الحسناء والجريدة (المغربي)منشورة بجريدة الأنباء الكويتية 941994 إهداء للمنتدى - قصة بقلمي نشرت بجريدة الأنباء الكويتية عام 1994 من مجموعة قصص أخرى. احمد توفيق (أبو شهاب) أتمنى تعجبكم
الحسناء والجريدة
ارتجفت يدي وهى تمسك فنجان القهوة الساخن. أحاول رشف بعض منها.. ولكن هيهات.. لم تصل نقطة واحدة داخل جوفي.. واكتفيت بوضع شفتاي عليها حتى كادت أن تحترق.. وعندما شعرت بحرارتها وضعت الفنجان أمامي على الطاولة بيد ما زالت ترتجف.. لم ألحظ وقتها أنني سكبت نصفها على يدي..
أمسكت الجريدة.. أبحث خلال سطورها عن كلمات.. أي كلمات تزيل عنى هذا الاضطراب.. وأفقت على نظرات رواد الكافيتيريا.. ينظرون نحوي باستغراب… عرفت بعدها بأنني كنت أقرأ بصوت عال.. تركتُ الجريدة من يدي وأنا أتساءل.. ماذا دهاني؟… لماذا أرتجف؟!!.. وما سر تلك الدقات العالية المتسارعة بداخلي والتي كادت تفتق صدري وتخرج منه؟.. وبحركة لا إرادية وضعت يدي على صدري… في اتجاه ذلك الأهوج – قلبي – أكتم بها دقاته العالية.. أو أهدئ من روع ذلك المسكين.
فقد كانت هناك أمامي.. تلك الحسناء الجالسة أمام طاولتي – وحيدة – تبتسم لي.. وقد تخضب وجهها بلون الورود.. تلوح بيديها… ترسم بها كلمات لم أفهمها… وكلما عجزت عن حل رموزها، أطلب فنجانا آخر من القهوة، وتتكرر المأساة… نصف الفنجان على يدي… والنصف الآخر على ثيابي.. ولا أدرى كم فنجانا طلبتُ؟!
ابتسمتُ لها… فزادت ابتسامتها إشراقا… شعرتُ أنني أملك عبير الكون كله.. لوحت لها بيدي.. فتجهم وجهها فجأة.. واكتسته حمرة غاضبة زادتها جمالا.
وبحركة لا إرادية أيضا أمسكتُ بالجريدة مرة ثانية… أبحث بين سطورها عن شئ يزيل دهشتي واضطرابي.. وعدت أقرأ بدون وعى بصوت عال… ثم أعود لأنظر إليها من فوق جريدتي… نظرة الغضب تبدلت ثانية لابتسامة جميلة عذبة تنير وجهها.. وبإصبعها الصغير تنحى خصلة من شعرها الناعم حالك السواد… وذلك الوجه الذي يشع نورا وضياء… ابتسمتُ ناحيتها فابتسمت بدورها..
وفجأة شعرت بأن الأرض تميد تحت قدماي… والمكان يتسع تارة.. ويضيق تارة أخرى.. فقد رأيتها تومئ ناحيتي برأسها.. وكأنها تحثني على النهوض والتقدم ناحيتها..
وقفتُ أتحامل على قدماي.. أتقدم خطوة.. وأتراجع خطوتين.. ولكنني صممت على الوصول لهذا الجمال.. وتلك الجنة على الأرض.. وكم كانت دهشتي عندما رأيتها تقف هي الأخرى..
مددتُ يدي إليها.. أحاول احتضان ذلك الحلم قبل أن يتلاشى.. شعرت أنني أطير ناحيتها.. أحتضن يديها بين يدي.. وتركتُ نفسي لحلم جميل لا أريد الاستيقاظ منه أبدا. لا أدرى كم مضى عليّ وأنا في تلك الحالة من النشوى.
وفجأة.. شعرت بيد قوية تمسك كتفي بشدة.. تكاد تخلعه من مكانه.. وحسنائي تنظر إليّ وكأنها تنظر إلى معتوه مسه الجن.. تقول بصوت غاضب – سيب إيدي يا قليل الأدب - وتلك اليد القوية تدفعني بعنف إلى الوراء.. وأصوات متناثرة تردد – بلغوا الشرطة
وأفقت.. تراجعتُ وأنا أعتذر.. متعللا بأنني أخطأت في الشبه.. وعدت لطاولتي بعدما تلاشت دهشتي.. فقد كانت تلك الابتسامات من نصيب ذلك الشخص الذي أمسك بكتفي حتى كاد أن يخلعها.. كان يجلس خلفي.. ولم أجد ملاذا أهرب إليه سوى أنني طلبت فنجانا آخر من القهوة.. وأمسكت بجريدتي.. احتمي بين سطورها.. وأتابع من فوقها حسنائي وهى تقف وتتأبط ذراع الشاب ثم تنظر ناحيتي وهى تلوي شفتيها في تعجب … نظرة ارتعشت لها أوصالي فجعلتني أمسك بفنجان القهوة وأرشف منه رشفات سريعة لم أتذوقها… نظرتُ لفنجاني فوجدته فارغا وقد جف ما به من بقايا بن… علمتُ وقتها بأنني كنت أرتشفُ الهواء.
|