هذه المسرحية.. نموذج للمسرح التثقيفي الذي مزج بين الطرح الجاد والكوميديا والإسقاطات المباشرة! هذه المسرحية.. نموذج للمسرح التثقيفي الذي مزج بين الطرح الجاد والكوميديا والإسقاطات المباشرة!
مرحبا بالجميع،،
مسرحية صنفت ضمن المسرحيات الخالدة التي احتوت على مزيج مميز من الأطروحات ذات البعد السياسي والديني والاجتماعي والصحفي.. وتناولت قضايا حساسة ربما من الصعوبة أن يتم الخوض فيها، ليس على مستوى المسرح الخليجي فقط بل المسرح العربي عموما.
إنها مسرحية حامي الديار التي مازال الجميع يحتفظ بها في ذاكرته!
وهي مسرحية ذات فصول (منفصلة) غير متصلة.. فكل فصل يتناول قضية مختلفة وكل شخصية تؤدي دورا مختلفا في كل مشهد.
تبدأ المسرحية بداية جادة باستعراض حالة من الصراع الطائفي المذهبي، وكذلك الصراع الديني العلماني بين فئة الشباب وما يدور بينهم من صراعات فكرية حزبية ومذهبية وغيرها.. حيث نرى حوارا يدل على مستوى ثقافي عال جدا بين من يتحاورون، حتى أن المتابع للحوار يعتقد أنه يستمع لحوار بين فلاسفة حول بدايات الصراع الإسلامي ونظريات بعض العلماء حول الدين والإلحاد وقضية فصل الدين عن الدولة وغيرها من الأمور ذات الصلة.
البداية مع ظهور (إبراهيم الصلال) الذي يجسد دور (الراوي) إن جاز التعبير في مخاطبته المباشرة للجمهور قبل كل فصل من فصول المسرحية، وبعد البداية المأساوية للمسرحية التي استعرضت أحداثا دموية في الكويت، نرى حوارات بين جيل الآباء وجيل الأبناء.. حيث يجسد (سعد الفرج) شخصية الأب السني ويجسد (خالد النفيسي) شخصية الأب الشيعي، ويدور بينهما حوار عفوي بسيط يدل على محدودية معرفتهما بواقع الصراع المذهبي الطائفي بين الجيل الجديد، وعدم اطلاعهما على خفايا ذلك الصراع وإلى أي مدى قد وصل على أرض الواقع!
في المقابل.. نرى حوارا فلسفيا عميقا بين الابن الشيعي (عبدالناصر الزاير) والابن السني (جاسم النبهان) حول الصراع المذهبي بمختلف أعماقه وأبعاده حول فكر كل طائفة.. كذلك نرى طرفا في هذا الحوار يمثل الفكر العلماني المدني، والذي جسدته الممثلة (غادة حمدي)، حيث كان الحوار يأخذ مسارين.. المسار (السني - الشيعي) والمسار (الديني - العلماني).. ويبدو لي (وهذا مجرد تخمين لا أكثر) أن الشخصية العلمانية (غادة حمدي) كانت تتحدث وكأنها تعبر عن وجهة نظر المؤلف في أطروحاتها وهي ترد على الطرفين في أفكارهما.
في هذا المشهد حدث حوار جاد وثقيل عن نظريات العلماء حول الكون والأديان والصراع الاقتصادي وتفاصيل الخلاف الطائفي وغير ذلك.. وأعتقد أن وضع هذا المشهد في بداية المسرحية هو خطوة ذكية على أساس أنه مشهد يتسم بالجدية والحوار الثقيل، وذلك يساعد على تقبل الجمهور له في البداية منعا للشعور بالملل والضجر أثناء العرض.
ننتقل إلى مشهد الصحافة... حيث نرى رئيس تحرير إحدى الصحف (سعد الفرج) وهو يحاور أحد موظفيه (عبدالإمام عبدالله) الذي يتحدث بلهجة شامية.. ويدور الحوار حول مشاكل الصحيفة من اعتراض بعض الأشخاص على ما ينشر من مقالات وخاصة التيار الديني الذي يبدو أن رئيس التحرير يضطر لمجاملتهم بإعطائهم صفحات في جريدته.. بينما هو شخص غير متدين حيث نراه يطلب من الموظف نشر صورة راقصة على الغلاف وهي في أوضاع مخلة حتى يزيد من توزيع الصحيفة.
وهنا يدخل شخص يريد أن ينشر مقالا في الجريدة (جاسم النبهان) ويظهر على أساس أنه شخصية مثقفة وواعية ويملك رؤية وطنية.. ومن بعده يدخل سفير إحدى الدول (علي المفيدي) والذي تحدث بالفصحى حتى لا تدل لهجته على بلد معين.. حيث يقوم السفير بدفع مبلغ من المال لرئيس التحرير حتى يقوم بتلميع صورة البلد الذي يمثله، وهنا نرى تدخل بعض السفراء في الصحافة لفرض توجه معين عليها مقابل المال.. وبعد خروج السفير من المكتب، يقوم (جاسم النبهان) ويمزق المقال الذي كان ينوي نشره بعد أن رأى ما رآه من ذلك السفير الذي دفع المال لرئيس التحرير!
بعد ذلك ننتقل إلى مجلس الأمة.. حيث نرى نموذجا لإحدى الجلسات البرلمانية وما يدور فيها من صراعات وأساليب ملتوية يتبعها بعض النواب لتحقيق أهداف شخصية بعيدة عن المصلحة العامة.. حيث تم استعراض نماذج من النواب أصحاب العقليات الابتزازية التي تبحث عن الاستعراض الرخيص لزيادة شعبيتها لدى الناخبين ولإنجاز معاملات تكون في الغالب غير قانونية لبعض المواطنين، حيث جسد (علي المفيدي) شخصية نائب من تلك الشاكلة، وعندما يرفض الوزراء تمرير معاملاته نراه يقوم بتوجيه أسئلة إلى وزير التربية على غرار (كم عدد الطباشير الذي يستهلكه المعلمون ولماذا يستخدم المعلم الطباشيرة مرة واحدة ثم يرميها وأين ترشيد الإنفاق في الطباشير و..الخ)!
بعد ذلك نسمع تعليقا ظريفا من أحد الوزراء (جاسم النبهان) وهو يخاطب الرئيس قائلا له (بما معناه): سعادة الرئيس أنا أذكر في مرة من المرات أن أسئلة أحد النواب لأحد الوزراء قد كلف الرد عليها مجموعة من الورق احتجنا إلى سيارة (لوري) لنقلها من الوزارة إلى المجلس!!
بعد ذلك نصل إلى مشهد الختام وهو المشهد الأبرز في المسرحية (مشهد المقهى)، والذي يعتبر من أكثر المشاهد رسوخا في الذاكرة بسبب كثرة عرضه في القنوات لما يمتاز به من حوار فكاهي في المقهى بين مختلف أطياف المجتمع (مثقفين - تجار - موظفين- الخ).. حيث يمثل المقهى مكانا مفتوحا للقاء والحوار بين أطياف المجتمع حول مختلف القضايا.. ويمثل المقهى ايضا مكانا لتوزيع الشائعات وانتشارها، فكل واحد من الحضور يتظاهر بأن له علاقة بديوانية (عروقها بالماي) وأنه يتحدث مع مصادر رفيعة تنقل له أخبارا حصرية وسرية. ولعل من أكثر العبارات رسوخا في الذاكرة من هذا المشهد هي عبارة (ودي أصدق لكن قوية قوية).. وربما شخصية الدكتور المثقف (جاسم النبهان) هي الوحيدة بين الحضور التي كانت تأخذ خطا مختلفا في الحوار، حيث كان يبتعد عن الشائعات ويتحدث فقط بالحقائق!
|