22-07-2010, 12:17 PM
|
#1 (permalink)
|
خبيرة في التنمية البشرية
العــضوية: 5529 تاريخ التسجيل: 17/09/2009
المشاركات: 3,872
الـجــنــس: أنثى | وظيفة المكان وأهميته في الرواية المعاصرة وظيفة المكان وأهميته في الرواية المعاصرة كتب سديف حمادة
يكتسب المكان في الرواية أهمية كبيرة ليس لأنه عنصر من عناصرها الفنية أو لأنه المكان الذي تجري فيه الحوادث وتتحرك الشخصيات فحسب،بل لأنه يتحول في بعض الأعمال المتميزة إلى فضاء يحتوي كل العناصر الروائية، بما فيها من حوادث وشخصيات، وما بينهما من علاقات، ويمنحها المناخ الذي تفعل فيه، وتعبر عن وجهة نظرها. وهنا يرى الناقد حسن بحراوي أن المكان ليس عنصرا زائدا في الرواية، فقد يكون في بعض الأحيان هو الهدف من وجود العمل الروائي كله.
إن للمكان الروائي فضاءات تتجاوز الواقع الخارجي، تصنفه اللغة انقيادا لأغراض التخييل الروائي وحاجاته كما يرى د. سيزا، فالمكان في الرواية قائم في خيال المتلقي وليس في العالم الخارجي، وهذا المكان تثيره اللغة من خلال قدرتها على الإيحاء.
ولذلك فإن استعانة الروائي بوصف المكان أو تسميته لا يعني تصوير المكان الخارجي وإنما المكان الروائي لإثارة خيال المتلقي.
يبدو المكان في الرواية التقليدية مجرد مسرح تتحرك عليه الشخصيات وتقع فيه الحوادث، فهو إذاً مكان هندسي محض لا يلغي من الروائي عناية أو اهتماما.
ويظهر المكان في الرواية الرومانسية معبرا عن نفسية الشخصيات ويمثل في مثل هذه الروايات مآلا للأفكار والمشاعر تنشأ بينه وبين الإنسان علاقة وطيدة يؤثر فيها فنيا كل طرف في الآخر.
وفي كلتا الحالتين يظل المكان في إطار المعنى التقليدي للمكان في الرواية.
هذا المعنى يشكل البنية التحتية للرواية، أما المكان الذي يسهم في بنية العمل الروائي فيشكل بنية فوقية يمكن أن نطلق عليها مصطلح الفضاء الروائي، وهنا يتسع المكان ليشمل العلاقات بين الأمكنة والشخصيات والأحداث كما ترى د. سمر روحي الفيصل. وفي مثل هذا العمل يحدث المكان الروائي قطيعة بينه وبين مفهومه كديكور.
وهكذا فإن المكان الروائي لا يتشكل إلا باختراق الأبطال له، وليس هناك أي مكان محدد مسبقا، وإنما تتشكل الأمكنة من خلال الأحداث التي يقوم بها الأبطال ومن المميزات التي تخصهم.
ولذلك ميز غالب هلسا بين ثلاثة أنواع للمكان بحسب الرواية به وهي:
1- المكان المجازي، وهو محض ساحة لوقوع الأحداث لا يتجاوز دوره التوضيح ولا يعبر عن تفاعل الشخصيات والحوادث.
2- المكان الهندسي: وهو الذي تصوره الرواية بثقة محايدة، تنقل أبعاده البصرية فتعيش مسافاته من غير أن تعيش فيه.
3- المكان بوصفه تجربة تحمل معاناة الشخصيات وأفكارها ورؤيتها.
المعيار إذاً هو بناء الفضاء الروائي، فإذا نجح الروائي في هذا البناء منح المكان الحقيقي والمكان المبتدع خصوصية الخلق الفني وإلا فلا.
يعتبر الوصف الوسيلة الأساسية في تصوير المكان، وهو محاولة لتجسيد مشهد من العالم الخارجي في لوحة مصنوعة من الكلمات، فإذا كان السرد يروي الأحداث في الزمان، فإن الوصف يصوّر الأشياء في المكان ولكنه ليس غاية في ذاته، إنما هو لأجل صنع المكان الروائي أو بالأحرى لخلق الفضاء الروائي؟
من خلال وصف المكان يتم التمهيد لمزاج الشخصية التي ستخترق المكان فيصبح المكان تعبيرا مجازيا لأن بيت الإنسان امتداد له، فإذا وصفت البيت فقد وصفت الإنسان على حد تعبير ويليك.
ويعتبر إدوين موير أن العالم الخيالي للرواية الدرامية يقع في الزمان، وأن العالم الخيالي لرواية الشخصية يقع في المكان إذ تقدم لنا هذه الأخيرة شخصيات تعيش في بيئة، أما رواية الحدث فتقدم لنا أفرادا يتحركون من بداية إلى نهاية, ولذلك نحس، والرأي لموير أيضا، بامتلاء المكان امتلاء بالغا غير عادي في الأعمال الكبيرة من روايات الشخصية، كما نحس بازدحام الزمان في الرواية الدرامية.
ويخلص موير إلى أن هذا الرأي جاء على سبيل التغليب وليس رأيا مطلقا، فالقول بمكانية الحبكة لا ينكر الحركة الزمانية فيها كما أن القول بزمانيتها ليس لها وضع في المكان.
وإذا كان المكان روائيا فنيا، فإن تصويره من خلال زاوية رؤية يتم عبر التفاعل مع الشخصيات والحوادث ولذلك يتم التمثيل على العديد من المنظومات الاجتماعية والدينية والسياسية والأخلاقية والزمانية كما يرى سيزا. ومن هنا كان التقابل بين الأمكنة تقابلا بين القيم، فالقصر العالي الواسع الكبير للغني القوي والقادر على الفعل والبيت الصغير الضيق الحقير للفقير العاجز...
وانطلاقا من هذا التقابل والتمثيل يرى لوتمان أنه توجد صفة طوبولوجية هامة هي الحد، فالحد هو الذي يعهد إليه تقسيم فضاء النص إلى فضاءين غير متقاطعين، وفق مبدأ أساسي هو انعدام قابلية الاختراق..
وهذا الحد سيجعل هناك أماكن مباحة، وأماكن محظورة، فالقصر محظور على الفقير، وبيت الفقير مباح للغني، ومن الصعب على الفقير اختراق القصر.
وثمة رؤية تصنيفية أخرى قدمها غاستون باشلار في جماليات المكان فتحدث عن مكان أليف، وهو البيت الذي يوجد فيه الإنسان، ثم تحدث عن المكان المتناهي في الصغر والمكان المتناهي في الكبر، وأكد أنهما ليسا متضادين كما يظن البعض، ففي الحالتين يجب ألا نناقش الصغير والكبير بما هو عليه موضوعيا، بل على أساس كونهما قطبين لإسقاط الصور.
ثم يلح على أننا حين نقرأ مثلا وصفا لحجرة نتوقف عن القراءة لنتذكر حجرتنا، أي إن قراءة المكان في الأدب تجعلنا نعاود تذكر بيت الطفولة.
وانطلاقا من لوتمان أسس حسن بحراوي منهجا لتصنيف المكان وفق ثلاثة مفاهيم هي التقاطب والتراتب والرؤية.
أما التقاطب فهو يعني وجود قطبين متعارضين في المكان وفق تقابلات ضدية.
ويتوزع في مفهوم التراتب الفضاء المكاني إلى عدة طبقات أو فئات مكانية.
واعتمد الرؤية كمفهوم أخير في إمداد القارئ بالمعرفة الموضوعية أو الذاتية التي تحملها الشخصية عن المكان وأبعاده وصفاته.
أما علاقة المكان بتيار الوعي فيعتبر همفري أهم من بحث في هذه المسألة مطلقا مصطلح المونتاج على مجموعة الوسائل التي تستخدم لتوضيح تداخل الأفكار أو تداعيها وذلك كالتوالي السريع للصورة أو إحاطة صورة مركزية بصور أخرى تنتمي إليها.
وأشار واتشز إلى طريقتين في تقديم هذا المونتاج في القصص، الأولى تلك التي يمكن للشخص فيها أن يظل ثابتا في المكان الى حين يتحرك وعيه في الزمان، ونتيجة ذلك هي المونتانج الزماني، والطريقة الأخرى أن يبقى الزمن ثابتا ويتغير العنصر المكاني الأمر الذي ينتج عنه المونتاج المكاني.
تلك هي بعض الآفاق التي تفتحها دراسة المكان في الرواية، وهي آفاق خصبة غنية تؤكد أن المكان تجاوز بعده الإطاري لينصهر انصهارا بنيويا في العمل الروائي المعاصر. __________________ لم يكتشف الطغاة بعد سلاسل تكبل العقول... اللورد توماس
|
| |