ابو حجاب .قصه مسلسله خفيفه قصة قصيرة مسلسلة لن تطول ان شاء الله
أتمنى ان تحوز على اعجابكم وان تدخل بعض البهجة على محياكم
ودي وتقديري وتمنياتي الصادقة
المشهد الاول
تسمرت اعين الكهل العجوز على ذلك الاشقر الذي دلف الى السوق القديم بطوله الفارع وبزته الرمادية الفاخرة .. لم يكن غريبا ان يرى (ابو حجاب) مثل هؤلاء الاجانب في السوق الشعبي .. ولكن الغريب انه رآه يتجه مباشرة اليه.
كان يجلس على كرسي خشبي قديم ويصرخ بوجه العامل البنقالي باحضار الكرسي الاثري الاخر لهذا الضيف الاشقر ما جعل العامل يقفز من مكانه في اتجاه المستودع باخر المخزن التراثي الملئ باشياء مختلفة.
دلف العامل الى المخزن وتخطى اكياس الارز والسكر التي أكل عليها الزمان وشرب الى طرف المخزن المكتظ بانواع الادوات والاغراض التراثية القديمة التي اكثرها لا يعمل بل ان الكثير منها علاه الصداء واختلف لونه حتى لتكاد لا تعرف ماهية الغرض وهل هو منفاخ هواء او كيس جلدي لخزن الماء.
اقترب الاشقر وبلغة عربية مكسرة القى السلام على ذلك العجوز الذي رد عليه السلام وقال له "مرحبا بك يا خواجه" واردف ماذا تريد ان تشتري فلدينا اقدم السيوف والخناجر واجمل الفوانيس والمواقد وكثير من قطع الفرش الرومية النادرة.
ضحك الاشقر وقال له "لا .. لا يا ابو هجاب (حجاب) انا لا اريد اي من ذلك"
تراجع ابو حجاب خطوة الى الخلف مستغربا كيف عرف هذا الاشقر كنيته وسأله " أخس يالخواجة .. انت تعرفني؟" وحاجباه يرتفعان لكأنما سيصلان اطرف تلك الصلعة اللامعة من تحت الشماغ الاحمر العتيق.
ورد الاشقر "اكيد انا اعرفك يا بوهجاب .. جرمانيا كلها تعرف ابو هجاب .. انت مشهور كتير عندنا في الشركة."
ابتسم ابو حجاب بفخر وزهو مع انه يعلم ان الاشقر قد بالغ في مجاملته اللطيفة التي اسعدته .. ونظر الى العامل البنقالي وقال له : "شفت انت ووجهك يا أرشد المانيا تعرف ابو حجاب .. هيا انقز الى البقالة في طرف السوق واحضر لنا بعض المرطبات للخواجة .. يستاهل"
جلس ابو حجاب على كرسيه القديم ومدد رجليه التي تؤلمه من الروماتزم العتيد واشار الى الخواجة ان يجلس بجواره مقابل السوق حيث كان يحرص ابو حجاب ان يراه الناس يتحدث الى هذا الاشقر .. رغبة في تلميع "برستيجه" الذي كاد ان يختفي خلف صفطات وجهه المسن.
وسأله : اذا لم تكن نريد ان تشتري .. فلماذا حضرت الي؟ وكيف عرفت اسمي ؟ …
المشهد الثاني
رد الاشقر بابتسامة قائلا: أسمع يابوهجاب انا من جرمانيا وا شتغل في شركة الكهرباء . اعرفك عن طريق صديقي احمد سالم يشتغل معي في الشركة.
وتذكر العجوز الشاب احمد ذلك الانسان الفاضل الذي تسلف من العجوز مبلغ مائة الف ريال على طريق المبايعة وردها مائة وثلاثون الف ريال خلال اثنى عشر شهرا دون اي تأخير.
فقال ابوحجاب " والنعم فيك ياخواجة وفي احمد حياك الله. وش أسمك يا خواجة ؟"
رد الخواجة بضحكة وارتياح بعد ان تم التعريف به " اسمي جابر مايكل فولهر. وتوسعت حدقتا ابو حجاب من هذا الاسم الغريب وقال
اسمك جابر ؟ وابوك مايكل وجدك فولهر بصراحة عندكم حركات بالمانيا يا خواجة.
قال جابر فولهر " انا مسلم يابوحجاب .. ولكن خلك من أسمي الحين.
" شركة الكهرباء كلفتني بمشروع كبير واحتاج الى اموال كتيرة .. انت تقدر تساعدني وزي ما تقولون " أبشر بعزك يابوهجاب اذا ساعدتني"
"مادام ابشر بئزك يابوهجاب" انا اقولك يا خواجة جابر " أبشر بئزك بعد كم تبي يعني؟"
قال اريد مبلغ مليون ريال يابوهجاب واريدها يوم السبت دون تأخير. انا ارجع المليون مليون ومئتين ألف بعد شهرين بالزبط دون تأخير.
أرتفعت حواجب ابوحجاب وتلخبطت سحنته السمراء وبداء بفرك لحيته المبعثرة بشدة كمن يبحث عن المليون داخلها.
"مليون كثير يا فولهر وانا ما اعرفك وش يضمن لي ترجعها ؟ بعدين هذا ربا يا جابر مايكل والربا حرام"
رد جابر مايكل بسرعة وكأنه لا يود ان يأخذ التردد من عزيمة ابوحجاب : "أسمع يابوهجاب .. أنا اكتب لك شيك بالمبلغ ونختمه من البنك .. لا تخاف من أي شي. أنا انسان مخترم يابوهجاب"
"أنت مخترم مخترم مافيها كلام يا فولهر .. تعال بكرة الصباح وتلاقي طلبك وهات معك الشيك"
وانطلق الالماني الطويل واختفى بين الزحام وترك ابوحجاب يفكر في اكبر عملية يقدم عليها في تاريخه الطويل.
في الغد جلس ابوحجاب ممدا ارجله الى الامام ويضع فنجال الشاهي بجواره مستمتعا بضوء الشمس القوي في وقت الضحى الذي كان يصلى ارجله الوجعى في برد الشتاء الخفيف.
وماهي الا دقائق وهذا الاشقر فولهر مقبلا على ابوحجاب وابتسامته العريضة تغطي كل وجهه.
وقفز ابو حجاب من كرسيه على رغم سنه المتقدم مرحبا "هلا بجابر ولد فولهر .. حياك ربي يابو مايكل .. تفضل استريح."
وجلس جابر الالماني بجوار الشيخ وقال هل انت جاهز يابوهجاب ؟
ورد ابوحجاب "اكيد جاهز ... هل احضرت الشيك ؟" ولم ينتظر طويلا وبداء بالطقوس المعتادة في صنعته المخفية التي يمارسها تحت ستار بيع الاشياء الاثرية وقال
"أسمع ياخواجة جابر عشان الربا انا ببيع عليك هذه الاكياس من الرز بمليون ومئتين الف ريال اذا موافق امسكها وضع يدك عليها وهات الشيك."
وفعل ذلك الالماني و قال : ابوهجاب !! انا يبي فلوس وليس رز وسكر !"
فرد أبوحجاب "لا تخاف الرز والسكر لن يتحركا من هنا تبيعهم بمليون ؟ قال الالماني نعم ابيعهم ... هات الفلوس."
توكلنا على الله والتفت ابوحجاب الى خلفه حيث كانت سلة المهملات و كان قد اخفى فيها بعناية كيسا متسخا خوفا من السرقة وسحب الكيس وسلمه الالماني وقال له عد فلوسك !!
ضحك الالماني من دهاء ابوحجاب وقال والله غريب يابوهجاب تحط الفلوس بالزبالة .. أكيد تخاف من الحرامية اكيد مش يروح الزبالة يدور الكاش .. ذكي ابوهجاب ذكي ماشاء الله عليك !!خلاص ما يحتاج اعد بعدك يابو هجاب
بعد شهرين روح واصرف الشيك
سلام عليكم
وانصرف الالماني بالكيس المليء بالنقود وترك ابوحجاب خلفه متفكرا في هذا الالماني الغريب الذي ينوي اعطائه عشرون بالمائة ربحا خلال شهرين .... ويفكر من تنتهي الشهران ويستلم امواله التي لدى الالماني ........
المشهد الثالث
في هذا السوق الشعبي الصغير يمارس بعض كبار السن الاغنياء الربا المقنن .. يسمونه بيع وشراء و لكن البيع والشراء منه براء وهو اقرب الى الربا فالبضاعة لا تغادر المكان والبائع والمشتري هو نفسه وغير ذلك من شروط البيع. ولكنها النفس البشرية المقترة اعوذ بالله.
فابوحجاب باع البضاعة (الارز والسكر) الى جابر مايكل بمليون ومئتين الف ريال ويشتريه منه بمليون ريال وهو مبلغ القرض والفرق هو عين الربا والله اعلم.
مرت الايام سريعة على ابوحجاب فالخواجة مايكل كان من وقت الى اخر يقضي بعض الوقت في محل ابوحجاب للادوات الاثرية ياتي ويثرثر عن اعماله الكبيرة ومشاريعه المربحة.
وفي احد المرات كانت مفاجأة لابوحجاب حين دعاه الاشقر الوسيم الى منزله في شمال المدينة.
هناك تناول ابوحجاب اطعمة غريبة لم يذقها في حياته وقابل زوجة ابو فولهر كما كان يطيب لابوحجاب ندائه ساندي وابنائه الاثنين رواندا وجايسون ووعدهم في المرة القادمة ان يأتي هو و ان حجاب واذا كان محظوظين جدا يكون حجاب معهم ايضا.
مر شهرين بالتمام والكمال وحضر جابر فولهر الى ابوحجاب ومعه نفس الكيس المتسخ الذي اخذ به المال من ابوحجاب وقدمه الى ابو حجاب قائلا اليك مالك يا بوهجاب عدا ونقدا كاش موني مليون مائتين الف ريال ..ولا تحتاج الشيك ولا الذهاب للبنك.
اخذها ابوحجاب غير مصدق لامانة هذا الالماني العجيبة ودقته في المواعيد.
تكلم ابو حجاب قائلا " أسمع يا خواجة جابر .. اذا كنت في حاجة في أي وقت فلا تتردد في الحضور الي وسوف اعطيك تخفيضا ان اردت .. فأنا اعمل على طريقة المثل "من رد فهو لا يُرد"
والى المجهول غاب جابر بين الزحام تاركا ابو حجاب يفكر ويتمنى لقائه مرة اخرى.
مضت اشهر قليلة قبل ان يلحظ ابوحجاب مرة اخرى ذات الاشقر الانيق يخطو بثقة نحو ابو هجاب ".
"هلا وسهلا بالاشقر الغالي .. هلا ومرحبا بابو فولهر .. نورت السوق ياشيخ جابر اشتقنا لك."
وانفرجت اسارير جابر مايكل فولهر وهو يقترب ويسلم على ابوهجاب سلاما عربيا حاراً.
والله ما تصدق ياخواجة جابر ما بقي احد من اهل السوق الا وسمع عنك وكلهم يتمنون معرفتك ولكني قلت لهم انك تعرفني انا فقط .. خبرك البرستيج ياخواجة.
ضحك جابر وقال لابوحجاب" اسمع ابو هجاب انا انسان احب الشغل كثير واحب يصير فيه فايدة لي ولاصدقائي"
"لكن عندي مشكلة كبيرة واحتاج مساعدتك مع اني اعرف انك يمكن ما تقدر ولازم تكون واضح معي اذا تقدر تقول واذا ما تقدر مافيه مشكلة اشوف مكان ثاني"
رد ابو حجاب بعد احس بقليل من الاهانة " افا عليك يا خواجة .. ماقالو لك في جرمانيا ابوهجاب يقدر يسوي كل شي؟ " افا عليك بس"
" وش موضوعك وخلينا نشوف ؟"
اعتدل جابر مايكل في جلسته على ذلك الكرسي الوضيع وبداء بالكلام الجاد
المشهد الرابع
" انا دخلت في مشروع كبير واحتاج تمويل كبير كمان .. المشروع لشركة الكهرباء قيمته خمسين مليون ريال
عندي اربعين مليون وباقي عشرة مليون احتاجها .. لكن انا اعرف ان المبلغ كبير عليك وانت ما تقدر لكن انا اقول ابوهجاب لازم اول وبعدين اشوف طريقة ثانية."
غضب ابو حجاب وقال " لا تكرر هذا الكلام يا جابر انا قدها وقدود يا خواجة .. لكن كم الوقت والمربح ؟"
ضحك جابر ابن مايكل وقال" هون عليك يا بوهجاب انت بزنسمان كبير وتقدر على كل شي .. المدة ثمانية أشهر والمربح اربعين في المية يعني عشرة مليون ارجعها لك اربع عشرة مليون قصدي اربعتعش مليون ريال" لكن انت تقدر ولا لا؟"
قال جابر "مر علي بكرا الصباح وستجد المبلغ جاهزا "
قالها بثقة فاجئت الالماني فقال " متأكد أبو هجاب؟"
قال أبو حجاب "نعم انا قدها وقدود يا بو مايكل."
وما ان غادر جابر مايكل فولهر المحل الا و قد عقد ابوحجاب اجتماعا على مستوى القمة لكبار ملاك السوق الشعبي الذين يعملون معه بنفس الصنعة ..
اثناء الاجتماع عرض عليهم الاشتراك معهم حسب ما طلبوا منه سابقا عندما حدثهم عن الالماني.
وانتهى الاجتماع بتوفير المبلغ كاملا حسب ما توقع ابوحجاب.
في الغد حضر جابر مايكل فولهر واعطاهم شيكا بالمبلغ واخذ منهم عشرة ملايين ريال وتوجه خارجا من السوق محفوفا بالتكريم والتحية.
مرت الايام ولم يعد جابر مايكل فولهر لزيارة ابوهجاب كما كان متوقعا .. وبداء اهل السوق في التبرم والضيق ... وابوحجاب يدافع عن الالماني النزيه ويذكرهم انه سبق وان اعاد ما استلف منه .. وانه مسلم .. واسمه جابر .. جميع ذلك لم يغير من الحقيقة شي ... انه لم يظهر منذ اخذ العشرة ملايين ريال.
وقرروا اخيرا الذهاب الى شركة الكهرباء والبحث عن جابر مايكل فولهر.
ذهبوا جميعا ويا للاسف لم يجدوا له اثرا .. وفجأة تذكر ابوحجاب احمد الصديق الذي ذكره مايكل فولهر. فطفقوا يبحثون عنه في الشركة ولحسن الحظ وجدوه.
استقبلهم احمد وعندما سألوه عن جابر مايكل اخبرهم ان الالماني سافر بتأشيرة خروج نهائي الى المانيا منذ خمسة أشهر وانه لن يعود حسب ما يعرف احمد .. وما زاد الطين بلة ان احمد لم يعلم ان الالماني تعامل مع ابو حجاب او غيره.
و اختفت عشرة ملايين ريال في سبيل الربا على أبو حجاب وربعه .
قال تعالى
{يَمْحَقُ اللّهُ الْرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ }البقرة276
بس خلاص .. انتهت القصة
وللعلم فالقصة حقيقية في الاحداث الاساسية مع تغير في الاسماء والارقام
|