الموضوع ثم كتابة الطلب وترك مسافة


أول السطر الأول فقط ثم تسجيل بيانات مقدم الطلب متضمنة


الاسم والتوقيع والرقم المدني أسفل الصفحة على اليسار .


وما إن قدمت الورقة ورأى الناس أنه قبلها حتى جاءتني الناس


زرافات ووحدانا وصدقوني يا إخواني والله الذي لا إله إلا هو


ظللت أكتب للناس الذين اصطفوا طابورا طويلا أمامي وأنا أكتب


لهم الطلب تلو الطلب ، أقسم بالله منذ السابعة والنصف صباحا


وحتى الخامسة مساء والناس تسلم طلبها وتأتيها الموافقة بعد


ساعة أو ساعتين على الأكثر وتستلم كتاب الموافقة وفيه مكان


وموعد الزيارة ثم تنصرف وقد حدث موقف مضحك وهو أن العمة


موضي العبيد غفر الله لها ورفع درجتها في الفردوس الأعلى من


الجنة والدة الصديق فهد المياس عندما استلمت كتاب الموافقة


على زيارة ابنها أكثرت من سؤال الجندي عن موعد الزيارة


ومكانه بالتحديد وكان ابنها في معتقل الموصل وظلت تسأله عن


طريقة الذهاب للموصل حتى مل وغضب فقال لها : حجية والله لو


ما تمشين هسة والله والله لآخذ منك كتاب الزيارة وأشققة وأفتته


ألف قطعة ، فقامت المسكينة على الفور بالانصراف ووضعت


الكتاب في حقيبتها وضمت الحقيبة على صدرها وانصرفت في


الحال وهي تضم الحقيبة على صدرها ، يقول ابنها فهد وطوال


الطريق في التاكسي وأنا أطلب منها رؤية كتاب الموافقة وهي


ترفض قائلة لالالا أخاف العراقيين ياخذونه ، يقول ورفضت


إعطائي إياه إلا بغرفة الفندق عندما أصبحنا وحدنا  إنه شغف الأم


بولدها .

بيت العائلة
02-08-2012, 10:02 AM
نعود إلى مصير كتاب طلب زيارة أخي

مع الازدحام الشديد عند باب المديرية خرج الجندي غاضبا بعد

قدوم أحد الضباط ورؤيته للزحام عند باب المديرية وعد رضاه

على الوضع ، فقام الجندي بالصراخ على الجموع ورفع في وجهنا

السلاح وأقسم أن لديه أوامر ومعه مجموعة من الجنود بإطلاق

النار على كل من يقترب من المديرية وأمرونا بالرجوع وعبور

الشارع ووضعوا جنودا بين الشارعين ولديهم أمر بإطلاق النار

على كل من يعبر باتجاه المديرية دون إذن ، وكانوا كل ساعة

تقريبا يأتون ويقرؤون أسماء كتب الموافقة ويسلمونها لأصحاب

الطلب والجندي أثناء قراءته للأسماء من الكتب وتسليمها

لأصحابها في الحديقة المقابلة للمديرية والناس مجتمعة حوله ،

كان خلفه د.محمد الأنصاري الوكيل المساعد بوزارة العدل حاليا

يسجل ويوثق جميع الأسماء التي يذكرها الجندي لإثبات أسمائهم

كأسرى لدى النظام العراقي وكان معه إثنان يغطون عليه وكان

الثلاثة يعملون ضمن الهلال الأحمر الكويتي ، وجدت الممثل

امبيريك جالسا على الرصيف ومعه زوجته

ففقلت له : ها قوة امبيريك

قال : هلا هلا

وسألته : شعندك هني ؟

فقال : أبي أزور ولدي .

وأثناء ذلك كان صديقي بوجراح مرافقي في هذه السفرة يكلم

الجنود وكل ضابط يدخل أو يخرج من المديرية ويسألهم عن

مصير طلبي ، حتى اقترب موعد مغادرة موظفي المديرية بعد

انتهاء دوام المديرية بحوالي 3 ساعات وعند خروج الضابط من

المديرية وكان الوحيد الذي تجاوب معه وتكلم معه فتوجه إليه

والجنود ينهرونه ويحاولون منعه وهددوه بإطلاق النار ولكنه

أصر على عبور الشارع باتجاه المديرية نحو الضابط قبل مغادرته

وظللت أصر عليه ألا يفعل حتى غضبت عليه

وقلت له : أن الزيارة تتعلق بي وبأخي ولا أريده أن يتضرر بسبب

الزيارة وأنني لم أعد أرغب بالزيارة كل ذلك خوفا عليه لأنني

أعرف مدى تهوره

وهو يقول : والله اليوم ما نمشي إلا لما أجيب لك إذن الزيارة

حتى هم بعبور الشارع والجندي موجه علينا السلاح ويصرخ فينا

والجندي عبر الشارع يصرخ عليه : ارجع ارجع

وقبل وصولنا للرصيف سحب الجندي خلفنا الأقسام ومعناها أن

مجرد لمسه للزناد قد يؤدي إلى إطلاق النار علينا ،

عبر طارق الشارع وأمسكت به فأفلت مني وذهب ورجعت

وأنا أصرخ فيه يا مينون ما نبي الزيارة ارجع وهو يمشي كأنه لا

يسمع أحد !! وعندما عبر الشارع

قال الجندي : شنو هذا صاحبك مجنون أكيد والله مجنون ووافقته

وكنت في أشد حالة الغضب على صاحبي لتعريضه نفسه للخطر

لمجرد الزيارة وليس إخراج أخي من المعتقل وإطلاق سراحه لكان

ذلك ربما مستحقا المخاطرة من أجله ، فذهب إلى الضابط وشيمه

بكلام وأنه وعده بأن كل طلب زيارة سيتم التوقيع عليه والموافقة

عليه وأنه لن يغادر المديرية إلا بعد تأكده من حصول الجميع على

إذن الزيارة ، وقال له إن جميع الطلبات قد تمت الموافقة عليها

ورد عليه بأن طلبنا لم تتم الموافقة عليه

فقال : مستحيل أنا بنفسي مشرف على الموضوع وموقع جميع

الطلبات

فنادانا وأدخلنا وأمر بعدم تركنا حتى نحصل على الموافقة

وأمر أن يوقع على الطلب النقيب الذي بداخل المديرية

وهكذا حصلت على إذن الزيارة بعد أن طلب مني النقيب

الذي بالداخل كتابة طلب جديد لأنهم لم يعثروا على الطلب السابق

، رغم تهورك فلا أقول على الدوام إلا بيض الله وجهك يا طارق

الخالدي يا وحش

وعدنا إلى فندق عشتار شيراتون وكانت الزيارة بعد بيومين ،

تعشينا بمقهي على النهر في شارع السعدون وطلبنا سمك بني

وقطان وكان الرجل في المطعم

يقول : يا سمكة سردون هاي والا هاي

وقد وضع السمك في حوض مائي وتختار أنت السمكة

فيطعنها بسيخ معه ويحملها وإذا لم يصطدها يسبها فإذا أمسكها

وضعها وهي تلبط ثم يضربها بمطرقة خشبية على رأسها حتى

تدوخ ولا تتحرك ثم يقطعها ويزيل مصرانها ويضعها في سيخ

بشكل رأسي وتحتها الجمر حتى تذوب في فمك وأنت تأكلها .

في يوم الزيارة ركبنا التاكسي خارج الفندق وحجزناه بحساب

يومية كاملة وتوجهنا نحو مدينة صدام الرياضية في منطقة بعقوبة

بمحافظة ديالى وقبل دخول مدينة بعقوبة على بعد حوالي 80 كيلو

من شمال بغداد وقف التاكسي وأشار إلى نادي رياضي قديم

وقال :هذي مدينة صدام الرياضية !

وكنت أتوقع مدينة كبيرة وإذا به مجرد نادي عادي .

ووقفنا مع بقية العوايل في الخارج ننتظر وصول باصات الأسرى

حيث كانوا يخرجونهم من المعسكر إلى هذا النادي الرياضي

لتتم الزيارة ، وبعد وصول باصات الأسرى أدخلونا وكانت أرض

المدخل سبخة وطينية من آثار المطر حتى إن الناس كانوا يزلقون

ويقعون في الطين مما اضطر الجنود لوضع باص على المدخل

ليستند الناس عليه أثناء دخولهم ، دخلنا وتجمعنا متلهفين لرؤية

الأسرى وكانوا جميعا من الضباط لأن الضباط كانوا معتقلين في

بعقوبة وبقية العسكريين كانوا في معتقلات الموصل ،

عندما أنزلوا الضباط الأسرى من الباص ورأونا وكانوا يسلمون

من بعيد ورأت طفلة أباها ففلتت من يد أمها وجرت نحوه فأمسكها

الجندي

وقال : روحي يم أمك

فصرخ عليه الجميع ليتركها تذهب لأبيها وبعد إلحاح تركها فكانت

الطفلة البريئة ذات الخمس أو ست سنوات تجري باتجاه أبيها

وكانت تسقط على الأرض كل سبعة خطوات مرة بسبب أن الأرض

زلقة وطينية من النوع الزلق وكانت تقوم على الفور غير أبهة

بالآلام الناتجة عن السقوط وكانت تقوم وتجري وتسقط وتقوم

وتجري وتسقط وهكذا دواليك حتى وصلت إلى أبيها الذي أقبل

نحوها فحملها وضمته وهما يبكيان وعندما دار أبوها وهو يضمها

فأصبح وجهه تجاه الضباط الأسرى وظهره باتجاهنا وإذا بالبنت

الصغيرة مادة ٌ يدها خلف أبيها وممسكة بملابسه بيديها بشكل

شديد وبكل قوتها ومن تدفق العاطفة في هذا المنظر صاحت النساء

وبكت واغرورقت العيون بالدموع من هذا المنظر العاطفي المفعم

بالانسانية حتى إن جندي الحراسة أمامنا بكى بصوت مسموع

فقالت له الحجية أم يوهر ( أم جوهر وهكذا كانوا ينادونها العوائل

الذين جاءوا معها )

قالت له ام جوهر : عشتوا عشتوا حتى انتوا تبكون بعد عندكم قلب

انتوا يعني يكون فيكم رحمة !! والله ما ظنتي .

فقال لها : تشا شقالولك حجية احنا مو مسلمين ما عدنا رحمة

شنو !!

قالت : إذا انتو مسلمين عيل شحقة تحتلون ديرتنا وتذَبحونّا

وتاخذون عيالنا ؟!! فما رد عليها

ذهبنا إلى صالة الألعاب وهناك عند الباب وجدت الرائد محمد من

أقاربنا وهنا فقط رأيت بعيني كيف يطير الانسان من شدة الفرح

حيث أن رجليه لم تكونا تحملانه وكان يرفع جسمه إلى الأعلى

وأنا متجه إليه وهو لا يحرك ساكنا

فقال لي من شدة الفرح : لم أستطع التقدم باتجاهك وجلست معه

وأخبرته أن أخاه موجود وأنني رأيته في

الفندق وأن سيأتي خلفي

وسألته عن أخي

فقال : لم يأت معنا لكن سلم إذن الزيارة للضابط وسيأتون به في

الباص القادم

فجلست معه حتى جاء أخي بعد حوالي 50 دقيقة ووقف في

أرضية الملعب ونحن على المدرج في الصالة

وكان الرائد محمد يقول : ها هو بوعبدالرحمن .

وأقول له : أين هو ؟

فيقول : ها هو أمامك

فقلت له : لا يوجد أحد واقف إلا واحد والباقي يمشون أو

جالسين

فقال : هذا الواقف هو أخوك !!

تخيلوا والله ما عرفته لأنه كان أبيضا ناصحا ولقيته مسمرا

ونحيفا مع لحية قصيرة لم أعرفه معها .

سلمت عليه وجلسنا وتحدثنا وتسامرنا ولقيت الملازم يعقوب الذي

كان لديه ميدالية كتب عليها قاهر الجيوش ، ولقيت الملازم طلال

ولقيت الرائد متعب

وكانت أسئلتهم تدور حول الأهل وأخبارهم والوضع في الكويت

وما هو رأي الناس وموقفهم من الجيش الكويتي وأنهم لم يكونوا

مستعدين ولا جاهزين لأسباب خارجة عن إرادتهم .

بعد الزيارة بعثت ببرقيتين واحدة لجامعة الامام محمد بن سعود

بالرياض وأخرى إلى مركز إطفاء مدينة خورفكان

حيث توقعت أن تكون عائلتي وبحثت في الفندق فلم أجد من

تلفونات الرياض إلا رقم خال صديقي وهو لواء في الجيش

السعودي وكان يسكن بمجمع أو حي خاص بكبار الضباط مع

عائلته فاتصلت به وكان في كل مرة يغلق الخط فور أن يسمع

موظف البدالة

يقول له : مكالمة من بغداد

فقلت للموظف : لا تكلمه وإنما حول الخط إلي مباشرة

وعندما كلمته قلت له فورا: أنا فلان من الكويت أكلمك من فندق

شيراتون ببغداد صديق محمد وأريد رقم تلفونه

فلم يعطني رقمه ولكن أخذ رقمي وأعطاه لمحمد واتصل بي محمد

وعلمت أن أهلي سكنوا في الرياض لمدة شهرين في بيت وهبه

لهم رجل الأعمال الشهم ماجد الباجري رفع الله قدره ووهبه

قصورا في الجنة ، ثم توجه بعضهم إلى قطر وبعضهم إلى

الإمارات حيث استقروا هناك ولم يبق منهم في الرياض إلا بوفهد

والد لاعب القادسية والمنتخب .

أما الحديث عن المسمى الاصطلاحي القانوني لحالتي

وأن الصحيح أنه مرتهن وليس أسير لأنني لست عسكريا فهذا

صحيح من الناحية الاصطلاحية

أما من حيث العرف

فالناس في الكويت يسموننا الأسرى ويطلقون اسم الأسير على كل

من اعتقله العراقيون أثناء الاحتلال بدايته أواسطه أو آخره

عسكريا كان المعتقل أو مدنيا وأخذوه إلى العراق ، هذا هو العرف

وعليه جريت لأنني لست بصدد عملت بحث أكاديمي أقدمه لجهة

تحكيم تقيمه لنيل درجة الأستاذية مثلا ، وإنما أكتبه وهو مجرد

أطياف وفيافي وواحات وارفة الظلال منها نستقي المعاني

ونستلهم العبر والعظات وندون للتاريخ وللأجيال ما يكون لهم

نبراسا يقتدون به ويستثمرونه خبرة تزيد رصيدهم المعرفي

وتجربة يسترشدون بها ويستفيدون منها .

وعلى هذا المصطلح سأكمل مذكراتي

وأشكر الأخ جهراوي على تنويهه بالمعنى الاصطلاحي للمسمى .

بيت العائلة
02-08-2012, 10:04 AM
مذكرات أسير (2)

الحمد لله وبعد …

من مذكراتي حول خطفي كأسير مع مجموعة كبيرة من الكويتيين

وغيرهم ، من قبل

القوات العراقية أبان احتلال الكويت ، وصلنا في الحلقة الماضية

إلى أن أخي أبو عمر

الخليفي طلب مني أن أخطب الجمعة في المسجد المجاور لبيته في

منطقة الرابية ، وقد وافقت ، وفي ليلة الجمعة ، وقبل أن أنام

قضيت وقتا في قراءة كتاب لأبي الحسن الندوي رحمه الله عن

سيرة الخليفة الرابع علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، وقرأت

فيه أمر خروج الحسين رضي الله عنه وكيف أن ابن عمر وابن

عباس طلبوا منه البقاء وعدم الخروج إلى الكوفة ، ورده عليهم .

، استيقظت في الهزيع الأخير من الليل وصليت ما تيسر لي ، ثم

خلدت إلى النوم ، وما هي إلا ساعتين واستيقظت على نداء خالي

يوقظني للصلاة ، صلينا الفجر وقرأنا وردنا ومع الشروق باشرنا

بحلب البقرة وتنظيف مكانها ، ثم لما انتهينا جلست أعمل الفكر في

وضع اللمسات الأخيرة على خطبة الجمعة والتي بعنوان مفاهيم

إسلامية ، هي عبارة عن شرح لحديث جبريل ، مع بعض

الإضافات.

لم يكن يجرؤ أحد على استعمال السيارة في ذلك الوقت لأنهم –

أعني الجيش العراقي – قد فرضوا حظرا للتجول وبدءوا يعتقلون

صاحب كل سيارة لم يغير أرقامه إلى الأرقام العراقية ، عندما

هممت بالمغادرة إلى المسجد في المنطقة المجاورة مشيا على

الأقدام ، تصدّى لي خالي وحاول جاهدا أن يثنيني عن الذهاب ،

وذهبَت محاولتُه أدراج الرياح ، حاول خالي الثاني وذكرني

بإلقائهم القبض عليه قبل يومين دون سببٍ يُذكر ولم يتركوه إلا

لأن أمه كبيرة السن رحمها الله كانت معه ، وكذا حاول أبو يوسف

، لكن باءت جميع المحاولات بالفشل وكأنني أساق إلى قدر الله

سوقا فيما قَدّر ، وإنه لقدَرُ الله وما شاء فعل ،

وذكرتُ لهم قول ابن عباس رضي الله عنهما : إذا وقع القدر ذهب

الحذر وعمي البصر

وذكرت لهم ما قاله الإمام البنا رحمه الله لحرمه عندما حاولت ثنيه

عن الخروج يوم مقتله متوجّسة خيفة بأن أمرا ما سيحدث فتلا

عليها قول الله تعالى : " قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب

عليهم القتل إلى مضاجعهم " ، وهممت بالخروج متوكلا على الله

تاليا قوله تعالى : " قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا هو مولانا

وعلى الله فليتوكل المؤمنون " .

قال لي خالي الأصغر ، إن كنت لابد فاعلا فلا تمر بجانب المخفر

الذي هو في طريقي أصلا ، لكن استدر عنه ، فإنهم بدأوا يعتقلون

كل شابٍ تقع أعينهم عليه كما تعلم ،

قلت إن شاء الله سوف أفعل .

مضيتُ في طريقي إلى المسجد وأنا أتحرّى الطريق فلا أخرج من

طريقٍ إلى آخر حتى أنظر وأتحسس عدم وجود جنود أو سيارة

عسكرية ، حتى مررت بمحاذاة مسجد جمعية الرابية ، وأكملت

طريقي مقررا الإلتفاف حول المخفر ، ولكن ………… !!!!

لمحني من بعيد جنديان مسلحان بملابس الخاكي ، وهي ملابس

اشتهر بها أفراد الاستخبارات ، اتجها على التو نحوي ، وهنا

اختمرت الأفكار ودارت الخطط وتمخضت عن رأي – إذا خفت من

شيء فاذهب إليه – وكنت قد قرأت في كتاب لمؤلف بعثي من مصر

اسمه اسكندر عن قصة حياة صدام ، وفيه أنه لما كان هاربا

ومتخفيا بزي بدوي مر بجانب المخفر في وقت حظر التجول ،

وقال إن هربت شَكّوا بي ، فمَرّ بجانب المخفر تماما وسلّم على

شرطة البوابة

فقالوا لو كان عنده شيء لما تجرأ بالاقتراب من المخفر ،

فقلت في نفسي : لم لا آخذ الحكمة من أفواه المجانين ،

ففعلت لكن تبين لي بعدها أنه : إذا كان الغراب دليل قوم ٍ –

سيهديهم إلى دار الخرابِ

ظللنا نمشي باتجاه بعض وهم يتظاهرون أنهم غير ءابهين

بي لكن ما إن مروا بجانبي إلا والتفوا عليّ فجأةً ورفعوا السلاح

في وجهي

وصاح أحدُهم : " هلا هلا … هلا عيني وجاينا بَعَد ، قابل تلقي

بنَفسَك للتهلكة ، احنا ده نبعث دوريات تجيب الكويتيين ، إنتَ جاينا

برجلَك ، والله زِيَن " ،

ثم سألوا سؤالهم المعتاد لاختبار الكويتيين ، ما هي جنسيتك ؟

فوقَعتُ بين النارين ، إن قلت كويتي فكأنما شَتَمتُهم ، وتعرّضتُ لما

تعرّضت له في بغداد عندما أجبتُ صاحبَ التاكسي هذا الجواب

فتبين أنه مخبر ، فأسمَعَنِي من سمج وسقَط الكلام ما أستحي أن

أتذكّرَه فضلا عن أن أرويه ، وما سلّمني من شره إلا الله ثم ما

أعطيتُه من مال مقابل تركي وشأني ، وإن قلتُ عراقي لا أدري ما

سيفعلون ،

فقلت وما حيلة المضطر إلا رُكوبُها ،

فأجبتُهم : عراقي ،

طلبوا الهوية && نظروا فإذا البطاقة المدنية تشير إلى أنني كويتي

، فأخذوا يزبدون ويرعدون وتحادثوا فيما بينهم بكلامٍ فهمتُ منه

أنهم يعتقدون أنني أسخرُ من لهجتهم ، وطلبوا مني مرافقتهم إلى

المخفر تحت تهديد السلاح ،

فقلت لماذا ؟ وهل فعلتُ شيئاً ؟

فأصابوني بالغثيان من نكتتهم السمجة " فد خَمِس دَقايق " وأثناء

سيرنا أخذوا يعيدون كلامهم المتضمن غضبهم واستياءهم الشديد

عليّ وعلى سخريتي منهم – زعموا –

وسأل أحدُهُم صاحبَه قائلا : " هذا ده يتمسخر بالشعب العراقي

العظيم ، هسّه- يعني الان – شنسوّي بيه ؟

فرد الآخر : " هذا ما نذبّه – يعني نرميه – بالحجِز ، هذا نودّيه –

يعني نذهب به – للمفوّض ،

وما إن التقطَت أذناي كلمة المفوّض حتى ظننتُ أنه ما بيني وبين

الموت إلا دقائق معدودة ، وظننت أن المفوّض معناها المفوّض

بالإعدام ، وخلال ثوانٍ – هي فترةُ المشيِ فيما تبقّى بيننا وبين

ذلك المفوّض – أخذتُ أستعرض شريط حياتي ، وذكرتُ أشياء

كثيرة ، وكثيرة .وأحداث سريعة مرت كلقطات خاطفة .. .. …

ودخلنا المخفر ، ثم ما إن خرجنا من الباب الثاني للمخفر إلا وأخذ

الإثنان الأشاوس !! يصرخون ويولولون ويستصرخون ضمير

قائدهم المفوّض ويطالبونه بأن يؤدبني ويجعلني عبرةً للمعتبرين ،

وتساءلتُ في نفسي : ما الجرمُ الذي ارتكبتُه حتى أستحق كل

هذا . وعلى كل حال فإنني دعوت بدعاء الحسن البصري وأخذتُ

أشيرُ من بعيد مبدياً استغرابي من كلامهما لكن دون أن أنبس ببنت

شفه ،

فبادرني سائلا : هل أنت أطرم ؟

قلت : لا أستغفر الله لم أقل إني أطرم ،

ولما وصلت عنده أخذ ينظر إلي بشزر متأمّلا وقد ملأ عينه مني

ينتظر مني ارتباكا أو تأثرا ، وخيّم صمتٌ طويل

ثم سألني : هل تستطيع أن تحارب ؟

فقلت : وكيف لي أن أحارب وأنا مدني ولست عسكريا ،

قال : ارموه بالحجز ،

قلت : لماذا ما هي تهمتي ؟

سألته…..

لكن لم يرد ، وأخذني الجنود إلى الحجز ، وفي الطريق ظللت أسأل

الجندي الذي بجانبي عن تهمتي لكن دون طائل وعند باب الزنزانة

ألححت عليه

فقال : أوامر .

دخلت الحجز في مخفر الرابية فإذا هو غرفة 4 أمتارفي متر

ونصف تقريبا ، وما جاء العصر حتى أصبح إجمالي العدد اثني

عشر سجينا أو قل أسيرا ، وبعد وجوم وهدوء ، بدأت الحديث

معهم مطَمئِنا بذكر بعض الآيات والأحاديث ، فشكروني وأطروا

على اثنين من النزلاء ممن سبقوني حيث كانوا قد حدثوهم بحديث

مشابه ، تعرّفت إليهم وتحدثت إلى أحدهم واسمه طارق ، فعلمتُ

انه وزميله من جماعة التبليغ من منطقة الفنطاس ، وقد خرجوا

في سبيل الله في هذا الوقت العصيب ، للدعوة وبقوا في المسجد

يومين ، وقد أتى الجيش العراقي وأخذهم من المسجد ، ثم انبرى

أحد المساجين معنا

قائلا : صدقوا بالله يا جماعة الخير ، أنا منذ سبعة أشهر لم أر

الشارع ، حيث أنني كنت مطلوبا ، وبقيت طوال هذه المدة في

البيت أو في فناء المنزل وهو من سكان قطعة 4 في الرابية وهي

بيوت واسعة تبلغ مساحتها حوالي 1000متر مربع وعادة ما

يكون فيها فناء ( نحن نسميه في الكويت حوش ) كبير ، أسأل الله

أن يبارك لهم فيما أعطى ،

قال: وفي هذا اليوم خرجت البنت الصغيرة من باب المنزل إلى

الخارج فخرجتُ خلفها لأرجعها

قال : فرأيت الحي وأخذني الشوق إلى الجلوس خارج المنزل

فجلست هنيهة إذا بي أفاجأ بسيارة مليئة بالجنود

فقالوا : تعال معنا

وأخذوني إلى هنا ،

قلت حقا : إذا وقع القدر ذهب الحذر وعمي البصر ، وأخذ كل منا

يتحدث عن كيفية اعتقاله

فقال إبراهيم الخليفة بسكون الياء : أما أنا فطرقوا علي الباب


فخرجتُ لهم


فقالوا : تعال معنا " فد خمس دقايق " وجاءوا بي إلى هنا



وقال عادل عافت : أخذوني من الشارع


وآخرون قالوا : أنهم أخذوا من المسجد

ذلك بينما كان أحدنا منزويا لا يطيق الكلام إلى أحد ، حاولتُ أن

أكلّمه لكنه من شدة الذهول كان ينظر إلي وقد ملأ الشرود أركان

مظهره ، فكل شيء فيه كان يدل على مصيبةٍ خبيئة تحت ثوبٍ من

الحزن والصدمة ، ألححتُ عليه أن يرد علي وشارك الآخرون وأنا

خلال ذلك أحاول طمأنته ، إذا به فجأةً ينتفض كالأسد يزأر في

وجوهنا

قائلاً : " يا جماعة الخييييييير أنتو ما تدرون اللي فيني كافيني ،

آنا خذوني من السيارة في الشارع عند الإشارة وزوجتي تطلق

وآنا موديها مستشفى الولادة ، خذوني وهي بالسيارة بروحها ما

أدري ألحين شنو مصيرها ، واعيالي بروحهم بالبيت قافلين عليهم

، زين لحّد يكلمني ألحين " .

وأحسسنا أنه فض ما في قلبه ولربما ارتاح ، وبعد قليل جلست

بجانبه وأمسكت بكفّه وشددتُ عليه

قائلاً :الله موجود

فقال : ونعم بالله . أملي بالله أرجوك ادع معي

وبعد برهة فتح محفظته وفيها صور أولاده الصغار وعرّفني

عليهم .

علمت بعد حين بعد عودتي من الأسر (أخبرني بذلك جاره الأخ

العزيز عدنان عثمان الأنصاري) أن أسرة فلسطينية وجدت زوجته

وحدها في السيارة تعاني فنقلوها إلى المستشفى ، وأن جارتهم

العراقية فطنت لتأخرهم فقامت بمساعدة زوجها بكسر باب منزل

جارهم وإخراج الأطفال وإيوائهم عندها بالمنزل ، ثم جاءت تسأل

عنه بالمخفر فأخرجوه هو وصاحبنا الذي لم يخرج من بيته سبعة

أشهر حيث جاءت إحدى قريباته وهي من أصل عراقي وطلبت من

المخفر أن يخرجوه ففعلوا ، وكانت قد أحضرت له غداءً أشركنا

فيه جزاه الله خيرا ، وهذا يفسّر سبب عدم أخذهم معنا إلى سجن

الأحداث بمنطقة الفردوس ، أثناء تواجدنا بمخفر الرابية أطل علينا

أحد الجنود وأعطانا بعض الخبز والماء

وقال : شباب ما عليه ، شدة وتزول . وحدث أن حاول الجنود

عمل تمثيلية لإرهابنا ، حيث أحضروا أحدهم بزي كويتي وكانوا

يمثّلون أنهم يضربونه

قائلين : الأخ طلع مقاومة ، ونحن لا نرى من داخل الزنزانة إلا

الأقدام ، لكنه أثناء ضربه ضحك

فقالوا : لعنة عليك خرّبتها

وفي مخفر الدسمة أو بنيد القار فعلوا تمثيلية مشابهة لإرهاب

المساجين إذ أخذوا أحدهم وقالوا أنهم سيقتلونه ، وأخذوه فعلا

وأطلقوا رصاصة بجانب رأسه ، فظن أصحابُه الذين كانوا معه في

الزنزانة أنه قد قُتِل لكنهم تفاجئوا به أمامهم في سجن الفردوس .

وبمناسبة الحديث عن كيفية الإعتقال دعني أذكر بعض ما سمعته

من هذا ،

عزام من شباب الجهراء قال :

فتحت باب البيت لأطل برأسي أنظر البقالة هل هي مفتوحة ،

فشاهدني جندي عراقي كان مارا بالشارع وخلفة سيارة تمشي

فناداني وخرج خلفي ابن خالتي فأخذونا ، الشيخ خالد القصار كان

يوصي أخاه التوأم فوزي ألا يخرج لأن العراقيين بدءوا يأخذون

كل من يجدونه في الخارج ، ورد عليه فوزي بمثل التحذير نفسه ،

لكن قدر الله جعل أحد أقربائهم وهو فار من الجنود العراقيين يدخل

في بيتهم إذا بالجنود يدخلون ويجدون خالد وفوزي في وجوههم

فيأخذونهم ، آخر كان نائما ملتحفا في بيته فاستيقظ على ضربة

بسطار ( حذاء ) جندي عراقي يوقظه وهو في قعر غرفته في بيته

، فظن أن الأمر لا يعدو كونه حُلما مزعجا ، فعاد والتحف لينام

ليستيقظ على الأخت الكبرى

للضربة الأولى "فنقر يفزز فيل " .

وهكذا إذا وقع القدر ذهب الحذر وعمي البصر .

كيف انتقلنا إلى سجن الأحداث وماذا حدث هناك ، هذا ما سنعرفه

في المرة القادمة .

بيت العائلة
02-08-2012, 10:05 AM
في سجن الأحداث بمنطقة الفردوس

الحمد لله وبعد …

جاءوا بشخص ٍ كانوا قد ألقوا القبض عليه ، لكن ظهرت في

وجهه الكدمات ، حيث أنهم أوسعوه ضربا وركلا لأنه حاول الهرب

وقاومهم ، أدخله الجندي بالركل والرفس وهو يسأله عن جنسيته

فكان يرد عليه " اللي تبي هندي مصري " بعد أن هدأ الوضع

قال لنا : السلام عليكم ، قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا .

ارتحت له وسألته : ما اسمك

قال : طه ،

وقلت له : سلامات ما تشوف شر ،

فقال : نعم عندما رأيتهم حاولت الهرب لكن لم أنجح ، والحمد لله

على كل حال .

سألتُه فيما بعد في سجن الفردوس وفي الموصل عن حكايته

فكان يقول متنهدا : قصتي قصة حزينة لا أريد أن أوجع دماغك

بها . وأنت يكفيك ما فيك .

عرفتُ فيما بعد بعد أن خرجتُ من الأسر ، من هو طه وما قصته ،

أخبرني بها الشاب الصالح عبدالعزيز الحربي رحمه الله الذي

حضر يوما خطبة الشيخ احمد القطان عن الجهاد في أفغانستان ،

وتصوروا معي كيف كانت مسارعته وإقباله على الجهاد ، انطلق

الرجل من فوره بعد صلاة الجمعة مباشرة إلى المطار وهناك سحب

من رصيده وحجز إلى باكستان ، ووجد الحجز بعد ساعات ، انتظر

إلى ما قبل دخوله الطائرة واتصل بأهله هاتفيا وأخبرهم بخبره من

العزم على الجهاد في أفغانستان ، وبقي في أفغانستان مدة وبعد

تحريرها مباشرة رجع ، فكان زميلي في العمل رحمه الله رحمة

واسعة .

عبدالعزيز هذا رحمه الله هو الذي أخبرني بقصة طه ، إن طه هو

شاب من شباب العراق الصالح السائر على المنهج السني السلفي

، وقد أُحضر إلى الكويت رغماً عنه ضمن قوات الجيش الشعبي ،

ولما رأى الظلم بعينه قرر الهرب من الجيش ، وعاش في مساجد

الرابية هو ومعه إثنان من العسكر الهاربين من الجيش ، من

الشباب الطيب أحدهما ضابط والآخر جندي ، يبيتون في مسجد

الظبيان يوما وفي مسجد النجدي يوما آخر وأحيانا في ديوان

الشباب الكويتي من رواد المساجد الذين تعاطفوا معهم ومنهم

عبدالعزيز ،

قال عبدالعزيز : ودرسنا كتاب التوحيد للامام محمد بن عبدالوهاب

رحمه الله على يد الأخ طه ، ودرّسنا علم تجويد قراءة القرآن

الكريم وتطبيقه ، وكان يُلقي لنا الدروس ولذلك أحببناه وأصبح

واحدا منا ، وبعد عملية تبادل الأسرى في نهاية مطاف الأسر ،

طلب اللجوء لدى المملكةالعربية السعودية فوضعوه ضمن

العراقيين اللاجئين والعسكر الذين رفضوا العودة إلى العراق ،

وضعوهم في مخيمات خاصة قرب تبوك على ما أذكر . بقي أن

تعرف أن عبدالعزيز رحمه الله كان يزور طه هناك بين حين وآخر

، وفي أحد زياراته تعرض لحادث في الطريق ومات رحمه الله ،

وتذكرت الحديث النبوي في صحيح الجامع " من خرج في سبيل

الله فوقصته دابته فهو شهيد " وقلتُ إن عبدالعزيز رحمه الله طلب

منزلة الشهادة في أفغانستان ولعل الله أن يجعل له هذه المنزلة

حيث طلبها بصدق ، نحسبه كذلك ولا نزكي على الله أحدا . أسأل

الله أن يحفظ أخانا طه ويوفقه حيث كان .


في سجن مخفر الرابية :

في سجن مخفر الرابية جاءنا ضابط برتبة نقيب ، وعرف بعض

المساجين معنا من الشباب الكويتي الذي كان يعمل في الجمعية

التعاونية ، فأخذ يعاتبهم على الخروج في هذا الوقت الذي عرفوا

فيه أن كل من يخرج يتم إلقاء القبض عليه ، وأشعرنا بتعاطفه

وأنه يريد إخراجنا ، وقام بخطوة تؤكد ذلك ، حيث طلب جميع

هوياتنا وسلمنا إياها عدا أربعة أبقاهم ولم يسلمهم هوياتهم علمت

فيما بعد أنه أطلق سراحهم ،

وقال : تعالوا اخرجوا ،

فخرجنا ونحن تسعة أشخاص هو أمامنا ومعه جندي مسلح وكذا

كان من ورائنا جندي آخر ، ولكن ما إن أصبحنا خارج المخفر

وأراد كل منا أن يذهب في حال سبيله

إلا وقال هذا الهابط – أعني الضابط – " : وين وين تعال انت وياه

" ، وأخذونا بسيارة جمس مسروقة وذهبوا بنا إلى سجن الأحداث

بمنطقة الفردوس – وعلى ذكر اسم هذه المنطقة فقد طالب بعض

أعضاء مجلس الأمة الكويتي بتغيير اسم هذه المنطقة –

وصلنا

وهناك في سجن الأحداث بمنطقة الفردوس ، وجدت الكويت كلها

– صيغة مبالغة – أعني وجدت شبابا بالمئات من مختلف مناطق

الكويت هذا تسأله عن منطقته يقول الأحمدي وذاك من

الصليبيخات وهذا من الشِّعب وذاك من كذا ، فقلتُ في نفسي رحم

الله الخنساء القائلة :
ولولا كثرة الباكين حولي -على إخوانهم لقتلت نفسي

وما يبكين مثل أخي ولكن – أسلي النفس عنه بالتأسي

وتذكرت قول ابن القيم رحمه الله : وفي كل وادٍ بنو سعد .

يعني في كل مكان مصابون ، سمعت هذه الأبيات عبر الإذاعة في

محاضرة الشيخ الجليل عائض القرني حفظه الله أثناء الاحتلال

الغاشم وحفظتها منه حيث سجلتها في حينها.


في سجن الأحداث كانت الفوضى ، وبقينا هناك يومين لم يبقونا في

عنبر واحدٍ لمدة تزيد عن ساعتين طوال اليومين فكانوا يتنقلون بنا

بين العنابر ينادون أسماءنا بشكل عشوائي مرة بعد مرة ، ويا ويل

من لا يستجيب ، وعليه كان النوم متعذرا وفي أحسن الأحوال

متقطعا ،

هذا إذا استطاع أحد أن ينام على الكاشي في البرد القارس

ثم لما تكرر هذا بشكل سمج أصبح بعضنا وهو أقل القليل لا يرد

عليهم وأحيانا تفوت عليهم ولا يميزون من كثرة الأعداد ، هذا

ونحن نسمع ونشاهد أحيانا القصف الجوي على أشده وكان ذلك

قبل التحرير بيوم ، مر علينا ونحن جلوس حسين المفيدي ، وكنا

وقتها صامتين ، فقال لنا بدلا من سكوتكم العنوا صدام ، فقلت ،

نحن في بلاء ونحن أحوج إلى التسبيح والإستغفار .

كانت معاملة العراقيين قاسية جدا وشرسة ، وكانوا يقولون

استعدوا بأي لحظة سننقلكم إلى العراق ، وقد أصابنا الإرهاق

والتعب من كثرة التنقل ، وكنا نخشى أن نتفرّق بعد أن كونا

مجموعة لازمنا بعضنا بعضا الشيخ ناصر الطليحي والأخوة

الأفاضل فوزي المانع من شباب الشعب ونسيبه أبومصعب من

سكان الخالدية وأبو حمد العطار من سكان بيان ويحيى الحمادي

وعلي الراشد من شباب العديلية ، وكلهم من الشباب الملتزم بحمد

الله ،

وكنت قبل هذه المجموعة قد اتفقنا ونحن مجموعة من خمسة

شباب أن نكون سويةً ولا نفترق ، أذكر منهم شاب اسمه عادل

عافت والأخ طارق التبليغي وآخر معه وإثنان نسيتهم ، ثم قرر

عادل مفارقتنا عندما لقي بعض أصدقائه في سجن الفردوس

ووافقه آخرون فقلتُ لنجمع جميع ما لدينا من مال ثم نقسّمه

سويّةً ،

وكنت قد أسررتُ إلى كل واحدٍ منهم من قبل سائلاً عما يملكه ،

وعلمتُ أنّي وقتها أكثرهم مالاً ، فقد كان بجيبي 500 دينار عراقي

، كنت أحملها دائما تحسّبا لمثل هذه الظروف ،

وافترقنا وعوضني الله خيرا بلقياي للشيخ ناصر الطليحي حفظه

الله وهو من خريجي كلية الشريعة بالرياض ، ثم التقينا بباقي

الإخوة المحترمين الذين ذكرتُهم أثناء ندائهم حان أذان المغرب ،

فكلمني أحد الأسرى ممن بدا عليه سيما الصلاح وهو من أسرة آل

الأذينة الكرام من سكان السالمية ،

قال : متى الأذان ؟

قلت : حان الأذان ، فاستقبل القبلة وأذّن وأثناء أذانه اجتمع

الأسرى حوله للصلاة فأقام الصلاة مباشرة فقدمني للصلاة ،

وتيممنا حيث لا ماء عندنا واصطف الأسرى وشرعنا في الصلاة

والجنود ينادون في الأسماء مما أثار هياجهم وغضبهم وظلوا

ينادون الأسماء ، وقد قرأت في هذه الصلاة قوله تعالى : " أليس

الله بكافٍ عبده ويخوفونك بالذين من دونه ومن يضلل الله فما له

من هاد ومن يهد الله فما له من مضل أليس الله بعزيزٍ ذي انتقام "

وقرأت في الركعة الثانية قوله تعالى : " وما لنا ألا نتوكل على الله

وقد هدانا سبلنا ولنصبرن على ما ءاذيتمونا وعلى الله فليتوكل

المؤمنون "

ويبدو أن هذه الآيات أثارت حفيظة الجنود فبعد الصلاة مباشرة

جاء الجنود من الخلف يريدون ضربي لكن الأسرى جزاهم الله

خيرا أحاطوا بي وضعت من بينهم فأمسى الجنود يضربون

عشوائيا كل من تطاله عصيهم وآخرون بيدهم السلاح خلف من

يضربون ، واستمر الوضع على هذا الحال حتى توقفوا وذهبوا ،

وعاد بعد قليل أحد الجنود وبيده عصا غليظة يضرب بها هذا وذاك

ويلوّح بوجه هذا حتى وصل إلى أحد الأشاوس ممن يصح أن يقال

عنه " زِلِم أو ذيب " بمعنى أنه شجاع شجاعة ً جنونية ، كان

الجندي يمشي ويضرب وترى الأفواج أمامه تتفتح كما تتفتح

الأمواج أمام القارب السائر في البحر لكن صاحبنا لم يتحرك

فحاول الجندي ان يستفزه بتحريك العصا أمام وجهه فلما لامسته

أمسك بها ودفع بها في وجه الجندي فثار الجندي وأخذ يزعد

ويربد ويصرخ ويثير الزوابع الكلامية ويولول بالويل والثبور ،

كل هذا وصاحبنا لم تتحرك رجليه عن مكانه ، وهو ينظر إليه

بشزر وكأن شيئا لا يحدث ،

ويقول له : اسمع يا الرخلة ما يطيّر الراس إلا اللي ركّبه " وهو

يضرب على رقبته

بكل ثبات ، ووالله ذكرني هدوءه المثير للإستغراب مع ثباته وقوة

منطقه بموقف العز بن عبدالسلام رحمه الله أمام الملك في مصر ،

اشتاط الجندي غضبا ولم يكن مسلّحا حينها

وقال له : هسه أجيب الكلاش وأفرّغ مخزنين بكرشتك يا ... .. "

وذهب الجندي مسرعا ، وحاولنا حينها جاهدين أن نبتعد بصاحبنا

عن هذا المكان ونذهب به بعيدا وسط جموع الأسرى ، وكان

المكان يعج بالأسرى ويضيق بهم وكانت غرفا كثيرة وزنازين

مفتوحة ، لكنه رفض بشدة أن يتحرك من مكانه ، وحاولنا إبعاده

بالقوة فلم نستطع حيث كان عظيم البنية متوسط الطول يلبس

طاقيته واضعا غترته على كتفه ، حاول البعض استثارته ليبتعد فلم

يفلح،

قال له البعض : لا تعم على غيرك ،

قال : محّد له شغل ، يعني لا شأن لأحدٍ بي .

وما هي إلا دقائق قليلة إلا والجندي قادمٌ يتطاير الشرر من عينيه

وينادي بأعلى صوته من بعيد وين هذا الفتوة الـ شايف نفسه ،

فلما وصل إليه رفع في وجهه السلاح فلم يهتم ، فسحب الأقسام ،

ولم يهتم ، لكن شعرتُ بشيءٍ من الارتباك بدا في وجهه مع شيء

من التمتمات رأيت شفتيه يتحركان بها ، وقلت في نفسي إنه ينطق

بالشهادتين ، لكن الجندي اكتفى بالصراخ وضربه بالسلاح على

كتفه فلم يرد عليه وانصرف الجندي ، وكأنه اكتفى بضربة الكتف

هذه ، لكنني أوقن أن الله سبحانه كان مع هذا الأسير الذي رفض

أن يذكر لنا اسمه بعد الحادثة ، ولم يعرفه أحد منا .

قررنا أن نذهب مع كل نداء سويةً حتى لا نفترق ، حيث تبين لنا

أنهم لا يدققون في الأسماء المنتقلة من هذا العنبر أو ذاك وإنما كل

همهم إزعاجنا وإتعابنا لئلا نرتاح ويفكر أحدنا بالهرب أو التمرد ،

وفي هزيع الليل الأخير وفي إحدى المرات التي كانوا ينادون

بأسمائنا فيها رمقت من بعيد الأخوين أبو يوسف يعقوب يوسف

الأنصاري والأخ أبوحمود عبدالعزيز الجيران ، وهم من من

المجموعة التي أطلقت سراحهم المعارضة الشعبية في البصرة

وأوصلتهم إلى الحدود الكويتية وعادوا مشيا على الأقدام .

أخذونا في باصات حوالي تسعة باصات كبيرة تمشي الهوينى

مطفأة أنوارها لئلا نتعرض للقصف حيث كانت الحرب والقصف

الجوي في أوجه ، يتقدمنا ضابط برتبة مقدّم يقود سيارة

متسوبيشي جالانت بيضاء ، وكان الوحيد الذي يشعل أنوار

سيارته ، أما الباصات فممنوع حتى على الركاب إشعال أي ضوء ،

كل هذا خوفا من قصف الطائرات إذ لا زالت حرب التحرير

مستعرة والقصف والنار والشرر يتطاير في أرجاء الكويت .

وأذكر أن أحد الأسرى في الطريق أشعل سيجارة ً فلقي من السب

ما يستحي الإنسان لو سمعه وهو لوحده ، وبالطبع أطفأ السيجارة

رغما عنه ، كان ترتيب باصنا هو الثاني في المسيرة ، وكانت

الباصات تسير ببطء خلف بعضها البعض .

متى وصلنا البصرة وكم بقينا هناك وماذا حدث وكيف ذهبنا إلى

بغداد هذا ما سأتحدث عنه في الحلقة القادمة .

بيت العائلة
02-08-2012, 10:06 AM
السلام عليكم

في الحقيقة أنا مشغول جدا هذه الأيام ولم أستطع حتى إكمال

الحلقة التالية

وسأنشرها هنا فور الانتهاء منها

أشكر جميع المتابعين والمعلقين

وأخص بالذكر الأخ بوعلي الذي اتصل بي ورحبت به

وقلت : من معاي

فأجاب مازحاً : معاك ولد البحر

قلت : حياك الله بوعلي

في الحقيقة الأخ بوعلي لين العريكة وسهل المعشر وسمح الفؤاد

وطيب القلب ودقيق الملاحظة

يراعي من معه ويباري ربعه

لا يروقه زعل زاعل فتراه سباقا لتطييب الخواطر

كم أنت رائع يا بوعلي كلمات من القلب ألقيها بشفافية

ومما قال لي بوعلي في تلك المكالمة أنك نسيت ذكر نايف

فقلت : أهههيي ودي تيجي مو ناسيه لكن خاش ذكره ليوم المواقف لما يجي دوره


وذكرني هذا بقول شاعر المهجر لوطنه لبنان في واحدة من أروع القصائد التي قيلت :


زعموا سلوتك ليتهم نسبوا إلي الممكنا

فالمرء قد ينسى المسيء المفتري والمحسنا

لكنه مهما سلا هيهات ينسى الموطنا


في الحقيقة لم أنس نايف

وكلام بوعلي هذا دفعني لكتابة أبيات شعبية

اتصلت صباح هذا اليوم بنايف وقلت له ستعرف من أنا بعد سماعك

لهذه القصيدة التي كتبتها لك

بأسلوب شعبي عامي

وهذا هو أول اتصال لي بالأخ نايف بعد عودتنا من الأسر منذ

عشرين عاما خلا لقاء واحدا جمعنا في منطقة الأندلس بديوان

المطيري بعد التحرير بعام حيث جمعنا لقاء مع جميع الأسرى في

القاعة 12 التي سأتحدث عنها لاحقا

بعد عشرين عام اتصل بنايف الصبر وأقول له هذه الأبيات :

قصيدة إلى زميل الأسر نايف الصبر أهديها :

يا حبيبي قبل تقريبا 20 عام

كنا في أيادي الظلم والغطرسة

يممعونا من المسايد أعداد وارقام

وحبسونا كنا تلاميذ مدرسة

وكنا حبايب مثل القرايب

ولدالحمايل عراقي مايل يحبسه

في سجن الاحداث هو مثل الأجداث

والجيش الظالم يترسه

ودونا بوصخير يا جمعة الخير

هي يم البصرة بمدرسة

يا كثر الحسرة يا الله تكسره

من هو أسرنا وتخرسه

ودونا بغداد من غير إعداد وهناك

سمعنا بتحرير بلدنا من لنجسه

والقى الخطاب واهوه اللي خاب

بالانسحاب وكثر علينا البربسة

قصيت الواير يا خوي تغامر

وانت اللي ثاير بمحبسه

واقول يا نايف منتا بخايف

وتقول لا والله لاحبسه

ودونا الموصل والبرد يحوصل

بالباص نوصل بالمسا

هو معتقل والموت اقل

والظالم يبغي يترسه

عشرين يوم في وسط القوم

كريم ومويد النفسة

ثم الرمادي باسبوع أنادي

هو اللي بادي بعنفصة

والله يسهل هو اللي يمهل

ولا هو يهمل يعفسه

والله يفرج من المهرج

ودونا عرعر بالمسا

وهناك الفرحة في وسط ترحه

وطاب جرحه ورن اجرسه

ومنها رديت إلى الكويت

يا رب زرعي تغرسه

طيار أسير قاد الطيارة

وفن السواقة ما نسى

واخذنا جولة وحول الدولة

بحرق الآبار متررسة

مثل الشموع وسالت دموع

حديد يموع امن الأسى

يا نايف انتا عزيز والله

منت الذي ابتننسا

بالخير اذكرك وطاب ذكرك

يا رب انك تعرسه

من خير النسوان لأنه انسان

بقلب صافي ومدرسة

وتعطيه بزران في البـِر تنزان

ثقيلة ميزان وتحرسه

يا نايف آنا أخوك فلان

الفلاني اللي تبخصه


فبادرني بالجواب الطيب المخجل وكان لقاء سمعيا حميما متدفق العواطف الأخوية والمحبة المتبادلة تبعه اتفاق على

لقاء قريب .



ويا أحبتي إلى لقاء قريب

بيت العائلة
02-08-2012, 10:07 AM
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن

والاه أما بعد

الطريق إلى العراق

أخذونا في عدة باصات يصل عددها إلى حوالي 9 أو 10 باصات

وكنا في الباص الثاني وكانت الاضاءات الأمامية للباصات مصبوغ

أعلاها بصبغ لونه أزرق كما تفعل كثير من السيارات أثناء

الحروب حتى إذا أضاءت ليلا لا يرتفع ضوؤها إلى الأعلى فيراه

الطيار فيقصف الباص أو الآلية ظنا منه أنها عسكرية ، ولست

أدري سر اختيار اللون الأزرق ولم لا يكون أحمر أو أخضر مثلا .

تجهزنا للانطلاق من سجن الأحداث بعد أن جمعونا في الحافلات

( الباصات ) ، ولم يفصحوا لنا بالضبط إلى أين سيأخذوننا ، فمن

قائل ٍ إلى بغداد ومن قائل إلى الجبهة !! وقد كانت بعض الإذاعات

تقول إن العراقيين يأخذون الكويتيين أسرى ويجعلونهم دروعاً

بشرية في جبهات القتال وقد كان هذا مما يقلقنا ، وظن آخرون

عندما رأوا نساءً تبكي في وداع الباصات خارج سجن الأحداث

بمنطقة الفردوس أثناء المغادرة ، ظن هؤلاء أن الباصات ستأخذ

الأسرى إلى موقع للإعدام الجماعي !!!  

( هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا )

( أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم

مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين

ءامنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب )

( ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال

والأنفس والثمرات وبشر الصابرين الذي إذا أصابتهم مصيبة قالوا

إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة

وأولئك هم المهتدون )

جمعونا في الباصات وانتظرنا حوالي ساعتين في الباص أكلنا فيها

القلق ، ثم علمنا أنهم أرسلوا ضابطا يستطلع الطريق إلى المطلاع

، وكانت الحرب في أوجها والقصف مستمر ويزداد ضراوة وشدة

، مما ينبيء عن احتمال وقوع الحرب البرية في أية لحظة ، ثم لما

عاد الضابط الذي أرسلوه وأخبرهم أن الطريق إلى المطلاع سالكة

وليس بها قوات عسكرية ، أمر ضابطهم الكبير وكان برتبة مقدم

وكان يقود سيارة ميتسوبيشي جالانت بيضاء مدنية – مسروقة

على الأغلب - موديل 1987 تقريبا ، فقاد وتقدمنا في الأمام

وأمر أن تمشي الباصات بالقرب من بعضها البعض ، وكانت تمشي

الهوينى ببطء شديد مثير للاشمئزاز والملل ، وكان ذلك الهابط أو

الضابط يسير أمامنا ببطء ويشعل أضواءه أحيانا ويطفؤها أحيانا

أخرى ويسير أمامنا مسافة ثم يعود مرة أخرى ويتقدم جموع

الباصات حتى وصلنا إلى المطلاع فتوقف وأمر الباصات

بالاستمرار في المسير إلى العراق وعاد هو إلى داخل الكويت ،

وأذكر أن الجندي المسلح المرافق لنا بالباص قال : ذبنا للهاوية

والقصف ورجع الجبان .

تخطينا المطلاع وظلت الباصات تسير ببطء وظللنا نمشي ببطء

ونتقدم بطريقة سلحفائية حتى وصلنا البصرة مع شفق النور في

الفجر وكنا قد تيممنا وصلينا الفجر في الباصات ونحن جلوس إذ

ألجأتنا الضرورة قبل دخول الوقت حيث خشينا فوات الوقت وكما

تعلمون ينقسم وقت الصلاة إلى ثلاثة أقسام أول الوقت وهو وقت

الفضيلة وأوسطه وهو وقت السعة وآخره وهو وقت الضرورة

فإذا فات وقت الصلاة أثم الإنسان إن لم يصل قبله إلا في حالة

الاغماء وما شابهه أو غلبه نوم من غير تفريط، فالصلاة لا تسقط

بحال من الأحوال حتى في حالة الحرب فلها صلاة بصفة

مخصوصة وحتى أثناء احتدام القتال يصلي كل على حاله وعلى

أي قبلة تلجؤه إليها الضرورة وهذا يدل على أهمية الصلاة .

في معتقل معسكر أبوصخير بالبصرة

أخذونا إلى معسكر في منطقة تابعة لقضاء البصرة

( محافظة البصرة ) واسم هذه المنطقة أبو صخير وأظنها تقع

شرق البصرة، وهذا المعسكر الذي أخذونا إليه هو معسكر لتدريب

الجيش الشعبي ، كان هذا المعسكر مسورا ويتضمن مجموعة من

الباراكسات والباراكس عبارة عن مبنى من دور واحد مبني

بالخرسانة المسلحة طوله حوالي عشرة أمتار وعرضه أربعة

أمتار تقريبا ، في بدايته باب مكن الحديد وفيه شباك صغير

وقضبان مثل أبواب السجون بحيث يستطيع الناظر عبره مشاهدة

من بالداخل والعكس كما أنه ينفع أيضا للتهوية ويحتوي الياراكس

أيضا من جهاته الطولى على شبابيك مغلقة بقضبان الحديد مثل

الحمايات التي نضعها للشبابيك وزجاج هذه الشبابيك مكسور

بطبيعة الحال من شدة القصف الجوي للمعسكرات ، أنزلونا في

الصباح الباكر من الباصات وما إن أنزلزنا وجعلونا صفوفا بجانب

الباصات حتى رمقت من بعيد الأخ الصديق مرشد الدويلة

فقلت له : ها مرشد جابووك

قال : جابوني الله يقلعهم ويقلع من جابهم .

أخذونا صفوفا وكدسونا في الباراكسات ، كان الباراكس مملوءً

وضيقا حيث كان عددنا داخل الباراكس 86 شخصا عددتهم بنفسي

بعد ذلك ، كان كل من معنا كويتيون إلا واحدا شككنا فيه وكان

شكله عراقيا وشاربه ثخين كلاسيكي يشبه شارب الفار ميكي من

شخصيات والت ديزني وفي لهجته لكنة تشبه لكنة مدربينا بالتجنيد

مثل : اجعد جاعد ، لا تضحتش .. وهكذا ، وكنا نتعامل معه بحذر

بل كنت أصلا أتجنب الاحتكاك به ، وأذكر أنه لم يبق معنا حتى

الليل فعلى ما أذكر انهم أخذوه في المساء ولم يرجع مما زاد

شكوكنا .

الطعام والشراب بالحسرة

بالنسبة للطعام كان العراقيون في سجن الفردوس قد أخذوا منا

نقودا كثيرة لجلب الطعام ولكنهم لم يحضروا لنا في اليوم الأول إلا

بيضا مطبوخا بالماء المغلي " مفيوحا " فكان نصيب كل أسير

بيضة وبعض الأسرى اقتسموا بيضة بينهم فكان نصيب كل واحد

منهم نصف بيضة ، وفي اليوم الثاني وبعد احتجاج الأسرى الذين

دفعوا مالا أحضر العراقيون الرز وطبخه بعض الأسرى الكويتيين

وكنت أنظر إليهم من الدور الأول وأشكرهم وأصبرهم بالكلام

الطيب والمشجع وكان ظاهرا من هيئتهم أنهم في هذا السجن منذ

مدة فسألتهم منذ متى وأنتم في هذا السجن ؟ فكان بعضهم في هذا

السجن منذ شهرين وآخرون منذ ثلاثة أشهر .

وقد كان نصيب كل أسير من طبخهم لقمة رز واحدة تأخذها بشق

الأنفس من شدة الزحام على الأكل والأسرى يتضورون جوعا

حتى إنني رأيت منظرا لا أنساه وقد آلمني أشد الألم وهو أنني

رأيت أستاذ دكتور في جامعة الكويت وكان عميدا لأحد الكليات

وأصبح بعد ذلك عميدا لكلية أخرى أهم وأعلى وقد وقف ينظر إلى

مشهد تكدس الأسرى على قصعة الطعام القريبة منا مزدحمين كل

يأخذ لقمة ويأكلها والدكتور ينظروقد بلغ منه الجوع مبلغه ولا

تسمح له نفسه أن يزاحم بهذه الطريقة الغير حضارية التي اضطر

إليها الأسرى وبالطبع هم في وضعهم العادي ليسوا كذلك وليس

أحد منهم " مشفح " كما يقولون ولكنها الضرورة والحاجة واتباع

غريزة البقاء ،

فقلت له : دكتور خذ لك لقمة ترا ورانا درب طويل واحتمال

ياخذونا للعراق وهناك ما راح نحصل مثل هالأكل ،

قال : انت اخذت لك لقمة ؟

قلت له : لأ .

قال : انت اخذ أول ، فدخلت في الزحمة وخرجت بلقمة وأنا

أنقد على نفسي

فتشجع الرجل ودخل الزحام وأخذ له لقمة وخرج وهو ممتعض

أشد الامتعاض مما يحدث وقرأت في وجهه ملامح الإحراج

الشديد.

وفي الحقيقة كنت قد فكرت أن أحجم عن نقل هذا المشهد المحرج

الذي أكتبه الآن وأنا أتصبب عرقا ولكنه أمر حدث وهو جزء من

التاريخ أدونه لتبيان مدى مكابدة ومعاناة الأسرى بشتى أنواعها

حتى المعاناة الناتجة عن سلوك مسلك ساقتنا إليه الضرورة

الملجئة مما نتعاظم في أنفسنا أن نقع فيه أو نتصرفه ولكنها

المعاناة بشتى أنواعها نسأل الله تعالى أن يثيبنا على صبرنا في

تخطي هذه المحنة والأزمة التي مررنا بها بجميع آلامها ومراراتها

النفسية والبدنية .

إننا أحرار أبناء أحرار ومن حمايل ذوي عزة ومروءة نأنف من

الأفعال التي تمجها الطباع السليمة ، ولكن ألجاتنا إليها الضرورة

الملحة ، وكما قيل الجوع كافر ( يعني لا يرحم ) .

ساقنا الحديث عن الطعام إلى العودة جبرا إلى سجن الأحداث

بالفردوس بعد أن كنا قد خرجنا من الحديث عنه ووصلنا إلى سجن

أبوصخير بمحافظة البصرة .

نعود إلى أبو صخير بعد هذا الاسترسال العفوي ، كنا قد وصلنا


إلى نوعية الطعام في معسكر أبو صخير فقد كانوا يعطوننا صمونة

يابسة مخبوزة من مطحون الذرة والشعير ونوى التمر الغير

مطحونين جيدا حتى إنك تجد في الصمونة التي تشبه "الصمّي"

وهو الحجر الصلد تجد فيها نصف حبة شعير وجزءً من حبة الذرة

وهكذا ، وكانت صلبة لا تؤكل بهناء إلا بعد تنقيعها في الماء .

وأما الشراب فالشراب الوحيد المتوفر كان عبارة عن مياه يجلبها

الأسرى بقنينة ماء من بقايا مياه الأمطار ومن السبخات التي

تكونت بفعل المطر ، هذه المياه التي يعبر خلالها العراقيون

بأحذيتهم وبساطيرهم فتأتي قنينة الماء وفيها الماء الخابط رملي

اللون من كثرة ما خالطه من تراب وطين فنتركه ساعة أو ساعتين

حتى يصفو الماء بقدر ما يمكن فيشربه الأسرى وهم يرفعون

القنينة بكل هدوء مع إنزال الوجه إلى الأرض في وضع الجلوس

مع الانحناء حتى لا يتحرك الماء فيعود الماء خابطا رملي اللون

مرة أخرى ويشرب الأسير أقل ما يمكن بما يبل ريقه فقط خوفا من

التلوث والأمراض ، شربنا من هذا الماء الخابط مضطرين وحسبنا

الله ونعم الوكيل .

ذكرني هذا بكلمة سمعتها من الشيخ عبدالحميد كشك رحمه الله

الذي مات ساجدا لله حيث قال في أحد خطبه :

أخذونا في المعتقل وأبقونا بلا ماء لمدة يومين في الصيف الحار

الشديد الحر ، وفي ظلام الليل في ظلمة الليل البهيم ، فتح باب

الزنزانة فمد إلي أحد السجانين بطاسة باردة فيها ما ظننته ماء

باردا فشربته في الحال فإذا بي ولأول مرة في حياتي أشرب

البول . !!!

فرفعنا أكف الضراعة نشكو إلى الله ظلم العباد .

فأرانا الله في الظالم يوما . أ.هـ .

ونحن أيضا نقول : لقد أرانا الله في الظالم يوما ، وسيرينا في بقية

الظلمة أياما ، وليس ذلك على الله بعزيز . (ولا تحسبن الله غافلا

عما يعمل الظالمون )



نتابع البقية في المرة القادمة

بيت العائلة
02-08-2012, 10:08 AM
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه وسلم

كان تنظيمنا داخل الباراكس في اليوم الأول منظم بصورة عفوية

ولكنه غير تام التنظيم حيث لم يتم تحديد مسئول للباراكس ولا

مسئولين للمجاميع ، وكل ما كان هنالك من تنظيم أننا تقسمنا بفعل

الصداقات والتجمعات إلى مجاميع بشكل عفوي ، وكان عدم تنظيم

الأمور مما أقلقني وأزعجني ، لكن تأخير تنظيم العمل كان مبررا

فلقد كنا وحتى هذه الساعة لا ندري كم سنبقى في هذا المكان وقد

كان لدينا شعور أن بقاءنا في هذا المكان مؤقت وأنهم لا بد من أن

ينقلوننا إلى مكان أكبر ومعتقل مخصص للأسرى وليس مجرد

مدرسة تدريب ، ولهذا لم ننظم أنفسنا في اليوم الأول .

ولكن بعد أدائنا لصلاة العشاء مباشرة قلت في نفسي هل أقوم

وأطلب من الجميع التعاون لتنظيم أنفسنا وأباشر الموضوع ؟ أم

أن ذلك يعد تطفلا و " لقافة " في ظل وجود من هم أقدر مني وأكثر

خبرة في تنظيم الأعمال ، مثل التوأمين الشيخ خالد القصار الذي

أمّـنا في صلاة المغرب والعشاء وشكره الأسرى وارتاحوا من

قراءته وأحبوا وجوده معنا ، وأخاه التوأم فوزي القصار الذي كان

رئيسا سابقا للاتحاد الوطني لطلبة الكويت أي أنه كان يدير شئون

ومصالح حوالي 16 ألف طالبا في الجامعة ( هذا كان عدد الطلبة

والطالبات في الجامعة في ذلك الوقت ) وقلت في نفسي : لإن رجلا

ترأس ستة عشر ألف ما بين طالب وطالبة وأدار شئونهم هل

سيعجز عن إدارة باراكس لم يصل عدد من فيه إلى مائة ؟!!


وما هي إلا لحظات حتى قطع الشيخ خالد حبل أفكاري فقام وتحدث

عن أهمية تنظيم العمل وقدم أخاه فوزي فقام فوزي وتكلم عن

فوائد تنظيم العمل وأنه لمصلحتنا وأن علينا أن نتعاون مع بعضنا

البعض ونتقاسم ويحمل قوينا ضعيفنا ونلملم جراحنا ونصبر على

هذه المحنة ونتعامل معها بروح المسئولية وأن نستشعر أن كل

هذا في سبيل الله وابتغاء مرضاته وأن وطننا الذي قدم لنا الكثير

يستحق الكثير والكثير من التضحية ، وأننا بإذن الله سنتخطى هذه

المحنة وكلام من هذا من قبيل الصبر والتصبر والجلد والتحمل

والتأقلم .

ثم قسمنا إلى مجاميع وقد كانت مشكلة بالفعل بشكل تلقائي لكن تم

تحديد المسئوليات فعلى رأس كل مجموعة مسئول ، وقد كنت قد

ابتليت بأن أحسن إخواني في المجموعة الظن بي فجعلوني

مسئولا على المجموعة ، وقد كانت هذه بداية مسئولية مضاعفة ،

وكنت في هذا الباراكس قد التقيت بالأخ يحيى الحمادي من شباب

العديلية ومعه الأخ علي الراشد والأستاذ وائل بورحمة إضافة إلى

الاخوة الذين كنا قد اتفقنا أن نبقى سويا باستمرار.

وكان من لطيف ما دار بيني وبين يحيى من حوار للتعرف

والتعارف أنه

قال لي : احنا لازم يكون عندنا المنطلق الكافي اللي يخلينا ننطلق

في مسيرتنا

فقلت : صحيح ولازم نتخطى العوائق التي تمر علينا .


فرد علي : وعشان نتخطى العوائق نحتاج إلى الرقائق على

الدوام .

فقلت : وكل هذا يقودنا إلى البوارق لتحديد المسار .

قال : عيل وصلت خير


قلت له : هلا بالحبيب ، والشباب يعني علي ووائل قال والشباب .
.
طبعا دار هالكلام بيننا وبعض الشباب يقولون في نفسهم شفيهم

ربعنا قاموا يقطون خيط وخيط !

شنو منطلق وعوائق ورقائق وبوارق ومسار

شقاعد يقولون الشباب ؟

والمنطلق والعوائق والرقائق والبوارق والمسار كلها أسماء لكتب

كانت ولا زالت مشهورة ومنتشرة بين شباب جمعية الاصلاح

الاجتماعي بالكويت من تأليف الشيخ العلامة محمد أحمد الراشد

حفظه الله

وله كتب أخرى مثل كتاب دفاع عن أبي هريرة وكتاب تهذيب

مدارج السالكين وكتاب مناقب أبي هريرة وكتاب صناعة الحياة

وسلسلة العين وغيرها من الكتب .

إذن انقسمنا إلى مجاميع كل مجموعة ما بين 7 إلى عشرة

أشخاص في باركس قد ضاق بنا وكان موقع مجموعتنا في زاوية

الباراكس اليسرى للداخل في آخر الباراكس بجانب الباب ، وكان

الجو باردا آنذاك ،ولحسن الحظ كنت قد لبست جيدا في ذلك اليوم

بخلاف الكثيرين الذين كانوا ينوون العودة إلى البيت بعد صلاة

الجمعة فلذلك قد تخففوا من الملابس لأن حرارة الجو في الظهر

ترتفع ثم يعود البرد في المساء ، أما أنا فقد كنت أتوقع المكث عند

الأخ بوعمر الخليفي وأنام عنده ليلة ثم أعود لبيت خالي حيث مقر

إقامتي في ذلك الوقت ، وعليه فقد لبست الحذاء والجورب

والدشداشة الشتوية وتحتها الملابس الداخلية الشتوية والشماغ

مع "القحفية" على الرأس .

وقد أعطيت الشراب ( الدلاغ ) لأحد الاخوة في سجن الأحداث

بالفردوس ليلبسه إجبارا بعد رفض وتمنع من قبله وذلك لأنه لم

يكن يلبس ما يدفؤه في برد الليل ، ثم في معتقل أبو صخير في

الباراكس وجدت أحد الشباب من مجموعة أخرى مكانها عند باب

المدخل وكان يلبس الملابس الرياضية الصيفية وكانت فانيلته

خفيفة جدا وذات كم صغير فخلعت غترتي وألبسته إياها بعد رفض

وتمنع شديدين ، وأذكر أنه بعد ذلك في الموصل اشترى غترة

جديدة وأهداني إياها .

بعد صلاة العصر دفعنا مبلغا جمعناه من الأسرى إلى الجنود

ليحضروا لنا طعاما فأحضروا بعض البرتقال وبعض المأكولات ،

وكان بعض الأسرى من المدخنين قد دفعوا مبلغا للجنود ليأتوا لهم

بالسجائر وعندما أحضروها حاول أحد الأسرى أن يستأثر

بالنصيب الأكبر منها وادعى أن الجنود قد أحضروا كمية قليلة

منها وسلم الأسرى المدخنين الذين دفعوا مبالغ للسجائر حبات

معدودة من السجائر ، وعندما فتش أحدهم أغراضه وجد علبة

كاملة ( كرز) وفيها بضعة باكيتات كان قد أخفاها عنهم ، فتجمعوا

عليه يريدون ضربه وخنقوه بأيديهم حتى كاد أن يموت وما أنقذه

من يدهم إلا الشيخ خالد القصار جزاه الله خيرا .

وقد حصل الشيخ القصار بعد ذلك على تهميزة ( مساج ) من يد

خبيرة حيث قام أحد الأسرى ويلقب بالعقرب بعمل مساج للشيخ ،

وكان ماهرا في التدليك والمساج وقد نصحني الشيخ خالد القصار

بالحصول على خدمته في المساج والتهميز فقلت له : يا الـعقرب

يقولون انك مهمزتشي درجة أولى فاقترب مني وأمسك بيديه

الاثنتين بعرقين على جانبي كتفي بشدة وقوة لمدة ثم شعرت بخدر

في الكتفين وشرع الأخ بالتهميز على الكتفين واليدين ووالرقبة

والرأس ثم الظهر ، ثم أمسك بيديه الاثنتين أيضا بعرقين تحت

الركبة بشدة مثل المرة الأولى فشعرت بخدر في قدماي ثم قام بعمل

المساج لساقي وقدمي

وقلت له : الله يعز مقامك ويرفع شانك

فقال : لي مشكور ملا مشكور ملا حاضرين للملا لوة نخدمكم

احنا بعيوننا

فقلت له : يا العقرب انت وين تعلمت هالمساج ؟

فقال : ملا ملا استر عاد على ما واجهت .

في المساء نمنا وكان الباب خلفي وكنت أصد الهواء بظهري لأنني

كنت بحمد الله قد لبست جيدا إلا أن شدة البرد ونومنا على الأرض

الأسمنتية وبدون لحاف ولا غطاء قد أذهب النوم عن عيني ناهيك

عن ألحان الروك أند رول المزعجة التي كانت تنطلق من فم وأنف

أحد الأسرى كلما غط ونام ( صوت الشخير ) فكنت أنغزه برجلي

كلما أيقظتني ألحانه فيسكت هنيهة حتى إذا عاد واستغرق في

النوم وكنت على وشك النوم أطلق بوقه وأيقظني عدت لتحريك

رجله فيتوقف وهكذا دواليك بين لسعة البرودة على الظهر وبين

ألحان الشخير قضيت تلك الليلة المزعجة التي قضيتها مع السهاد

لا أراكم الله ليلة مثلها .

بيت العائلة
02-08-2012, 10:09 AM
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه وسلم

تسليما كثيرا

حمامات معتقل أبو صخير

كان الخروج للحمام يتم من خلال الوقوف بالدور أمام الباب حيث

يخرجوننا للحمام على شكل مجموعات يخرج عشرة للحمام ثم

يعودون فيخرج عشرة آخرون وهكذا ، وكان الأسرى يحمل كل

واحد منهم ما تيسر له من إناء أو قنينة أو كوب معدني كبير

أو إبريق أو علبة صدئة من بقايا معلبات الأطعمة ، وكان يملؤها

بالماء بعد الخروج من بقايا مياه المطر من السبخة التي نشرب

منها، ( ويع) وكانت الحمامات عبارة عن مبنى صغير فيه

حمامات صغيرة جدا ليس فيها ماء وتلوع اللوعة بكبرها ، بس ما

باليد حيلة ، كما قال الشاعر : وما حيلة المضطر إلا ركوبها .



خشينا من الاعدام فساق الله إلينا الطعام

في اليوم الثاني وقبل الغروب بقليل ونحن كنا قد خرجنا من

الباراكس للحمام وكنا عشرة أشخاص فجأة أمرونا بإلقاء ما بأيدينا

من أواني وقناني كنا قد ملأناها بالماء من السبخة والبحرة

المجاورة للباراكس استعدادا لدخول الحمام ، في البداية تجاهلت

الأمر أول مرة ولم ألق ما بيدي وكان إبريقا للوضوء وقلت في

نفسي لقد كان نصيبي هذه المرة هو الابريق فلست أدري في المرة

القادمة قد يكون نصيبي علبة صدئة من مخلفات معلبات الطعام ،

وحاولت إخفاء الابريق لكن لمحه الجندي فصرخ في وجهي

صرخ الجندي وقال : لك ذب هايا الابريج ذبه .

فألقيته وأنا أنظر إليه بحسرة ، فأخذونا وأخرجوا خلفنا عشرة

آخرون على غير عادتهم !؟

وكانوا ساعتها في حالة من الهستريا والهياج الغير طبيعي وقد

دبت الحركة السريعة والمجنونة على غير هدى في المعسكر فهنا

عسكر يركضون وهناك آخرون يتصايحون ومجموعة تحمل

الأغراض وتجمع الأسلحة وأخرى تتلف الأوراق وتحرقها وثالثة

تشغل الآليات وهم لا يلوون على شيء ويتناقشون فيما بينهم

بطريقة غير منظمة بحيث اختلط الحابل بالنابل وأصبحت لا تعرف

من الآمر الناهي ومن المأمور المنفذ فالكل بدأ يعطي الأوامر

للآخر

وأصابتنا ريبة وقشعريرة ودار في خلدنا موسوعة كاملة من

التساؤلات عما يجري ويحدث وكلما سألنا أحدا منهم عما يجري

وجدناهم يتكلمون بهستريا ويتبرمون من قوات التحالف وعدم

رغبتها في إيقاف الحرب وأن الجيش العراقي انسحب فماذا

يريدون بعد ذلك !!

وكانوا في حالة غضب شديد يخالطها خوف وهياج وتوتر


طابور العشرة الخارج للحمام أصبح عشرين وأخذونا إلى مبنى في

المعسكر لا أدري ما هو ، أوقفونا في الخارج أمام المبنى على

شكل طابور ، واحدٌ خلف الآخر ، وحمل أحد الجنود من خارج

المبنى تشولة طبخ رأسها مدور ومصنوعة من البايبات المخرومة

من الأعلى التي تستخدم في طبخ الولائم الكبيرة أو في التعذيب

وكان فوق التشولة سكينة كبيرة حملها وأدخلها إلى داخل المبنى

وقالوا للأسير الذي كان الأول في الطابور: روح ادخل المبنى

فخاف ورفض وظننا أنهم سيذبحوننا واحدا تلو الآخر فأخذوا

الأول وجروه إلى داخل المبنى ونحن ننتظر على أحر من الجمر

وبدأ بعضنا يتمتم بالشهادتين وآخر يقرأ القرآن وعندما نطقت

الشهادتين قال الأسير الذي كان خلفي

قال الاسير : شنو شنو أخوي بيذبحونّا

قلت : مادري بس ان ذبحونا ان شا الله شهدا

وبعد قليل خرج الأسير الأول وبيده صحن

ماذا تتوقعون ؟

صحن عيش ودجاج فيه وجبة تكفي لشخص واحد رز وربع

دجاجة وأخذنا الوجوم وأخذنا ننظر في وجوه بعضنا البعض !!

ما الذي يحدث ؟

إعدام يتحول إلى إطعام !!

ثم جالت في خواطنا الهواجس والأفكار وقلنا أنهم ربما وضعوا لنا

السم في الأكل وبينما يدخل الأسرى واحدا تلو الآخر ويخرجون

محملين بأطباق الأكل رز ودجاج نظرت إلى أحد الجنود الذين

كانوا يحرسوننا فإذا هو ( odd man out ) عن بقية

الجنود

يعني داش عرض كما نقول

شكله يختلف تماما عن كل الجنود العراقيين الذين رأيتهم طوال

فترة الاحتلال ، فقد كان أبيض عطر مربرب ، وذرب المظهر

والملبس بخلاف باقي الجنود العراقيين الذين كان الواحد منهم

أتشلح أملح والهندام رايح فيها والمظهر ميح عدا بعض الضباط

الذربين وهم قلة أيضا .

نظرت إلى وجهه فقرأت في تقاسيم وجهه ألف كلمة ومليون

رسالة من الغضب على الوضع وعدم الرضا بما يحدث وأنه

مجبور على العسكرة وأنه خائف ومرتبك بشكل يصعب على الكافر

ولا يملك من لديه مثقال حبة من خردل من إنسانية ومشاعر

وإحساس إلا أن يتعاطف معه ويعطف على ضعفه ووضعه بل

ويشفق عليه ، لهذه الدرجة وقد تستغربون كيف يتعاطف أسير

ومسجون مع سجان يحرسه في المعتقل ، لقد قالت تعابير وجهه

ما لم يستطع لسانه أن ينطق به ، ولكن كان من الواضح جدا أنه

مجبور على فعله هذا ، وفي زيارتي للبصرة والزبير بعد سقوط

نظام صدام مع لجنة الإغاثة أخبرني شاب يدرس الماجستير من

شباب السنة في البصرة كيف كان الجيش العراقي يوزع الأسلحة

على الطلبة ويجبرهم على القتال وتنفيذ المهام العسكرية كحراسة

المواقع وغيرها .

وهذه الزيارة للعراق بعد سقوط النظام كانت مغامرة من المغامرات

التي مررت بها في حياتي المليئة بالتجارب والمغامرات ، وقد

أكتب عن هذه الزيارة لا حقا بعد انتهائي من هذه المذكرات .

أعود إلى صاحبنا الجندي المجبور الذي كسر خاطري ، وقد

تذكرت قول الشاعر مروان حديد الذي قال عن أحد السجانين في

معتقله الذي كان فيه

في قصيدته التي منها قوله :

أبتاه ماذا قد يخط بناني – والحبل والجلاد ينتظراني

لم تبق إلا ليلة أحيا بها – وأحس بأن ظلامها أكفاني

لكن إذا انقشع الضياء ومزقت – بيد الجموع شريعة القرصان ِ

فلسوف يذكرني ويكبر همتي – من كان في بلدي حليف هوان ِ

ثم تحدث عن سجان كان يحرس في المعتقل :

أنا لا أحس بأي حقد نحوه –

هو طيب الأخلاق مثلك يا أبي –

نسيت الأشطر الثانية من البيتين

ومثله قول الشاعر أحمد مطر عن سجانه في قصيدة له :

جاء به وبي قرار

هذا عن السجان الطيب المغلوب على أمره بخلاف السجان الغليظ

القلب الفظ سيء الخلق عديم القيم فهذا قال عنه :

أحدثكم عن بطل ٍ سجانه حمار

فأعلنت رابطه الحمير الغضب والاستنكار

قائلة ً :

إن حموريتنا تأبى أن يلحقنا هذا العار
.
وبعد هذه الوقفة حول المشاعر الإنسانية نعود إلى موضوعنا

حيث عدنا إلى الباراكس حاملين معنا الغنيمة

ومن طول الغيبات جاب الغنايم

وأخرجوا عشرة آخرين أحضر كل منهم صحنا من الرز والدجاج

وبالمناسبة الصحن كان بالحجم العادي حجم الصحن المخصص

للشخص الواحد وليس صينية كبيرة وضع كل منا الصحن واجتمع

حوله أربعة من الأسرى ترددنا في الأكل بداية لكن الجوع له

صولة وجولة فقلنا نتوكل على الله ونأكل خصوصا أن بعض

الأسرى جربوا وأكلوا كفدائيين ولم يصبهم مكروه بحمد الله

فقام كل منا وفسر عن أكمامه وقال بالخمس وما هي إلا لحظات

وإذا بالصحن خا على عروشه يقول طن طن فاضي فاضي ويرجع

منه الصدى

ولا يحتاج إلى غسيل بعد ذلك

بيت العائلة
02-08-2012, 10:10 AM
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه وسلم

ما هو سر التغير المفاجيء في التعامل من قبل الجنود العراقيين

في ذلك اليوم معنا ؟

ما هو سر هذا الكرم الحاتمي المفاجيء والتحول في نوعية الطعام

من الصمون اليابس إلى العيش والدجاج ؟

الجواب عرفته بعد سنوات بعد إطلاق سراحي ، حيث زرت ديوان

النائب مبارك الدويلة وكان مبارك مسافرا فاستلم أخوه ناصر

الضابط بالجيش الكويتي آنذاك والذي أصبح محاميا ونائبا في

البرلمان فيما بعد وشارك في حرب التحرير واستلم دفة الحديث

عن هذه الحرب وما رافقها من ملابسات حتى وصل إلى مساء ذلك

اليوم الذي أصابت الجنود الذين يحرسوننا الهستريا وخرجوا عن

طورهم وأعطونا طعامهم الذي أعدوه لهم وهو الرز والدجاج ،

فقال أنه في ذلك اليوم كانت القوات البريطانية المسماة بجرذان

الصحراء قد تخطت البصرة ومعها قوات المارينز وكانت متجهة

إلى بغداد وطوقت البصرة وكانت أرتال وأفواج من قوات المارينز

وجرذان الصحراء متجهة نحو القوات التي في البصرة للسيطرة

على النقاط الهامة والمواقع الاستراتيجية في تلك المنطقة !!

إذن هذا يفسر تلك الهستريا وذلك التحول المفاجيء في التعامل ،

وهو أن قوات التحالف كانت متجهة نحونا وكان مقررا أن تسيطر

على المعسكر الذي كنا فيه وربما كان ليتم ذلك خلال ساعات

ولربما كانت قوات التحالف قريبة من المعسكر الذي احتجزنا فيه


أو متجهة إليه والله أعلم.

وهذا نص كلام المقدم متقاعد ناصر الدويلة من كتابه
"ردة الفرسان"

2ـ الفيلق السابع الاميركي: مكون من الفرق 1،2،3 الاميركية

ومحورها يحده من اليمين الفرقة الانكليزية في وادي الباطن ومن

اليسار شعيب ابوغار والمحور المركزي يمر في العظامي ثم ام

حجول ثم ضبع ثم البولية ثم تستدير نحو الشرق وتحقق الاتصال

بقوات الفرقة 24 التي ستقطع طريق البصرة الناصرية عبر

الابرار الجوي في نقطة قريبة من مطار جليبة وسوف يندفع

النسق الثاني للفيلق السابع لقطع طريق البصرة بغداد غرب

الرميلة. أ.هـ.

في معسكر بوصخير وفي هزيع الليل والقصف مستمر حولنا

وعلى بعد كيلو مترات يقترب القصف تارة ويبتعد تارة أخرى

، وفجأة وبينما كنا جالسين نتجاذب أطراف الحديث والأسرى

منهمكون في الأحاديث الجانبية والظلام يخيم على المعسكر وفي

داخل الباراكس لا تكاد ترى سوى بصيص من الضوء يدخل عبر

الشبابيك من بعض الإضاءات في المعسكر ولا تسمع سوى

مجموع أصوات الهمس والحديث بين الأسرى ...... وفجأة !!!
.
بم دم دف تش طااا
.
زررررررررررررررررر دفففففف
.

دففففففففف
.
اشتعلت الأرض من حولنا واهتزت الأرض من تحتنا وتزلزلت

المباني من فوقنا وحولنا !!....

لقد بدأ قصف قوات التحالف على المعسكر الذي كنا فيه ، والقنابل

تتساقط من حولنا وأصوات القنابل تأز آذاننا أزا ً ، وتصم أسماعنا

صما ً ، وترج قلوبنا رجا ً ، وتوقف شعور أبداننا ، فذاك الذي

يكبر بصوت عال وهذا الذي ينطق بالشهادتين ، وذاك الذي ينادي

يارب وآخر يصرخ يا الله ، فما بين الأصوات الصادحة بالشهادتين

والنداءات المكبرة الله أكبر والصيحات المدوية بالدعاء وما بين

هذا وذاك وإذ رأيت المبنى يهتز مع الانفجارات والاسمنت في

سطح المبنى بدأ يتساقط على رؤوسنا مما ينبيء عن احتمال

انهيار سطح المبنى على رؤوسنا في أي لحظة ، ناهيك عن

احتمال وقوع صاروخ جو أرض على مبنانا بشكل مباشر وهذا ما

خشيناه ،

حينها صحت في الأسرى : تجمعوا في الزوايا ، الزوايا الزوايا

وعلى عجلة وسرعة وبوهة الموقف ورهبته وجدت نفسي فيمن

تجمعوا حول زاوية المبنى وليس في الزاوية مباشرة لأن الزاوية

امتلأت بالأسرى حيث تجمعنا إليها لأن المبنى كان على وشك أن

ينهار من شدة ارتجاجه واهتزازه المستمر ، حتى أيقنا بالهلاك إلا

أن أملنا بالله لم يخبو ولم يخفت نوره إذ أخلص الأسرى الدعاء

وصدقوا التوجه إلى من بيده التقدير واللطف ، فكان التقدير وكان

اللطف فلطف الله بنا وبدأت الانفجارات تبتعد شيئا فشيئا وبدأ

صوت الانفجارات يخبو ويضمحل وساد المكان صمت ٍ رهيب

وسكون امتد لمدة دقيقتين تقريبا ، ويعتبر هذا الوضع وهذه

الظروف أنسب الأوضاع والظروف لإلقاء موعظة وخاطرة تهديء

النفوس وتعمق الايمان ،


وتوقعت أن يقوم الشيخ خالد القصار بهذا الدور ولم يخب ظني

فما هي إلا لحظات وإذا بذلك الصوت الندي الرقراق ينساب من فم

الشيخ خالد القصار بكلمات وآيات من الذكر الحكيم بترتيله الجميل

لقوله تعالى من سورة الأنبياء :

( وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي

الظُّلُمَاتِ أَن لاَّ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ

فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنجِي المُؤْمِنِينَ )

ثم شرع في تفسير هذه الآية بالآيات الأخرى المشابهة وبالأحاديث

النبوية ونقولات عن الامام ابن القيم رحمه الله ولقد أجاد وكان

موفقا ومسددا ولقد خلته تكلم بنور من الله وهداية وتسديد ورشاد

كيف لا وهو يسترشد بالنصوص من الكتاب والتوجيهات النبوية

وكلمات العلماء الربانيين المستمدة من المنبع الأصيل في وقت

خلوص النية وصفاء الروح في مواجهة الموت والنجاة منه بلطف

من الله وسكينة نزلت في القلوب ،

وكان مما قال : نبي الله يونس عليه السلام في ظلمات ثلاث ظلمة

بطن الحوت وظلمة وقاع البحر وظلمة الليل البهيم لا تدري عنه

لا طائرات تحالف ولا جيوش ولا أهل ولا أرحام ، فماذا فعل ؟

وإلى من لجأ ؟ لقد لجأ إلى من لا يغفل ولا ينام ، لقد توجه إلى

العزيز العلام ، الذي يعلم دبيب النملة السوداء على الصخرة

الملساء في الليلة الظلماء ، فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت

سبحانك إني كنت من الظالمين فما أحوجنا إلى كلمة التوحيد وما

أحرانا بالتسبيح وما أحوجنا إلى الاعتراف بالذنب ، رددوا معي لا

إله إلا أنت سبحانك إنا كنا من الظالمين ، فإذا كان لنا من منفذ من

هذه البلية ومنقذ من هذا الأسر فهو الله فسبحان الله ولا إله إلا الله

رددوها كلما سنحت لكم الفرصة واجعلوها تخرج مع النفس

بالسليقة .

كان هذا هو مضمون كلام الشيخ خالد القصار حفظه الله وجزاه

عنا وعن الأسرى وعن المسلمين كل خير ، لقد كانت كلماته

كالبلسم على قلوبنا وكالمرهم على جروحنا بارك الله فيه وفي

والديه وذريته وجزى مشايخه كل خير وجزى الله دعوة أنجبت

مثله كل خير . ولقد كان لهذا الموقف أوقع الأثر في قلبي وكان

عاملا من عوامل التثبيت والصبر على المحنة التي قلبها هو

وأمثاله من الأخيار إلى منحة استفدنا منها أيما إفادة رغم مراراتها

وآلامها .


في اليوم التالي وفي الصباح أخذنا الجنود وأركبونا في الباصات

وأخذونا في بداية الأمر إلى القرية المجاورة وكنا حوالي 10 إلى

12 باص تقريبا وأوقفونا خلف بعض بجانب إحدى المدارس ،

وما هي إلا دقائق وإذا بالعوائل تخرج من المدارس وتقف تتفرج

وتنظر إلينا ، وكانت الباصات محاطة بالجنود المدججين بالسلاح

وبقينا في الباصات ننتظر عدة ساعات ،

وقد أغضبنا في بداية الأمر وقوف هذه العوائل للتفرج علينا ، ثم

شيئا فشيئا جعل الأهالي يقتربون وكان أول من قدم باتجاهنا رجل

كهل كبير السن قارب السبعين من عمره تقريبا يلبس الزي الشعبي

الدشداشة والغترة وله شارب أبيض غليظ قد ساقته السنون

وأهوالها إلى البياض فلست أدري ألعمر أسرع في تبييض شاربه

أم مآسي العراق التي مرت خلال سني عمره من عهد الملكية إلى

ما أعقبه من انقلابات الشيوعيين والبعثيين وغيرهم حيث لا

استقرار وكأن قدرهم الحتمي هو اللا قيام واللا تقدم من فتنة إلى

أخرى ومن محنة إلى محنة .

تقدم إلينا هذا الرجل واقترب من باصنا

وسألنا : يابا شنو انتوا أنتو منين جايين ؟ شنوا أنتوا أسرى حرب

جايبينكم من الجبهة ؟ وشلون انتو عيل لابسين مدني شالسالفة ؟

فقلنا له : احنا مدنيين مالنا شغل بالحرب احنا خذونا من

المساجد والبيوت ومن الشوارع لمونا .

فقال مستغربا : شنو !! انتوا مو عسكر ؟

قلنا : لا احنا مدنيين .

قال : انتو شنو كويتيين ؟!!

قلنا : أي احنا كويتيين

فتمعر وجهه واحمر وبكى بكاء مرا

ولما علم أننا كويتيون أخذنا واعتقلنا من المساجد والبيوت

والشوارع رجع إلى العوائل وأخبرهم فجاءت إلينا عجوز بجركل

ماء ( جلن ماء ) فشرب كل من في الباص مقدار ما يبل ريقه وزاد

منه القليل فأخذ أحد الأسرى الجلن وأعطاه للطفل الصغير مع

المرأة

وقال له : اذهب بهذا الجلن وأعطه للشباب في ذلك الباص

ففعل الصبي وكانت لفتة طيبة من العجوز ومن الأسير ،

وسألت المرأة العجوز : إن كان في الباص أحد من سكان السالمية

فأجبنا : بالنفي بعد السؤال ،

وجاءت عجوز أخرى وأعطتنا قرصا من الخبز مخبوز محليا

فأكلناه وكان نصيب كل واحد في الباص قطعة صغيرة والبعض لم

يأكل . وجاءت عجوز أخرى بقوري شاي وسقتنا وقد كنا نشرب

نصف استكانة ثم جاءت بقوري آخر

وسألتنا : إن كان في الباص أحد من سكان الصليبيخات

فأجابها أحد الشباب : نعم أنا من سكان الصليبيخات

فقالت : هل مر عليك جندي اسمه فلان فلان فلان نسيت اسمه

يعني مثلا علي محمد حسين هكذا

فأجابها : بالنفي وقالت إنه مكلف في نقطة سيطرة وأنها أوصته

بأن حليبها عليه حرام إن آذى الكويتيين .

في خضم هذا التعاطف من الأهالي استغربنا من مدى هذا التعاطف

فقام أحد الأسرى بالباص ولعله الأخ نايف الصبر على ما أذكر

بسؤال الحجي الذي بكى عندما علم أننا كويتيون عن سبب هذا

التعاطف ،

فقال : إن لحم كتافنا من خير الكويتيين وأن الذي عمر

بيوتنا بعد حرب الفاو هم الكويتيين وأن الكويتيين ما قصروا

معانا في حربنا مع ايران ، وان اللي صار مو بيدنا واحنا مو


راضين عليه .


بعد مدة مر أحد الضباط ورأى الناس والنساء متجمعين حول

الباصات أمر جميع الأهالي بالابتعاد عن الباصات وعدم الحديث

مع الأسرى وأمر بإغلاق شبابيك الباصات فلم يمتثل له أحد إلا

القليلين الذين كانوا أمامه ، ولكنه أبعد الأهالي وأعادهم إلى

المدرسة . وظللنا واقفين نكابد الملل والقلق ، حتى اقترب الظهر

وتحركت الباصات وعلمنا أن الباصات متوقفة بانتظار تعبئتها من

الوقود

بيت العائلة
02-08-2012, 10:10 AM
في الحقيقة وأنا أدون ما حدث في هذين اليومين اللذين قضيناها

في البصرة أشعر أنني ربما فقدت شيئا من تسلسل الأحداث إذ أنني

كتبت ما جال في ذاكرتي من أحداث دون ترو ودقة في ترتيب

تسلسلها الزمني فلربما ذكرت أحداثا قبل الأخرى من حيث الترتيب

الزمني ومرد ذلك أنني أكتب هذه المذكرات باستراق الأوقات

المقتطعة من خضم انشغالاتي وارتباطاتي بحيث أكتب أسطرا ثم

أكملها كلما سنحت الفرصة فلست في تفرغ للكتابة إذ لو كان ذلك

متاحا لكانت الصورة أجود والتسلسل ماض بدقة أكبر ، ووإنني

أحاول أن أسدد وأقارب قدر الإمكان.

انطلقت الباصات من البصرة إلى بغداد ولكنها سلكت طريقا غير

الطريق المعتاد والطبيعي على الشارع بين البصرة وبغداد فلقد

كانت قوات التحالف مسيطرة على هذا الطريق كما علمنا فيما بعد

وسرنا طوال الطريق بين القرى والطرق الوعرة وكم وكم عبرنا

جسورا مصطنعة بين الترع وجداول النهر ومررنا على بعض

الجسور المضروبة من قبل التحالف والتي تم تصليحها من قبل

العراقيين الذين كانوا يباشرون إعادة عمل أي جسر يضرب على

التو والفور وكان من المناطق التي مررنا بها السماوة ورأينا

الناس في الطريق ينظرون إلينا بغضب ، ولكننا عندما دخلنا منطقة

العمارة دخلت الباصات ووقفت في وسط السوق لمدة نصف ساعة

تقريبا ورآنا الناس واجتمعوا حول الباصات وهم يظنوننا من

أسرى الحرب العسكريين وكانوا ينظرون إلينا بحقد وغضب وحنق

وكنا نسمع منهم الشتائم المقذعة التي لا تطاق ، ودخل علينا في

الباص ضابط وبيده العصا العسكرية السوداء

وقال : جابوكم النشامى ؟ بصيغة المتسائل بفخر

فلما قلنا له أننا مدنيون لا شأن لنا بالحرب استغرب ورفع يده

ملوحا بطريقة الاستنكار ، وهنا جاء الضابط المسئول عن الأسرى

ونكل بالجنود المسئولين عن حراسة الباص وكيف أنهم سمحوا

للناس بالاقتراب من الباصات وأكثر من ذلك أنهم سمحوا لأحدهم

بالدخول إلى الباص والحديث معنا ، وأمر للتو والفور بمغادرة

المنطقة وبينما نحن نغادر والناس ينظرون إلينا شزرا وكأن

الغضب يقطر من عروقهم المنتفخة وأوداجهم الفائرة قطرات من

البغض والكراهية تتبخر فورا كدخان القطار السائر على الفحم

وكالحرارة المنبعثة من ذيل طائرة الإف 18 التي تقصف المحتل

الباغي وتحيل ليله نهارا وصفاء جوه دخانا .

نظرت من خلال شباك الباص وإذا بواحد من الناس ممن قد

وصفت أمثاله في الفقرة السابقة ينظر باتجاهي ولسانه يبربر

بالسب والسخرية منا ، فأردت أن أستشيطه غضبا فوق غضبه

فأشرت إليه مستهزئا وساخرا والباص يسير باتجاهه ولسان حالي

يقول " إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم كما تسخرون "

مضينا باتجاه بغداد ودخلناها في جنح الظلام وعبر ظلمة الليل

وظلام القهر وظلم الظالمين الحاجزين لحريتنا عن غصب وإجبار

والله المستعان



ماذا حدث في بغداد وكيف قضينا الأربعة أيام المرة فيها ؟


ومن هو عزام الجهراوي وابن خالته وما هي قصته ؟


وكيف تلقينا خبر التحرير ؟


وكيف أجبرونا على سماع خطاب صدام ؟


وماذا فعل نايف الصبر بجسارة ؟



هذا ما سنعرفه في المرة القادمة

بيت العائلة
02-08-2012, 10:11 AM
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن

والاه واتبع هداه أما بعد

أدخلونا كعادتهم إلى معسكر الرشيد ببغداد أثناء الليل في الظلام

الحالك ، ويعتبر معسكر الرشيد ببغداد من أكبر المعسكرات

العراقية فهو معسكر للجيش مساحته شاسعة وواسعة ، حسبما

سمعنا وقرأنا ورأينا عند خروجنا ، وقد عملت بحث بمحرك

الجوجل عن معسكر الرشيد فظهرت هذه العناوين التي تدل على

ضخامة هذا المعسكر :

الدباغ : ابوظبي مهتمة بانشاء مدينة حديثة على معسكر الرشيد

ببغداد

جريدة الصباح : شركات عالمية تتقدم للاستثمار في معسكر

الرشيد .

وقد سمعت أن مجرد اسم هذا المعسكر أيام الحكم البائد كان يثير

الرعب ، فقد كان الداخل فيه مفقودا والخارج منه مولودا ،

والحمد لله أن كتب لنا عمرا جديدا بخروجنا من هذه الأماكن

الكريهة .

أنزلونا من الباصات في جنح الظلام بعد رحلة شاقة في طرق

وعرة وطريق ممل ومتعب ، وصلنا وكان الارهاق باديا على

وجوه الجميع والبعض يفكر في الوصول إلى أية قطعة أرض

نستقر عليها أيا كانت من أجل أن ننام والبعض الآخر تسوقه

أحلامه الوردية إلى دوش خفيف أو شاور لطيف مع ماء حار

رقراق ينساب من الرأس إلى أخمص القدم باستخدام الصابون

المعطر والشامبو الرائع فيفيق من حلمه الوردي بصرخة جندي

أو حفرة يقع بها الباص فيرفع رأسه ويخفضه فجأة مما يطير بكل

تلك الأحلام الوردية فيعود الغائب إلى حاضره المزري وواقعه

الأليم فيحوقل ويسترجع وكأن لسان حاله ما يقوله الشاعر البديع

محمد بن فطيس المري :

بعض البشر حبه يوردك الجنون

ومهما توضح ما يفيد حكاك له

كيك وعسل لكن ما هو في صحون

الله يستر عليه من النحل لا ياكله

يدعيهم الشيطان للذنب ويجون

هذا يقطع له وذاك يواكله

وما لك إلا الصبر وش وداك له

وما لك إلا الصبر وش وداك له

ويصبر ويصبر ويصبر

حتى إذا تذكر قول الشيخ الشاعر الدكتور يوسف القرضاوي

عندما كان طالبا في الأزهر:

صبرنا إلى أن مل من صبرنا الصبر – وقلنا غدا أو بعده ينجلي

الأمرُ

فكان غد ٌ عاما ً ولو مد حبله – فقد ينطوي في جوف هذا الغد

الدهر ُ

وقلنا عسى أن يدرك الحق َّ أهلُه – فصاحت عسى من لا ولا

طعمها مرّ ُ

وماذا علينا بعد أن ثار مرجل ٌ – من الآلام يغلي به الصدر ُ

مددنا بطول الصبر منا صمامه – فثارت عليه النار ُ فانفجر القِدر ُ


أتبعه بقول الشاعر :

سأصبر حتى يعجز الصبر عن صبري

وأصبر حتى يأذن الله في أمري

وأصبر حتى يعلم الصبر أني صابر

على شيء أمر من الصبر

والايمان نصفه صبر ونصفه شكر وإنما يوفى الصابرون أجرهم

بغير حساب

ليدفع ثمن الريادة وإمامة الأمة :

( وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون )

ويدفع ثمن النصر :

( بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم

بثلاثة آلاف من الملائكة مسومين )

ولقد والله رأينا بأم أعيننا كيف أنه لما صفت القلوب وتوجهت

القلوب إلى بارئها بصدق وإخلاص كيف أن الله تعالى كان ينزل

علينا السكينة والطمأنينة حتى كان الثبات في أحلك الظروف

وأصعب المواقف مما سأحكيه لكم مما قد تعجبون منه في ملاحم

ومواقف تستحق أن يدونها التاريخ بحروف من ذهب صاف وماس

نقي .

نزلنا من الباصات وأدخلونا في السجون التي اكتضت بالأسرى

حتى ضاقت بمن فيها ولولا أن القلوب متلاحمة والأنفس متوافقة

والعقول متحدة نحو الصبر والتحمل للأذي في سبيل نصرة الدين

والوطن والوصول للهدف الموحد وهو التحرير ، لولا ذلك لكان

الاحتكاك الذي ليس من فكاك ، واللتصارع الذي يؤدي إلى الهلاك

، ولكنه لطف الله الذي ألف القلوب وما ضاقت الدنيا بالمتحابين في

الله المجتمعين عليه والمفترقين عليه .

أغلقوا علينا الزنازين وهذا السجن ليس فيه شبابيك كما هو الحال

في معسكر أبو صخير وإنما هو الباب الحديدي فقط فيه شباك

وحديد طولي ، وعند الباب كان الحمام المكشوف أعزكم الله الذي

ليس له أسوار ، وكل ما هنالك صبة اسمنت عرضها 3 سم

وارتفاعها 3 سم وضعت على شكل ربع دائرة حول الباب حتى

تحجز الطشار كرمكم الله ، وما على الأسير إلا أن يجلس داخل

دشداشته ويستر عورته بها ويقضي حاجته فإن كانت سائلا وجهه

نحو الباب وإن كانت الأخرى فإن الجنود قد جمعوا أكياسا من

النايلون ليقضي الأسرى حاجتهم بها ثم يلقيها الأسير من الشباك

إلى نهاية الليوان

وهذه صورة لمبنى معتقل يشبه المبنى الذي كنا فيه وهذه الصورة

لمعتقل بعقوبة في محافظة ديالى :


YOUTUBE]http://file8.9q9q.net/img/53436213/----------31-004.jpg (http://file8.9q9q.net/preview/53436213/----------31-004.jpg.html)[/YOUTUBE]



عندما أدخلونا إلى هذه السجون في ظلام الليل صلينا المغرب

والعشاء جمع تأخير ، والطريف أننا سألنا أحد الجنود عن قبلة

الصلاة لأن أهل الدار أدرى فحار واحتار ثم قلب نظره هنا وهناك

ثم فرك ه

ثم قال بعد تردد آآآآآآم : إإإإ هناك بهالاتجاه !!!

وشككنا ولكن ما أدرانا

قلنا له : متأكد ؟

قال : إي يابا شنو

شايفينا ... ما نعرف القبلة .

صلينا المغرب والعشاء باتجاه قبلة الجندي وفي الصباح اكتشفنا

أننا صلينا باتجاه بيت المقدس j

يبدو أن الأخ لم يبلغه نسخ اتجاه القبلة j

وفي الحقيقة أن الأظهر أنه لا يعرف اتجاه القبلة لأنه ببساطة ربما

لم يصل من قبل على الأقل في المعسكر . والله أعلم

ثم جلسنا قليلا وألقى كل منا نفسه واستسلم للنوم ويومها كنت

محظوظا بعض الشيء فقد نمت في وسط السجن على قطعة

كرتون بدلا من النوم على الاسمنت كالأيام السابقة وقد كان هذا

هو سريري وفراشي في تلك الليلة ، وهو بالمناسبة ليس مكانا

جيدا لأنه معبر للأسرى باتجاه الحمامات الفاخرة j فكلما غطيت في

النوم جاءك عابرٌ فهذا يدوس على رجلك ويعتذر وذاك يتحسس

برجله الدرب لخفوت الضوء فيصطدم ببطنك أو ظهرك وأقلهم من

يمر بجانبك مرورا فيوقظك مروره وهكذا المعاناة تستمر والحمد

لله على كل حال.

وهكذا انقضت هذه الليلة لتأتي ما بعدها من أيام وليال كالحة الحال

مريرة الواقع أليمة الوقع نحتسب أجرها وثوابها عند الله تعالى

ففي الحديث :

(ما من مصيبة تصيب مسلم ولا هم ولا غم ولا نصب ولا وصب

إلا كفر الله بها خطاياه حتى الشوكة يشاكها )

وفي الحديث :

( عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير إن أصابته سراء شكر

فكان خيرا له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له وليس ذلك

لأحد إلا للمؤمن )

وقبل ذلك في كتاب الله تعالى :

( أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم

مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين

ءامنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب )

بيت العائلة
02-08-2012, 10:12 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن

والاه . أما بعد

ها نحن عدنا والعود أحمد

عدت للكتابة في الموضوع الذي لطالما طمحت أن أنجزه وأكمله

وأخرجه من أدراج صدري وذاكرتي بعد أن علاه الغبار وتننحنحت

حنجرة البوح به أملا في إطلاق أحبالها الصوتية لتريح ضميرها

بنقل هذه التجرية التي هي حق للأجيال لا يجوز بحال أن تظل

حبيسة الذاكرة ومنحصرة بالبال والحس والضمير مهما خالطت

ذلك وساوس الشيطان من رغبة مجلبة المدح والثناء أو إضاعة

الأجر في ترك الأمر طي الكتمان لتستعمله وقت الحاجة وتتوسل

إلى الله تعالى به كعمل صالح خفي أردت به وجه الله تعالى فتسأله

به أن ينجيك من كربة أو يجلب لك خيرا أو ييسر لك أمرا ، وبحمد

الله لن نعدم من عمل صالح نسأل الله تعالى به ، ولا فخر

( وأما بنعمة ربك فحدث ) رغم علمي بما لدي من تقصير وذنب

تجاه الله رب العالمين ، إلا أن أملنا بعفوه وكرمه ومغفرته كبير

كبير

قال تعالى في سورة الأعراف :

وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَـاةَ

وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ {156}

فاللهم اجعلنا من المتقين المؤتين للزكاة المؤمنين بالآيات آمين .

ثم أعتذر أشد الاعتذار لكل أخ أو أخت أحسنوا الظن وتابعوا هذه

المذكرات واستاء بعضهم من تأخري في الرد وتأخري في إكمال

هذه المذكرات وألتمس لهم العذر وأقول لهم :

جد لأخيك سبعين عذرا فإن لم تجد فقل عسى أن يكون له عذر لا

أعلمه

وقد قال الشاعر :

ومثلك الكريم يعذر ُ

فقد كنت خلال الفترة الماضية مشغولا جدا

في ارتباط صباحي ومسائي

يعقبه ويتخلله ارتباط ذهني ومساحة مشغولة في العقل والبال ،

ولا يخفى عليكم أن كتابة المذكرات تحتاج إلى خلو الذهن وصفائه

كما أنها بحاجة للتفرغ ، واليوم وقد أخذت إجازة تنتهي بعد عيد

الفطر بعد أن فرغت من حل المعضلتين اللتين ألمتا وانتهيت تقريبا

من حلها ، وتبقت مسألة هي بين يدي علام الغيوب بذلت فيها

السبب ووضعت جدولا ومراحل للتحرك فيها ، كما أنني مشغول

منذ شهر تقريبا بترميم البيت واقترب الأمر من نهايته .

وقد كان من المناسب جدا أن أنتهز فرصة مرور ذكرى اليوم الأليم

يوم 2 أغسطس اليوم الأسود من عام 1990م الذي حدثت فيه

جريمة الغدر والخيانة اليوم الذي احتلت فيه دولتنا الحبيبة من

قبل قوات غاشمة لقيت جزاءها من الله على يد قوات سخرها الله

من الشرق والغرب صديقة وعربية وإسلامية .

نسأل الله أن يكتب للأمة العربية والإسلامية وحدتها واتفاقها

وتعاونها على البر والتقوى على صلاح من الأمر وبراءة من

الأفكار والتيارات الأرضية الناشئة من عند أهواء البشر

( إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس ولقد جاءهم من ربهم

الهدى )

وأن يجمع شمل المسلمين لما فيه صلاحهم في دينهم ودنياهم

ليقدموا نموذجا راقيا للبشرية يتصف بالحرية المنضبطة

والحضارة والتنمية والرقي لإسعاد البشرية والعيش في وئام مع

سائر الناس بالعدل والقسطاس المستقيم وعدم استخدام القوة إلا

حيث لزم الأمر بعد استنفاد كافة السبل صدا للعدوان ومنعا

للاعتداء كما تنص عليه الشرائع الدينية والقوانين الدولية

والفطرة الإنسانية السليمة .
.
وصلت إلى أننا نمنا في اليوم الأول في معسكر الرشيد وكان

نصيبي أن نمت على قطعة من الكرتون في الجهة اليسرى من

غرفة السجن التي كانت كبيرة نسبيا حيث يمكن أن نسميها قاعة

حيث كان طولها تقريبا ثمانية أمتار وعرضها حوالي أربعة أمتار

يقع بابها في الجهة اليمنى وإذا فتحت الباب وجدت صبة اسمنتية

ربع دائرية توازي طرف الباب أثناء فتحه فلو وضعت طبشورة

أسفل طرف الباب وفتحت الباب سترسم الطبشورة على الأرض

ربع دائرة تبتديء من بداي الباب وهو مغلق وتنتهي عند الحائط

المجاور للباب الذي يصطدم به الباب عند إغلاقه وتجد هذه الصبة

الاسمنتية بارتفاع 3 سم على بعد بوصتين من خط الطباشير الربع

دائري تقريبا ، والغرض من هذه الصبة الاسمنية هو أن تعمل مثل

السد الذي يمنع ارتداد السوائل إلى قاعة السجن . وهذا السد في

هذه المساحة التي تشكل ربع دائرة هو الحمام الفاخر للمرتهنين

المسجونين في هذا السجن ليستخدموه في الليل ، ذلك أنه يمنع

خروج أي سجين أو مرتهن في الليل خشية الهروب ، وكم هم

مساكين من كان نصيبهم الجلوس والنوم في الزاوية المجاورة

لهذا الحمام الفاخر! ، فقد آذتهم روائح البول والغائط كرمكم الله ،

وباتوا ليلة صعبة مريرة .

إذا فتحت الباب – باب السجن – تجد أمامك الحائط على بعد أربعة

أمتار ثم تلتفت لليسار فترى السجن ممتدا ثمانية أمتار فإذا دخلت

السجن من الباب ودخلت خطوتين ثم استدرت لليسار ومشيت

مسافة ستة أمتار ستجد سريري الفاره تحتك وهو عبارة عن

كرتون واللحاف هو السقف وما وارى جسدي المتعب من ملابس

كنت أرتديها آنذاك ، تنادى الزملاء المنكوبون بقرب الباب وطلبوا

من الجميع أن يجمع كل منهم ما استطاع من أكياس نايلون

وقراطيس لتستخدم في قضاء الحاجة في الليل ، وهذا ما حدث في

اليوم الثاني حيث قام كل من اضطر لقضاء حاجته ليلا عند الباب

بفعل ذلك في أكياس النايلون التي أخذناها من الجنود فإذا انتهى

ألقى الكيس من الشباك عبر الليوان ، وكان الله في عون من

أصيب بالاسهال تلك الأيام .

في الصباح سمحوا لنا للخروج إلى الحمامات على شكل

مجموعات . وكذلك فعلوا بعد العصر ، وكان الغداء هو الرز

الأبيض الغير مطهي جيدا والعشاء هو تلك الصمونة اليابسة ،

في المساء كان جميع الأسرى يتحدثون ويتسامرون ويتكلمون

فيما بينهم إلا شابين صغيرين جلسا مستندين إلى الحائط صامتين

صمت القبور لا يتكلمان ولا يتحدثان ولم ينبسا ببنت شفة منذ أن

تم اعتقالهما ، هكذا أخبرني أحدهم عندما حاولت الكلام معهما ،

قال " لا تتعب نفسك ما يبون يتكلمون " .

كانت أعمارهما 14 و15

ما هي قصتهما وكيف استطعت حملهما على الكلام والاندماج

معنا ؟

هذا ما سنعرفه في الحلقة القادمة بإذن الله

بيت العائلة
02-08-2012, 10:12 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

كان المكان يعج بالصوت المتداخل ، بعضه عال وبعضه خفيت ،

فهنا داخل هذه القاعة في معتقل الرشيد ببغداد تقبع مجموعات من

الشباب الكويتي الذي أخذ عنوة من المساجد والبيوت والطرقات

في أيام نحسات اختلط فيها الحابل بالنابل وغدا الباطل حقا والحق

باطل ، ومن بين هذا الركام من البشر المدموك ( ههه تعبير يدل

على التخصص ) على بعض المحشور في أماكن ضيقة وإن بدت

كبيرة ذلك أن القلوب متحابة والصفوف متراصة - عكس ما يحدث

هذه الأيام مع الأسف – من بين هذه الأصوات المتشابكة

( mixed ) ينطق صمت الاثنين الجالسين أمامي ويعبر عن نفسه

كأنه صراخ من الأعماق ، فرب صمت أبلغ من الكلام ، ورب هدوء

أشد من العاصفة ، ورب سكون أشد ارتجاجا من الزلازل ، صمت

يشوبه قلق مع وجوه متجهمة وكأنها تسبح في فضاء رحب

يقودها إلى حتفها أو يسوقها إلى مصير مجهول .

لا تتعب نفسك قال لي أحد الشباب الجالس بجوار الشابين

الصغيرين الصامتين ، وجومٌ أناخ بكلكله على محياهما ، لذت بالله

وتوجهت إليه أن يعينني على تخليص هذين الشابين من هذا

الوجوم وقد خشيت عليهما ، فإنه من الخطر على صحتهما

النفسية أن يبقيا على هذه الحال ووضعت أمام نفسي تحد ٍّ أحبه

وهو علاج النفوس بما حباني الله من علم شرعي وخبرة تربوية

اكتسبتها من عملي في الميدان التربوي في جمعية الاصلاح

الاجتماعي وبالذات مع الناشئة من هذه الأعمار ومن خلال

الدورات والقراءات ، بدأت الحديث معهما بلغة يفهمونها

وهي لغة هذا العمر من الشباب وبنفس أسلوب الناشئة الذين كنت

أعمل معهم فقد بدأنا في تأسيس عمل ٍ للناشئة في محافظتنا من

بداية عام 1987 م كعمل رديف لعمل الشباب وكنت آنذاك مسئول

عن هؤلاء الناشئة مع بعض الإخوة ولم تكن لجنة النشء

الإسلامي قد تأسست آنذاك ولكن كانت هذه نواة لها ، نحفظهم

القرآن وبعض الأحاديث النبوية ونعلمهم العقيدة الصحيحة

ونربطهم بالله تعالى ونعلمهم على المفاهيم التربوية والأخلاقية

ونساهم في تقويم سلوكهم وكنا على اتصال دائم بأهلهم للتنسيق

وتبادل الآراء وكان بعض أولياء الأمور يحضرون معنا الرحلات

ويبدون ملاحظاتهم وكان هذا مفيدا لنا بشكل كبير، ومن هنا

تعرفت على أسلوب خطاب هذه الشريحة العمرية والمفردات التي

يستخدمونها وطريقتهم في الكلام واهتماماتهم وهمومهم

( بالمناسبة " العيال كبرت " وأصبحوا اليوم من قيادات العمل

التربوي للشباب والناشئة ) .

دخلت من هذا المدخل على هذين الشابين فأحسا أنني مشفق

عليهما قريب من فهمهما أستخدم المفردات الدارجة في أعمارهما

وجيلهما وماذا يسمون المدرسين وهكذا ..

شيئا فشيئا بدآ يتحدثان وانطلقا في التعبير عما يجيش في

صدورهما من مشاعر ومخاوف وكنت أطمئنهما وأن الأمر مآله

إلى خير ونجاة بإذن الله .

نسيت أن أذكر أن الشابين أحدهما اسمه عزام والآخر نسيت اسمه

وهما من سكان منطقة الجهراء القديمة .

ذكر الأخ بوعلي أنني لم ألتق به في سجن الأحداث بمنطقة

الفردوس وهذا وهم منه وربما نسيان فقد عرفني عليه الشيخ

ناصر الطليحي عندما كنا جلوسا في الممر بالدور الأول ، ولكن لم

نجتمع ونكون سوية ً هناك وهذا صحيح حيث كان اجتماعنا

كمجموعة وكوحدة واحدة تأبى التفرق في سجن معسكر

أبوصخير .

حمامات معسكر الرشيد ، الفنان العسكري والعلاقة بين السجان

والمسجون ومتابعة آخر الأخبار وحملة التفتيش في السجن وخبر

التحرير وخطاب صدام حول الانسحاب ، هذه عناوين الحلقة

القادمة .

بيت العائلة
02-08-2012, 10:13 AM
رابط ( مذكرات اسير كويتي قي المعتقلات العراقيه )


http://www.dewania.com/forum/showthread.php?t=787 (http://www.dewania.com/forum/showthread.php?t=787)

بيت العائلة
19-08-2012, 12:19 AM
مذكرات أسير ما قبل وما بعد
المعتقلات العراقية



بسم الله الرحمن الرحيم :
الاسم / طالب بن خليفة بن جاسم بن عيسى بن محمد بن عربيد بن حمد
الجنسية / الكويت
العمر / مواليد 1958 للميلاد
المهنة / ضابط وزارة الداخلية


أما بعد ،،،
المرحلة الأولى في مخفر الجابرية :

كنت على رأس عملي ليلاً يوم الأربعاء الأسود بتاريخ 1/8/
1990م ، وبتمام الساعة 10.30 ليلاً أتصل بي المقدم عادل الصباغة ، قائد منطقة حولي ، وكنت آنذاك أنا ضابط مخفر الجابرية ، وبدأ يتحدث معي أن ديروا بالكم وفتحوا أعينكم ، وأبلغني عند حدوث أي مشكلة ، واستغربت بشخصي من شخصهِ لهذا الاتصال ، وبتمام الساعة 3.30 ليلاً صباح يوم الخميس ، أتصل محقق مستشفى مبارك بمخفر الجابرية يطلب ضابط المخفر ، وكنت أنا وقتها في مخفر النقرة ، عند ملازم أول حمد العميرة ، وكان بصحبتنا الملازم أول بدر الغضوري ، فأبلغوني بأن مخفرك يطلبك ، وفعلا ذهبت إليهم ، ومن ثم اتجهت إلى مستشفى مبارك لأستشف ما الخبر لديهم ، وإذا بشخصين مصابين بطلق ناري ، أحدهما من عائلة الزامل ، والآخر لا أذكر اسمه ، ولكن الزامل كان الأخف إصابة ، فكان يروي أنه تعرض لطلق ناري عند الإذاعة من شخوص عراقيين ، فأخبرته أن الإذاعة ليست من اختصاصنا وكنت أقصد هنا ( شبك الإذاعة في كبد ) ، فرد وهو يقول أن من أصابه الجيش العراقي عند الإذاعة في الديرة ، فصدمني الخبر ، ولم أكاد أن أصدقه ، فتركته وتوجهت إلى مقر عملي ، لأتصل في محافظة العاصمة لأستطلع الخبر ، فأبلغوني بأن القوات العراقية موجودة بالديرة وهي في حالة قصف لقصر دسمان ، فبدأت أتصل على كل من أعرفه من الضباط لأبلغهم بالخبر ، ومنهم من صدق ومنهم من لم يصدق ، وأعتقد أنها مزحة ، وبدأ ضباط مخفر الجابرية يتوافدون إليّ ، ومنهم النقيب صياح المطيري ، ورئيس مخفر الجابرية آنذاك عبيد مخلد المطيري ( بو خالد ) ، والملازم أول عايض الهاجري ، وبدأت رحلة جديدة مع الجيش العراقي الغاشم ، وكانت جميع مخافر الكويت والمحافظات قد سقطت عدا مخفر الجابرية ، ومن يوم الخميس اتصل بيّ مساعد مدير أمن محافظة حولي العقيد / حسن جاسم ، وأبلغني أن أستلم التحقيق مع الأسرى العراقيين المحجوزين لدينا ، وفعلاً بدأت أحقق مع كل فرد يأسر من الجيش العراقي ، وكانت النظارة مملوءة بالأسرى ، كما أن مستشفى مبارك به أسرى عراقيين ، وعليهم حراسة وزعت من قبلنا ( مخفر الجابرية ) ، وتم استدراج بعض الجنود من أسقطوا بطائرتهم في النقرة ، كذلك تم إلقاء القبض على من أطلقوا النار على بنك الدم في الجابرية ، وجميع من أسر تم التحقيق معه من قبلنا .

إحراق مخفر الجابرية من يوم السبت الموافق 4/8/1990م :

بتمام الساعة 12.00 ظهراً من يوم السبت الموافق 4/8/1990م ، حين سقط مستشفى مبارك بيد القوات العراقية ، حين بدئوا يطلقون النار على الشرطة من رشاش عيار 50م ، وتمت إصابات بعض الشرطة ومن بينهم أحد الأفراد من عائلة القبندي ، حينها ذهبت إلى رئيس مخفر الجابرية المقدم / عبيد مخلد المطيري لأخبره بسقوط مستشفى مبارك ، وما يتوجب علينا فعله ، واقترحت عليه من أن نقوم بحرق المخفر بما فيه الجنود العراقيين ، ولكنه لم يستمع إلي بحجة أن لا أمرٌ لدية ، فأخبرته أني ذاهبٌ إلى البيت ، ويتوجب عليك أن يترك المخفر حالاً ، لأنهم في حال قدومهم إليكم سيعدمونكم جميعاً ، وفعلاً ذهبت إلى بيت خالتي في بيان ، وكانت معي جميع التحقيقات التي أخذت من الجنود الأسرى العراقيين ، وعند العصر عاودت الرجوع إلى المخفر ، فما وجدته إلا محروقاً حرقاً كاملاً دون وجود أي جثةٍ بالنظارة .

المرحلة الثانية ما بعد مخفر الجابرية وما قبل الأسر :

في ثاني يوم تم الاستيلاء على مدارس خيطان جميع آلة تصوير وورق ( إي فور ) ، كذلك على كمية كبيرة من الدفاتر للسيارات الزرق من المرور ، وتمت عملية التزوير لاستخراج الثبوتيات المزورة للدفاتر الخاصة بالمركبات للقيادة بأسماء غير الأسماء الحقيقية لمن يحتاج ، وقمنا بالتوزيع لمن له حاجة لهذه الدفاتر .

منزل خيطان ما بعد مهاجمة القوات العراقية للمقاومة الكويتية في كيفان :

بعد سقوط منطقة كيفان استقر بعضاً من ضباط الجيش الكويتي في منزل المغفور له والدي / خليقة بن جاسم بن عيسى بن محمد العربيد ، برفقة أبناءه الملازم / محمد العربيد والملازم أول / طالب خليفة العربيد ، وكان من ضمن الضباط الملازمين لمنزل خيطان بصفة دائمة هم : الملازم أول / ضاحي الضاحي حاليا عقيد ركن بالحرس الوطني ، الملازم أول / فهد دحام الظفيري ، الملازم رحمة الله عليه / خالد الراشد ، أخوه محمد الراشد رحمة الله عليه ، الملازم أول / خالد درويش الخضاري ، الملازم / عبدالله يعقوب ، وفي عمليةٍ نوعية لاستقدام أسلحة من ( جي ون ) مستودع السلاح آنذاك ، قضى على كل من الملازم خالد الراشد وأخوه محمد الراشد وهو يعمل بالكويتية .

ويعتبر الملازم أول طالب العربيد هو أول من أبلغ المقاومة الكويتية بكيفان بقدوم القوات العراقية ، ما أذكره في هذا اليوم ، وكان في نهاية العصر ، حيث كنا قادمين من عملية نوعية ، حيث أتانا فهد بوحمرة وهو الأخ الشقيق لإبراهيم بوحمرة شاكياً من أصحاب محل لبيع الدواجن بالقرب من دوار الفحم ( شويخ ) ، وكنا وقتها في منزل الأخوين خالد وإبراهيم العبيد بالروضة ، وأفاد الأول فهد بوحمرة ، أن أصحاب المحل ضربوه وأهانوه كونه كويتي ، فتسلحنا وذهبنا إليهم ، وكان معي ضمن الأسماء الدرجة أخي الأصغر ، وليد بن خليفة بن جاسم العربيد ، ولم نخرج من المحل سالف الذكر ، إلا وهو محطم فوق رؤوس أصحابه السوريين ، ومنه اتجهنا إلى الروضة مستقلين الطريق ما بين كيفان والخالدية ، وإذا بالمدرعات والدبابات العراقية متجهة لكيفان ، فاضطررت إلى أن أصعد الرصيف ، وأتجه لكيفان ، لأخبرهم بأن القوات العراقية آتية إليكم .

في يوم ذاع الخبر أول أيام الغزو الانسحاب للقوات العراقية من دولة الكويت اتصلت في ابن خالتي فوزي محمد أحمد محمد المغربي ، وأبلغته أن الجيوش العراقية تنسحب من دولة الكويت ، فما رأيك فيما لو سافرنا إلى العراق نستشف الأمر والخبر ، ونتزود مما نحتاج إليه من مأكل ومطعم ، فوافقني الرأي وذهب معنا رحمة الله عليه / حبيب الشطي وسعيد الياقوت والعميد عثمان الفيلكاوي رحمة الله عليه ( بوخالد ) ، وأتضح أنها كذبه ، وما هيَّ إلا فوهات المدافع متجهة شمال ، أما جسم الدبابة فهو متجه جنوباً باتجاه الكويت .

منزل السفير الفرنسي بالجابرية :

في 8/9/1990م عندما تم إلغاء الكيان السياسي الكويتي من قبل الحكومة العراقية ، توجهنا إلى منزل القائم بالأعمال للسفارة الفرنسية بالجابرية ليلاً ، وأمطرنا عليه وابلاً من النار ، حتى نوهم الحكومة الفرنسية أن من قام بهذا العمل هم العراقيين ، وكان بصحبتي آنذاك كلاً من الأخ / إبراهيم بوحمرة / إبراهيم العبيد / خالد العبيد .

ظللنا على هذه الحال في منطقة خيطان ، نقوم بعمل دفاتر ورخص قيادة للشباب الكويتيين مم من هم بحاجة لهذه الدفاتر والرخص ، وظلت الحال مستمرة هكذا .

وفي ذات يوم كنت متجه لمنزل خالتي في بيان ، وأتيت من جهة القصر باتجاه دوار جمعية بيان ، وإذا بالشارع مزدحم جداً ، وحتى أن وصلت أوقفني جندي عراقي وطلب السنوية ( أي دفتر السيارة ) ، وحين أعطيته دفتر السيارة طلب الرخصة ، فأعطيته البطاقة المدنية ، فبدأ يضحك وهو يقول حولي والعاصمة ( هايّ اشلون ) ، يابا شايف السيارة الراكنة هناك ، فأجبته نعم ، وكانت السيارة المقصودة تقف عند هارديز بالقرب من دوار الجمعية ، فذهبت وركنت السيارة بقربها ، وإذا هناك سيطرة فخرج أحد الضباط لا يحمل رتبة بل لباسه خاكي ، فقال لي وهو غضب يا ( زمال ) وقفك شو مشكلتك ، فقلت له لا أعلم ، فرأيته ينده على الجندي ، والجندي يكلمه سراً ، ومن ثم أتاني الأخير ، ونده على صاحب السيارة الأخرى الراكنة بجنبي ، وكان بالسيارة الأخرى رجلٌ مع زوجته وأولاده ، وكان أولاده صغار بالعمر ( أطفال ) ، ومن ثم قال لنا أنتم عسكر ، فقلت له لا ، فقال ياهو طالب ، فقلت له أنا ، فقال هايّ دفتر سيارتك مزور ، وكان ضمن الدفاتر القديمة الزرق ، فقال شوف بالخارج ( الغلاف ) العاصمة ومن الداخل حولي ، ((( وكنا قد أوقعنا أنفسنا بالخطأ أثناء عمل تزوير الدفاتر ))) ، فقلت له لا بالعكس هو ليس مزور ، بل معظم دفاتر أهل الكويت هكذا ، فعندما نذهب إلى أي مرور غير المحافظة التي نتبعها يلصق بالدفتر صفحة المحافظة الأخرى التي لا نتبع لها ، هذا هو النظام عندنا بالكويت ، فذهب يسأل الأطفال بالسيارة الأخرى ، هل والدكم عسكري ، فأجابته الزوجة لا بل بالبلدية ، ومن ثم أخذني أنا وصاحب السيارة ووقف معنا بالدوار ، وأخذ يفتش على جميع دفاتر السيارات القادمة إلينا من جميع الجهات ، ليتأكد من صحة معلوماتنا ، ولكنه لم يجد دفاتر تشابه دفاترنا ، فقال لي بهذه الجملة ( يابا والله دفاتركم مزورة ) ، ولكن يلا بسرعة دروحوا غيروها ، والله من تكضكم سيطرة أخرى تعرفون شو يسووا فيكم ، وفعلاً أطلق سراحنا ، واتصلت على أخي وليد وأحضر لي دفتر جديد وانتهت المشكلة

بيت العائلة
19-08-2012, 12:24 AM
ما دار بالسالمية شارع البحرين عمارة المسمكة :

في يوم من الأيام ذهبت لصديق لي ، عقيد بالداخلية في منطقة السالمية ، شارع البحرين عمارة المسمكة ، العقيد عثمان الفيلكاوي ( بوخالد ) ، وكان بالقرب منه بنجرجي ، فأوقفت السيارة عند البنجرجي ليبدل زيت السيارة ، وكانت السيارة أولز موبيل أزرق ، ولكنني رأيت صدفة أحد أبناء خالتي فذهبت معه ، وتركت السيارة عند البنجرجي ، وأثناء تواجدي في شقة أبن خالتي فوزي ، فإذا باتصال هاتفي يطلبني ، وإذا هو العقيد عثمان الفيلكاوي بوخالد رحمة الله عليه ، محذراً إيايّ بعدم الحضور إلى سيارتي المتواجدة عند البنجرجي ، وقال لي أن المخابرات العراقة تبحث عنك ، وأقفل الهاتف ، وإذا باتصالٍ آخر يسأل أبن خالتي العربيد موجود ، وإذا هو أحد الشخوص العراقية ممن كانوا يعيشون في دولة الكويت آنذاك ، فكالمته ، وإذا به يتوعدني ويقول يا زمال تتلبد رح أندوس على راسك ، فأشارَ عليّ مم من هم يتواجدون بالشقة بالخروج حالاً منها ، وفعلاً خرجت ولكنني لم أغادر السالمية ، ظللت بها حتى منتصف الليل ، واتصلت على أخي محمد وطلب منه الحضور بتمام الساعة الرابعة ليلاً لأمرٍ مهم ، وفعلاً بتمام الرابعة فجراً حضر إليّ أخي محمد بعد أن حددت له المكان ، وانطلقنا إلى موقع ذاك الحقير ، وأجهزنا عليه .

التفاتيش التي مررنا بها في خيطان أبان الغزو الغاشم :

ليس من السهل من أن تأوي ضباطاً من العسكر الكويتي في منزلك أبان الغزو الغاشم على دولة الكويت ، ولكن الضرورة أبت إلا أن نأوي عدداً من الضباط الكويتيين للمحافظة عليهم ، وكان منزل والدي رحمة الله عليه يحتوي على سطحين الأول ما بعد الدور الأرضي ، ولا يتم الدخول له إلا من خلال أحد الغرف بالدور الأول ، أما الآخر فهو السطح المعتاد ما بعد نهاية بيت الدرج ما بعد الدور الأول ، وكان منزل والدي مليء بالضباط ، وإذا ما سمعنا الباب الخارجي يطرق ، وإذا ما أحسسنا بوجود القوات العراقية على الباب ، استدرجناها لنسرع في تهريب الضباط عن طريق السطح السفلي ، ومنه إلى الجيران منزل عبد العزيز جوهر الفرحان ، وهكذا كنا نتعامل مع القوات العراقية في حال وجد التفتيش .

عميلة استشهاد فرقة خيطان بيوت الجيش :

يروي جاسم شاهين دشتي : يقول : بحكمي أحد جيران الشهيد سعد ألشمري ، صحوت على ضجيج ارتفاع صوت العراقيين بالفريج ، وبدأت أتنصت على ما يجري من شباك منزلي القريب مما يحدث ، ورأيت ثلاث شبان كويتيين يتم إعدامهم أمام منزل المغفور له سعد ألشمري ، وكان معه نهار السرحان وأنور العصفور : تبدأ القصة حين عزم بعض الشباب الكويتي بعضاً من الجنود العراقيين على وليمة عشاء ، في ديوان المغفور له / سعد ألشمري ، بمنزله الكائن بمنطقة خيطان ( ببيوت الجيش ) ، وتم تسميم جميع الجنود العراقيين ، ولأن السيطرة كانت قريبة منهم ، بالقرب من منزل العصيمي ، لم يتمكنوا من إخراج الجثث من الديوان ، وتفاجئ الفريج صباحاً بضجة جنود زبانية صدام تجوب الفريج ، بيتاً بيتاً وفريجاً فريج ، بحثاً عن الجنود العراقيين ، وتم إلقاء القبض على من يتواجدون في الديوان الآخر ، القريب من الديوان المقصود ، ومنه وبصحبتهم اتجهوا إلى الديوان القريب منهم والمقصود ، وفوجئ الجنود العراقيين بجثث أصحابهم الجنود العراقيين المقبورين داخل الديوان : يقول جاسم : تم أسرهم واحتجازهم في نفس المنزل – منزل سعد ألشمري ، وتم التحقيق معهم في نفس المنزل ، وبعد العصر أخرجوهم وأعدموهم أمام المنزل ، ومن ثم رموا عليهم شرشف وردي مخطط وحملوهم بالإسعاف ، ومن ثم حرقوا المنزل بعد إخراج أهله منه .

الخروج من منطقة خيطان والذهاب إلى منطقة بيان والقرين :

تبلغنا من أن الملازم أول كمال الدريعي بخيطان قد سجل بالجيش الشعبي ، وفعلاً ذهبت إليه أنا وبصحبتي أخي وليد العربيد لمنزله الكائن بخيطان ، وتم التحادث معه بخصوص هذا الشأن ، وبخصوص ما إذا أبلغ السلطات العراقية عن أسماء ضباط كويتيين ، فقررنا الخروج من خيطان والذهاب بعضاً منا إلى بيان والقسم الآخر إلى القرين .


استقر ببيان بمنزل النقيب خالد المنصور كلاً من / الملازم محمد العربيد الدفاع – الملازم أول فهد دحام الظفيري الدفاع – النقيب وليد المنصور الداخلية – النقيب خالد المنصور ، وكان معهم ضباط آخرين لا تحضرني أسمائهم ، واتجهت أنا والملازم أول خالد درويش الخضاري إلى القرين ، وكان برفقتنا أزواجنا وأطفالنا ، وظل خالد مع أهله لدي بالقرين حتى أن تم أسري .

يوم الخروج من الكويت عن طريق منفذ النويصيب :

ضاقت بنا السبل في الكويت ، فاضطررنا لمغادرة الكويت ، واقترحت على ابن خالتي السيد / عادل أحمد عثمان داوود الخراز ، بالخروج من الكويت والتوجه إلى المملكة العربية السعودية ، وفعلاً اتجهنا من صبيحة اليوم الثاني وكان يوم أحد من شهر 10/ 1990م ، وكانت السيطرات العراقية على هذا الطريق مقسمة إلى ثلاث سيطرات ، الأولى ما بعد تقاطع جسر فحيحيل السريع والملك فهد ، وكانت الثانية ما بعد الإطفاء ( بنيدر ) ، وكانت الأمور مشددة ، وكنا نستقل سيارتين ، أنا وزوجتي وأبني جاسم بسيارة ، وكان أبن خالتي وزوجته وأطفاله ووالدته خالتي بسيارةٍ أخرى ، وكنت أنا شخصياً اخبي ما لدي من ثبوتيات ومن أموال بسيطة في حفاظة أبني جاسم ، حيث كان عمره آنذاك سنة ، ولم نتجاوز السيطرة الأولى إلا بعد صلاة العصر ، وتفاجئنا بالسيطرة الأخرى الثانية ، وكانت أشد تفتيشاً من الأولى ، وطال بنا الأمر حتى أن أصبحنا ندخل في آذان المغرب ، والشارع مزدحم ، يكادُ أن لا يتحرك البتة ، فارتجلت من سيارتي واتجهت إلى ذات النقطة للتفتيش ، وإذا بالعراقيين يأخذون من الشباب الكويتي ما يحلو لهم ، فرجعت إلى سيارتي وأخبرت من في طريقي من الكويتيين ، وإذا بأحد الشخوص الكويتية يدير مركبته باتجاه الكويت ، فطلب منه الجندي العراقي أن أثبت ولا تتحركْ ، ولكن الكويتي كان يرادده بحجة أنه غداً سيأتي ، فبدأ الجندي العراقي بإطلاق النار في الأرض مخوفاً للشاب الكويتي ، وهو يصرخ عليه أثبت في سيارتك ، وعندها لاحظت بعض الجنود مم من هم يحملون أمتعتهم وكانوا مترجلون باتجاه الكويت ، فذهبت لأحدهم لأتحدث معه ، معرضاً عليه المساعدة ، علني أتخذ منه سبيلاً للرجوع ، وأخبرته ما إذا كان يود هو وأصحابه المساعدة في إيصالهم إلى داخل الكويت ، وفعلاً طلب المساعدة من أن أحط به هو وأصحابه في دوار أبو العظم ، وفعلا حملتهم وأعطيتهم من الماء ومن الزاد ما مكنني من أن أكسبهم لصالحي ، وأخبرتهم بأن لي عائلة أخرى هنا وأود اصطحابها معي ، فطلبوا مني أن أذهب إليها ، وفعلاً طلبوا من ابن خالتي أن يلحق بنا ، وانتهت المشكلة بعدما أوصلونا وأوصلتهم إلى داخل الكويت .

المرحلة الثالثة يوم الأسر 6/11/1990م
تفاصيل الثواني الأخيرة ما قبل الأسر :

في صبيحة يوم 6/11/1990م اتصل علي صديق يدعى محمد النجار ، يعمل في الإطفاء العام ، وأخبرني إذا ما كنت أرغب بالخروج من البلاد عن طريق حلبجة ، بكامل هوياتي وأغراضي بمقابل مادي ، يدفع لبعض المتنفذين العراقيين مم من هم يسيطرون على الإطفاء العام ، فاستهواني الخروج ، وحددت معه موعد اللقاء بالليل في شقته بالسالمية ، عمارات بيت التمويل مقابل نادي السالمية الرياضي ، وبعد المكالمة ذهبت لمنطقة بيان منزل النقيب / خالد المنصور ، لمقابلة الضباط الكويتيين المتواجدين في هذا المنزل ، لإخبارهم أخر المستجدات في خيطان ، حيث بدأت السلطات العراقية تتصيد الضباط الكويتيين على الحواجز ، وطلبنا منهم أن لا يدخلوا خيطان من خلال السيطرات العراقية ، وحينها كانت بحوزتي بعض الهويات والدفاتر المزورة ، وكنت أنوي التوجه إلى ضاحية صباح السالم لإيصال بعضاً منها ، لبعض الضباط الكويتيين ، فرافقني الملازم أول فهد دحام الظفيري من منزل بيان ، واتجهنا إلى ما نصبوا له ، توزيع تلك الهويات وتلك الدفاتر ، ومن ثم توجهنا إلى منزلي الكائن بالقرين ، وكان هناك الملازم أول خالد درويش الخضاري ، فتناولنا الغداء واسترحنا حتى أن حل المساء ، فأخبرتهم بما ينتظرني من موعد بالسالمية ، وإذا ما كان لهم الرغبة في الذهاب معي من عدمه ، رافقني الملازم أول فهد دحام الظفيري بالذهاب إلى السالمية ، الموقع سالف الذكر ، وكان في نفس العمارة أبناء خالتي بالدور الثالث ، وبعد الانتهاء من مقابلة أحد الضباط العراقيين عند المدعو محمد النجار ، توجهنا إلى شقة المغاربة أبناء خالتي بالدور الثالث لنبيت عندهم ، حيث لا يمكننا الذهاب للمنزل لحظر التجوال ، وأثناء طرقنا للباب وأثناء فتح الباب ، وإذا بالزميل سعيد الياقوت وهو يشير لي بصمت أرحل فهد داخل ، فقلت له أي فهد : فقال قدير مرزوق ألشمري ، وأفاد أنه يسأل عنك : وقلنا له أنك خارج البلد بالسعودية ، وهنا دفعته ودخلت إلى داخل الشقة ، فبدأ من في داخل الشقة يسلم علي ويسأل وينك بومشعل ، فقلت لهم كنت بالسعودية واليوم دخلت إلى الكويت ، وبدأ فهد قدير مرزوق ألشمري يتعالى بصوته ، وينك كنت أسأل عنك ، فقلت له وماذا تريد ، فقال أود أن تعمل معنا ، فقلت له أنا أعمل معكم : فقال نعم : وهنا قررت الإجهاز عليه ، وفعلاً استللت سكيناً من المطبخ دون أن يلاحظني أحد ، ووضعتها تحت المطرح الذي نجلس عليه ، فلاحظني العقيد عثمان الفيلكاوي ( بوخالد ) ، ولكنه سرعان ما استَلَ السكين على مرأى من أعين المتعاون فهد قدير مرزوق ألشمري ، وبدأت المشكلة ، حيث أنهلت عليه بالضرب ومن ثم طردته ، وهنا أشار علي كل من هو موجود بالشقة بالخروج من الشقة حالاً ، وفعلاً خرجت من الشقة وذهبت إلى شقة محمد النجار بالدور الأول ، أنا والملازم أول / فهد دحام الظفيري ، وعند تمام الساعة الثالثة فجراً من نفس الليلة ، سمعنا أصوات وخطى جنود عراقيين تهرول بحوش العمارة ، كذلك أصوات مركبات عسكرية ( كارجو ) تتوقف في ساحة العمارة ، وإذا بنا نسمع أبواباً تتكسر ، وأصواتاً صاخبة ، وإذا بباب شقتنا يكسر ، ومن ثم دخلوا علينا وطلبوا الثبوتيات ، وما أن أعطيتهم البطاقة المدنية حتى سألوني أنت ضابط أمن دولة ، فأجبتهم نعم ، فاقتادونا جميعاً ، كما اقتادوا معنا كل من هو متواجد في شقة المغاربة ، وتوجهوا بنا إلى مخفر السالمية ، وهناك دخل علينا المتعاون معهم / فهد قدير مرزوق ألشمري متلثماً ، وكان يشير علي ( أنا ) وعلى ( علي الرقم ) وعلى ( بوعبدالله ياسين من سكان الرميثية )، كذلك أشار بإصبعه على ( الملازم أول / فهد دحام الظفيري ) ، وتم إخلاء سبيل من كان معنا ، واقتادونا نحن الأربعة فقط إلى مخفر صليبية .

بيت العائلة
19-08-2012, 12:30 AM
ما دار في مخفر الصليبية :

بدأ التحقيق معي من الوهلةِ الأولى التي دخلت بها مخفر الصليبية ، وكانت بداية التحقيق ، أنت ضابط وتعرف عدداً كبيراً من الضباط الكويتيين ، فأجبتهم : نعم : أنا ضابط كويتي وأعرف عدداً كبيراً من الضباط الكويتيين ، سأذكرهم جميعاً ، وسوف أذكر لكم بعض منازل من أعرفهم من الضباط الكويتيين ، وفعلاً أحضروا لي بعض الأوراق المسطرة ، وبدأت أكتب أسماءً وهمية ، وأحدد الرتب الوهمية عليها ، وأدخلت ما بين الأسماء بعضاً من الضباط الكويتيين مم من هم خارج البلد ، وذكرت عناوين منازل من كنت على يقين من أن منزله خالي ولا يوجد به أحد : فسألوني : عن العقيد عثمان الفيلكاوي ( بوخالد ) رحمة الله عليه ، فأخبرتهم أنه متقاعد ، وأنه قد سجل لديكم بالجيش الشعبي ، وأنا لا أعلم عنه أي شيء ، وبإمكانكم الاستدلال عليه من واقع سجله بالجيش الشعبي : فسألوني : عن ضباط أمن الدولة : فأجبتهم : أنا لم أعمل في أمن الدولة سوى أسبوع ، كون والدتي من البصرة ، وضباط أمن الدولة يجب أن يكون والديهم كويتيين الجنسية : فسألوني ماذا تعرف عن من هم معك : فأجبتهم جميعاً مدنيين : وكنت قد اتفقت مع فهد دحام الظفيري قبل أن يتم القبض علينا بالشقة ، أن كلانا طلاب جامعة ( كلية الآداب ) ، وأخبرتهم بذلك ، وما أنا إلا ضابط مخفر الجابرية ، كانت هذي هيَّ اعترافاتي وانتهى التحقيق ، ووقعت على ما أمليته في الأوراق المسطرة ، وأخبروني عما قريب سوف أخرج.

ما جرى على زميلنا علي الرقم :


اتهم زميلنا علي الرقم بالمقاومة ، بعد الإيعاز من المتعاون والمتخاذل على دولة الكويت / فهد قدير مرزوق ألشمري ، بأنه من المقاومة ، وتم تعذيبه بشتى الوسائل ، وعزل عنا بنظارةٍ أخرى .

ما جرى عليّ بعد 10 أيام :

قبل العشرةِ الأيام الأولى في مخفر الصليبية لم أتعرض لأيِّ أذى أو تعذيب ، ولكنني تفاجئت صباح يوم 11 ، وهم يصرخون ملازم طالب ، ومن ثم دخلوا عليّ وقد أعصبوا عيني ، وقيدوا يدي ، واقتادوني إلى غرفة التحقيق ، وكنت أحس بأن حولي عسكر ، وصوتٌ يصرخُ لضابطٍ سبق وأن سمعت صوته ، وهو يسألني : ماذا تعرف عن فهد : فأجبته : أنه طالب جامعي سنة رابعة آداب : فسألني آداب ولا تجارة : فأجبته : فهد هو من سكان خيطان ، وكان آنذاك سنة أولى آداب ، وقد رحل أهله إلى الجهراء قبل ثلاث سنوات ، ويجب اليوم أن يكون هو سنة رابعة آداب ، ولا أعلم ما إذا حول تجارة أم لا ، وحينها بدأ العذاب ينصبُ عليّ كالمطر المنهمر ، وكنت أعلق بطرف الباب من الأعلى ، بحث أن أرجلي لا تلامس الأرض ، وقد أخلعوا جميع ملابسي ، وبدئوا يتفننون ويتلذذون بجميع أنواع وألوان العذاب ، وإذا بنفس الصوت الذي كان يكلمني يصرخ في وجهي ، ( غواد ) فهد مو بالسلك ( إلوخ ) ، وهنا تداركت الأمر ، وأيقنت أنهم قد عرفوا عن فهد من أنه ضابط بالجيش ، وكان الضابط العراقي يقصد من كلامه أنني بالداخلية وفهد بالجيش ، فقلت له نعم ، فأوقف عني العذاب ، وأحضر لي محاضر التحقيق التي وقعت عليها ، وأنزل عِصابةُ عيني ، وهو يشير إلى محاضر التحقيق هايّ كلها كذب ، أريد الآن العقيد عثمان الفيكاوي ( بوخالد ) ، فقلت له كل ما قلته لك هو حقيقة ، وأنا لم أكذب عليكم من الوهلة الأولى ، سألتموني ضابط فأجبتكم ، أما فيما يخص فهد ، فنعم أنا قد كذبت عليك ، وها أنا أعترف لك ، فنحن نعرف ما مدى قوة الجيش العراقي ، وليس لنا أي فكرة ماذا سيجري لنا فيما لو أتمسكنا في مثل هذه الظروف ، وخوفي على فهد كان هو سبب كذبي ، أما ما يخص العقيد عثمان ، فقد أبلغتكم وأنا صادق ، ولا يوجد لدي غير ما أدلت به ، وأكملت أنا على علم وعلى يقين في من أبلغ عني أنه / فهد قدير مرزوق الشمري ، فسكت : وطلب منهم أن يذهبوا بيّ إلى المكتب المجاور .

ما دار في المكتب المجاور :

تفاجئت حين دخلت المكتب ، وإذا بصديقٍ لي موجود في هذا المكتب / حبيب الشطي رحمة الله عليه ، وكان جالس على أرجله ، دون أن تلامس مؤخرته الأرض ، وكان يمسك بيده غترته وعقاله ، فقال لي من يقودني من العسكر : ملازم طالب تجلس على المكتب دون أن تتكلم مع هذا الشخص ، فقلت له حاضر ، ولما خرج العسكري وأغلق الباب سألت صاحبي : ما أتى بك : فقال أتيت لأحضر لك بعضاً من العشاء : فسألني دَرَوّ فيك ضابط : فأجبته نعم من اليوم الأول : فقال : سألوني وقلت لهم أنك تعمل في البلدية ؟
وهنا طلبت الملازم الذي كان يحقق معي ، وأقسمت له أن هذا الشخص لا يعلم أنني ضابط ، نحن ضباط أمن الدولة وعموم الضباط لا نخبر عنا من هو ليس بحميمٍ علينا ، فأخرجه من غرفتي وعرفت فيما بعد أنه قد تم أطلق سراحه .

سكران يخلي سبيل أحد زملائنا من المعتقل :

في نفس الغرفة من نفس اليوم ، دخل عليّ أحد الشخوص وكان في يده كأساً من ( الخمرْ ) ، فقال لي : عسى ماشر ، فقلت له قصتي : فقال لي سأحاول أن أخرجكم من هنا ، ولكنني لا أوعدكم ( سأحاول ) : فقلت له : هناك لنا في النظارة صديق هو كسير الفخذ ، رجلٌ كبير مسن ، اسمه ياسين بوعبدالله من سكان الرميثية ، ياريت تخرجه ، وعرفت فيما بعد أنه قد تم إخلاء سبيله .

بيت العائلة
19-08-2012, 12:34 AM
قصة البدون الذي ساعد النازح من البدون فسرقه الأخير وأبلغ عنه السلطات العراقية :

ليلاً بتمام الساعة الواحدة ليلاً ، أتى الجنود العراقيين وبصحبتهم رجلاً كبيراً مسن ( بدون ) ، وأدخلوه علينا وقالوا له : أجلس أهنا وفكر زين يابا : ومن ثم رحلوا .

فسألته ما قصتك ؟
فأجاب : أنا جندي بالبحرية في فيلكا ، هربت ودخلت الكويت ، وقد سجلت في الجيش الشعبي ، ولكنني لم أداوم معهم

فسألته : هل لديك كتاب عدم تعرض ؟

فأجاب: نعم

فقلت له : بسيطة أنت مشكلتك بسيطة . ؟

وجه الصبح حضر العسكر واقتادوه ولم يعد ، وخـُيل لنا أنه قد خرج ، ولكننا تفاجئنا منتصف الليلة الثانية ، وإذا بالباب يفتح علينا ، ويدخلوا بنفس الشخص ( البدون ) ، وهو صافن ويفكر
فسألته : ما طلعت ؟

فقال : لا مصيبة :

فقلت له : عسى ماشر ؟ فبدأ يروي حكايته :

قال :
عند قدومي إلى بيتي في الصليبية ، بعد هروبي من فيلكا ، قد وجدت شخص في بيتي نازح علي من أم الهيمان ، ورحبت به كونه مثلي بدوي ومن البدون ، وكوننا في أزمة رحبت به ، وبعد عدة أيام ذكرت له أنني أود أن أبتاع أغراض بيتي ، لأنني محتاج وأود الرحيل إلى السعودية :

فقال لي : هل تبيعني أغراض بيتك : فبعتهم إياه بمبلغ 500 د.ك ، ولم أستلم منه فلساً واحداً ، والظاهر أنه قد أبلغ عني ، وهم الآن يريدون اسم من يود أن يهربني إلى السعودية :

فقلت له : لا عليك ، قل لهم ودلهم عليه ، وبعد ساعات حضر العسكر واقتادوه ، وبعد عدة ساعات أرجعوه ورموه علينا ، وهو يسيل الدم من جميع جسده :

فسألته بشر وش صار ؟

فقال: ما صدقوني .


رجل يطلق زوجته في المخفر :

بعد منتصف الليل ، سمعنا صراخ رجل وهو يسب ويلعن زوجته العراقية ، وكان الضابط يهادن الرجل ويحاول أن يـُسكت صوته ، والرجل يقول لها ثلاث أيام هاده البيت ، هذي مو أول مرة طالق طالق طالق .


قيادة محافظة الجهراء :

بعد شهر رحلت أنا وزميلي فهد دحام الظفيري ، من مخفر الصليبية إلى قيادة محافظة الجهراء ، وقد أبلغنا العسكر أنه إفراجٌ ، وسوف نذهب إلى بيوتنا ، وأن قبل قليل قد تم الإفراج عن شباب كويتيين ، ولكننا تفاجئنا أن أعيننا تـُعصَبْ ، وقد أركبونا في باص مظلل الجام ، حتى أنك لا تكاد أن ترى أي شيء ، وعرفنا أنه ليس إفراج ، ولكننا كنا نحاتي أن يذهبوا بنا إلى المشاتل ، أو قصر نايف ، أو كلية الشرطة ، لعلمنا أن هناك شتى أنواع العذاب ؟
بعد حينٍ عرفنا أننا في قيادة محافظة الجهراء ، فهدأ بالنا .

القبض على بعض من أفراد المباحث الجناية :

تفاجئت أن أدخلوا علينا بعضاً من رجال المباحث الجنائية ، وكان من ضمنهم عايش أو عياش وكان معه بعضاً من رفاق درب العمل

، فسألتهم : ما أتى بكم ؟

فأجابوا : كنا في شقة أحد ضباط المباحث الجنائية ، وهو مطلوب للعراقيين ، وقد عملوا كمين داخل شقته بعد أن سيطروا عليها دون علمه ، وكل من يأتي إليها يقتادونه إلى الأسر ،

فسألتهم "هل يعلمون عنكم شيء ؟

فأجابوا: لا البتة

فأخبرتهم : أن السلطات العراقية لا تأبه للأدلة الجنائية أو البصمات ، إنما تأبه لاعتراف لسانك ، فهو محكمتك ، ويجب عليكم أن تنكروا أي صلة لكم بهذا الشخص ، وأن تتحملوا يوماً أو بعض اليوم وسوف تخرجوا ، وبعد يومين تم إطلاق سراحهم جميعاً .

قصة إعدام جاسم دشتي :

تم إلقاء القبض على شاب يبلغ من العمر 17 سنة ، مع بعض جيرانه ، بسبب الكتابة على الرصيف يسقط المغبور صدام ، وقد أخذ العراقيين أحد أفراد البيت المقابل للكتابة ، وآخر من البيت الأيمن وآخر من الأيسر ، ووجهوا لهم تهمة المقاومة ، والتطاول والاعتداء على فخامة الرئيس المقبور ، في بادئ الأمر نكروا وتعرضوا للضرب وللهوان ، وأعترف جاسم دشتي بأنه هو من كتب على الرصيف يسقط صدام ، فناصحته مع جيرانه بأن هذا الاعتراف سوف يجر بصاحبكم إلى الهلاك ( الإعدام ) ، ويجب عليكم أن ينكر صاحبكم وأن تتحملوا لينجوا صاحبكم بعمرة ، تجاوبوا إلا أن جاسم أبى وقال : أنا من كتب ولن أحمل جيراني ذنباً أنا اقترفته ، وفعلاً بعد كم يوم استدعيا جاسم وأصحابه ( جيرانه ) للتحقيق ، وعاد الجيران وهم يرون قصة كيف أعدم جاسم أمام أعينهم أمام منزله بالعارضية .

قصة إلقاء القبض على الطيار هاني الدعيج :

فجأة أدخل علينا شخص سبق وأن كانت لي معرفه به ، المقدم الطيار هاني الدعيج ، وكان خائفاً يلتفت يمنةً ويساراً ، فدنوت منه وهامسته أن كيف حالك ، وبدا لي ولكأنه لا يعرفني ، فقلت له أنا طالب العربيد جارك أيام خيطان ، ففرح وسعد بلقائي ، حاولت جهد نفسي أن أجعل منه أن لا يهاب العراقيين ، وأن يعتاد على الأمر ، وأن يعلم أن الفرج قريب .

بيت العائلة
19-08-2012, 12:37 AM
قصة إلقاء القبض على وليد الناشي ( بوشامة ) :

قبل إلقاء القبض على وليد الناشي ، كان هو مطلوب للسلطات العراقية ، حيث تم إلقاء القبض عليه هو وأخوه خالد الناشي ( بو شامة ) ، وبحوزتهم أسلحة في منزلهم الكائن بمنطقة خيطان ، فر وليد الناشي مم بين أيدهم ومن أمام أعينهم ، وأصبح جاري البحث عنه :
بعد شهر تم إلقاء القبض عليه بواسطة عميل لهم ، وتفاجئت بإدخاله عليّ ، وبسؤاله عن مشكلته عرفت سبب حضوره إلى هنا ، وناصحته بعدم الاعتراف ، وبتحمل مجريات التحقيق ، وسوف تكون في أمان ، استجاب - افترقنا - والتقيت به في الكويت بعد خروجي من الأسر .

التحقيق في قيادة محافظة الجهراء :

بعد مرور أسبوع من احتجازي في قيادة محافظة الجهراء ، تم استدعائي صباحاً بتمام الساعة السابعة للتحقيق ، وكان التحقيق في غرفة الاجتماعات بالأرضي لمدير الأمن ، والغرفة عبارة عن مكتب بيضاوي طويل ، أحضروني مغمض العينين مكبل اليدين ، وحين وصلت غرفة التحقيق وإذا بها شخص واحد ، كبير بالسن ، وباين عليه أنه قيادي ، فبادلني بالسلام ،

وقال : هل أنت مرتاح ،

فقلت له: لا

فطلب منهم أن تفك القيود ، وأن ترفع عن عيني عـُصابتها : وبدأ التحقيق : وباشر في الكلام : ملازم طالب لا أريد أجوبة شفهية بل مكتوبة ، ومن ثم طلب أوراق مسطرة كنا نستعملها في مخافر الداخلية للتحقيق ، وكنت أجلس في طرف من الطاولة البيضاوية ، وهو يجلس في الطرف الآخر ، وكان يكتب السؤال على الورق ، ومن ثم يحذف بالورق علي لأجيب عليه ، وكانت الأسئلة كالتالي :

السؤال الأول : أنت ظابط أمن دولة صحيح

الإجابة لا : أنا والدتي من البصرة وأمن الدولة يجب أن يكون

ضباطها من أبويين كويتيين .

السؤال الثاني : ارسم مبنى أمن الدولة

السؤال الثالث : حدد الأقسام عليه

السؤال الرابع : حدد أسماء المدراء والضباط والأفراد

التابعة لهذه الأقسام

الإجابة : أنا عملت في أمن الدولة لمدة أسبوع فقط ، كون والدتي

عراقية من البصرة ، ولا أذكر بالضبط هذه الأقسام ، ولكنني

سأذكر لك ما أتذكره عن هذه الأقسام ،

وتم تحديد المدراء والضباط والأفراد ، وكانت جميع الأسماء التي أدلينا بها وهمية ، لا صحةً لها ، واستمر التحقيق لغاية الساعة الثالثة فجراً ، وتوالى التحقيق معي مدة يومين متتالين ، من الساعة السابعة صباحاً وحتى الثالثة فجراً ،

وكان آخر سؤال : كيف نكسب الشعب الكويتي ؟

الإجابة : هذا السؤال سأجاوبك عليه شفوي

فقال: تكلم

فقلت له : ما ذنبي أنا وأنا المحتجز لديك قرابة الشهرين دون ذنب ، هذا أنا واحد من الشعب الكويتي ، فكيف ستكسب هذه الآلاف من الشعب الكويتي وهم يذوقون الأمرين

فقال لي : دون هذه الإفادة - فدونتها .

التحقيق والذهاب بيّ إلى مخفر خيطان ، وطلبهم مني الاستدلال على بيوت الضباط من أدليت عنهم في إفادتي الأولى :

بعد الانتهاء من التحقيق سالف الذكر بقيادة محافظة الجهراء بأربعة أيام ، تم استدعائي مساءً ، وكما هو الحال في كل مرة ، يأتون بك وأنت مـُعصب العينين مكبل اليدين ، وهنا فاجئني ضابط التحقيق العراقي عند دخولي عليه ، ملازم طالب هايّ أسلاحك جبناه ، شلون تقول ما عدك أسلاح ، فأجبته وأنا على يقين أنه كاذب ، إن كان قد عثرت على سلاحي فأعدمني به ولا داعي لأن تسألني ، وهنا صمت ، قائلاً : إت وين أسلاحك : فأجبته عندكم : فقال : كيف عِدْنا : فقلت له : أول ضابط عراقي دخل مخفر النقرة سلاحي عنده .
وفعلا بعد ما سردت عليه كيفية أخذ سلاحي مني ، طلب منهم العودة بيّ إلى النظارة ، وبعد أربع ساعات عاودوا وطلبوني مرةً أخرى : وذهبوا بيّ إلى مخفر خيطان لأول ضابط دخل مخفر النقرة ، وهناك تم استجوابي ، عن كيفية أخذهم لسلاحي : فبدأت أروي لهم :
أن سلاحي عندكم ، ومن أخذه هو من كسر التجوري الموجود بمكتب رئيس المخفر ، حيث المسدسات الموجودة به ، ومن ضمنهم كان سلاحي : صمت الضابط – ثم قال لي وهو يصرخ : هسا تندلنا على رفقاتك الضباط ، وفعلا سحبوني وبدأت أذهب بهم بيتاً بيتاً ، وكلما ذهبوا إلى بيت لا يجدون به أحد ، ومن ثم عادوا بيّ إلى قيادة محافظة الجهراء ، وأرجعوني إلى حيث كنت دون أن يحققوا معي .

بيت العائلة
19-08-2012, 12:40 AM
دار الأحداث ( الفردوس ) اللجنة :

بعد احتجازي قرابة الـ 20 يوم في قيادة محافظة الجهراء ، تم ترحيلنا أنا وزميلي فهد دحام الظفري إلى دار الأحداث بمنطقة الفردوس ( اللجنة ) ، هنا بهذه الدائرة تقرير المصير ، هنا يقرر مصير كل محتجز كويتي حسب اعترافاته .
ومن الشخوص الكويتيين التي مرت عليّ هنا في هذا المعتقل هم : على أيوب إسماعيل بندر – النقيب خالد المسفر – فهد الشريدة – الملازم أول عبدالعزيز التورة ، وقد استطاع الهروب من قبضة السلطات العراقية – الملازم وليد شهاب ، وقد استطاع الهروب من قبضة السلطات العراقية ، ويعذرني من سقط اسمه خلال الـ 22 سنة ، حيث أن الذاكرة لا تسعفني .

( جي ون ) مقر الاستخبارات الكويتية :

بعد احتجازي قرابة الـ 10 أيام في دار الأحداث بالفردوس ( اللجنة ) ، تم ترحيلنا أنا وزميلي فهد دحام إلى مقر الاستخبارات الكويتية ( جي ون ) تحت الأرض ، وهنا رأيت النقيب حمد العصفور – مشعل المشعل – سيف المشعل .

ما قبل ترحيلنا إلى ( الآمرية البحرية ) بالبصرة بدقائق :

قبل ترحيلنا إلى البصرة بدقائق ، تم التحقيق معنا في مقر قيادة الاستخبارات الكويتية ( جي ون ) ، وكان التحقيق بالضبط في الغرفة المتواجدة عند مدخل الباب الرئيسي لمقر الاستخبارات الكويتية ، ومن خضع للتحقيق أنا والنقيب حمد العصفور والملازم أول فهد دحام الظفيري ، وكان القصد من هذا التحقيق هو دراسة حالتك النفسية ، هل أنت معهم أم ضدهم ، كما أن كان القصد من هذا التحقيق الظفر بساعة الصفر للضربة الجوية ، وكان التحقيق عبارة عن سوالف ومن ضمن هذه السوالف يضعون لك سؤال غير مباشر ؟
فبدءوا يخوضون بحديث من مفترق طرق ، ومن ضمن هذا الحديث
قال أحدهم : ملازم طالب تعرف كم عدد الدول العربية ؟

فقلت له: 22 دولة

فقال : يابا من وين جبت 22 ، يابا الكويت محافظة مو دولة .

وبدأ يخوض حتى أن وصل ما رأيك في الحرب العراقية الإيرانية ؟

فقلت له: لم أسمع عنها

فغضب وبدأ يخوض الحديث مع زميلي الملازم أول فهد دحام الظفيري وهو يقول له : ملازم فهد تسمع شيقول صاحبك ، يابا بيها معركة سميناها ( الكويت )

فرد عليه فهد دحام : لم نسمع في حرب عراقية إيرانية ، وهنا أرجعونا جميعا دون أن يكملوا ، وبعد دقائق تم ترحيلنا إلى الآمرية البحرية بالبصرة .

الخروج لدورة المياه ووجبات الأكل :

في جميع المواقع التي تم احتجازنا فيها لا يتم الخروج لدورات المياه إلا مرةٍ واحدة باليوم ، والأكل كان الأشبه بعدم وجوده ، فالسلطات العرقية لا تقوم بتوزيع وجبات الأكل إلا بعد المساء ، والأكل عبارة عن ثلاث صمونات يابسة توزع على ثمان أشخاص ، وماعون وسط به شوربة ماء لثمان أشخاص ، وهذه الوجبات شبه يومية تكاد أن لا تنقطع ، وكنا بسبب هذا النظام نصوم شبه يومي .

التوقيف بالآمرية البحرية بالبصرة :

تم ترحيلنا إلى الآمرية البحرية بالبصرة ظهراً ، وهيَّ الأشبه ببيوت فيلكا القديمة ، وكانت عبارة عن حوطه من طين ، ومبانيها من طين ، والزنازين كانت من الحاويات الحديد ( كونتينر ) ثلاجات اللحوم والخضرة ، وكانت كل حاوية تحوي على أكثر من 150 موقوف ، وكنا خلط مابين كويتيين وعراقيين ، وكان عدد الكويتيين الموقوفين هنا 11 شخص ، وهم : العقيد / حسن جاسم – مقدم طيار / هاني الدعيج – الجندي / سيف المشعل – العسكري / سامي الزايد – الملازم أول طالب العربيد – الملازم أول / فهد دحام الظفيري أما البقية لا أذكر أسماؤهم .

الخروج لدورة المياه ووجبات الأكل :

هنا في هذا المحتجز لا تخرج للحمام سوى مرةٍ واحدة باليوم صباحاً ، والأكل تكاد أن لا تعرف شكله واسمه ، وكان يجلب لنا من أموالنا ، والسلطات العراقية لا تكلف نفسها وسعاً بأن تجلب لك الغذاء ، ومن ليس معه أموال لا يستطيع أن يأكل ، وكان الماء الذي يجلب لنا من السلطات العراقية ماءٍ خرج ، ذو رائحة وذو طعم خرج ، فكنا نشتري ماء الصحة خوفاً من الإسهال .

بيت العائلة
19-08-2012, 12:44 AM
ترحيلنا من الآمرية البحرية إلى سجن الرشيد ( بغداد ) :

تم ترحيلنا ظهراً ، وكان على حساب نفقتنا الخاصة ، لكل فرد 5 دنانير عراقية ، ومن ليس لديه مبلغ الـ 5 دنانير لا يرحل إلى سجن الرشيد .

معتقل سجن الرشيد ( بغداد ) :

هو عبارة عن معتقل كبير جداً ، به الكثير من البوابات الكبيرة التي يصل ارتفاعها إلى الـ 5 أمتار ، وهو عبارة عن سجون مختلفة يفصل ما بين كل سجن وسجن بوابات عدة بنفس الارتفاع ، وقد مررنا بسجون من أشباكٍ شائكة ، بها عوائل كثر عراقيين محتجزين هم وأطفالهم ، وكان في هذا المعتقل يسمح بالزيارات لنا ، وكان العسكر الكويتيين في حال لا بأس بها ، حيث كان لديهم من الأموال ومن النعم ما يتزودون بها على مرارة الأيام الصعبة التي تمر بهم ، وكانت تلك الأموال وتلك النعم هيَّ من خيراتِ الكويت .

الزيارات للأهالي في معتقل سجن الرشيد :

من خلال هذه الزيارات التي مرَّ بها العسكر الكويتيون في هذا المعتقل ، استطعت أن أبلغ أهلي في الكويت أنني حيّ ، وأنني متواجد الآن في سجن الرشيد ( بغداد ) ، حيث كلفت أحد الأسر الكويتية ، زوجة المقدم بالبحرية عبدالله القلاف ، أن تحمل أسرتهُ هذه الرسالة وتـُبلغ بها أهلي في الكويت ، وفعلا بعد أسبوع تفاجئت بأن لي زيارة ، وكانت الزيارات آنذاك تقوم من كل يوم أثنين وأربعاء ، وكانت زيارة أهلي لي من يوم الاثنين ، ومن زارني هم : والدي وزوجتي وأخي وليد وأبني جاسم ، وتكررت الزيارة في يوم الأربعاء ، وفي هذا اليوم أبلغني أخي وليد أن هناك من يود مقابلتي ،
فقلت له من : فقال أحد الأخوة من الكويت يدعى مفرج المفرج من سكان الجهراء ، وهو يسأل هل في سجن الرشيد سجناء كويتيين ، وهو يود أن يعرف أسماءكم ، ويود أن يعرف ما هيَّ احتياجاتكم من مؤن وأكل ، واتفقت مع أخي على أن نتلاقى على أننا أبناء خالة ؟

الزيارة الخاصة من يوم السبت لمفرج المفرج في سجون الطاغية ( بغداد ) :

تفاجئت من يوم السبت صباحاً يـُطلب اسمي ، فنهضت مسرعاً ، وإذا بهم يصطحبوني بسيارةٍ عسكرية إلى جهةٍ غير معلومة ، وكنا نجوب المعسكر بوابةٍ تلوَّ البوابة ، حتى أن وصلنا إلى ما هم يرغبون الوصول إليه ، ومن ثم أنزلوني وأدخلوني إلى مكتبٍ به ضباط عراقيين ، وكنت أضن أنه تحقيقٌ معي ، ولكني بعد برهةً من الزمن تفاجئت بشخصين أحدهما كويتي والآخر فلسطيني سلفي ملتحي ، وبدأ يسلم عليّ ذاك الشخص الكويتي ، وأنا أقول له حياك الله يـَ بن الخالة ، وعندها خرج جميع الضباط العراقيين وتركونا مع بعضنا ، ولكنني لم أعطه أيّ اسمٍ عنا ، وأبلغته أننا هنا بحاجة إلى كل شيء من ملبسٍ ومأكل ، وأنني على علم من أن جميع ضباط وزارة الداخلية سوف يـُرَحلون من يوم الاثنين القادم إلى جهةٍ غير معلومة ، وإذا ما أردتَ أن تساعد جميع الكويتيين المحتجزين في هذا المعتقل ، فعليك أن تلتقي بالمقدم الطيار هاني الدعيج ، انتهت المقابلة ، رحل - ومن ثم رحلت .

السجناء الإيرانيين في سجن الرشيد :

السجناء الإيرانيين كانوا كثر ، وكنا جيرانهم في المعتقل الطوفة بالطوفة ، وكانت البدلات التي يرتدنها لونها أصفر ، ومكتوبٌ عليها أسير حرب ، وكنا نزودهم بالطعام ، حيث كنا نلقي عليهم بعضاً مما يتوفر إلينا من المعلبات .

معتقل باعقوبة ( مدينة البرتقال ) :

تم ترحيلنا إلى باعقوبة من عصر يوم الاثنين من معتقل سجن الرشيد ، وكان معتقل باعقوبة هو ( كسجن الرشيد ) ، كبير - وبوابات كبيرة - وأشباكٍ شائكة – ونزلاء عراقيين مع عوائلهم وأطفالهم – وكان عبارة عن مهاجع مبنية من الطابوق ، وليس به سوى خليط من الضباط الكويتيين ، من مختلف الفصائل والوزارات الكويتية ( الدفاع – الداخلية – الحرس الوطني ) ، وكل مهجع به خمسون ضابط كويتي ، وكانت القيادة الكويتية العسكرية بقيادة الشيخ أحمد الخالد الصباح هيَّ منعزلةٌ عنا ، ولكننا نلتقي بها صباحاً ، وكان عدد الضباط الكويتيين بهذا المعتقل قرابة 679 ضابط كويتي .

الإصلاحات داخل معتقل باعقوبة ( المطبخ والمهاجع ) :

تم إصلاح المطبخ والمهاجع داخل سجن باعقوبة على نفقة الضباط الكويتيين ، حيث تم تجهيز المطبخ بكامل حاجياته ولوازمه على نفقة الضباط الكويتيين ، كذلك هما المهاجع ، حيث تم تجهيزهما بكامل ما يحتاجون له من أنوار وكهرباء ولوازم أخرى من بطانيات وفرش على نفقة الضباط الكويتيين ، وتم تكليف عدد من الضباط وهم لا يتجاوزون الـ 10 ضباط ، بالقيام بشؤون المطبخ ، حيث كانوا يطبخون فترة الغداء والعشاء لـ 679 ضابط بشكل يومي وباستمرار ، وكان رؤساء المهاجع يرسلون في كل فترة أحد الضباط بالتناوب لإحضار وجبات الغداء والعشاء .

بيت العائلة
19-08-2012, 12:44 AM
المصدر
موقع تاريخ الكويت