شبكة الدراما والمسرح الكويتية الخليجية > القاعات العامة والإدارية > قاعة الأدب والكتب ( القاعة الثقافية ) > قصيدة الزمن و الدم
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 07-07-2010, 03:37 PM   #1 (permalink)
خبيرة في التنمية البشرية
 
 العــضوية: 5529
تاريخ التسجيل: 17/09/2009
المشاركات: 3,872
الـجــنــس: أنثى

افتراضي قصيدة الزمن و الدم


قصيدة الزمن و الدم





هنا في الأقاصي،

وفي الأزمنة ـ التيه،

لم يعد الفستق لي،

ولم يعد النخل لي،

ولم يعد الشاي يجمع جمعا،

ولا الذكريات الجميلة.

لم يبق غير الرحيل،

ولم يبق بعد الرحيل سواه.

3

وفي الأرض منأى...

وفيها على طرقات الظلال الكسيرة نغم الحيارى،

فلم يُرِنا الفجرُ إلا سرابا تتالت عليه، علينا، مرايا المتاهة حين تُصافحها في التناغم ألْسِنة السر، تسأل عن محن قد تطاول فيها عجاب السنين.

وفي سفن النفق المتربع في قادمات الليالي يعلمنا البحر أن الظلال ترتل قبل الرجوع إلى آخر المرتقى سفرها.

أيهم أيها الناس أخبرنا عن قرى السفح وعما قضى من عظيم النخيل؟

ففي الأرض منأى،

وللهجر حين تكون الظلال على أمد القادمين مع الليل وجه يعلمنا الفجر.

4

على باسقات النخيل التي لفّها كلُّ جذع كريم بقي،

على آخر الصهوات التي ما يزال لها إلى الكبرياء سبيل،

على الطرقات القصية،

في الزمن الدم،

رغم أنوف البلية،

ترحل عن أرضها الأرض.

5

وفي الأرض منأى،

وفيها يظللنا البدء،

فيها هنالك جنبَ الليالي التي تتشظى اقترابا من المهد،

عند ارتواء الرحيل من الأنجم الصامتهْ،

هنالك في سدرة القاصمات،

هنالك خلف الظلال التي تتدافع وجدا،

هنالك في الأفق الفرد،

ثمّةَ أفْقا ـ مع السادرات التي يتخطفها الأفق الغارق في عتمات التدافع،

ثمة حين يكون الرحيل اقترابا من الأرض،

ثمة حين تدك الجبال الطريدة أقدامها،

وتكتب بالدم في سدرة الأمل الأرض أقلامها،

وترسم من طرقات التمادي مراقدَ أحلامها،

هنالك في سدْرة القاصمات تظلل حشرجة البدء أعلامها.

6

وقلتُ ليوسف أعرضْ ! ولم يك أعرضَ،

ضاقت بنا الأرض، ضاقت بما رحبتْ.

أيا أيها الدمع راوح مكانك،

قد عقروا الناقةَ!

أيتها الأرض صمتا!

فيعرف هذا الحمامُ الذي يكتوي بأن الجراح

ستمطرُ في كلِّ تلّ دما...

7

نعمْ عقروا الناقة الليلَ...

"يوسف" عذرا!

من الوحل الأرض إلى الوحل الرحل...

غير أن المقام الشجي يظلل الأسر،

ويعرف أن "أغمات" كانت وأن الهضاب تكون.

8

لهذا النخيل صفات المحب على الشرفات التي لم تعد تتذكر صوتي.

لهذا النخيل صفاتي.

صفاتُ المحب تنادي النخيل الذي قد بقي هناك،

صفات المحب ترى المعجزات الغريقة، ترمق وجهي،

وتنظر مثلي الزمان الذي يتطاير حولي، وتبكي معي،

وصفاتُ المحب تسافح ظلي.

9

وقلتُ ليوسف: يوسف أعرض!

وأعرضتَ بعد مئات السنين التي تركتني أصافح في وقفات الحنين الأليم انمحائي. أسافح ذلي على الطرقات الغريبة، أنظر كل القوافل فيئا تقسّم في مدن البرد والريح صبحا.

"ولاتة" لم تك يوما،

"ولاتة" كانت ستأتي ولم تأت.

"يوسف" خلف "المنارة" خان "ابن عامر" ليلا بــ "باب الدكالة"،

ليلا تعلم من نهدك الليلَ تحت النخيل بأن "ابن تومرت" يأتي،

ولم يتعلم بأن مفازة "بافور" أيضا ستأتي.

10

وفي الأرض منأى،

وفيها على طرقات الظلال الكسيرة نغم الحيارى،

وللهجر حين تكون الظلال على أمد القادمين مع الليل وٌجه يعلمنا الفجر.

صبّ كأسا من الشاي وأخرى من الظل! واشرب الصمت الذي كنتَ!

وقلْ صادحا بالرؤى في سماء العشية قولَ المساءات حين تضيعني بعدما ضاع في الأسر صمتُ النجوم الأخيرهْ :

ليس على أمدي غير لون الرحيل.

11

نعم ألما زمنا ودما...

وعلى ساعديَ أرى بصمات الأفاعي تسطّر أحرفها الهمجيةَ.

قلتُ لـ"يوسف" هي الأفاعي ارتوتْ، وقلتُ الكلاب طغتْ،

وقلتُ له ألفُ عام مضتْ و براري الصحاري تسائل هل تكُ أعرضتَ؟

ألفٌ تنادمني والنخيل،

ومراكشٌ تتورد،

إن "ابن ياسين" يعرف ألفا من الخيل والليل،

"صنهاجةٌ" تتخثر خيلا وليلا، وما جبنتْ ...

جبن الصمغ حين رستْ سفنُ "الروم" عصرا بميناء "هدي".

12

نعم، ومضت في الظهور المغيب أودية تتربع بين العيون الثلاث التي تتفحص في قسمات ارتيابي.

نعم، ثمةَ في ساقيات البروق المرتلة بالهجر، مرّت على أزمني أزمن،

ثمة مرّت عليها دموع الوجود المعذّب في حشرجة الأفق.

ضاعت على قدم التيه أوجههم،

وفيه انتهت أوجهنا،

والمسارات في ملتقى الركب بالركب تذكر سادرة للنجوم أنا أضفنا إلى الشمس والبدر ثالث ألوية الرحل وأنا عن العائدين وعن الراحلين ارتحلنا.

13

وقلتُ ليوسف أعرضْ !

ولم يك أعرضَ،

قلت له لا يكون الرحيل سوى ندم أو سوى ظفر هاهنا وهناك...

هنالك يشرب الأمل الأول ما كتبته السنين الجديدهْ،

هنالك يحمل جمعا يضاربه في سنين انعدام الظلال التي تتكون في عزّها.

لم يكن غائبا ما كَتبْنا على أنجم تتضافر في كلّ ساعاتها،

تتضافر في كل آهاتها،

والسنين التي لم تزل تتألم تذكرنا بعدما رحلت ومضت في في انحناءاتنا،

بعدما سكنت في مطارقنا،

بعدما شهدت أننا رغم كل المراكب نحمل أزمنة لا تَذل.

لا يكون الرحيل سوى ندم، غير أن حنيني إلى بعض ما كتبته السنينُ التي قد تكون يعلمني أننا في الرحيل سسنبصر يوما وجودا.

وما زادني ما أرى غير حب الرحيل.

14

وقلتُ لــ"يوسف" أعرضْ، فقد عقروا الناقة... أعرضْ !

وأعرضتَ بعد ضياع القوافل في "المنكب البرزخي"،

أعرضتَ والأرض تندب يوم رحيل "الصغير" عن الأرض،

إن الهوى قدر...

وكنتُ التقيتُك َ "يوسف" في ظل "قرطبة" قلتُ عدْ!

والتقيتُ بـ"طارق" يعلو "الجزيرة"، قلتُ تراجعْ!

وعدتُ إلى "الكتبية"، تنظرني نظرات الرحيل وتسكتُ : اسأل "بلنسية"!

والتفتُّ إلى "الحضرمي" فقلت :

"أزوغي" اختفتْ،

والكلاب علتْ وطغتْ،

و"الفتى الشاطري" ركب البحر ثم انتهى واختفى،

وعدتُ إلى "الكتبية" حينا تصافحني عتباتُ الزمان التي اهترأتْ.

15

على باب "أغمات" قلت لا"بن خلدون" إن العصائب تنحر الأرض.

وطارت عجائبُ النخل سفرا مع الليل بعد ارتداء العشية.

لا لم يكن أبدا ذكرُها،

إنما قال لها بعضهم قصة في الحنين،

وقال لها بعضُهم إنها قصتي،

فما زارها في المراثي الأبية إلاي،

ما زارها في انمحاء الظهور المعذب إلا السفوحُ التي تتوطن في العجز بعد العشية سترا.

وصليتُ بعد المغيب بركن"النجارين"،

كانت قرون تمرّ عليَ تصلي صلاة البكاء معي، وتسير معي في مسير الرؤى.

أيها الركب صل فقد قرب الوقت...

نعم أيها الركب صل فقد بعد الوقت...

لم نر شايا يُصب مدى البحر،

لم نر حينا هنا في طريق المراكب ظلا.

16

لهذا النخيل صفات المحب الذي لم ير البحر منذ استبد الرحيل...

أ"يوسف" أعرض!

ولم يك أعرضَ.

إن الهوى قدر...

وإن خيولكَ يا"طارق" تعرف أنك توفد شرقا لتقتل جوعا بباب "دمشق".

وتجلس هذه الجميلة في ركن مقهى يُطلّ على البحر،

والبحر يأخذ،

تطفو القوارب والسفن العجمية،

كانت تسمَّى "الثريا" وصارت تسمَّى "ماريا"،

وتنظر في البحر تبكي النخيل الذي قد بقي هناك وتزعم أن "ولادةً أنجبتْ جدها الغجري،

لتنشد أغنية "رولان" حينا وحينا تهيج بكاء على "الغافقي".

17

لهذا النخيل صفات المحب الذي لم ير البحر منذ استبد الرحيل...

أ"يوسف" أعرض!

ولم يك أعرضَ.

إن الهوى قدر...

وإن المسرات تذكر البحر،

تذكر يوم الرحيل إلى قسمات الغروب،

وتذكر يوم الرحيل عن الأرض،

يوم الرحيل إلى الأرض،

يكتبنا النخلُ سرا،

ويعلن أنا انتفينا.

لا ترم في المجاهل غير الثنايا البعيدة...

غير السكون المعظم في قاصرات الدروب...

واركب الليل في سكرات المساء الذي يتخفى هنا وهناك لأسمِعه من ترانيم هذا النخيل قصيد انقلاب الوجود!

هو القادم الفجر في البدء سرا حنينا إلى ظفر لم يكن، وحده سيعلمنا أننا في الرحيل المخضب بالأرض نعلو الظفر.

19

وفي الأرض منأى،

وفيها دروب مع البرق والرعد سادرة في العوالي الأليمة،

فيها دروب مع الحب لا تنتهي،

والذين قضوا سكبوا وجدهم لتكبر في الأرض آحادها،

والذين أعيدوا إلى الأرض في آخر الليل قبل الهزيع الأخير ارتموا في الصدى كي نكون هنا.

صب بعد الرحيل الأخير لنا قدرا آخر! صبه!

صب أحلامنا!

وارم عنا الدموع التي كَتبتْ في الرحيل امحاء مرابعنا!

والفتى الشاطري قلتُ يوما له لا تراقب ضفافا، على الطلح تدرك أوتاره ـ الربعَ ـ فاكتب مع الأرض أوتارها!

20

قاصمة هي،

عالمة بالربيع الذي يتخلى عن الأرض حين يحين الغروب الأخير،

وحين تظللها الشمسُ بعد لظى الليل، بعد انتفاء الحمية في المرتقى،

ينظر القادمون إليها جوى في اجتثاث الطلوع. تحدثك الأرضُ عن قصة القادمين مع الفجر، قبل الرحيل الأخير.

بلى، لا يكون الرحيل عن الأرض بعد اندثار تتمة النخل إلا انتهاء.

بلى.

قال بعض رواة الغرائب :

بعد التلال وجود،

وتحت عروق النخيل أراض.

وقلتُ : هي الصهوات الجميلة تعرف أوتارها.

18 و"بافور" من تك ؟

قد ساءلت نجمةُ نجمة،ً

والكلاب العقورة؟ً

إن الكلابَ العقورة هي العقورةُ.

أما النخيل الظليلٌ فلم يك أصلا.

أيا نجمةٌ سألتْ نجمةً، إنما أمرها مفترى،

كلمةُ أنشئت في الرحيل وزينها البحر ـ حدثت الأرضُ عن أرضها. واسألوا "الحضرمي"!

والعذارى هنالك هل يرتمين بلحم وشحم؟ تسائلني "الكتبية"...

إن العذارى هنالك هنّ بنات التي علَّمتْ "يوسف" العشق يوما هنا، في "الفنا".

هاهنا جنب هذا الرصيف "ابن عامر" قد نزلَ العصرَ عن فرس لم تنم كي يبايع "يوسف"، أَبصرَ نخب الخيانة في حضنها ثم عاد، وما حصحص الحق.

إن الهوى قدر...

"ابن عامر" قد ضاع خلف التلال، وهل يٌعرف ما خلف تلك التلال؟

وأنظر في" الكتبية"،

تنظرني نظرات الرحيل،

وتسكتُ،

نسكتُ،

نمضغ هذي البراري التي لا ترى،

والزمان يسافحنا.

والقوافل بين" مراكش" و"الصمارة" تاهت لأن الزمان يسافحنا،

والسماوات كلا مضت من هناك لأن الأراضي تسافحنا،

ولأن الظلال التي قد فقدنا رمت في الضَياع ظلالا تسافحنا،

ولأن المسافات تزداد في كل ظل وتأتي تسافحنا،

ولأن السنين التي تتهادى على كل وجه يرى هضبتي "إج" أيضا تسافحنا.

21

في ظلام الليالي التي تتدافع بين أنين "أزوغي" وسجن "ولاتة" تبدو الطرائق سرا يعلمني التيه في نظرات الهضاب التي قد نأت وبقيت هناك.

هنالك في هضبتي "إجٍ" تأتي القصائد من "تيرسٍ" بعدما حضرتْ جمع شاي يغازله الفول في ضفة "السنغال".

وتمضي ليحبل نجمٌ يرافقها نحو زيتونة خلف "أم الربيع".

وتمضي تحن إلى زمن سوف يولد يوما على عتبات المحال الذي أنجبتْ في الخريف الأخير الذي قد قضت بجزيرة "تدره"،

لتعرف أن "ابن ياسين" كان وأن الهضاب تكون.

22 وفي الأرض منأى...

وفيها مراسي الهضاب التي ترتوي برحيق الليالي التي تتقدم تنجب أيامنا القادمه.

ولها في ظلال المسيرة أن تكتب الأنجم العمْر في كل ركن ثوى،

ولها موسم تتغنى به المعجزات الأليمة حرفا على أحرف رسمتْ محنتي،

ولها ذكريات الرحيل.

لها مالنا.

أفمن كان يوم انتحوا ناحية،

وقضوا ثانية،

أين كانوا، وأين قضوا؟

أيها القادم الفرد كن معهم!

واسر على أثر الراحلين!

فإن المراكب مهما تطاولت الطرقات السحيقة لن تستقيل.

سيأتي مع الأزمنهْ.

وجودُ قد انبتّ في ملتقى البحر والنهر، عهدا سحيقا، عن الأزمنة.

إنه ألأول اليومُ في الهجرة القادمهْ.

23

وقلت لـ"يوسف" إنك بالبحر ملتحف، وأمامك بحر،

وراءك بحر،

و"قرطبة" سقطتْ في غرام الرحيل،

وقلتُ لـ"يوسف" إن "النمادي" قد عشقوا الشمس، ضوءَ النجوم،

ونغمَ المسير،

ولونَ البحار، يحبون وقت الرحيل الربابا.

وقلتُ لـ "يوسف" إن العجوز بأبنائها هربتْ بعد ما تركوا في "البرانس" آخر حصن. مضوا، من حدائق "اشبيليةٍ" عبروا،

ثم شقوا الهضاب إلى "كدية الجلد"،

حتى يغنوا على وتر لم يعلمه "زريابُ" لـ"لأندلس".

24

ويسأل "يوسف" عن "تشلةٍ"،

عن خزائن أرض تتالت عليها السنين العجاف.

يسائلني هل بكتْ "كدية الجلد" بعد رحيل مدينة "غرناطةٍ" نحو "فاسَ" و"مكناسةٍ"،

قلتُ : سرٌ، وقلتُ: الضفاف البعيدة سرٌّ،

وقلتُ: النخيلُ الذي لا يظلّلُ عربان "حسان" سرّ،

وزيتون "مكناسةٍ" في حديث "ابن رازك" سر،

أيرقصُ هذا العجوز أمام الطبول التي ضُربت حوله أم يجود سورة "طه"؟

ـ لقد عقرواالناقة فارحل إلى أزواد!

هو السرّ ... قال لهم "يوسف" : السجن أحب إلي.

25

للنخيل هنا عاشقان،

الأصيل وأنتِ.

أ"يوسف" أعرض!

ولم يك أعرض حتى قضوا.

وأبوابها،"الكتبية"، تحسِبني كـ"ابن عامر" أنزل عن فرسي.

و"ابن عامر"؟

تسألني "الكتبية".

إن "ولاتة"، "وادان"، "شنقيط"، أسماء سيدة عشقته،

ومات فماتتْ.

"أزوغي" ! تسائلني "الكتبية"!

ماتت.

26

لم يك الليل من بعدُ صمتا،

ولم يك الظل من بعدُ أرضا،

و لا النخل لم يك يوما مواطن للنهْل في قربات التتالي ـ المذلة.

في الأرض منأى،

وفيها وقفنٌ على مرتدى العمر يكتبن ذل العشية،

ينظرْن في الأفُق القسر،

لا تستدير الرحى بعدهم،

والأناة إليهم على بعدها في ثنايا المُضي، في الضنى والرؤى،

في ركون العشية ينثرها الجهد،

تبدو على سدرتيها كمن وقفت في صلاة المدارة بعد ارتهان الورود إلى سافرات المسجَى الظليل الذي يتداعى على آية الفجر، يكتبها في مساءاتها أو يعلمها أنها في مراتبها راحلةٌ في التعالي مع الفجر، في قدح المنسيات التي تتفجر من صبحها بالسديم المضرج بي.

نبرات التناجي معي في المرافد تروي رحيق الغداة

، وتبكي مع النهر في جنح المتناثر الوجه بعد الهزيع.

لم يك "ابن عباد" يعرف أن "أغمات" لا تتذكر الصبح،

وأن مطارح "قرطبة" في دموع العذارى تردد أن الهضاب تكون.

27

فرَسان يجران عند الهزيع الأخير بساحة جامع هذا "الفنا" عربه،

وسيدتان بها تجلسان على عجله، حفيدة "يوسف"،

أخرى بجدتها عاد جيش "الزلاقة"، والجد هاجر بعد سقوط مدينة "غرناطة" نحو"فاس"،

ومر هنا ثم هاجمه الحب...

يا أيها النخل ليس لزيتون حقل "المنارة" غيرك...

إن الهوى قدر...

وصافحتُ في كل زيتونة دمعة،

والتفتُّ إلى بركة حقل "المنارة" تنظر زيتونها والنخيل،

وتبصر وجهي:

وجها تخثر بين النخيل،

ووجها تناثر خلف الرحيل،

ووجهاي في نظرات "ابن عامر" مرا أمام السكاكين تعلو "ولاتة" بعد الهزيع الأخير ... و"أغمات" تنظر،

قالت: ألا بلّغنه "بني مالك" فليس لك اليوم غيرُ الرحيل...

وقالت لـ"مالك" : منهن أمك، منهن أخرى... وقالت : أيا "مالك" أبصر الأرض فالأرض ترحل عن أرضها.

والتفتُّ إلى النخل يبكي،

وصافحته نخلة، نخلة،

فقال لي النخلُ إن الهضاب تكون.

28

وفي الأرض منأى

وفيها على طرقات الظلال الكسيرة نغم الحيارى.

وفي مرتقاي على سفر الظل شجو أيوب وآلام ... شجوي.

لأ تقم إن يكن في الظلال له الاسم فهو المخضرم في طرقات المرايا العديمة... هي الأرض إذا زلزلت،

بعدما غدرت في العشي... هي الأرض...

أخرجت الأرض أثقالها.

لا تظللهم في العشي مدائنهم، فلا الظل ظلك.

ليس مع الأرض غير الرحيل، وغير الرؤى القحط مرْسلة في مداها.

يسائلني الذل في ربى الأرض من بعدما رحلت،

ومن بعدما سكنت،

في أقاصي العشية،

حين يحين الرحيل المظلل بالشجو.

قلت : نعم، إن الهضاب تكون.

29

لهذا النخيل صفات المحب الذي لم ير البحر منذ استبد الرحيل،

أ"يوسف" أعرض، ولم يك أعرض.

إني شربت الذي ...

لم يكن،

ونظرتُ إلى جانبي الذين بقيا معي في مقام الضنى، لا يظللني أمل: عن يميني أرى متحفا من هزائم قومي، التي قد مضت، والتي قد دنت، والتي... وشمالي هزائم نفسي، التي قد مضت، والتي قد دنت، والتي ....

30

ويسألني "ابن عباد" عن سجون الصحارى، عن قوافل كانت تسير هنالك بين "ولاتة" و"أغمات"،

يسألني عن مذاق العشي على شرفات المدائن في الأمل الرمل،

يسألني عن مطارح صنهاجة وعن المسك : هل طمر الرحل أحرفه في المجابات؟

ويسألني والمراسي العتيقة تُخرج ما حجبتْه السنين بيوم "المحلة" ،

قلت لـ "ابن عباد" : إن "ابن ياسين" كان وإن الهضاب تكون.

31

في أغاني المساء التي ليس عندي سواها، أناظر نفسي، وأبحث عن ظل نبع يناظرنا...

32

طارقة هي والصبح ينثر في العبرات اكتمال النجوم.

33

للمضي إلى سادرات العوالي أناظر مرقد "الحضرمي" لتتركنا العتمات في الهجر. صب كأسا من الشاي وأخرى...

هنا، هاهنا لا يلينا سوى الدم، لا، لا يلينا مع الركب غير المراثي التي مات عنها الرواة...

صب كأسا من الشاي وأخرى...

وانثر لنا ولهم في المدائن نعناعة تتمثل شعر "ابن زيدون" عجْبا بسر الذين قضوا نحبهم هاهنا وهناك.

صب كأسا من الشاي وأخرى من الظل واختر على عجل حفرة من الأرض فلم يبق بعد الرحيل سوانا.

34

وأبصرتُ في لون كأسي نخيلا يراقصني

عندما

يختفي في السراب الذي قد بنينا لنا سكنا، سكنا.

35

وقلت ليوسف إن المطارق في الفجر تنتظر الذكريات،

قلتُ له إنما يلتقي الفجرُ بالقادمين،

وفي الفجر تلتهب الذكرياتُ.

وقلتُ لـ"يوسف" إن المراكب في البحر تعرف الجهد، إن المدائن بعد الرحيل تعم السواري التي قد تراءى لها الشجو وقت اندلاع الربابة.

طارقة أنتِ، قادمة والمدى يرسم بالأمس في نظرات العلو عن الأرض ما بي من الشجو...

قَسمْ مرابع أحلامنا!

قَسم الأفق على طالبي الدرب!

واعطهم ما لنا من بكاء الربابة، إن الهضاب تكون.

36

لا أرى في التلال التي تتقدم نحوي هنا موطئا،

لا أرى في الظلال التي قد نصبنا هنا نفسا،

لا أرى في ضجيج الذئاب التي تتنادى هنا وطنا،

لا أرى في عيون التماسيح مهما تباكت دموعا.

37

إلى أرضنا يوم تولد أبعث ألف سلام،

وأبعثه قمرا آخر،

أبعث ما قد بقي من الفجر،

أسأل كيف نعيد رفاقي الذين أضاعت رمال الصحارى؟

38

و"بافور" قالت إذا ما...

فقلتُ:

إذا ما هدمنا السراب،

إذا ما نكسنا الظلال،

إذا ما نفينا الذئاب،

إذا ما طردنا التماسيح،

كيف نعيد رضيعا قضى،

وصغارا قضوا،

وورودا قضت؟

وقضى لم شمل الثكالى.

وكيف نعيد رفاقي الذين أضاعت رمال الصحارى؟

39

وتنظرني "كدية الجلد" في سمح الليل،

تلحفني في ارتماء المرتل من ذكريات التناهي...

لنا في الأعالي مطارحُنا الممتلاة من العدم الفجر.

ما زال للنخل بعض الحنين،

وما زال في النخل بعضٌ من الفجر، ما زال في النخل وجهي.

ولا ينظر الصمتُ بعد الرحيل سوى ألم قد تعلم أن المراكب تجمع بالأمس يومي وتكتبه في مداراته،

في مغاراته،

في معالم لا تتدثر بالصمت.

قيل لنا : أيها الراحلون ارحلوا عن تمادي البلية. لا تتركوا النخل! خذوا نخلكم معكم! وخذوا تمركم معكم! وخذوا بئركم معكم! واحملوا معكم أرضكم في الخطى المترامية في الليل سرا! كنوا مثلما أنتمو! مثلما تنتهي سيرة الشيح في رتب لا ترى، وعلى موطئ لا يرى، وفي قصة لم تكن.

40

منذ عهد تحدثني سادرات العوالي، تقول : سترتجف الأرض قبل اصطفاف البروج، تقول : ستبحث عن آخر الفجر،

عن آخر الجرح من بعدما قد تنبأ بالفجر بين البراري التي سقطت من عقود.

صب كونا على جبل الموت حتى نرى ما روته الجراح الطليقة عن أرضها الراحلة! صب كونا ليملأ كأس المراسي الطليقة!

صبني قطرة قطرة علني ارتدي بعدما رحلوا قاصرات اللحون الجميلة،

عل البيوت التي قد بقيت هنا في انحناء الرؤى تتذكر صوتي...

وعل حروفي التي مزقوها تخبئ وجهي الذي قد تركتُ لهم في الرحيل المخضب بي!

لا تصافح مراقد أحلامنا! فالكواسر في الأرض تأكل أوراقها بعدما ذبلتْ. والكواسر تطمر أشجارنا التي اعتصمت. والغضون الأبية في جزر الحيف تسكن آبارها التي طُمِرتْ.

عندهم جزع،

ولهم رجع،

ولنا وجع...

لا يكون ظهور السلو مع الفجر إلاي.

إن ارتماء الأفول مع الليل لا يرتقي في انحناء المتاهة.

ثمة في البحر لا تستطيع البروج البعيدة أن تتلمس الليلَ إلا اقتفاء للون الغروب.

اشرب الدمع وامض ففي الأرض منأى...

وفي الأرض، في قاصيات الأراضي الغضونُ الأبية تغرس في الأرض أحلامها باالعوالي التي احترقتْ.

41

وظنوا كما ظنت الأرض أنا سنطمر تحت الرحيل.

وقلنا لهم سنعود إليكم نردد قصة هجرتنا القادمهْ.

والرمال التي تتماثل ثمة تعرف أن الليالي ستكتُب ظلا بديعا ولكنها قد تطيل الرحيل.

تقول : وموعدنا الصبح.

إن معي القادمُ الصبحُ يعرف ذكرى الظلال البديعة،

يعرف وجها ينادي هنا عل يوما سيحضر رحلتنا القادمة.

ضاربة بعدما خرجوا،

واقفة في دروب الفناء المرتل، والأفق الفرد يعرف أنا نكون.

42

إن رفاقي القدامى الذين أضاعت رمال الصحارى يرون مصايف "بافور"، قالوا لـ"بافور" إن الكؤوس التي قد صببتم لكم، والقصور لكم،

والبطون لكم،

والكنوز لكم،

والمقابر من حولكم،

والغيوم العقيمة جهرا تظللكم،

والأفاعي تراقصكم، ولكم ما لكم،

وقالوا لـ"بافور" إن الرحيل لنا...

والدموع لنا،

والعصافير أيضا لنا،

والحقول لنا،

والنخيل الظليل لنا،

وصهيل الخيول لنا،

والحمام الذي قد طردتم سيبقى لنا، والتلال الجميلة تبقى لنا،

والهوى والجوى والبراري جميعا لنا...

هي الأرض لله يورثها من يشاء...

نعم ألما زمنا ودما،

والجراح ستسقي البراري دما.


باريس - مراكش،(..)


لمشاهدة المصدر

 

 

__________________

 


لم يكتشف الطغاة بعد سلاسل تكبل العقول... اللورد توماس

نوره عبدالرحمن "سما" غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الدم, الزمن, قصيدة


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
طلب: مسلسل جرح الزمن الفارس الـقاعـة الـكـبرى ( الفن والإعلام ) 2 30-09-2010 10:25 PM
كل ما تريد معرفته عن ضغط الدم أبو غادة القاعة الكبرى ( القضايا العامة وملتقى الاعضاء ) 6 10-01-2010 03:38 AM
فصيلة الدم o أبو غادة القاعة الكبرى ( القضايا العامة وملتقى الاعضاء ) 4 27-11-2009 01:57 AM
فقر الدم أبو غادة القاعة الكبرى ( القضايا العامة وملتقى الاعضاء ) 6 19-11-2009 06:05 PM
تكفون نبي الحل بسرعة فتى بجيلة القاعة الكبرى ( القضايا العامة وملتقى الاعضاء ) 2 24-01-2009 08:35 PM


الساعة الآن 02:19 AM


طلب تنشيط العضوية - هل نسيت كلمة المرور؟
الآراء والمشاركات المدونة بالشبكة تمثل وجهة نظر صاحبها
7 9 244 247 267 268 269 270 271 272 273 274 275 276 277 278 279 280 281 282 283 284 285 286 287 289 290 291 292