شبكة الدراما والمسرح الكويتية الخليجية > القاعات العامة والإدارية > قاعة الأدب والكتب ( القاعة الثقافية ) > مفكر حارب بشراسة على كل الجبهات
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 25-07-2010, 02:36 PM   #1 (permalink)
خبيرة في التنمية البشرية
 
 العــضوية: 5529
تاريخ التسجيل: 17/09/2009
المشاركات: 3,872
الـجــنــس: أنثى

افتراضي مفكر حارب بشراسة على كل الجبهات


مفكر حارب بشراسة على كل الجبهات

نصر حامد أبو زيد اتهم بـ«الردة» وحلم بمنصب «مفتي الديار المصرية»





كان من غير المستبعد أن يعيش ويقضي نصر حامد أبو زيد، دون أن ينال الشهرة التي حظي بها، فكتاباته ليست سهلة، بل هي تخصصية ونادراً ما يتمتع بها القارىء العادي، لكن تكفيره ومهاجمته وتطليقه من زوجته ثم هجرته من مصر، كلها عوامل جعلت من أبو زيد شخصية نموذجية، لما يمكن ان يعانيه مفكر عربي يجرؤ على أن يخالف السائد، دون ان يتراجع أو يعتذر. نصر حامد ابو زيد الرجل الذي بقي صامداً على مواقفه حتى لفظ انفاسه الأخيرة، روج له المتزمتون، وطاردوه حتى قضي بـ»فيروس غامض»، ستبقى حياته التي دفع خلالها ثمن حريته، قصة تستعاد وتروى.
توفي نصر حامد أبو زيد مظلوما، وعاش مغبونا من أهل وطنه ولغته، ولعل الزمن وحده الكفيل بإعادة إنصاف رجل فذ كل ذنبه هو أنه قرر أن يفكر بدل أن يقلد. ليس قليلا أنه اتهم بالكفر، هو الذي عاش عمره مسكونا بفهم القرآن قائلا: «إن لفظة تأويل وردت في القرآن 17 مرة، فيما لم ترد لفظة تفسير إلا مرة واحدة»، لذلك جعل التأويل همه الأول، وانشغل بفهم السياق التاريخي الذي نزلت فيه الآيات، ومدى تلاؤم هذا كله مع الراهن الذي نعيشه. الرغبة في الخروج من التخلف كانت تشحنه بالأفكار، فوجد أن المؤسسات الجامعية المدنية التي أنشئت في النصف الأول من القرن العشرين بموازاة المعاهد التعليمية الدينية، بدل تطوير هذه الأخيرة وتحديثها، هو السبب في الانشطار الذي نعانيه، لذلك اعتبر أن الإصلاح يجب أن يكون من داخل الدين لا من خارجه. ولهذا انصب عمله على التعمق في التراث الذي اعتبره وحدة متكاملة، وحاول فهمه على ضوء النظريات الحديثة. وحين قالت له شابة سورية أثناء إحدى محاضراته في دمشق: «لا أرى فرقا بينك وبين الإسلاميين، هم يريدون أن يعوقوا حقوق المرأة بالقرآن، وأنت تريد أن تردها لها بالقرآن» فرح أبو زيد وأجابها: «عندك حق، لأننا لا نزال في ثقافة لها مرجعية لا بد من التعامل معها». ليس ذلك فحسب، بل إن أبو زيد علماني له من الذكاء والفطنة، ما جعله يطالب بعلمنة تفصل الدين عن الدولة، شرط أن تحفظ عرى الدين قوية مع المجتمع. كل ما تمناه هذا المفكر المخلص لقضايا شعبه وأمته هو ألا يكون أقل انفتاحا وذكاء من أجداده المفكرين أمثال الغزالي وعبد القاهر الجرجاني وابن حزم. مع ذلك ضاقت مصر بطموحه هذا وأفكاره التجديدية، ورأت فيه خارجا عن الدين وفرقت بينه وبين زوجته، وحين وصل إلى هولندا هاربا من تهمة الردة التي جلدته كالسياط وألقى أولى محاضراته هناك، بدأها بالبسملة متعمدا، كي لا ينظر إليه في بلد غربي وكأنه آت من خارج الإسلام أو كأنه متمرد عليه، بل قدم نفسه من داخل ثقافته فخورا بها، معتزا بدينه. بهذا المعنى رفض أبو زيد أن يتسلق شهرة غربية، كانت في متناوله على طريقة البنغالية تسليمة نسرين، التي لجأت إلى أوروبا كمسلمة مضطهدة وضحية للتخلف الإسلامي، ورفض أن يحول نفسه إلى نجم يحيط به الحراس وتتنأقل أخباره وكالات الأنباء الغربية على نهج سلمان رشدي. على العكس، جاهد أبو زيد بالسبل كافة، ليكسر عزلته، ويثبت أنه ليس منفيا، بل هو في غربة طوعية، ويستطيع أن يعود إلى بلاده متى شاء، وأن الذين يرفضونه قلة، فين حين لا يزال في هذه الأمة من يريد أن يفكر معه، ويجتهد ويحاور.
وفي إمكاننا أن نفهم نصر حامد أبو زيد أكثر حين نقرأ ما كتبه في مؤلفه «مفهوم النص» الذي صدرت طبعته الأولى عام 1990؛ إذ قال: «لقد أصبح التحالف بين العدو الخارجي متمثلا بالإمبريالية العالمية والصهيونية الإسرائيلية، وبين القوى الرجعية المسيطرة في الداخل، بارزا لكل ذي عينين. وعلى ذلك، أصبح موقفنا اليوم هو الدفاع عن وجودنا ذاته بعد أن أفلح العدو أو كاد في اختراق الصفوف، في محاولة نهائية لإعادة تشكيل وعينا، أو بالأحرى سلبنا وعينا الحقيقي ليزودنا - عبر مؤسساته الإعلامية - بوعي زائف، يضمن استسلامنا النهائي لخططه وتبعيتنا المطلقة له على جميع المستويات». من هنا يمكن فهم أن أبو زيد كان يعتبر الانغلاق الديني موازيا للغزو الخارجي، بل هما شريكان في صنع الهزيمة. وبهذا المعنى فإن كتاباته واجتهاداته لإعادة قراءة النص القرآني وتأويله، وإعمال العقل في فهمه، هو عمل وطني بامتياز يستحق التضحيات الكبرى من أجله. لكن ميزة الرجل أنه لم يكن حاقدا أو متزمتا بل منفتحا على الحوار والنقاش، وحين سئل عام 2006 عن الإخوان المسلمين في مصر، أجاب: «الإسلاميون قوة سياسية كبيرة منذ بداية عصر النهضة، كما أن (الإخوان) القوة المعارضة الأولى اليوم في مصر، وإن كنت أختلف معهم في بعض مقولاتهم الفكرية، مثل: لا اجتهاد فيما ورد فيه نص، وأن الإسلام دين ودولة، إلا أني أتفق معهم كل الاتفاق سياسيا». ورحب أبو زيد يومها بوصول «الإخوان» إلى البرلمان، مؤكدا أنهم وصلوا للمجلس بنزاهة وأنه يرحب بأي انتخابات نزيهة تأتي بالإسلاميين للحكم. لكنه طالب بأن يوضح «الإخوان» معنى شعارهم «الإسلام هو الحل»، خاصة في ما يتعلق ببعض القضايا السياسية المهمة.
أبو زيد شخصية مفكرة نادرة في زمننا العربي المتطرف، حتى وإن لم تتفق معه، له من السماحة والانفتاح، ما جعله بعيدا عن العلمانيين المتعصبين، وغريبا عن الإسلاميين التقليديين، وجوده في منطقة فكرية عاقلة ومتوازنة لم تعد مأهولة بالمفكرين إلا قليلا، جعله شبه منبوذ لفترة طويلة، وإن حاول في حياته التخفيف من أهمية هذه العزلة. إحساسه بالغبن ازداد حين بقي في هولندا لسنوات، ولم توجه له دعوة واحدة، كان ينتظرها على أحر من الجمر، ليتخذ منها ذريعة يعود من خلالها إلى أرضه التي يتحرق إليها شوقا، لكن الدعوة لم تأت، وعاد من تلقاء نفسه، كأي سمكة لا تتنفس خارج مائها.
قال لـ«الشرق الأوسط» في مقابلة معه عام 2004 إنه أوصى زوجته في حال مات في هولندا أن تدفنه هناك وأن لا تعيده إلى مصر. ورد بحسم على الذين استهجنوا طلبه هذا قائلا: «أنتم تتعاملون مع مصر كمقبرة وأنا أتعامل معها كوطن. ما مغزى أن أعود إليه ميتا وأنا مطرود منه حيا». وبقي أبو زيد غاضبا في المقابلة وهو يقول إن ثمة «مصريين بسبب الأهرامات ظنوا أن مصر مقبرة، أو هي ملك أحدهم أو بعضهم». لكن، لا بد من أن نصر حامد أبو زيد أسلم الروح مرتاحا لأن وصيته التي أسمعها لزوجته ابتهال في لحظة غضب، لم تنفذ، ولأن تراب بلاده الذي نبذه حيا ضمه بدفئه حين صار جئة هامدة. فبعد تراجع غضبته اعترف في حوار له مع الأديب رؤوف مسعد أن أمنيته العزيزة إلى قلبه هي أن «ألتقي بتلاميذي المصريين والعرب في الجامعة المصرية وأن أدفن في مصر».
لم يكن نصر حامد أبو زيد يفرق بين الباحث والمواطن فيه، حين يعمل ويكتب، لأن جل همه في الحالتين هو أن يفهم إلى أي حد يمكن التلاعب بالمعنى الديني، وأين هو من كل هذا، كان يشرح أسباب اندفاعته الفكرية، وهو يقول بإخلاصه المعهود: «أنا أنتمي إلى هذا الدين، وهذه الثقافة، وأريد معنى لحياتي». ونشر بيانا في الصحف قبل مغادرته مصر إلى هولندا يقول فيه: «أنا باحث مسلم أعتز بإيماني وإسهامي في الفكر الإسلامي»، ورفض أن يوصف بالمرتد، ورفض أن ينطق بالشهادتين، ويعلن توبته كما طلب منه، وبقي يدافع عن أفكاره بالشجاعة والعزيمة بنفسها، من دون أن يهادن أو تصيبه لوثة التطرف العلماني. وفي مقابلة تلفزيونية له قبل وفاته بشهرين اعترف بأنه كان يتطلع إلى تولي منصب المفتي في مصر، لكن بطبيعة الحال، كان طموحه بعيدا عن الواقع هذه المرة.
كان نصر حامد أبو زيد يستحق تقديرا كبيرا في وطنه، بدل الظلم والرشق بالاتهامات المتسرعة. فهذا العصامي الذي تربى يتيما واضطر لأن يدخل التعليم المهني، ويصبح موظفا صغيرا في هيئة الاتصالات السلكية واللاسلكية، أكمل دراسته الجامعية بالانتساب، وانتظر المنح الدراسية التي تمن السماء بها عليه، كي يكمل تعليمه ويتفوق على الرغم من أنف الحاجة، لم يكن أكاديميا فحسب، بل كان إنسانا يفهم معنى الفقر والعوز، ويتدخل ليرد الحيف عن كل مظلوم.. كان يقول إنه ينظر في عيون طلابه كل صباح ليعرف من منهم استطاع أن يتناول فطوره، ومن منهم بقي جائعا لأنه لم يجد ما يأكله. بهذه الروح كان أبو زيد يتعامل مع من حوله. تربيته الدينيه وقربه المبكر من الإخوان المسلمين، وأيضا رقة حال أهله، كل هذا لعب دورا، في تنمية إحساسه بالناس ومشكلاتهم. لم تغادره خفة ظله، كما لم يتخل عن روح الدعابة حتى في محاضراته الصارمة. تنبه إلى أن كتبه فيها من الصعوبة ما يجعلها عصية على فهم الناس، فبذل جهدا كبيرا لتطويع عباراته في حواراته وكتاباته الصحافية كي يكون في متناول الجميع، معتقدا بإخلاص أن لا قيمة لمفكر لا يستطيع أن يتواصل بلغته مع شعبه. اهتماماته المتشعبة أسعفته في رؤية واسعة الأفق، فبداياته كانت تقنية إلكترونية، ثم عني بالأغنية الشعبية وكتب شعرا عاميا، طامحا إلى تغيير مسار الأغنية المصرية، كما كتب عن «أدب العمال والفلاحين»، وعن «القصة والفكاهة»، و«نظرية القصة القصيرة» و«الثابت والمتحول في رؤيا أدونيس»، قبل أن ينصرف كليا إلى التراث والفكر الديني.
جمع أبو زيد بين الطموح والذكاء.. الأكاديمية والنفس الشعبي، وتمكن من أن يبقى زائرا ومحاضرا في المنطقة العربية التي يحمل همومها على الرغم من أنه مقيم في منفاه الهولندي. ولا بد من أن يندم، غدا، أولئك الذين جاروا عليه، ومنعوه من الكلام هنا، أو إلقاء محاضرة هناك، كما حصل معه في الكويت مؤخرا حين منع من الدخول بعد وصوله إلى المطار على الرغم من حصوله على التأشيرة، أو كما حدث معه في القاهرة عند أول محاضرة ألقاها بعد عودته من منفاه، حيث رفضت أي قاعة استقباله، باستثناء الجامعة الأميركية. بقي أبو زيد يعض على الجرح ويعتبر أن أفكاره لا بد من أن تنتصر، وأن هذه الأمة لا بد لها من أن تصحو ذات يوم من غفوتها. ولعله محق، فنحن محكومون بأمل نصر حامد أبو زيد، وعزاؤنا هو في ما خلف من كتب، تجعل أفكاره حية، في انتظار من يقدر فحواها، ويمتلك جرأة محاورتها والبناء عليها.


" الشرق الأوسط "

 

 

__________________

 


لم يكتشف الطغاة بعد سلاسل تكبل العقول... اللورد توماس

نوره عبدالرحمن "سما" غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
مفكر, الجبهات, بشراسة, حارب, على, كل


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
سعد الصغير: يارب توب عليَّ .. محمد العيدان الـقاعـة الـكـبرى ( الفن والإعلام ) 4 21-09-2010 10:51 AM
«السندباد بن حارب».. نص متهالك وحوارات سطحية بحر الحب الـقاعـة الـكـبرى ( الفن والإعلام ) 2 12-09-2010 03:30 PM
إذا دارت بنا الدنيا ....................( فاروق جويدة ) نوره عبدالرحمن "سما" قاعة الأدب والكتب ( القاعة الثقافية ) 0 23-06-2010 12:58 PM
قصة بقلمي يارب تعجبكم المغربي القاعة الكبرى ( القضايا العامة وملتقى الاعضاء ) 0 24-04-2009 08:10 PM


الساعة الآن 05:28 PM


طلب تنشيط العضوية - هل نسيت كلمة المرور؟
الآراء والمشاركات المدونة بالشبكة تمثل وجهة نظر صاحبها
7 9 244 247 267 268 269 270 271 272 273 274 275 276 277 278 279 280 281 282 283 284 285 286 287 289 290 291 292