بحر الحب
03-08-2009, 04:15 PM
مرّ عام على رحيل فنان السينما العربية البارز يوسف شاهين، الذي كان يعتبر نفسه، كما يعتبره متابعو سينماه، فناناً صاحب رؤية ورسالة فكرية وسياسية، وكان اهتمامه بالسياسة والأفكار في ازدياد، خصوصاً بعد نكسة 1967، لا سيما بعد التطورات التي جرت في الأمة ابتداءً من سبعينات القرن العشرين، عندما سارت الأمور والسياسات على النقيض من كل ما اعتنقه شاهين.
كان شاهين صريحاً وواضحاً دائماً في نقده اللاذع للسياسة العربية على امتداد العقود الأخيرة، سواء في تصريحاته، أو في أفلامه منذ «الاختيار» و{العصفور» و{عودة الابن الضال»... إلى فيلمه الأخير الساخط والثائر «هي فوضى؟».
وسوف نتوقف اليوم أمام هذه الزاوية المهمة.
يوسف شاهين والسياسة... مشوار متعدد المراحل، وأفكار دائمة التطور. بدأ في السياسة وطنياً مخلصاً لمبادئ ثورة يوليو ومحباً لقيادتها، لكن من دون تعمق كبير في الأفكار والتوجهات والقضايا السياسية.
ثم مرّ بمرحلة ثانية، كان فيها أكثر تمعناً وتعمقاً وتركيزاً، بعد نكسة يونيو 1967 و{نكبة» سيطرة القوى المضادة للثورة الكاملة على سلطات الدولة واجهزتها ابتداءً من عام 1974، آنذاك حقق شاهين أنضج تعبير له في فيلمه «عودة الابن الضال» الذي أطلق عليه «مأساة موسيقية» بالتعاون مع صلاح جاهين.
اقترب شاهين في المرحلة الأولى (الخمسينات والستينات) من ثورة يوليو وجمال عبد الناصر، تلقائياً بالحس الوطني العام وبالمشاعر، ثم بدا على نحو ما «متباعداً» عن هذه الثورة والقيادة، ربما ليرى الصورة أوضح، وليعرف ويفهم أكثر... ما الذي جرى؟ ولماذا؟ ومن وراء ذلك كله؟ ثم إلى أين وما العمل؟ كذلك بدا في تلك المرحلة مصغياً أكثر إلى إجابات اليسار الماركسي، لعله يجد «إجابات جذرية تتسم بعلمية أو موضوعية» عن أسئلة ملحة ومصيرية تعبّر عن قلقه وقلق الوطن. وقد أصغى وانتبه بحواس كافة، لكن من دون أن يندمج أو يندرج في تيار فهو «فنان ومتأمل قلق» بكل معنى العبارة، ويتعذر دمجه أو «تقولبه» أو انجراره إلى أي تيار تنظيمي محدد، فهو يسمع ويستفيد ويتأثر، وليس أكثر.
في هذه المرحلة انضم إلى حزب «التجمّع» (ممثل اليسار)، بل الوطنية المصرية كلها، في نهاية حكم السادات وبداية حكم مبارك. كان ذلك الحزب الأوضح معارضة والأكثر جذرية في تلك المرحلة (وحدها!)، لكن شاهين لم يقم بعمل تنظيمي محدد في الحزب: كما حدث في ما بعد في مرحلته الثالثة والأخيرة حين انضم إلى حزب «حركة الكرامة» بقيادة الناصري حمدين صباحي، الذي أحبه شاهين وقدمه في مشاهد كرئيس تحرير في «الآخر» ووجّه إليه تحية متكررة في فيلمه الأخير «هي فوضى؟»... وكما جاء انضمامه إلى «التجمع» تعبيراً عن معنى وموقف في مرحلة ما، فإن انضمامه إلى «الكرامة» كان تعبيراً عن معنى وموقف من دون أن يكون شاهين في أي حالة «رجل تنظيمات» بالمعنى المتعارف عليه.
في هذه المرحلة الثالثة والأخيرة، وحتى قبل نشوء حزب «الكرامة» الذي تأسس قبل رحيل شاهين بحوالي 10 سنوات، عاد المخرج إلى الاقتراب من ثورة يوليو و{ناصريتها»، لكن على أسس جديدة إذا جاز القول أو بوعي وإدراك أشمل وبثقافة تحققت وتعمقت عبر عقود، ومراحل المشوار مع السياسة.
لذا يمكن لنا القول إن شاهين في السياسة، بدأ مشواره ناصرياً بالعاطفة، في مرحلة أولى، ثم انتقل إلى مرحلة كان فيها أقرب إلى يساري، يبحث عن إجابات في ظرف قاس، وينتقد ثورة يوليو من منظور يساري عام، لكن بحب أيضاً، وفي المرحلة الثالثة والأخيرة عاد ناصرياً، وكان يردد التعبير مباشرة «أنا ناصري» في سنواته الأخيرة في أكثر من مناسبة أو لقاء عام مثل ندوة في معرض الكتاب وفي حوارات منشورة أو مذاعة... لكن ناصرية المرحلة الثالثة اختلفت عن ناصرية المرحلة الأولى.
في الأولى كان محباً راضياً، لكن من دون أن يكون أبداً بوقاً أو مهللاً، وفي الثالثة كان محباً لكن مناقشاً متمعناً متأملاً، وبينهما كان حائراً قلقاً متسائلاً.
http://www.aljarida.com/aljarida/Article.aspx?id=122896
كان شاهين صريحاً وواضحاً دائماً في نقده اللاذع للسياسة العربية على امتداد العقود الأخيرة، سواء في تصريحاته، أو في أفلامه منذ «الاختيار» و{العصفور» و{عودة الابن الضال»... إلى فيلمه الأخير الساخط والثائر «هي فوضى؟».
وسوف نتوقف اليوم أمام هذه الزاوية المهمة.
يوسف شاهين والسياسة... مشوار متعدد المراحل، وأفكار دائمة التطور. بدأ في السياسة وطنياً مخلصاً لمبادئ ثورة يوليو ومحباً لقيادتها، لكن من دون تعمق كبير في الأفكار والتوجهات والقضايا السياسية.
ثم مرّ بمرحلة ثانية، كان فيها أكثر تمعناً وتعمقاً وتركيزاً، بعد نكسة يونيو 1967 و{نكبة» سيطرة القوى المضادة للثورة الكاملة على سلطات الدولة واجهزتها ابتداءً من عام 1974، آنذاك حقق شاهين أنضج تعبير له في فيلمه «عودة الابن الضال» الذي أطلق عليه «مأساة موسيقية» بالتعاون مع صلاح جاهين.
اقترب شاهين في المرحلة الأولى (الخمسينات والستينات) من ثورة يوليو وجمال عبد الناصر، تلقائياً بالحس الوطني العام وبالمشاعر، ثم بدا على نحو ما «متباعداً» عن هذه الثورة والقيادة، ربما ليرى الصورة أوضح، وليعرف ويفهم أكثر... ما الذي جرى؟ ولماذا؟ ومن وراء ذلك كله؟ ثم إلى أين وما العمل؟ كذلك بدا في تلك المرحلة مصغياً أكثر إلى إجابات اليسار الماركسي، لعله يجد «إجابات جذرية تتسم بعلمية أو موضوعية» عن أسئلة ملحة ومصيرية تعبّر عن قلقه وقلق الوطن. وقد أصغى وانتبه بحواس كافة، لكن من دون أن يندمج أو يندرج في تيار فهو «فنان ومتأمل قلق» بكل معنى العبارة، ويتعذر دمجه أو «تقولبه» أو انجراره إلى أي تيار تنظيمي محدد، فهو يسمع ويستفيد ويتأثر، وليس أكثر.
في هذه المرحلة انضم إلى حزب «التجمّع» (ممثل اليسار)، بل الوطنية المصرية كلها، في نهاية حكم السادات وبداية حكم مبارك. كان ذلك الحزب الأوضح معارضة والأكثر جذرية في تلك المرحلة (وحدها!)، لكن شاهين لم يقم بعمل تنظيمي محدد في الحزب: كما حدث في ما بعد في مرحلته الثالثة والأخيرة حين انضم إلى حزب «حركة الكرامة» بقيادة الناصري حمدين صباحي، الذي أحبه شاهين وقدمه في مشاهد كرئيس تحرير في «الآخر» ووجّه إليه تحية متكررة في فيلمه الأخير «هي فوضى؟»... وكما جاء انضمامه إلى «التجمع» تعبيراً عن معنى وموقف في مرحلة ما، فإن انضمامه إلى «الكرامة» كان تعبيراً عن معنى وموقف من دون أن يكون شاهين في أي حالة «رجل تنظيمات» بالمعنى المتعارف عليه.
في هذه المرحلة الثالثة والأخيرة، وحتى قبل نشوء حزب «الكرامة» الذي تأسس قبل رحيل شاهين بحوالي 10 سنوات، عاد المخرج إلى الاقتراب من ثورة يوليو و{ناصريتها»، لكن على أسس جديدة إذا جاز القول أو بوعي وإدراك أشمل وبثقافة تحققت وتعمقت عبر عقود، ومراحل المشوار مع السياسة.
لذا يمكن لنا القول إن شاهين في السياسة، بدأ مشواره ناصرياً بالعاطفة، في مرحلة أولى، ثم انتقل إلى مرحلة كان فيها أقرب إلى يساري، يبحث عن إجابات في ظرف قاس، وينتقد ثورة يوليو من منظور يساري عام، لكن بحب أيضاً، وفي المرحلة الثالثة والأخيرة عاد ناصرياً، وكان يردد التعبير مباشرة «أنا ناصري» في سنواته الأخيرة في أكثر من مناسبة أو لقاء عام مثل ندوة في معرض الكتاب وفي حوارات منشورة أو مذاعة... لكن ناصرية المرحلة الثالثة اختلفت عن ناصرية المرحلة الأولى.
في الأولى كان محباً راضياً، لكن من دون أن يكون أبداً بوقاً أو مهللاً، وفي الثالثة كان محباً لكن مناقشاً متمعناً متأملاً، وبينهما كان حائراً قلقاً متسائلاً.
http://www.aljarida.com/aljarida/Article.aspx?id=122896