لأصدقائي وصديقاتي بالمنتدى قصة بقلمي نسمة والبساط الأبيض
اتكأ على تلك الوسادة البيضاء.. يحلق معها فى فضاء لا متناهى.. تحيطهما نسمات باردة يرتجف معها جسده.. يتحسسن تلك الكتلة البيضاء التى على الرغم من خفة وزنها إلا أنها كانت تحمله على قطنها الأبيض تداعبه كريشة أسلمت نفسها للهواء..
وفى المقابل… حلق بالفضاء بساط أبيض.. نُسجت خيوطه من قطن بلون نقاء الطفولة.. يُرى ولا يُلمس.. يتحرك ببطء.. يحمل على متنه "نسمة"… مُغلفة بحمرة وردة نديّة.. تظللها جدائل ذهبية تهمس همسات شقية بأذنيها.. تداعب حبات اللؤلؤ بين شفتيها.. ترقص رقصات مجنونة على كتفيها.
تمتد يده.. يود لمسها.. فيحملها ذلك الرداء الأبيض.. يحلق بها فى الفضاء.. وتحمله ريح عاتية تُبعده عنها.. أبَتْ ألا يقترب من تلك "النسمة" الحالمة.. من ذلك الحلم الوردى.. تهمس إليه بهمسات غير مسموعة.. فيغمض عينيه ويفتح أذنيه لعلهما تلتقطان حرفا واحدا يطفئ لظى عطش السنين.. يُخْمِد هذا الشعور الغامض الذى اجتاح مشاعره منذ أن رآها.. صرخ بأعلى صوته:
- من أنت؟.. ومن أين أتيتِ؟!!
انفرجت أساريرها عن ابتسامة عذبة أذابت ما تبقى بداخله من جمود… صرخ ثانية:
- توقفى.. لا تبتعدى.. شئ ما يجذبنى إليك.. توقفى.
اعتدلت فوق البساط الأبيض.. ترفع تلك الخصلات الذهبية التى يداعبها الهواء من آن لآخر.. يحظى بملامستها وحده.. أومأت إليه برأسها إيماءة فهم منها أنها تريد منه الاقتراب.. تثقبه بنظرات ساحرة يمتزج فيها الربيع بالخريف والصيف بالشتاء.. تخترق نظراتها الثاقبة صدره بسهام تحمل الداء والدواء معا.. تُرسل إليه إشارات غامضة فهم مغزاها.
رداء آخر يقترب منه.. ليس بلون وسادته أو بساط "نسمته".. بل كان بلون النار يغطيها دخان كثيف.. يقترب الرداء النارى منه.. يصطدم بوسادته فيذيب منها جزء.. يتشبث بالجزء الباقى.. يحاول الاقتراب من نسمته.. ولكن كيف؟.. فوسادته هى التى تحمله وليس هو.
يحاول جادا الاقتراب من "نسمته" التى ارتفعت ببساطها الأبيض مسافة كبيرة.. ولكن كيف؟.. وبسرعة حاول أن يحيك نبضاته.. النبضة تلو الأخرى.. يصنع منها سلم للوصول إليها.. ولكنه كان كمن يحرث فى بحر عميق.. فقد كانت نبضاته ثائرة.. كل نبضة تأبى الالتصاق بالأخرى.. تقفز من مكانها حتى تبعثرت وتناثرت فى الهواء تصرخ هنا وهناك عند السقوط.
نظرت إليه " نسمته " من جديد.. تحثه على المحاولة مرة ثانية.. لم يجد أمامه سوى سنوات عمره.. أخذ يجدلها.. السنة تلو الأخرى ولكنها تمزقت.. فقد كانت بالية.. ولم تحتمل الصمود.. فتمزقت.. وبدأت قواه تخور.
تنظر إليه فى شوق.. ترسل له ذلك الأريج الربّانى الذى تتعطر به.. يفيق.. يصرخ من جديد:
- حلمى الجميل.. من أنت؟.. يقتلنى الشوق لملامسة أناملك.. عيناك أحيت طريقى من جديد.. لا تبتعدى.. أننى أحبك.
نظرت إليه بعينيها فاختلط لونها بزرقة السماء فوق هذا الرداء الأبيض تاره.. ثم تبدل ليصبح بلون السندس الأخضر تارة أخرى..
أرسلت إليه ابتسامة تهافتت الرياح عليها فتشاجرت وزمجرت وكشرت عن أنيابها تهدد من تسول له نفسه الاقتراب من هذه " النسمة "..
ابتعد البساط الأبيض.. تحمله الرياح.. يحملها على متنه … تنظر إليه وهى ما زالت تشير له بالاقتراب.. ولكن كيف؟!..
وفجأة.. تبدّل لون وسادته فصارت بلون الليل الأسود البهيم.. ارتجفت تحت وطأة الرياح فأخذتها بعيدا.. صارت هشة.. لا تقوى على حمله.. تفتت وذات حتى تحلّل قطنها الأبيض إلى زخّات خفيفة من المطر.. أخذت تكبر وتتثاقل رويدا رويدا.. حاول الإمساك ببقاياها ولكنه كان يمسك برياح يتخللها رعد وبرق فسقط على الأرض مصعوقا.. تتناثر نبضاته… يصرخ قلبه ألما.. ومع ذلك فهو لا يزال يشخص بصره لأعلى.. ينظر للفضاء اللامتناهى.. يبحث عن الرداء الأبيض.. ربما يجد تلك "النسمة" مرة أخرى على الأرض.
(أصدقائي وصديقاتي مع جزيل شكري وحبي لكم)
|