كانت السماء صافية , حين رأيتها من شرفة غرفتي ,
تأملت لحظة ساحرة حين اختفي نور النهار وظهرت ظلمة الليل
فتناهت إلى سمعي أصوات فإذا بالنهار و الليل
يتبادلان الحوار , أصغيت إليهما , فسمعت :
النهار ....
أنا الذي أقسم الله بي إذا تربعت على عرش السنا ,
فقال ( و النهار إذا تجلى )
وتوجت سور بإسم أوقات ولادتي من
( الضحى , النور , الفلق (
الليل .....
أما أنا فنلت نصيبي من شرف القسم
والليل إذا يغشى - والليل إذا سجى
و أنزلت سورة باسم مظاهري من
( القمر و النجم (
وزدت بالتشريف بتتويج سورة باسمي الحقيقي .
النهار ....
يكفيك بينة أن الله محى آية الليل و جعل آيتي مبصرة ,
و لم يساوي بين الظلام و النور
,
و جعل لي سراجا وهاجا .
الليل ....
كيف تناضلني و مني كان انسلاخك و ظهورك ,
و بي أرخت أعوامك و شهورك ,
و في ظلامي يرى الناس زينة السماء من قمر و كواكب .
النهار ....
أيها الليل هلا قصرت من إعجابك ,
أما خصني الله بمعظم أوقات الصلوات ,
و أتحفني بالصلاة الوسطى ,
و صلاة يوم الجمعة و العيدين ,
و بالصيام ووقوف عرفة .
الليل ...
أليس العيد بظهور هلالي ؟
وبدء الصيام و الحج بتحريه ؟
و في وقتي صلوات
القيام لأهل اليقظة و الاستغفار ,
وشرفني الله بنزوله إلى السماء الدنيا
في الثلث الأخير من وقتي ,
و شرفني بليلة القدر و أسرى بعبده ليلا .
النهار ...
لكن أنا الحياة و أنت الجمود ,
أنا العمل و أنت الخمول ,
أنا الحركة و في كل حركة بركة
,
فقد جعلني الله معاشا .
الليل ...
كيف تحسب السكون جمودا ,
أنها الراحة من عناء تعب عمل النهار ,
كما أنني مجمع السمار و الأفراح
و مكمن الأسرار و التسبيح .
النهار ....
أنا رمز الجمال عند الإنسان ,
فوجه الحسناء كالصبح مشرق ,
و لكن جعلوا الظلم من ظلماتك .
الليل ..
و من سوادي شبهوا شعر الحسناء ,
و جعلوا الشيب من بياضك .
وكلما أذنت الشمس بالغروب
وأقبلت بأستار ظلامي
وقلت لك هيا اذهب وأغرب عن وجهي
وأجعل المجال لسوادي
فإنك تغيضني وتخنقني قهرا
فأنت تبدل ظلامي في كل فجر
وكأنك تنسى إن هناك
من شاطرك اليوم وقاسمك الساعات .
أجاب النهار ببروده أعصابه :
لا تنسى مالي من فضل على جميع الكائنات
وانه بسببي تدب الحياة من جديد
ويذهب كل كائن إلى ما هو سائر بضوئي
تفرح الأرض وتعمر الخيرات في الكون كله
فمن هو أولى أنا أم أنت ذات اللون الأسود .
اغتاض الليل ورد وهو يصرخ :
لا تنسى مالي من فضل وأن الأجسام ترتاح في ظلامي
والكل ينسى هم نهاره في سوادي
ويسرح في أحلامه
إذ يعيش بعيد عن قلق ومتاعب الحياة .
قال النهار : ولكن ؟
هل نسيت أن ظلمتك هذه التي تفتخر بها
كانت سترا للجافي وسلاحا للسارق
فأنت تعينه على فعل جريمته.
فأجاب الليل وهو حزين :
لا تنسى أن معاصي العبد كله
ليس في ظلامي
بل هي تارة تكون أيضا في النهار ,
أنسيت المجاهرون بالسيئات .
و لما أشتد ما بينهما ,
قلت لهما :
أقصرا عن الجدال ,
و استغفرا الله عن العجب و الصلف
و ليعفوا الله عما سلف ,
و أجنحا للسلم و الصلح خير ,
فكل منكما آية لله في الكون ,
يولج الليل في النهار
و يولج النهار في الليل ,
قال الله تعالى
( وجعلنا الليل لباسا وجعلنا النهار معاشا(
و منكما يتكون اليوم ,
و اليوم فيه نسكي و محياي ,
فأنتما عمري ,
و إذا بالليل و النهار
يتصافحان و يتعانقان....
فصمت النهار برهة ثم قال :
لقد أخطانا ونسينا أن لكل واحد
منا شغل وآمال ولكل منا ميزة وافتقار
وان الله لايخلق الخلق عبثا
فكل سائر إلى شغله
وما أوجدنا الله إلا لينتفع بنا العباد
فهيا نمضي قدما في خدمه الإله
حتى تفنى هذه الدنيا بسلام
الم يقل الله تعالى
( قل ارءيتم أن جعل الله عليكم النهار سرمدا
إلى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم
بليل تسكنون فيه أفلا تبصرون )
سورة القصص أيه ( 71)
هيا دعني اذهب وألم شتات ضوئي
لتسدل سوادك ويرتاح الناس من مشاق اليوم