بحر الحب
02-07-2009, 12:53 PM
عندما قرر '' دان بروان '' أن يكتب روايته الأولى( الحصن الرقمي) ،التي صدرت سنة 1998، كان وقتها يقضي واحدة من عطلاته ويقرأ رواية ذات طابع بوليسي وتركيز على نظرية المؤامرة، وقرر أنه يستطيع أن يكتب بصورة أفضل.
بعد أقل من عشر سنوات من ذلك اليوم أصبح دان بروان الكاتب الأكثر شهرة ليس في الولايات المتحدة الأمريكية وحدها ولكن ربما في العالم بأسره.
في العام 2003 صدرت روايته الشهيرة والمثيرة للجدل ( شيفرة دافنشي) وفي غضون أسابيع قليلة من صدورها تحولت هذه الرواية التي خلطت نظرية المؤامرة بأنشطة المحافل الماسونية بالتاريخ المسيحي لتخرج بحبكة قوية أثارت كثيرا من الإعجاب والكثير من الغضب أيضا، وخاصة من الطوائف المسيحية المختلفة وعلى رأسها الكنيسة الكاثوليكية.
ومن تابع مسيرة براون من البداية يمكن أن يعرف أن شيفرة دافنشي هي تطوير لما بدأه في عمله الثاني الذي صدر سنة 2000 ملائكة وشياطين، والتي لحقت بشيفرة دافنشي إلى السينما في الفيلم الجديد الذي قدمه توم هانكس وحمل نفس الإسم.
فشل الفيلم السينمائي الجديد كما فشل فيلم شيفرة دافنشي في نقل أجواء الروايات التي لا يمكن أن تكون السينما مكانها المناسب لكثرة التفاصيل التي تشتملها الروايات وطبيعة ايقاعها من ناحية و التوقعات العالية التي حملها المتفرجون معهم لصالات العرض لمشاهدة فيلم استثنائي، في شيفرة دافنشي كانت الخيبة كبيرة وأتى الفيلم باهتا ودون أن يترك أي علامة سينمائية مهمة، وفي ملائكة وشياطين كل ما حدث هو تلافي الأخطاء التي وقعت في الفيلم الأول فقط.
الإيرادات التي حصدها الفيلم الأخير كانت فقط هي الاختلاف الجوهري بين التجربتين اللتين يجب طرحهما من تجربة توم هانكس للحفاظ على صورته الكبيرة والجميلة التي بناها خلال مسيرته الفنية، فإصرار هذا الممثل على تكرار شخصية الدكتور روبرت لانجدون أستاذ علم الرموز Symbology في جامعة هارفارد الأمريكية لم يضف له شيئا على المستوى الفني، فالشخصية في السينما بلا عمق تقريبا وأداء هانكس لم يعكس منها سوى أداء بارد وحيادي يليق بمحقق وليس بأستاذ جامعي مرموق ينفعل ويتعاطف ويتناقض أحيانا.
يجب في البداية أن يلجأ الفاتيكان وهو بجانب دوره الروحي والديني أيضا أحد المراكز العلمية القوية الإنتاج في العلوم الإنسانية ومن ضمنها علم الرموز لذلك العالم الأمريكي مع أن الجامعات الإيطالية والأوروبية بشكل عام تتفوق على نظيراتها الأمريكية في هذه المجالات، إمبرتو إيكو وهو من سبق بروان بأكثر من عقدين من الزمن في الدخول إلى عالم الرموز والاستنتاجات في رواية اسم الوردة اختار شخصية أوروبية بشكل عام في روايته الشهيرة.
'' براون'' أحد منتجات الثقافة الأمريكية المسكونة بعقدة التفوق، ومن هنا يكتسب لانجدون كل الصفات الأمريكية.
يبدأ الفيلم من الجريمة التي ترتكب في أحد المعاهد العلمية التي تسعى إلى استخراج مادة أولية تمتلك قدرة هائلة على توليد الطاقة بحيث يكفي شعاع واحد منها لإضاءة مدينة كبيرة مثل روما لمدة شهر، في المقابل وككل طاقة نووية تحمل هذه المادة قدرة تدميرية هائلة بحيث يمكنها أن تزيح مدينة روما كلها من الوجود في ثوان معدودة، تحصل عصابة تترك علامة تنتمي لجمعية ماسونية نشطت في العصور الوسطى باسم المستنيرين Illuminati وهي بذلك تبدأ خطتها للانتقام من سلطة الفاتيكان التي نكلت بالعلماء في العصور الوسطى وعلى رأسهم العالم الشهير جاليليو وذلك لحسم المعركة بين العلم والدين.
ولكن يبدو أن معلومات دان بروان ليست كما يجب في هذه فالنسبة للكنيسة الكاثوليكية تحديدا فإن النزاع بين العلم والدين محسوم منذ عقود طويلة بالصورة التي لا تترك مجالا لذلك الشطط الذي مارسه في ملائكة وشياطين، وحتى جاليليو الذي تدور حول مخطوطته مغامرات لانجدون في استقصاء الرموز وفك ألغازها فقد حظي باعتذار من الكنيسة الكاثوليكية عن موقفها تجاهه سنة 1983، ولكن بروان يصر على وجود تلك الأخوية السرية التي تسعى للإنتقام.
بعد أن تصبح المادة المتفجرة في حيازة العصابة تزرع في مكان ما بداخل الفاتيكان وتطلق العصابة تهديدها بعد أن تختطف في يوم جنازة بابا الفاتيكان الراحل أربعة من الكاردينالات الوافدين من أنحاء العالم لاختيار البابا الجديد على رأس الكنيسة، وتهدد بقتلهم في الوقت الذي ينعقد فيه اجتماع لاختيار خليفة البابا مع أن المجتمعين يدركون حساسية الموقف خاصة أن انتخاب البابا الجديد لن يمكن حسمة في ظل الغياب المؤثر للكرادلة المختطفين، في هذه الأوضاع المعقدة يلجأ الفاتيكان إلى عالم الرموز لانجدون الذي طلب لمرات عدة أن يحصل على إذن بزيارة أرشيف الفاتيكان الذي يحفل بمئات الآلاف من الوثائق الحساسة والسرية دون أن يحظى بالموافقة.
الفرصة تأتيه وهو يمارس رياضة السباحة ليحصل على كل التسهيلات التي يحلم بها، ويتوجه'' لانجدون '' إلى روما ليتشكل فريق عمل من بعض رجال الشرطة الإيطالية الذين لا يمتلكون الصلاحيات المطلوبة داخل الفاتيكان حيث تناط مهمة الأمن بالحرس السويسري التقليدي الذي يرأسه ريتشار الصعب المراس الذي يصر على الإمساك بجميع الخيوط داخل الفاتيكان وفي المقابل تظهر شخصية الراهب باتريك السكرتير المقرب من البابا الراحل، وكأي رواية أمريكية هناك امرأة وهي العالمة الإيطالية الخبيرة بالفيزياء والتي يجب أن يلمح الجمهور في عينيها ذلك الإعجاب والانسياق مع الأمريكي القوي الجميل، وتبدأ محاولات لانجدون في الوصول إلى سر العملية التي تديرها أخوية المستنيرين من خلال رجل متمرس وقوي يحتجز الكرادلة وتتخلص مهمته في قتل واحد منهم كل ساعة بواسطة واحدة من المواد الأولية في الوجود بحسب الفلسفة اليونانية وهي التراب والهواء والنار والماء لتكون الضربة الخامسة هي اقتلاع الفاتيكان من الوجود.
اتبع الملائكة هي النصيحة التي يحصل عليها لانجدون من صفحة مسروقة من الكتاب السري لجاليليو، وهي عند الوصول متأخرا للكنيسة الأولى يتبع النصيحة ولكنه يجد الكاردينال الأول قتل بعد أن دفن في الرمال، ومع مغامراته يصل إلى الكنيسة الثانية متأخرا أيضا ليجد الكاردينال الثاني مقتولا ومعلقا في الهواء، ويفشل ومعه ضباط الشرطة الإيطالية من إنقاذ الكاردينال الثالث من ألسنة اللهب، وتقترب الساعات من الحسم ومع القليل من التركيز يستطيع لانجدون في اللحظات الأخيرة أن يدرك الكاردينال الأخير قبل أن يغرق في الماء وهي العنصر الرابع.
في المقابل تتطور الأحداث ويسرّب الراهب باتريك معلومات من شأنها أن تدفع بفرضية التواطؤ في داخل كنيسة القديس بطرس خاصة بعد أن يعزز فرضية التخلص من البابا بواسطة أدويته، وكذلك يستمر فشل الكرادلة في اختيار البابا الجديد ويسود الصخب في أنحاء الفاتيكان.
في النهاية يقتل رئيس الحرس السويسري بعد أن شاهده الحرس وهو يهدد الراهب باتريك، وتتطور الأحداث بسرعة بعد أن يكتشف لانجدون أن القنبلة مخبأة في قبر بطرس الرسول، ولكنه يصل متأخرا ولإنقاذ الفاتيكان من المحو يختطف الراهب باتريك القنبلة ويصعد بها إلى طائرة مروحية ليتركها تنفجر في السماء ويهبط منها بمظليته.
العمل البطولي الذي يقوم به الراهب يؤثر على اجتماع الكرادلة ويدفعهم تحت تأثير عاطفي للبحث عن مخرج في تعاليم اختيار البابا وذلك ليجعلوا من الشاب الشجاع البابا الجديد، وبمصادفة بحتة ومجانية في الأحداث يطلع لانجدون والعالمة الإيطالية على تسجيل الأحداث التي دارت بين باتريك ورئيس الحرس السويسري أن باتريك كان يقف وراء كل التدبيرات التي حدثت ليصل إلى منصب البابوية في النهاية وذلك من أجل إعادة الفاتيكان للوجود من وجهة نظره، وبعد اكتشاف تلك الخطة ينتحر باتريك بإحراق نفسه، نقطة الضعف في النهاية تكمن في تلك الهدية المجانية التي أرشدت الدكتور لانجدون إلى سر الخطة التي وضعها باتريك والتي أتت بدون مبرر حقيقي.
ذلك الرجل الاستثنائي صاحب الذكاء الخارق ينتظر فقط مجرد صدفة لتكشف الجزء الأصعب في الفيلم وتغيير مجرى الأحداث بصورة مفاجئة وغير متوقعة، مع أنه كان يمكن إيجاد أكثر من مخرج في السيناريو ودون الاعتماد على نص الرواية للوصول إلى تورط باتريك في مرحلة مبكرة من خلال استخدام نفس الذكاء الذي يتمتع به لانجدون.
الفيلم لا يحمل مثل شيفرة دافنشي تعديا على المعتقدات المسيحية وإن كان يعتمد على نفس الثيمة من الاعتماد على نظرية المؤامرة وحكومة الظل التي تسير العالم التي يجدها بروان دائما في الأخويات الماسونية مستخدما بعض المقولات الشعبية البعيدة عن البحث العلمي الجاد .
'' بروان بدأ مغرما بمثل هذه المرويات وهو يقدم أخوية المستنيرين خاصة أن الشكوك تدور حول انتساب شخصيات سياسية رفيعة لها مثل رئيس الوزراء البريطاني في الحرب العالمية الثانية ونستون تشرشل ورجل الأعمال البالغ الثراء والمثير للجدل'' ديفيد روكفيلر'' وكذلك '' زبيغنيو بريجنسكي'' مستشار الأمن القومي الأمريكي في عهد الرئيس'' جيمي كارتر'' .
أسماء أخرى كثيرة كافية لتدعم فرضيته لتلك الحكومة الخفية التي تحكم العالم أو بالأصح تتلاعب به، نظرية المؤامرة بجانب أنها مريحة فإنها مسلية أيضا، ولذلك لا تخرج جميع روايات بروان التي صدرت حتى الآن عن تلك المساحة التي يمضي في استهلاكها دون كلل أو ملل، وهي بالمناسبة ومن الناحية التقنية أسهل بكثير من كتابة القصص البوليسية كتلك التي أبدعتها الروائية البريطانية '' أجاثا كريستي'' أو مواطنها آرثر كونان صاحب شخصية المحقق شارلوك هولمز، يخمن الجمهور أن هانكس لن ينجح لو أدى دور شارلوك هولمز ولكنه لم يدرك أن روبرت لانجدون يبقى محدودا حتى أمام القصص البوليسية التجارية، الفيلم يقترب من الوصول إلى رقم نصف مليار دولار من الإيرادات وعلى الأغلب سيتجاوزها ولكنه للأسف لا يعبر عن نفس القيمة الفنية على الإطلاق، باختصار مخيب للآمال بالفعل.
http://www.alrai.com/pages.php?news_id=280534
بعد أقل من عشر سنوات من ذلك اليوم أصبح دان بروان الكاتب الأكثر شهرة ليس في الولايات المتحدة الأمريكية وحدها ولكن ربما في العالم بأسره.
في العام 2003 صدرت روايته الشهيرة والمثيرة للجدل ( شيفرة دافنشي) وفي غضون أسابيع قليلة من صدورها تحولت هذه الرواية التي خلطت نظرية المؤامرة بأنشطة المحافل الماسونية بالتاريخ المسيحي لتخرج بحبكة قوية أثارت كثيرا من الإعجاب والكثير من الغضب أيضا، وخاصة من الطوائف المسيحية المختلفة وعلى رأسها الكنيسة الكاثوليكية.
ومن تابع مسيرة براون من البداية يمكن أن يعرف أن شيفرة دافنشي هي تطوير لما بدأه في عمله الثاني الذي صدر سنة 2000 ملائكة وشياطين، والتي لحقت بشيفرة دافنشي إلى السينما في الفيلم الجديد الذي قدمه توم هانكس وحمل نفس الإسم.
فشل الفيلم السينمائي الجديد كما فشل فيلم شيفرة دافنشي في نقل أجواء الروايات التي لا يمكن أن تكون السينما مكانها المناسب لكثرة التفاصيل التي تشتملها الروايات وطبيعة ايقاعها من ناحية و التوقعات العالية التي حملها المتفرجون معهم لصالات العرض لمشاهدة فيلم استثنائي، في شيفرة دافنشي كانت الخيبة كبيرة وأتى الفيلم باهتا ودون أن يترك أي علامة سينمائية مهمة، وفي ملائكة وشياطين كل ما حدث هو تلافي الأخطاء التي وقعت في الفيلم الأول فقط.
الإيرادات التي حصدها الفيلم الأخير كانت فقط هي الاختلاف الجوهري بين التجربتين اللتين يجب طرحهما من تجربة توم هانكس للحفاظ على صورته الكبيرة والجميلة التي بناها خلال مسيرته الفنية، فإصرار هذا الممثل على تكرار شخصية الدكتور روبرت لانجدون أستاذ علم الرموز Symbology في جامعة هارفارد الأمريكية لم يضف له شيئا على المستوى الفني، فالشخصية في السينما بلا عمق تقريبا وأداء هانكس لم يعكس منها سوى أداء بارد وحيادي يليق بمحقق وليس بأستاذ جامعي مرموق ينفعل ويتعاطف ويتناقض أحيانا.
يجب في البداية أن يلجأ الفاتيكان وهو بجانب دوره الروحي والديني أيضا أحد المراكز العلمية القوية الإنتاج في العلوم الإنسانية ومن ضمنها علم الرموز لذلك العالم الأمريكي مع أن الجامعات الإيطالية والأوروبية بشكل عام تتفوق على نظيراتها الأمريكية في هذه المجالات، إمبرتو إيكو وهو من سبق بروان بأكثر من عقدين من الزمن في الدخول إلى عالم الرموز والاستنتاجات في رواية اسم الوردة اختار شخصية أوروبية بشكل عام في روايته الشهيرة.
'' براون'' أحد منتجات الثقافة الأمريكية المسكونة بعقدة التفوق، ومن هنا يكتسب لانجدون كل الصفات الأمريكية.
يبدأ الفيلم من الجريمة التي ترتكب في أحد المعاهد العلمية التي تسعى إلى استخراج مادة أولية تمتلك قدرة هائلة على توليد الطاقة بحيث يكفي شعاع واحد منها لإضاءة مدينة كبيرة مثل روما لمدة شهر، في المقابل وككل طاقة نووية تحمل هذه المادة قدرة تدميرية هائلة بحيث يمكنها أن تزيح مدينة روما كلها من الوجود في ثوان معدودة، تحصل عصابة تترك علامة تنتمي لجمعية ماسونية نشطت في العصور الوسطى باسم المستنيرين Illuminati وهي بذلك تبدأ خطتها للانتقام من سلطة الفاتيكان التي نكلت بالعلماء في العصور الوسطى وعلى رأسهم العالم الشهير جاليليو وذلك لحسم المعركة بين العلم والدين.
ولكن يبدو أن معلومات دان بروان ليست كما يجب في هذه فالنسبة للكنيسة الكاثوليكية تحديدا فإن النزاع بين العلم والدين محسوم منذ عقود طويلة بالصورة التي لا تترك مجالا لذلك الشطط الذي مارسه في ملائكة وشياطين، وحتى جاليليو الذي تدور حول مخطوطته مغامرات لانجدون في استقصاء الرموز وفك ألغازها فقد حظي باعتذار من الكنيسة الكاثوليكية عن موقفها تجاهه سنة 1983، ولكن بروان يصر على وجود تلك الأخوية السرية التي تسعى للإنتقام.
بعد أن تصبح المادة المتفجرة في حيازة العصابة تزرع في مكان ما بداخل الفاتيكان وتطلق العصابة تهديدها بعد أن تختطف في يوم جنازة بابا الفاتيكان الراحل أربعة من الكاردينالات الوافدين من أنحاء العالم لاختيار البابا الجديد على رأس الكنيسة، وتهدد بقتلهم في الوقت الذي ينعقد فيه اجتماع لاختيار خليفة البابا مع أن المجتمعين يدركون حساسية الموقف خاصة أن انتخاب البابا الجديد لن يمكن حسمة في ظل الغياب المؤثر للكرادلة المختطفين، في هذه الأوضاع المعقدة يلجأ الفاتيكان إلى عالم الرموز لانجدون الذي طلب لمرات عدة أن يحصل على إذن بزيارة أرشيف الفاتيكان الذي يحفل بمئات الآلاف من الوثائق الحساسة والسرية دون أن يحظى بالموافقة.
الفرصة تأتيه وهو يمارس رياضة السباحة ليحصل على كل التسهيلات التي يحلم بها، ويتوجه'' لانجدون '' إلى روما ليتشكل فريق عمل من بعض رجال الشرطة الإيطالية الذين لا يمتلكون الصلاحيات المطلوبة داخل الفاتيكان حيث تناط مهمة الأمن بالحرس السويسري التقليدي الذي يرأسه ريتشار الصعب المراس الذي يصر على الإمساك بجميع الخيوط داخل الفاتيكان وفي المقابل تظهر شخصية الراهب باتريك السكرتير المقرب من البابا الراحل، وكأي رواية أمريكية هناك امرأة وهي العالمة الإيطالية الخبيرة بالفيزياء والتي يجب أن يلمح الجمهور في عينيها ذلك الإعجاب والانسياق مع الأمريكي القوي الجميل، وتبدأ محاولات لانجدون في الوصول إلى سر العملية التي تديرها أخوية المستنيرين من خلال رجل متمرس وقوي يحتجز الكرادلة وتتخلص مهمته في قتل واحد منهم كل ساعة بواسطة واحدة من المواد الأولية في الوجود بحسب الفلسفة اليونانية وهي التراب والهواء والنار والماء لتكون الضربة الخامسة هي اقتلاع الفاتيكان من الوجود.
اتبع الملائكة هي النصيحة التي يحصل عليها لانجدون من صفحة مسروقة من الكتاب السري لجاليليو، وهي عند الوصول متأخرا للكنيسة الأولى يتبع النصيحة ولكنه يجد الكاردينال الأول قتل بعد أن دفن في الرمال، ومع مغامراته يصل إلى الكنيسة الثانية متأخرا أيضا ليجد الكاردينال الثاني مقتولا ومعلقا في الهواء، ويفشل ومعه ضباط الشرطة الإيطالية من إنقاذ الكاردينال الثالث من ألسنة اللهب، وتقترب الساعات من الحسم ومع القليل من التركيز يستطيع لانجدون في اللحظات الأخيرة أن يدرك الكاردينال الأخير قبل أن يغرق في الماء وهي العنصر الرابع.
في المقابل تتطور الأحداث ويسرّب الراهب باتريك معلومات من شأنها أن تدفع بفرضية التواطؤ في داخل كنيسة القديس بطرس خاصة بعد أن يعزز فرضية التخلص من البابا بواسطة أدويته، وكذلك يستمر فشل الكرادلة في اختيار البابا الجديد ويسود الصخب في أنحاء الفاتيكان.
في النهاية يقتل رئيس الحرس السويسري بعد أن شاهده الحرس وهو يهدد الراهب باتريك، وتتطور الأحداث بسرعة بعد أن يكتشف لانجدون أن القنبلة مخبأة في قبر بطرس الرسول، ولكنه يصل متأخرا ولإنقاذ الفاتيكان من المحو يختطف الراهب باتريك القنبلة ويصعد بها إلى طائرة مروحية ليتركها تنفجر في السماء ويهبط منها بمظليته.
العمل البطولي الذي يقوم به الراهب يؤثر على اجتماع الكرادلة ويدفعهم تحت تأثير عاطفي للبحث عن مخرج في تعاليم اختيار البابا وذلك ليجعلوا من الشاب الشجاع البابا الجديد، وبمصادفة بحتة ومجانية في الأحداث يطلع لانجدون والعالمة الإيطالية على تسجيل الأحداث التي دارت بين باتريك ورئيس الحرس السويسري أن باتريك كان يقف وراء كل التدبيرات التي حدثت ليصل إلى منصب البابوية في النهاية وذلك من أجل إعادة الفاتيكان للوجود من وجهة نظره، وبعد اكتشاف تلك الخطة ينتحر باتريك بإحراق نفسه، نقطة الضعف في النهاية تكمن في تلك الهدية المجانية التي أرشدت الدكتور لانجدون إلى سر الخطة التي وضعها باتريك والتي أتت بدون مبرر حقيقي.
ذلك الرجل الاستثنائي صاحب الذكاء الخارق ينتظر فقط مجرد صدفة لتكشف الجزء الأصعب في الفيلم وتغيير مجرى الأحداث بصورة مفاجئة وغير متوقعة، مع أنه كان يمكن إيجاد أكثر من مخرج في السيناريو ودون الاعتماد على نص الرواية للوصول إلى تورط باتريك في مرحلة مبكرة من خلال استخدام نفس الذكاء الذي يتمتع به لانجدون.
الفيلم لا يحمل مثل شيفرة دافنشي تعديا على المعتقدات المسيحية وإن كان يعتمد على نفس الثيمة من الاعتماد على نظرية المؤامرة وحكومة الظل التي تسير العالم التي يجدها بروان دائما في الأخويات الماسونية مستخدما بعض المقولات الشعبية البعيدة عن البحث العلمي الجاد .
'' بروان بدأ مغرما بمثل هذه المرويات وهو يقدم أخوية المستنيرين خاصة أن الشكوك تدور حول انتساب شخصيات سياسية رفيعة لها مثل رئيس الوزراء البريطاني في الحرب العالمية الثانية ونستون تشرشل ورجل الأعمال البالغ الثراء والمثير للجدل'' ديفيد روكفيلر'' وكذلك '' زبيغنيو بريجنسكي'' مستشار الأمن القومي الأمريكي في عهد الرئيس'' جيمي كارتر'' .
أسماء أخرى كثيرة كافية لتدعم فرضيته لتلك الحكومة الخفية التي تحكم العالم أو بالأصح تتلاعب به، نظرية المؤامرة بجانب أنها مريحة فإنها مسلية أيضا، ولذلك لا تخرج جميع روايات بروان التي صدرت حتى الآن عن تلك المساحة التي يمضي في استهلاكها دون كلل أو ملل، وهي بالمناسبة ومن الناحية التقنية أسهل بكثير من كتابة القصص البوليسية كتلك التي أبدعتها الروائية البريطانية '' أجاثا كريستي'' أو مواطنها آرثر كونان صاحب شخصية المحقق شارلوك هولمز، يخمن الجمهور أن هانكس لن ينجح لو أدى دور شارلوك هولمز ولكنه لم يدرك أن روبرت لانجدون يبقى محدودا حتى أمام القصص البوليسية التجارية، الفيلم يقترب من الوصول إلى رقم نصف مليار دولار من الإيرادات وعلى الأغلب سيتجاوزها ولكنه للأسف لا يعبر عن نفس القيمة الفنية على الإطلاق، باختصار مخيب للآمال بالفعل.
http://www.alrai.com/pages.php?news_id=280534