في ذكرى العندليب.. ده عمر جرحي أنا أطول من الأيام مات عبدالحليم.. لم يكمل الاذاعي الشهير جلال معوض، تحشرج صوته واحسسنانه خلف المذياع يبكي دون ان نرى دموعه، لحظات صمت كأنها الموت الحقيقي، البعض تحجرت الدموع في عينيه، والبعض الآخر انهمرت عيناه نهرا، وصوت عبدالحليم ـ كأنه يواسينا ـ ينطلق بشجن يهز القلوب هزا: اى دمعة حزن لا.. لا.. لا. يوم غريب الاثنين 30 مارس عام 1977، منذ 33 سنة، كان عبدالحليم (العندليب) في مستشفاه بلندن، اقول مستشفاه ولا أقول المستشفى، فكأنه صارت بيته الاساسي، لايغادره الا ليعود اليه، ربما امضى فيه اياما اكثر مما قضى في حجرته وعلى فراشه. عبدالحليم الذي ترجم اوجاعه غناء «في يوم.. في شهر.. في سنة.. تهدى الجراح وتنام وعمر جرحي انا اطول من الايام»، هذه الاغنية تحديدا التي كتبها الرائع مرسي جميل عزيز ولحنها العبقري كمال الطويل، يوم مات عبدالحليم اسالت دموع الملايين حزنا وألما، فقد كان عبدالحليم رغم مرضه العضال يملأ الدنيا بهجة وسعادة حتى وهو يشدو بكلمات حزينة. موته كان بعيدا عن ادراك محبيه رغم انه مكتوب قبل ان نولد، لكن امر الله نفذ، وودع حليم دنيانا، لكنه لم يزل يسكن القلوب ويغذي احاسيسنا بأجمل الكلمات وأنقاها حبا وعشقا. قشر البرتقال كي نكتب عن عبدالحليم، ربما نحتاج الى صفحات جريدة، ولن تكفي، لكن وبعد 33 سنة أرثيه بكلمات مقتضبة نحاول فيها رصد اهم محطاته الفنية بدءا من الاغنية التي قذفه الجمهور بسببها بقشر البرتقال بمجرد ان بدأها، مرورا بصعوده رويدا رويدا الى القمة، وصولا الى «قارئة الفنجان» التي زرعت الخوف في قلبه «لكن سماءك ممطرة وطريقك مسدود مسدود»، وبشرته بالنهاية الحتمية «وسترجع يوما ياولدي مهزوما مكسور الوجدان وستعرف بعد رحيل العمر بأنك كنت تطارد خيط دخان». حليم ابن قرية الحلوات في مدينة الزقازيق شرق القاهرة، جاء الى العاصمة يحمل صوتا شجيا حساسا، ملفوفا برغبة عارمة في النجاح واثبات الذات، معجونا بدفء مشاعر يفتت القلوب ويخترقها دون عناء منه ودون ارادة منا. حين غنى اولى اغنياته في مسرح بالاسكندرية «صافيني مرة وجافيني مرة»، كان الجمهور وقتها يسمع عبدالعزيز محمود وعبدالغني السيد وكارم محمود وعبدالمطلب وقنديل مطربين لهم قيمتهم ولا شك، كلماتهم بسيطة وشعبية «اسأل مرة عليا قل لي قسوتك ليه»، «منديل الحلو يا منديله على دقة قلبي باغنيله»، «يا سمر يا جميل يابو الخلاخيل ياللي المنديل راح ياكل من خدك حتة»، فكيف بعبدالحليم يغني لنفس الجمهور «كنا سوا قلبين الحب جمع شملنا والعين تقول للعين احنا اتخلقنا لبعضنا»، فكان يستحق من وجهة نظر المستمعين وقتها القذف بـ «قشر» البرتقال. رحلة النجاح لم يدب اليأس او الاحباط في قلب حليم وأصر على لونه الجديد حتى انه، وبعد سنتين من حادث مسرح الاسكندرية غنى نفس الاغنية في حديقة الاندلس بالقاهرة حيث الجمهور اكثر رقيا، فإذا بها ـ اقصد الاغنية ـ تكتب شهادة ميلاد مطرب جديد وواعد سيملأ سماء الدنيا طربا وشجنا. وبدأت رحلة النجاح، تصاحبها وتلازمها رحلة مرض اخذت منه حياته، لكن الحياة صراع وكفاح ـ هكذا كان يقول ـ ومادمنا نتنفس، فلنحاول ولنعش لحظتنا ونستمتع الموت آت ولا شك، لكن من البلاهة ومن غير المنطقي ان نموت قبل ان يجيء، خوفا منه وترقبا لقدومه. هكذا عاش عبدالحليم حافظ، لايخشى الموت، لكن بإحساسه كان يعرف انه قريب، بل يكاد يتنفسه، فغرق في فنه وكأنه يريد ان يعيش بعد مماته اكثر مما عاش في حياته. اغاني كثيرة غناها العندليب تعيش في وجداننا حتى الان «نعم ياحبيبي نعم، الليالي، اهواك، نار ياحبيبي نار، اعز الناس»، والاخيرة كانت عنوان كتاب وزع ـ ولايزال ـ ملايين الطبعات وكتبه بعد رحيله محاميه وصديق عمره مجدي العمروسي. حكايته مع السندريلا سعاد حسني الجميلة الفاتنة سندريلا الشاشة المصرية احبها عبدالحليم واحبته، لكن السؤال الذي لم يجد اجابة حتى الآن: هل تزوجها ام لا؟ البعض يؤكد ذلك والبعض الآخر ينفي تماما ورغم قصة الحب التي جمعت بين الاثنين الا انهما لم يجتمعا معا في فيلم كبطل وبطلة، شاركته سعاد فقط كأخته في فيلم «البنات والصيف» وكانت البطولة لزيزي البدراوي. واستمرت علاقة الحب بين حليم والسندريلا وانتهت بموت الاثنين ـ ويالها من مصادفة ـ في لندن، الاول على سريره في مستشفاه، والثانية بالقفز منتحرة من اعلى بناية كانت تسكنها. يأخذ البعض، خاصة من المحسوبين على التيار اليساري في فترة الستينيات على عبدالحليم انه كان صوت السلطة او لنقل صوت عبدالناصر، او قل صوت الثورة، فقد كان المتحدث الرسمي ـ فنيا ـ للثورة ترجمها بغنائه كأروع ماتكون الترجمة «دي مسؤولية، بلدي يا بلدي، يا أهلا بالمعارك، وصورة للشعب الفرحان تحت الراية المنصورة»، وبعد الصورة جاءت النكسة لتكسر ظهر عبدالحليم وعبدالناصر والشعب العربي كله، ليدرك حليم ومعه صلاح جاهين مؤلف اغاني الثورة كم عاشا في كذبة كبيرة وساهما في ترويجها دون قصد منهما. وبعد النكسة بكى عبدالحليم كأنه لم يبك في حياته وغنى اغنية «عدى النهار» التي كتبها عبدالرحمن الابنودي ليشحذ الهمم من جديد ويعلن التحدي «وبلدنا ع الترعة بتغسل شعرها، جانا نهار مقدرش يدفع مهرها، ابدا بلدنا للنهار، بتحب موال النهار، لما يعدي في الدروب، ويغني قدام كل دار». كان حليم يعشق التحدي منذ قشر البرتقال الى النكسة العسكرية، لكن الشيئين الوحيدين اللذين لم يستطع تحديهما المرض والموت الاول «هد حيله»، والثاني لم يرحمه، فأخذه وهو في قمة نجاحه وعمره لم يتعد الـ 48. مات عبدالحليم، وأستعير كلمات النهاية منه «وداع يا دنيا الهنا وداع يا حب يا احلام، ده عمر جرحي انا اطول من الايام». الرابط:http://www.alanba.com.kw/AbsoluteNMN...&zoneid=15&m=0 __________________
___________ كونك احد أعضاء هذا المنتدى فأنت مؤتمن ولك حقوق وعليك واجبات ليس العبرة بعدد المشاركات!! وانما ماذا كتبت وماذا قدمت لإخوانك الأعضاء والزوار كن مميزا... في أطروحاتك..صادقاً في معلوماتك..محباً للخير... مراقباً للمنتدى في غياب المراقب... مشرفاً للمنتدى في غياب المشرف... للتواصل : |