شبكة الدراما والمسرح الكويتية الخليجية > القاعات العامة والإدارية > القاعة الكبرى ( القضايا العامة وملتقى الاعضاء ) > د.صلاح الراشد: وثيقة إلامَ ندعو؟
 
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 16-07-2010, 03:04 PM   #1 (permalink)
خبيرة في التنمية البشرية
 
 العــضوية: 5529
تاريخ التسجيل: 17/09/2009
المشاركات: 3,872
الـجــنــس: أنثى

افتراضي د.صلاح الراشد: وثيقة إلامَ ندعو؟


د.صلاح الراشد: وثيقة إلامَ ندعو؟



ما الذي ندعو إليه في منهجية الفكر الإيجابي والتنويري الذي يجمع بين الأصالة والحداثة؟
هل لوضوح الرسالة عند الإنسان أثر في حياته وفي بيئته؟
لماذا لا نرد باستمرار على المعارضين للفكر الإيجابي المعاصر؟
لماذا لا نوضح الأمور المبهمة للناس؟
ما الذي نقصده بالفكر الإيجابي المعاصر؟
وهل من وثيقة مختصرة لدعوته؟ وما الذي تحتويه؟
هذا ما سنجيب عليه هنا بإذن الله .. وقد كنت كتبت هذا الكلام من سنتين أو أكثر وأجريت عليه بعض التعديلات والإضافات هنا:

* مقدمة في الرد على المعارضين الآخرين:

بادئ بذي بدء أود أن أقول أن هناك كثيرين أرسلوا لي عبر الرسائل والبريد الإلكتروني حول موضوع الرد على من يكتبون ضد ما نتحدث عنه من منهج في تعليم فنون العيش في حياة طيبة وسعيدة، وأود أن أفيد قرائنا الأكارم بالتالي:

(1) ليست من سياستي الرد على كل شخص:
فكثير من الردود تأتي من أشخاص متحمسين لإثبات ذواتهم من خلال التعبير بالسلب حيث يجذبون من خلاله الاهتمام من الآخرين، وقد كنت تحدثت عن هذا الموضوع بالتفصيل في برنامجي الإذاعي اليومي السابق في الكويت "ثورة إيجابية" وعلى مدى قرابة ستين حلقة، وهي مسجلة على سي دي وتوزع مجاناً، وهي في الطاقة، وتتحدث عن حاجة الناس لها وكيف يجذبونها في أغلب الأحوال من طرق خاطئة.
كلنا يحتاج إلى الاهتمام؛ فالاهتمام حاجة رئيسة لدى الإنسان، وأغلب الناس يجذب الاهتمام من خلال سلبه غصباً من الآخرين سواء بالعنف (intimidation) أو بالنقد (Interrogation) أو بالغموض والتحفظ (Aloof) أو بالمسكنة (Victimization). إن هذه الأساليب الأربعة الشهيرة؛ فمنهم من يفجر ويقتل ويسرق ويشتم ويقاتل ويحارب لا لسبب روحاني بل فقط ليجذب الاهتمام له، كما في الحديث "ليقال" أي ليقال مجاهد أو حفظ القرآن أو تمشيخ أو أنه ناقد أو عارف أو دافع عن الدين أو القيم .. ومنهم من يتصدى للنقد لا لشيء سوى ليُعرف أنه ناقد وعارف، ومثال لذلك من أنتقد مشاهير مثل بعض المتواضعين جداً في العلم، الذين ألفوا مؤلفات متواضعة المحتوى قوية الألفاظ في د. طارق السويدان أو الشيخ عمرو خالد أو الشيخ عادل الكلباني أو د. أحمد الغامدي أو د. عبدالمحسن العبيكان أو غيره من العلماء والدعاة والمفكرين البارزين، وهذا الصنف الثاني يشكل الجزء الأكبر لمن تصدى للنقد لما نكتبه أو نقوله، رغم قلتهم بالمقارنة مع المحبين والإيجابيين اليوم. ونقول أن الرد على هؤلاء ينمي جانب الخطأ عندهم بالتمادي في الخطأ والإصرار على هذا المنهج المتسلط على آراء الناس بحجة أنها حماية للدين والمفاهيم والعادات وغيرها؛ وهو منهج تبناه صاحب كل بدعة وغلو في التاريخ، وأبرزهم الخوارج الذين يأخذون من الدين ما كان أحد غيرهم يأخذه، ويجادلون بما لا يستطيع أحد مجادلتهم حتى أن عبدالله بن عباس، رضي الله عنهما، رفض مجادلتهم بالقرآن، رغم أنه ترجمان القرآن الكريم وأفهم الناس فيه في عصره، لمعرفته أنهم أصحاب جدل لا يُبارزون فيه!

(2) النقاشات غير المجدية: ما تطرحه بعض المقالات والكتابات والمنتديات في الجرائد والإنترنت حول مقالاتنا ولقاءاتنا وأفكارنا بالذات تلك المتعلقة في توسيع خيارات البشر وتعليم فنون التنمية الذاتية ينم على ضحالة الكتاب والمشاركين والمعدين في تلك المنتديات المجلات والجرائد الأكارم، ولقلة الممارسة في مفهوم قبول الرأي الآخر ومعاني الديمقراطية الحقيقية؛ رغم أننا لا نشك في حسن نواياهم، ولقد كتبت أكثر من مرة رداً تفصيلياً أو عاماً أبين ذلك؛ بيد أن تلك النقاشات لا تفيد أحداً فهي مبنية على أساس خاطئ أصلاً، وهو التشهير بظاهرة أو فكر أو شخص. أقول هذا الكلام رغم أني أوافق على كثير مما يكتب عن ممارسي هذه الفنون والعلوم، والداعين لها، والمتصدرين حالياً لتعليم هذه المفاهيم. فممارسو هذه الفنون أعطوا صورة غير جيدة عن هذه الفنون، فأختلفوا على بعضهم وتناحروا، وأدعوا على بعض الدعاوى، وصار أحدهم يرد الآخر بحجة أن هذا شهاداته مجروحة والآخر ممارساته خاطئة، وغيرها، فخالفوا قواعد وأسس هذا العلم، فهم كبعض مشايخ الدين يدعون للتسامح والمحبة وهم أبعد ما يكونون عن هذه المعاني؛ فهم يتراشقون مع الآخرين تارة بالتخطيأ وتارة بالتفسيق وتارة بالاتهامات وتارة بالنقد الحاد، فيسيئون إلى الدين أكثر من لو أنهم سكتوا، وتنطبق عليهم قاعدة "سد الذرائع" و"درء المفاسد"، فإنهم بطريقتهم تلك ينفرون الناس ويفرقون الجماعة وينشرون الكراهية ويدعون للاتهامات، فسكوتهم يكون أولى من كلامهم وإنكارهم، سداً للذريعة. وأي شيء أعظم من تفريق الهمم وإفساد ذات البين؛ وفي الحديث "إياكم وسوء ذات البين؛ فأنها الحالقة" (رواه الترمذي ص. ج. ص. 2683)، والحالقة أي المهلكة والجازة، وذكر في أحاديث صحيحة أنها تحلق الدين أي أخلاقياته وممارساته، وفي الحديث أيضاً: "إياكم والظن؛ فإن الظن أكذب الحديث، ولا تجسسوا، ولا تحسسوا، ولا تنافسوا، ولا تحاسدوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخواناً" (ص. ج. ص. 2679). وهذه دعوات تفرقة باسم الدين وحماية الدين، وأكيداً لو تركوا الدين ما ضاع؛ فالله خير حافظاً وهو أرحم الراحمين، وهو المتكفل بحفظ دينه، يقول: (إِنَّا نَحْنُ نَـزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) (الحجر/9). والقصد أن هذه الردود والنقاشات هي فقط للذين صدق فيهم الحديث: "ما ترك قوم العمل إلا أتوا الجدل" فهؤلاء – هداهم الله - رضوا لأنفسهم أن يكونوا مع الجدليين.

(3) تزاحم الأولويات: قلنا أن هؤلاء أكثرهم ممن رضوا أن يكونوا من الجدليين، وهذا يعني أن أعمالهم في الحياة هي تبيين أخطاء البشر ومناقشة أفكارهم والتصدي لنجاحاتهم وتطورهم، وأن النقاشات في تلك البيئات لا تأتي بثمرات، ومع ذلك فإننا، وغيرنا، مزحومون في محيط كبير من الأهداف لا يمكن تحقيقها جميعاً، ويجب تحديد الأولويات فيها، فإن نحن أعطينا من الوقت في كل مرة كماً خسرنا الكثير من الوقت وضاعت بذلك الكثير من الأهداف التي قد تنفع ملايين الناس؛ لذلك رفعنا هذا الأمر عن أولوياتنا، وارتضينا بمن هم يحبوننا ويتبنون هذا المنهج، ولو كانوا خمسة أشخاص فبركة ونعمة، فكيف وهم بفضل الله عشرات الآلآف بل مئات الآلآف بل ملايين ممن يقرأون لنا ويسمعون، ونرى أثرهم يسري في الأرض. وأنا أتحدث بصيغة الجماعة لأني واحد من مجموعة كبيرة في وطننا العربي الجميل، وعالمنا العظيم في الأرض، نسعى لنشر المحبة والسلام وأسس النجاح والسعادة وطرق التعلم والتنوير، لنا ولغيرنا. ويجب علينا، نحن الذين اختاروا هذا الطريق، ألا نضيع الأوقات والجهود والطاقات في أولئك الذي ارتضوا لأنفسهم الاستمرار في الصراعات، وعلى قاعدتنا: "كل صراع في الخارج هو انعكاس لما في الداخل". وحقاً إنها لأولوية أن يصلح أولئك ما في الداخل أولاً ويحسموا صراعاتهم، ثم أننا مثلهم نسعى لإصلاح ما في الداخل، مجتهدون نخطأ ونصيب، ونأمل أن نكون مصيبيين أكثر من أن نكون مخطئين. ونعتقد أن كل إنسان ليس له معارضون فهو غير مؤثر؛ لأن من سنن الله في الكون أن هناك طاقات سلبية تلاحق الطاقات الإيجابية! ولك في الشيخ عادل الكلباني المثل. فهذا الشيخ في السعودية كابن تيمية في الشام! ذاك سجنوه بسبب فتواه في الطلاق المشهورة (لا يرى الطلاق يقع أكثر من طلقة واحدة إلا بمراجعة)، ولو أردت أن تعرف اعتراضاتهم في عصر بن تيمية - رحمه الله - فادخل في موقع الشيخ الكلباني لتجدها صورة من طبق الأصل (خالف الإجماع، وخالف الجماعة، وأفسد في الدين، وخرج عن الأئمة الأربعة، وفرق كلمة الدين، وشجع العوام من الناس، وأغوته الدنيا .. الخ). ولقد حاربوه حتى سجنوه وطالبوا بجلده وسجنه ونفيه، وألبوا ضده الحاكم في مصر، فقال كلمته الشهيرة: "ماذا يصنع أعدائي بي: إن قتلوني فقتلي شهادة، وإن سجنوني فسجني خلوة، وإن نفوني فنفي سياحة، ماذا يصنع أعدائي بي؟ أنا جنتي في قلبي، وقلبي بيد ربي". ماذا يصنع أعداء الكلباني والعبيكان والغامدي والسويدان بهم، هؤلاء أحرار ليسوا عبيد مشايخ ولا أتباع عميان ولا إمعات، هؤلاء يقولون بلا خوف، ولا يخافون في الله لومة لائم. الواحد منهم بمليون مقلد متعصب، بعشرة ملايين شيخ أفنى عمره في سب الناس والمجتهدين والطوائف والأديان، ما صنع باسم الدين سوى الكراهية، كأن الله، والعياذ بالله مما يقولون ويزعمون، غاضب طوال الوقت.

كان لابد من هذه الكلمة لتوجيه النفوس؛ فالبعض يطالب وبإلحاح على الرد بحجة أن هذا قد يثبت الخطأ ويغرر بكثيرين آخرين وردي أيضاً أننا لا نهدي أحداً ولا نغير شخصاً ولا ننتهج هذا المنهج، فكل من قرأ لنا وأحب أفكارنا وعمل بنهجنا فالله يبارك في عمره وحياته وأعماله وأقواله، وكل من سلك طريقاً آخر رأى فيه أن طريقنا خاطئ، فالله يبارك في عمره وحياته وأعماله وأقواله، وكل من تصدى لنا وجعل منهج حياته تتبع عوراتنا وأخطائنا وأفكارنا، فالله يبارك فيه ويصحح مساره ونواياه ويهديه، وكل من لم يأبه لما نقوله فلا هو يوافقنا ولا هو يخالفنا، فالله يعوضه خيراً من كلامنا، وما زعمنا يوماً أن منهجنا الوحيد هو المنهج الرشيد؛ بل أننا نؤمن ونقر بأن للحقيقة وجوه كثيرة وفي العالم بدائل غزيرة وفي الكون إتساع كبير .. ونحن في مفاهيمنا خيار من ملايين الخيارات ..


*** إلامَ ندعو؟ ***


* الحب ونشر السعادة:


نحن ندعو الناس جميعاً إلى المحبة، وصلب وأسس المحبة في القبول. وقد سئلت مراراً عن مسألة المحبة والمعصية، وأجبت مراراً بأن اجتماع الأثنتين وارد؛ كما في حديث عياض بن حمار رضي الله عنه الذي جُلد لشربه فشتمه أحد الصحابة فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم وأخبرهم بأنه رجل يحب الله ورسوله! فاجتعمت بهذه المقولة المحبة ووجود المعصية، بل قد تجد من تراه ملتزماً بالدين وليس في قلبه محبة حقيقية لله ورسوله؛ وقد يكون لا يكاد يعصي الله ألبته! ودليل ذلك – برأيي- أن تنظر في قبوله فإن كان حسن الخلق، فهي ثمرات المحبة وإن كان ممن يكثر متابعة الناس وتصنيفهم والحكم عليهم وتتبع عوراتهم فإنه قد يكون له في الدين مصلحة، مثل الرفقة أو الجاه أو الشهرة أو المال أو غير ذلك. ومع أن هذا الاستثناء، إذ الأصل أن المحب مطيع لمن يحب، لكن انتفت مقولة "تعصي الإلهَ وأنت تزعم حبَه، هذا لعمري في القياس شنيعُ"، بل وارد، ولا قياس مع وجود النص. وهي مقولة يرددها المقلدون في محاضراتهم، فيكره العصاةُ اللهَ ودينه بظن أن الله يكرههم. إن الله يحب الطائعين ويحب المذنبين من عباده، فكلهم عباده وكلهم عياله.
ونحن ندعو إلى حب الناس ونشر السعادة، ندعو إلى أحب الأعمال إلى الله، وهو "سرور تدخله في قلب مسلم"، وغير مسلم، وفي الحديث: "إن أحبكم إلي وأقربكم مني في الآخرة مجالس أحاسنكم خلقاً، وإن أبغضكم إلي وأبعدكم مني في الآخرة أسوؤكم أخلاقاً، الثرثارون والمتفيهقون والمتشدقون" (ص ج ص 1535) أي المتوسعون في الكلام باجتراء ومن غير احتياط كما ذكر ابن الأثير – رحمه الله. وهذا الصنف الثاني يكثر في النت، فتحذر منهم، فالنبي صلى الله عليه أخبر عن صفاتهم تلك في أحاديث مستفيضة، ذكرتها في خواطر ومقالات كثيرة في الفيس بوك (http://www.facebook.com/ssalrashed).

* الوعي والتنوير:

وندعو للوعي والفكر المتنور، والوعي أن تعيش الحقيقة، والحقيقة ليست في الزمن (الماضي والمستقبل)، الحقيقة أن تعيش لحظتك، تعي ما تريد وما تفعل وما تقول وما تفكر. عكس الوعي أن تعيش أكذوية المستقبل والوعود والتوقعات ومجد الماضي والتأنيب والتقصير والحسرة .. ندعو إلى التخطيط للمستقبل والاستفادة والبناء على الماضي، لكن من خلال عيش الحاضر. ندعو إلى عمل كل شيء بوعي، ألا ترتضي الغش، ألا تشتري القناعات من الآخرين دون تمحيص، وبحث، فهي حياتك وأنت أولى بها. والتنوير هو أن تعرف رسالتك الخاصة في الحياة، ولا تسمح لأحد أن يحددها لك، اكتشفها أنت، أنت هنا من أجل رسالة خاصة اخترتها قبل أن تأتي للحياة، والحياة في هذا الكون الواسع رائعة ومعجزة وعوالم من الحركة، الحقيقة فيها حاضرة، لا تعرف ماضياً ولا مستقبلاً، تعمل وفق تفاعلات دقيقة مستمرة في اللحظة، وأنت جزء من هذه العوالم تؤثر وتتأثر فيها، وأنت اخترت رسالتك في هذا الوجود ومن قبل، ربما من ملايين السنين، ربما قبل الزمن!، قال تعالى: (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ) (الأعراف/172). إن هذه الحادثة حصلت حقيقة، وأنت قلت: بلى. بلى على ماذا؟ على أنفسهم، وعلى أن الله ربهم. أشهدهم وشهدهم، فجاء كل إنسان ليخدم رسالة معينة. أنت لست حزباً ولا وطناً ولا جماعة ولا وهماً يبيعه لك سياسي أو رجل دين أو مادي .. أنت جزء من كل، تتأثر بهذا الكل، وتؤثر فيه.
وندعو إلا أن القدر تفاعلي (interactive) وليس ثابت (static)، ليست المسائل فيه "قسمة ونصيب"، و"ضربة حظ"، بل أنت تصنع قدرك بنفسك، وهو دائم التغير، لذا لا يمكن أن يدرك الغيب أحد أبداً، سوى الله سبحانه الذي يدرك فك شبكة الاحتمالات الممكنة، ولا أحد يستطيع ذلك، ولا جهاز يمكن أن يصل لذلك، فالاحتمالات الممكنة للإنسان بالمليارات، وهي في كل ثانية، بل في كل فانتوم (جزء من الثانية) فلا مجال ألبته لمعرفة الغيب. والقدر المكتوب عموماً يمكن تغييره من خلال الفكرة والأعمال والنوايا، وفي اللحظة فقط، ورب نية طارت في تشييد حضارة، ورب عمل كصلة رحم أو صناعة معروف أو بر خيري يرد قضاء أو أمراً مقدراً. والقدر من التقدير وليس من الحتمية، ومن قال بحتمية القدر فقد عطل الحكمة في الوجود، ووصف الله بما لا يليق به، بل القدر تقدير وفق تفاعلات مختلفة تتكون في اللحظة.
والسر في التركيز على اللحظة، ولو أنشأنا مجتمعاً يعيش لحظته بوعي، فلا يمكن أن يكون هذا المجتمع إلا سعيداً وناجحاً وصحياً، ولا يمكن أن يُغتصب هذا المجتمع أو يتم غزوه أو نفيه أو تفكيكه. وتستطيع أن تهزم جيشاً عرمرم ودولة عظمى بلا وعي، ولكنك لا تستطيع أن تهزم شخصاً واحداً واعياً. إن الشيوعية سقطت في السوفييت والبعثية في العراق والنازية في ألمانيا، وشمخ رجل أسود عاش أكثر من عشرين سنة في زنزانته فأسقط العنصرية في جنوب أفريقيا دون أن يشهر سلاحاً، وخرج رجل واعي مسلم كان يكتب عن حرية المرأة من زنزانة الصرب أكثر من عشرين عاماً أيضاً ليقود دولة حضارية مسلمة في قلب أوربا.
ندعو إلى أن تكون شعوبنا واعية ومنتبهة ويقظة، تدرك لحظتها، وتعرف قدرتها، وتحدد مسارها، وتعي مرحلتها. إن الوعي سيد الموقف في التغيير. إن لحظة وعي في بقعة في الجزيرة العربية في القرن السابع ميلادي غيرت البشرية إلى الأبد لما خرج رجل واعي، خلى بنفسه لحظات، فراسلته السماء، فوعى دوره، فغير الدنيا. إنها لحظة وعي في حكم الرئيس توماس جيفرسون لما كتب (Declaration of Independence) وثيقة الاستقلال، التي استقى من خطبة الوداع للنبي صلى الله عليه وسلم خطوطها العريضة، واعترف بذلك، وصنع تمثالاً موجود اليوم في المحكمة الدستوية العليا (Higher Supreme Court) في الولايات المتحدة في واشنطن كتب تحته "الفيلسوف محمد". إن لحظة وعي كاملة وحقيقية واحدة في حياتك قد تغير نفسك وتحدث تغييراً في آخرين إلى الأبد. المهم أن تستقيظ من هذا السبات المستمر جيلاً بعد جيل. إننا نؤمن بأن كل إنسان يملك ما يملكه جيفرسون أو مانديلا أو علي عزت بيغوفيتش أو غيرهم فقط لو أنار قلبه وعاش بوعي. وندعو للتخلص من الإيجو الذي هو (self-sabotage) تدمير ذاتي مستمر للإنسان ولغيره. والإيجو أوسع أبواب شياطين الأنس والجن. والأكثر إيجو الأكثر جهلاً، ولو كان يعتقد أنه ذكي، بل كل شخص مبتلى بالإيجو يعتقد أنه ذكي! (لمعلومات أكثر عن الإيجو وتعريفه http://www.facebook.com/note.php?note_id=306187215628).

* توسيع خيارات البشر:

وندعو إلى توسيع خيارات البشر. والأمم المتحدة تبنت تعريف السيد محبوب الحق للتنمية البشرية بأنها "توسيع خيارات البشر". وأي دعوة لتقليص الخيارات للبشر والحد منها دعوة مؤذية على الطريق، وتعود بالضرر. ومن توسيع الخيارات أن تتاح فرص التعلم بكل أبوابه وللجميع، وصحة أفضل متفتحة لا تتسلط عليها السلطات الرسمية وشركات الأدوية، بل الخيار للشخص في اختيار ما يريد من الطب الشعبي والنبوي والبديل والتقليدي والعصري والطبيعي والهندي وغيرها، ومن توسيع الخيارات تحقيق ممارسات حقوق الإنسان بكاملها بما فيها اختيار الناس لممثليها السياسيين والماليين وغيرهم، وكفالة حق اختيار الدين والطائفة والاعتقاد والعبادة، ومن زعم أنه على حق فإنه يجب ألا يخاف على دينه كون أن الله حاميه، وما يفرض ديناً أو معتقداً إلا صاحب ضلالة، ومن ذلك توسيع الخيارات في حق المرأة والطفل، وكسر معتقد أنهما من ممتلكات الرجل، وحجة أنها جوهرة يجب المحافظة عليها، فهي ليست جوهرة، هي إنسانة لها حق ما للرجال من حق، ولها أن تقود السيارة وتسافر وتملك وتتاجر وتتعلم وتشاطر الرجال نصف المجتمع، وتنفيذ قوانين بديلة تحمي الطفل، ومن ذلك توسيع الخيارات في حق الاتصال بالانترنت والهاتف والستلايت وغيره، والكف عن حجب المواقع للوصول للمعلومة، سوى ما فيه حماية للقصر، وتوفير التكنولوجيا وما يسهل عليه حياته، ومن ذلك توسيع الخيارات في توفير الحريات، ونبذ القوانين التي تقيد الحريات والتي تقوم بالتنصت والتجسس والتحسس والاتهامات وقوانين الطوارئ والقوات الخاصة ومباحث الليل وسجون التحقيقات سواء تلك الواضحة كسجن غوانتامو أو المخفية التي تملأ بلداننا، ومن توسيع الخيارات وجوب التحدث والنقد لأجهزة الدولة، ولجهاز القضاء، وعدم اعطاء القضاء أو غيره القدسية، فللمواطن حق النقد بل هو كما قال الرئيس لنكن (Lincoln) "واجب ليس فقط حقاً". ومن ذلك الحق في تشكيل المنتديات والروابط والجمعيات والأحزاب والمدونات والقنوات .. الخ. فهذا حق أصيل لكل إنسان ما لم يدعو إلى عنصرية أو عنف، فإذا عمل جاز محاسبته وفق محاكمة عادلة ومعلنة لتوفير الأمن العام المتفق عليه من قبل الكل، ومن ذلك حق نقد رجال الدين وعدم الاعتراف بمقولة "لحوم العلماء مسمومة"؛ فكل لحم مسموم لا فرق بين عالم وجاهل لو قصدت اللمز والهمز والشخصنة، لكن لا يجب أن يُسلم لأي فئة حرية التحكم في قناعات البشر، لا علماء دين ولا رجال سياسة ولا غيرهم، بل أن مرحلتنا تقتضي الوعي من قبل الشخص نفسه، مع تقدير العلماء وشكرهم واحترامهم على ما يقومون به من تبيين أمور الدين ونصح الناس وإرشادهم.

* الرفق واللين:

وندعو إلى اللين والرفق؛ فإن الرفق ما كان في شيء إلا زانه وما نزع من شيء إلا شانه، كما في حديث أنس رضي الله عنه (ص ج ص 5654). وكل دعوة عنيفة غير رفيقة شائنة وغير موفقة، ولو زعمت أنها مبنية على الدين، بل لو أن محمداً صلى الله عليه وسلم، وهو خير البشر، سلكها ما تباركت دعوته ولا نجح ولا أحبه الناس، قال تعالى (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) (آل عمران/159). بل أعتقد أن بركات العمل في الرفق، وقد دخل المسلمون بثقلهم جميعاً في أوربا مدججين بالعدة والعتاد ثمانية قرون فخرجوا منها دون مسلم واحد في أوربا! ودخل شرق آسيا مجموعة بسيطة من التجار اليمنيين الحضارمة، أصحاب الفن الرفيع، والأغاني اليمانية الشهيرة، واللحن الشجي، فصارت جنوب شرق آسيا أكبر تجمع شعوبي مسلم في العالم اليوم، وصار إيمانهم متأصلاً لا يتزعزع بشيء. فأي الدعوتين أخيّر؟! ووجود مسلم حسن الخلق والتعامل بين الأوربيين والأمريكان في بلادهم، محترم لأعرافهم، حبيب في أخلاقياته، لطيف في معاملاته، كريم في عطاءته، سخي في مجاملاته، عفو في مطالباته، بسّام في لقاءاته، نافع في عمله، متعاون مع جيرانه، متسامح مع رفاقه لربما تساوي مليون مجاهد في ساحة القتال يضرب الكفار المعتدين! وإن الرجل ليبلغ بحسن الخلق ما لا يبلغه المجاهد بقتاله ولا السياسي بكفاحه ولا المتصدق بماله ولا المعلم بتدريسه .. بل أجمل من هذا كله أن تكون سياسياً خلوقاً، أو مجاهداً خلوقاً، أو معلماً خلوقاً ..

* الحريات:

وندعو إلى الحريات في التعبير وتقبلها من أي كانت، ونعتقد أن التعبير بحرية يطفي شرارة العنف ويذهب زبد التطرف ويخفف من الكراهيات وينمي الحوار والقبول، وندعو بهذا إلى حرية الرجل والمرأة سواء؛ فالمرأة عنصر مهم في المجتمع ثبت أن التأثير فيها يؤثر في المجتمع كله، وأن للمرأة حقاً في التعبير عن رأيها وصوتها، وأن النساء بايعن النبي صلى الله عليه وسلم، وأن النبي صلى الله عليه وسلم الذي تعمد أن يسمي البيعة ببيعة النساء متقصداً بذلك أن يكسر قانون برلمان مكة المعروف بسوق عكاظ، والذي لم يكن يبيح تصويت النساء ولا مشاركتهن؛ فأصّل نبي التغيير صلى الله عليه وسلم هذا المبدأ وكسر القاعدة في رجولية القرار وأشرك النساء في البيعة الكبيرة لاختيار الحاكم والتصويت عليه، ثم أن عبد الرحمن بن عوف، رضي الله عنه، الذي ترأس لجنة التصويت العام في يوم الانتخابات، بعد وفاة الفاروق رضي الله عنه، والذي انتهى فيه الترشيح لشخصين هما عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب، رضي الله عنهما، أخذ التصويت من كل بيت؛ حيث شارك في التصويت الرجال والنساء وحضر في يوم إعلان النتائج الرجال والنساء ليشهدوا الحاكم ويقروا بيعته. وأن من التعبير حرية الصحافة والرأي والنقد والتصويت والاختيار بما لا يمس بخصوصيات الأشخاص والهيئات؛ فإن مس بذلك جاز لكل متضرر أو مقذوف اللجوء إلى المحاكم العدلية وأخذ حقه هناك. وندعو إلى مشاركة النساء في الملتقيات والحوارات والندوات والتدريب والتعليم على أعلى وأفضل المستويات وأن يكونوا شقائق الرجال في اتخاذ القرار، فإن لمشاركتهن الأهمية في تلطيف القرار ورقة طرحه. وندعو لكسر عبودية المرأة المستمرة عقوداً، ونبذ فتاوى إبعاد المرأة عن المشاركة، المخالفة للسنة النبوية التي أشركت المرأة في كل أمور الحياة، حتى في سلك الجيش (القتال/الحرب)، والشورى، والقرار، والوزارة، كما فعل عمر، رضي الله عنه، في تعيين مسؤولة السوق الشفاء بنت عبدالله العدوي، رضي الله عنها، (برتبة وزيرة تجارة اليوم)، والعودة للإسلام الصحيح، الذي غبر عليه التطرف والتسيب والتعصب، والذي هو منهج الأنبياء العظماء، والعلامات الكبار، والمتنورين الضخام.

* التفاؤل:

وندعو إلى التفاؤل؛ فإن كل عمل وراءه اعتقاد، وإن الاعتقاد تبنيه الظنون، وأن الظنون إذا كانت متشائمة جلبت الإحباط والحزن واليأس والغضب والتأنيب والعنف والكراهية، وأن الظنون إذا كانت متفائلة جلبت التبشير والتيسير والفرح والبهجة والعمل والإنتاجية والحب. وليس أضر من سياسي متشائم لا يرى في المستقبل خيراً؛ فإن قراراته وقتها تُبنى على ذلك، وأنه يصل بهذ الفكر المضر إلى جموع كبيرة. وأغبى منه من يستمع له وهو يوعدهم بالويل والوعيد القادم!!

* تشجيع الآخرين على النجاح:

وندعو إلى تشجيع الآخرين على النجاح والإنجاز؛ فإن الشعور بالفرح عند نجاح الآخرين دليل للنفوس الكريمة والطيبة، وكل إنسان ينجح فأنت أينما كنت تستفيد من نجاحه، وكلما نجح آخرون كلما أزددت أنت نجاحاً، ولو كان هذا الناجح في أطراف البرازيل وأنت في جبل في اليمن. إن طاقة الناجح التي تنبثق منه طاقة إيجابية تؤثر في كل الكون ولو بشيء بسيط جداً، طاقة إيجابية + طاقة إيجابية تحقق تأثيراً أكثر، فلو نجح مليون فإن طاقتهم تصل لمئات الملايين. وبهذا ندعو إلى تسهيل معاملات الناس في التجارة والعطاء والتطوع والمال والأعمال وتوفير الفرص فإن ذلك يضمن للدولة – أي دولة – نجاح مواطنيها وبالتالي إنشغالهم بالنجاحات والإنطلاقة والإنجاز وإلا أنشغلوا بالدولة ومسوؤليها. وكل دولة ناجحة اقتصادياً ومتوفر فيها فرص النجاح تكاد تخلو من الإرهاب والتطرف ولو كان فيها فقراء! فالفقر في مثل هذه الدول خيار، فهناك من الناس من لا يريد الغنى ويرتضي ويحب الفقر في أعماقه وليس على الدولة إجباره على الغنى، بل فسح الفرص والخيارات، فتايلاند دولة فيها فقر، لكن الفرص متاحة للكل للاستثمار والعمل؛ فهي تعيش في انسجامية بشكل عام، وبعض الدول فيها كل مكونات الغنى العظيمة ولديها من الموارد المعدنية أو النفطية أو البشرية ما قد يغني كل أفريقيا لكنها تعاني الأمرين على كل الأصعدة ذلك أن الفرص فيها قليلة جداً ونسبة النجاحات متقلصة والضرائب والرسوم تلاحق كل ناجح فيها.
وأعتقد أن كثيراً من النقد والاستهزاء بمحاولات ونجاحات الآخرين ناشيء من حسد وخوف من المقارنة ويجب ألا يشجع بل وينبذ كما فعل فيه النبي صلى الله عليه وسلم بل أنه صرح أن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب!

* الإعتراف بوجود المشكلة:

وندعو إلى الإعتراف بوجود المشاكل؛ فنحن بشر كثيرو الخطأ وفي الحديث المشهور "كلكم خطاء" أي لا يسلم أحد من هذا أبداً؛ وأكثر الناس خطأ أكثرهم عملاً! فكلما زادت أعمالك زادت أخطاؤك، لهذا السبب فإن العاملين بكثرة لديهم أخطاء كثيرة لو تتبعت أخطاءهم فسوف تجد الكثير، بينما هناك من لا يخطأ أبدأ ذلك الذي لا يعمل أبداً! إن الإعتراف بالخطأ يقول أننا بشر، والحمدلله، لم نترفع على الآخرين، ويخطأ من يظن أن الشخص الذي لا يخطأ محب من قبل الآخرين، بل على العكس، والرئيس الأمريكي السابق كلينتون فاز بشعبية كبيرة لما علم الناس بخطئه واعترف به، بل أن البعض من السياسيين قد يستخدمها ويختلق أخطاءاً فقط ليجذب تعاطف الآخرين! وقد سلكها الرئيس المصري الأسبق عبدالناصر في خسارته مع الإسرائيليين، فازدادت شعبيته وطلع الناس في الشوارع يرفضون استقالته! والاعتراف بالخطأ فضيلة وتعني أن الشخص لا يستنكف أن يكون إنسانأً وأنه يقر بأن ذلك خطأ مما يعني أنه لا ينوي تكرير الخطأ. وأنا على اعتقاد من أن الجامعة العربية لو جلست جلسات مصارحة وتقييم للماضي، والتزم كل فريق من الاعتراف بأخطاء في الماضي لأزيلت حواجز يصعب إزالتها؛ وسبب عمق الخلاف أن كل فريق يخاف من نوايا الآخر بتكرير ما تم في الماضي فإن المصارحة لم تسبق الاتفاق. وليس تقليلاً من بشريتنا وعروبتنا أن نعترف في أخطائنا ونقرها فذلك يرفع من شأننا عند الله أولاً وبين أنفسنا ثانياً، وهذان الأمران هما المهمان.

* المساواة:
وندعو إلى المساواة بين الناس، وليست المساواة أن تعطي كل إنسان بالتساوي فهذه الاشتراكية التي سقطت بعد اجتهادات جادة لأنها نظام لا يمكن أن يعمل ونظام مضر بالبشرية ومبدأ خاطئ. إن المساواة أن تتساوى الفرص بين جميع المواطنين بالذات في التعليم والحريات والتجارة لا فرق بين ذلك بين الناس لأسباب عرقية أو قبلية أو عائلية أو جنسية أو غيرها، وقد أعز الإسلام خديجة المرأة وأقر عملها وشرفها الله بالزواج من خير البشر، وأعز بلالاً فجعله سيداً من سادات البشرية وسيداً على العرب بكل قبائلها، وأعز سلمان الفارسي وأكرمه وجعله من سادات علماء العرب، وأعز سيبويه فصار أفصح العرب وهو أعجمي، ورفع من شأن أقوام لم يعرفوا إلا بالإسلام كالبخاري ومسلم وأبوداود والترمذي والنسائي وابن ماجه والرازي وابن المبارك والسرقسطي والغرناطي والأندلسي والدينوري وغيرهم الآلآف من علماء الدين والدنيا.
ومن هذا الباب نحترم فروقات الناس ونقر لهم خصوصياتهم؛ فللكردي حق في تاريخه ولغته وللأمازيقي كذلك، وله أن يجعل من لغته وتراثه لغة رسمية في بلاده معترف بها وتدرس في مدارسه. ومن المساواة نبذ العنصرية والتمييز بين الأسود والأبيض والرجل والمرأة والأصول إلا فيما ينفع ولا يميز؛ فالقبيلة أو العائلة التي تلتقي لتقوي علاقتها وصلتها عائلة أو قبيلة محترمة، لكن القبيلة أو العائلة التي تحرم الزواج من غيرها أو تسمي نفسها أصيله وغيرها دخيلة، وكأنهم خلقوا من نور أو جاءوا من كوكب آخر أو أن أبويهم الأكبرين لم يكونا آدم وحواء كبقية البشر، هؤلاء ينشرون التفرقة بين الشعوب وينسبون إلى أنفسهم ما لا يستحقونه ويعانون من أمراض اجتماعية تحتاج العلاج، ويرجعون في الحضارة إلى عصور الإنحطاط. وأقوى الشعوب اليوم هي تلك التي تمنح الفرص للكل وتقرب تلك الثغرات.

* تكريم واحترام الإنسان:

وندعو إلى تكريم الإنسان واحترامه فهو خير مخلوق مكرم على الكون (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً) (الإسراء/70). وتكريمه باحترام حاجاته وتقدير إمكاناته واجتهاداته وتوفير بيئة كريمة له، وبذلك نبذ القوانين العرفية والطارئة وسبل التحقيقات وممارسات الضبط والإحضار والتفتيش المذلة للإنسان باسم الأمن وغيره، إلا ما دعمته جهات قضائية محايدة. وتكريم الإنسان يبدأ بتكريم الطفل وحفظه من الإضطهاد الجنسي والجسدي والنفسي، ونبذ الضرب بأي أشكاله وإعطاء المحاكم حق حجر الطفل من والديه أو مربيه المسيئيين له، وتوفير الجهات المسؤولة لأماكن إيجابية تربوية بديلة لبيئة هذا الطفل؛ فإن الطفل المعذب قد يكون، وقد لا يكون، له أثر سلبي في المستقبل على المجتمع. وتكريم الإنسان يكون أيضاً بتكريم المرأة من الضرب والإهانة والإذلال وممارسة الإغتصاب الرسمي من خلال تزويجها بمن لا تريد أو منعها ممن تريد بحجة أنه وليها أو أنه من غير ثوبها؛ فهو أمر مناف لأصول الدين ومقاصده وللإنسانية بشكل عام، وهو أمر جاهلي، تخلفي، يرجع بالناس إلى العصور المظلمة، وهو ظلم ومفسدة تضيع حياة المرأة في العيش مع من لا تحب ولا ترضى.

* التسامح:

وندعو إلى التسامح مع بقية الناس الذين هم من غير منهجنا ومن غير ديننا فهم بشر محترمون لهم دينهم ولنا ديننا، نعيش معهم ونحسن إليهم ونكسب ودهم كما دعانا القرآن الكريم: (لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) (الممتحنة/8)، فهي دعوة كريمة إلى البر، أي الإحسان، وهو أعلى منازل العطاء، إلى المختلفين عن ديننا. ولقد عاش طيلة حكم المسلمين الأقباط في مصر مع المسلمين، وكذا الكلدانيين والصابئة في العراق، والهندوس والبوذيون في الهند، واليهود في أنحاء البلدان المسلمة، دون أن يمسهم أحد بضرر أو يدعو إلى إخراجهم، ولم يفهم أبوبكر أو عمر أو الخلفاء البقية أو أحد من العلماء أو الأمراء أن حديث "لا يبقى في الجزيرة دينان" أن نقتل إنجيليزاً أو أمريكياً أو كورياً، بل عاشوا بيننا مواطنين مكرمين محترمين يشاركون في القرار والحكم، ووصل عشرات منهم على قلة نسبتهم في التعداد العام إلى منصب وزراء وسفراء على مدى التاريخ. ولا يجوز التنكيت على اليهود والتعميم فضلاً عن غيرهم فهذا ينم عن عدم الاحترام.

* السلام:

وندعو إلى السلام؛ فإننا نعتقد كمسلمين أن كلمة الإسلام مصدرها السلام مع الله والنفس والآخرين، وأن الحرب عندنا شر وأن الحرب عند أهل الفطر السليمة مكروهة كما في قوله تعالى للمسلمين ذوي الفطر السليمة (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ) (البقرة/216) أي أنكم تكرهونه لكنه كتب عليكم لسبب ضروري. ونعتقد أن الشعار الذي أطلقه مخلصون منهم الإمام الشيخ حسن البنا – رحمه الله – في القرن الماضي "والجهاد سبيلنا، والموت في سبيل الله أغلى أمانيننا" شعار طيب في وقته ومكانه، وقد يكون جيداً في زمن معين ومكان معين اليوم، لكنه لا يصلح أن يكون منهجاً للمسلمين في كل مكان، فلا يصلح أن يرفعه سعودي أو كويتي أو مغربي اليوم في هذا الزمن وفي هذا الظرف وفي هذا المكان! رغم أن "في سبيل الله" قد تكون معنى واسعاً يقبل القتال وغيره، وأن الجهاد أيضاً ميدان واسع قد يتأول فيه للإمام سعة علمه وفهمه. والسلام مهمة كل مسلم، بل نعتقد أن الإسلام كدين ينتشر في السلام ولا ينتشر بالحرب، ولنا في قصة النبي محمد والنبي يوسف والنبي موسى - عليهم الصلاة والسلام - أجمل العبر؛ فالنبي، مثلاً، وقع صلح الحديبية بعد سبعة عشر عاماً وتعداد المسلمين لم يتعدى الألف وخمسمائة نسمة فقط، بينما أخذ فترته في صلح الحديبية في نشر السلام والإسلام فدخل مكة فاتحاً دون قتال بعدها بأقل من سنتين وهو يقود كتائب سلمية قدرت بعشرة آلاف نسمة! أي أن تعداد المسلمين تضاعف 6-7 مرات في سنة على التعداد الذي جمه في 17 سنة!!
إن الحروب خسارة لكل الأطراف ولا تجلب الخير وأنها يجب أن تكون ضرورة للدفاع عن النفس والوطن والعرض والحقوق، وأن خيار المسلم الأول هو السلام مع الكل: الله والنفس والآخرين.
إن ذلك يتطلب أن يعرف الإنسان كيف يسالم الله وكيف يسالم نفسه وكيف يسالم الآخرين القريبيين والبعيدين. إن هذا المعنى اليوم يتطلب منا جهداً أكبر، خاصة وأن سمعتنا كمسلمين ليست جيدة في هذا المضمار، خاصة وأننا كشعوب نعرض بقية الشعوب اليوم لمعاناة في عقر دارهم وفي ديارنا، وهو أمر مخالف لكرمنا وشهامتنا وديننا وعاداتنا وتقاليدنا. إن الإنسان في السابق كان يحتمي بالمسلمين وبديارهم، ودليل ذلك احتماء اليهود في اليمن والكويت والعراق وسرايفو والمغرب وإيران وغيرها من البلدان في ظل ظروفهم الصعبة التي مروا بها. إن الناس اليوم تخشى الذهاب لبلدان المسلمين وتصدر من خارجياتها تعميمات وتحذيرات من السفر لبعض البلدان المسلمة!

* العلم والتعلم:

وندعو إلى دعم التعلم واحترام الفنون والعلوم الحديثة والاستفادة منها وتقيمها وفق المنهج العلمي والتطبيقي، ووقف الصدام المفتعل بين الحضارات؛ فلكل حضارة فضل في التطور البشري اليوم. وكل جهود علمية يجب أن تلاقي الاحترام والتقدير حتى لو لم نجدها مناسبة لنا ومفيدة، لكن يجب ألا تُحقر الاجتهادات العلمية من أي كانت ما دامت جهود مخلصة وعلمية، وأن التحقير فيها والتقليل من شأنها يعيب الشخص نفسه، وأن ما يفعله البعض اليوم من المنتسبين للعلم وبعض الدعاة والعلماء في نقد الفنون والعلوم الحديثة بالذات تلك التي في التنمية الذاتية إنما يضع الناس في حيرة؛ فبعض الفنون مجربة من قبلهم ولا يرون فيه ما يعيب يقيناً بينما البعض من هؤلاء يعيبه، فيسبب ذلك فجوة بين العلم والعلماء؛ حيث قد يظن البعض أن العلماء أو طلبة العلم لا يعرفون وأن معلوماتهم، سوى بالكتب الصفراء، ضحلة.
ومثل ذلك ما يقال في البرمجة اللغوية العصبية والتنويم وعلوم الطاقة والتنمية الذاتية والتنوير، ولا مانع من النقد العلمي، ولا نرمي بفن أو علم بسبب أن بعض منتسبيه يسيئون له كما هو الحاصل في هذه العلوم التي صار اليوم فيها مسيئون قد يتنفعون منها دون جودة في العمل وإيجابية في العطاء، فلو أن خطيباً أساء الخطابة منعنا الخطابة، وأن طبيباً أساء الممارسة منعنا الطب، وأن مقاول بناء غش في مواد البناء فسقط المبنى منعنا المقاولة، لما بقي في الدنيا اختصاص!
وبذلك يجب أن تتوفر فرض العلم للجميع بما في ذلك من كبر سنه أو قلت إمكاناته؛ فالعلم العام يجب أن يكون متوفراً للجميع ولكل من يريده، وحصره في سن معين أو جنس معين أو طبقة معينة يولد مشاكل كبيرة وكثيرة في المجتمع منها الغلو والتطرف والعنف. وأقترح أن يرفع شعار "العلم للجميع".
وندعو في هذا المجال إلى دعم العلماء والمفكرين والباحثين والمخترعين والمبتكرين بشكل جدي وصادق وتسخير ما لا يقل عن 5% من ميزانية الدولة للبحث العلمي، وبذلك تأسيس المراكز العلمية الجادة البعيدة عن الأكاديميين والإداريين قدر المستطاع، ولا يمنع من مشاركتهم لكن دون توليتهم المناصب، مراعاة للحسد المنتشر بينهم. ويجب أن تدعم القراءة والمطابع وجهات التدريب والتعليم والتأهيل، وتخصص لها الدولة الميزانيات الضخمة من غير ميزانية البحث العلمي. ويدع في ذلك الفن الرفيع والجميل من الموسيقى والمسرح والغناء والتشكيل والفنون التراثية والحديثة والرسم والتصميم وجميع الفنون، وبشكل جاد، فالحالي هو مظهر وغير جاد. والبلد المهتم في الفنون والعلوم والبناء منشغل عن الهدم والتطرف والإرهاب والتناحر. ولو أراد أي حاكم أن ينهي الخلافات في بلده فعليه أن يشغل الناس برسالة ورؤية؛ وفي المثل العراقي: "الجيش البطال تشغله المشاغبات".

* التكيف مع التغيرات والمستجدات:

وندعو إلى التكيف مع التغيرات والإنفتاحية والرحابة باستقبالها، وتبني ما يمكن تبنيه ما لم يخدش في ثوابتنا المتفق عليها سواء تلك منها الإسلامية أو الإنسانية. وننظر في كل دعوة للتغيير بعين الجد والرحابة وقد نتبنى منها ما نجد أنه نافع، ونعتقد أننا سهلون وسلسون في تقبل المستجدات، بل وندعو إلى الإبداع والإبتكار، وأساس الإبداع والإبتكار في قلب الواقع وإحداث التغيير، بل نعتقد أن من لا يقبل التغيير ينقرض مهما كان ثابتاً وقوياً، بل أن ذلك من سنن الله في الكون؛ فكل ثابت منقرض ولنا في الديناصورات مثلاً، بينما صمد القرش أكثر من ثلاثمائة مليون سنة، كما يقول العلماء، واجتاز العصور الحجرية والطباشيرية والثلجية وغيرها، وتغير وفق تغير الأوقات، فعاش وعمر وصمد ولا زال قرشاً! بينما تمسك الديناصور بحجمه وشكله وطريقته في العيش فانقرض! ولنا في محاكاة الطبيعة المثل؛ فكل سلس ولين معمر.

* حب الله ونبذ الطائفية:

وندعو إلى نبذ الطائفية المفرقة للجهود المشعلة للفتن؛ فلكل مجتهد نصيب، ونحن نحث الناس على تحري الحق والصواب ولكننا لا نحقق في نواياهم واعتقاداتهم فهي أمور تخصهم في صلتهم بربهم، ولا يملك أي إنسان حق الحكم فيها على أحد آخر. وكل إنسان سوف يعرض على ربه فرداً ويحاسب بما اعتقد، ونعتقد مع ذك أن الله سبحانه حفظ للآخرة تسعاً وتسعين رحمة وأنزل واحدة في الدنيا؛ فإذا كانت كل رحمة في الدنيا اليوم من رحمة واحدة فإن الآخرة مبشرة مهما اشتد وضعها فرحمة الله غالبة، وعفوه سائد، وكرمه واسع، ولطفه كبير، وعطاؤه جزيل، وخيره لا ينقطع، وما من أحد إلا ومنتفع من الله دنيا وآخرة، وأن الله أعلم كيف يدير الدنيا والكون، وأننا مستسلمون لذلك، ومقرون بفضله، ومؤمنون بحكمته، ومتيقنون من حفظه، ونؤمن بأن الله رب الجميع وإله الكل يكرم المؤمنين وغير المؤمنين؛ فهو ربهم ولا غنى لهم عنه، وأنه سبحانه كريم عفو يحب العفو جداً، وهي صفة لصيقة به. وندعو من خلال حب الله إلى الوحدة ونبذ الفرقة؛ فالفرقة مرض وعلاجها الحب والقبول، وبالحب بدأنا وبه نختم.

هذا بعض ما ندعو إليه وندين الله فيه .. (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ) (يوسف/180).

صلاح صالح الراشد
Salam International
July, 2010


ملاحظة وطلب: أنشر هذه الوثيقة عن طريق الإيميل والفيس بوك والتويتر وغير ذلك. دعها تصل إلى الملايين في وطنا العربي لنحرك نواة التغيير والتطوير، اطبعها وأوصلها للمسؤولين والمفكرين، مشكوراً.




http://www.facebook.com/profile.php?...4717918&ref=mf

 

 

__________________

 


لم يكتشف الطغاة بعد سلاسل تكبل العقول... اللورد توماس

نوره عبدالرحمن "سما" غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
 

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الراشد:, د.صلاح, إلامَ, وثيقة, ندعو؟


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
الناس في مواجهة الأحداث 3( د. صلاح الراشد ) نوره عبدالرحمن "سما" القاعة الكبرى ( القضايا العامة وملتقى الاعضاء ) 0 27-08-2010 02:40 AM
د. صلاح الراشد : العودة للحظة ( العيش بوعي ) نوره عبدالرحمن "سما" القاعة الكبرى ( القضايا العامة وملتقى الاعضاء ) 0 20-07-2010 11:32 AM
[نقد] فلم القادمون The Arrivals (بقلم د. صلاح الراشد) نوره عبدالرحمن "سما" القاعة الكبرى ( القضايا العامة وملتقى الاعضاء ) 3 28-02-2010 09:24 PM
رواية على أبواب الملحمة - د. صلاح الراشد نوره عبدالرحمن "سما" القاعة الكبرى ( القضايا العامة وملتقى الاعضاء ) 0 13-02-2010 04:08 AM
من أقوال الدكتور صلاح الراشد نوره عبدالرحمن "سما" القاعة الكبرى ( القضايا العامة وملتقى الاعضاء ) 0 03-02-2010 02:22 PM


الساعة الآن 01:53 PM


طلب تنشيط العضوية - هل نسيت كلمة المرور؟
الآراء والمشاركات المدونة بالشبكة تمثل وجهة نظر صاحبها
7 9 244 247 267 268 269 270 271 272 273 274 275 276 277 278 279 280 281 282 283 284 285 286 287 289 290 291 292