[الفنون]

يتسبب «الغبار الكثيف» الناجم عن المواقف «الملتبسة» لزعيم التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط بـ «سوء انقشاع» سياسي في بيروت يطال واقع التحالفات في «14 مارس» والوقائع المرتبطة بتشكيل الحكومة الجديدة، وتالياً بمجمل الحركة السياسية في البلاد.
والأكثر اثارة في المشهد السياسي اللبناني المعقد، الذي يختلط فيه الداخلي بالاقليمي، استمرار «الحال الجنبلاطية» أشبه بـ«قطبة مخفية» يصعب معها تحديد مسار التطورات التي تعاني مراوحة، تنتظر للخروج منها عودة الرئيس المكلف تشكيل الحكومة سعد الحريري من «إجازة التفكير» في الخارج.
فالسؤال الأساسي في بيروت الآن يرتبط بـ «الموقع الجديد» لجنبلاط الذي اوحى برغبته مغادرة تحالف «14 مارس» ثم اوحى بعدم مغادرته لكن بـ «شروطه»، مع ميل للحفاظ على تحالفه مع الحريري و«أخذ مسافة» من مسيحيي «14 مارس» كأحزاب وشخصيات.
وسيكون من الصعب معرفة «الخيط الابيض من الاسود» في تموضع جنبلاط قبل عودة الحريري الى بيروت، المرتقبة اليوم او غداً، بحسب ما افادتنا به اوساط بارزة في «تيار المستقبل»، اذ من المتوقع انعقاد اجتماع سيكون على جانب كبير من الاهمية بين الحريري «الغاضب» وجنبلاط المستمر في صخبه السياسي - الاعلامي.
ولم تشأ اوساط بارزة في «تيار المستقبل»، الذي يتزعمه الحريري اجراء اي مقاربة، لا سلباً ولا ايجاباً، لمواقف جنبلاط و«حصيلتها»، وفهم، في هذا السياق، ان الحريري الممتعض من حركة حليفه وما نجم عنها من ارباكات، طلب من نوابه عدم التعليق على «المواقف اليومية» لزعيم «الاشتراكي».
وقالت اوساط بارزة في «14 مارس» لـ «الراي» ان الاضرار الناجمة عن مواقف جنبلاط وقعت، وما يجري الآن هو محاولة للحد من تداعياتها وأكلافها في مرحلة بالغة الحساسية، ترتبط بترسيم التوازنات في الداخل من خلال الحكومة العتيدة، وبترسيم توازنات مماثلة على المستوى الاقليمي.
وأخذت هذه الاوساط على جنبلاط قراءته للواقع الاقليمي بـ«المقلوب»، فهو يعتقد ان المجتمعين العربي والدولي يزحفان الى سورية في الوقت الذي تعبّر سورية بـ «مرونتها» عن الحاجة الى الانفتاح على العرب والعالم من بوابة الحوار مع المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة.
غير ان قريبين من جنبلاط يجزمون بأن ملف علاقته بسورية منسق تماماً مع المملكة العربية السعودية التي ابدت تفهماً لمواقف جنبلاط الذي يحرص على علاقته التحالفية مع الحريري ويرغب بـ «التمايز» الذي يحفظ له خصوصيته بالنسبة الى الدروز.
كل هذه المسائل ستكون، وبحسب مصادر في الاكثرية، على الطاولة مع عودة الحريري الذي فتح خطوط «هاتفه» وأجرى اتصالات من مكان اقامته في جنوب فرنسا مع شخصيات محدودة في بيروت، ربما تمهيداً لمباشرته المشاورات في شأن تشكيل الحكومة فور وصوله.
ولفت في هذا السياق ما نقل عن اوساط المعارضة التي تتجه الى «تكبير» حجم شروطها حيال الحكومة عبر توظيف «مكتوم» للإرباك الذي احدثه جنبلاط للحريري ولفريق الاكثرية، حيث اشارت الى انها تعكف على اعداد «لائحة مطالب» جديدة تتعلق بالحقائب والاسماء في الحكومة المقبلة.
وترجم رئيس البرلمان نبيه بري امس قراره بـ «الصيام» عن الكلام حتى صدور مراسيم تأليف الحكومة الجديدة، واستقبل نائب رئيس الوزراء وزير النفط والطاقة القطري عبد الله العطية الذي قال بعد اللقاء: «صحيح كما قيل ان الرئيس بري صائم عن الكلام، ولكنه وضعني في الاجواء العامة، وتمنينا عليه ان يكون له مسعى أكبر لحلحلة المواضيع التي تواجه لبنان الان خصوصا تشكيل الحكومة العتيدة».
اضاف: «علينا ان ننتظر، وأنا لدي ثقة تامة بأن دولة الرئيس، بما لديه من خبرة كبيرة جداً، سيتمكن من حلحلة الامور التي تواجه الحكومة فتتشكل في اقرب فرصة».
في غضون ذلك، توقفت الاوساط السياسية عند الهجوم العنيف الذي شنه الوزير طلال ارسلان على حلفائه في « 8 مارس» الذين اتّهمهم بمصادرة قرار المعارضة .
ونقلت «وكالة الأنباء المركزية» ان ارسلان يستعد للخروج من صف المعارضة للانضمام الى حلف درزي - درزي جديد يضمه والنائب جنبلاط خصوصا بعدما تبلغ ان من الصعب استعادة موقعه في الحكومة العتيدة.
ورأت ان ارسلان الذي يستعد لترك المعارضة سينضم بسرعة الى جنبلاط ليحصل على مقعد من المقاعد المحايدة الدرزية الثلاثة وعندها سيكون ملتزما برئيس الجمهورية والرئيس المكلف اذا قبِل الاخير بالعروض التي قدمها جنبلاط أخيراً ومنها ما يتصل بتسمية وزيرين درزيين من دون ان يكونا من الاكثرية الجنبلاطية.
وكان ارسلان قال: «(...) لم أتوقف يوما عن مهاجمة المحاصصة اللعينة واعتبرتها أسوأ وأخطر وأنجس أنواع الاقطاع السياسي والمالي (...) وعلى سبيل المثال لا الحصر، فان هذا النظام الفاسد المفسد يجعل مني أنا، طلال أرسلان، مواطنا من الدرجة الخامسة، ممنوع علي ما هو مسموح لمن هم في الدرجات الأربع الأولى. حقا يا للمفارقة، عذرا ان كنت قد تحدثت عن نفسي لكن قصدي هو تجنب الكلام المذهبي. هذه هي الحقيقة وهي حقيقة مأسوية جارحة مؤذية بالاضافة الى كونها تعبر عن انحطاط ما يمثله انحطاط»، مضيفاً: «نحن أحرار ونعطي دروسا في الحرية لمن يرغب في ذلك، ولأننا نعتبر أنفسنا من أهل البلاد الأصليين فاننا نتصرف دائما تصرف «أم الصبي». ولكن هذا لا يعني السكوت عن الظلم وهدر حقوقنا». وتابع: «هذا ينعكس أيضا على مسألة المشاركة في السلطة التنفيذية في الدولة أي في القرار السياسي الرسمي للدولة أي في الحكومة. فنحن كحزب ديموقراطي لبناني نحن من أهل المعارضة الحالية الأصلية، فإن كنا نتصرف في المعارضة أيضا كأم الصبي فلا يعني أن نقبل بان يتجاوزنا الحلفاء. ونحن كنا ولا نزال في الصف الأمامي في التصدي للمؤامرات الصهيونية - الاستعمارية، في أحلك الظروف تصرفنا كقدوة فما هي أفضلية حلفائنا علينا؟ وهل أن التصدي للاستئثار يمر عبر تجاهل حقوق الحلفاء؟ والى أي مدى يخدم هذا التصرف مبدأ الثقة؟».
وأعلن «أننا تقدمنا بعدة أسماء في الحزب الديموقراطي اللبناني كي يتم اختيار احدها بما ينسجم مع صيغة مشاركة المعارضة في الحكومة المقبلة. وقلنا للحلفاء اختاروا من تشاؤون وفق ما يخدم المصلحة العامة. مطلوب القليل من التواضع».
وزفّ ارسلان «بشرى» ان العلاقات اللبنانية - السورية «ستشهد بداية عصر ذهبي لم تعرف مثيلا له من ذي قبل».
وفي المواقف، رأى النائب ميشال فرعون (من تكتل الحريري) أن «مسار تأليف الحكومة تراجع بعد مواقف النائب جنبلاط، وكان هناك حاجة لمزيد من الوقت بغية توضيح هذه المواقف أمام الرأي العام وحلفاء جنبلاط والأطراف الداخليين والخارجيين التي تواكب هذا المسار، وإعادة تصويبها وتقويم آثارها وانعكاساتها على الصعيد الداخلي وعلى صعيد الأكثرية النيابية».
واعتبر فرعون أن «التوضيحات والتصريحات المباشرة وغير المباشرة التي أتت رغم كونها غير كافية لتحديد مفاعيلها على المدى الطويل، تكفي لإعادة تفعيل الحوار»، مؤكدا أن «المساعي جارية لاستكمال عملية التأليف والتوافق على الخطوط العريضة والضمانات التي تسمح بالتقدم والحفاظ على المكتسبات». وأشار إلى «عقدة العماد ميشال عون وإصراره على التمسك بوزارة لأسباب مجهولة، وبوزير لم ينجح في فحص المحاسبة أمام الناخبين»، مشددا على «وجوب حسم هذا الأمر بسرعة».
ولفت إلى أن تأثير مواقف جنبلاط على حركة وائتلاف 14 مارس «غير واضح بعد وهو أمر متروك لنقاش جدي مع ضرورة الحفاظ على المبادئ التي هي جزء من الثوابت الوطنية وملك الجمهور قبل أن تكون ملك القيادات، من دون إغلاق أبواب الانفتاح الذي بدأ قبل مواقف رئيس «اللقاء الديموقراطي»، والذي يجب أن يستمر شرط أن يصب في المصلحة الوطنية وألا يكون مفصلا على قياس أي طرف».
وأكد أن الرئيس المكلف سيعود الى بيروت، معلناً «أن تأليف هذه الحكومة أصعب من تأليف حكومة الدوحة الذي استغرق 53 يوما، والتطورات تدل على ان هناك حاجة لاستكمال المعالجات إنما لا توحي ان الأزمة مفتوحة».
وأعلن نائب «حزب الله» حسين الحاج حسن «أن التطورات التي حصلت ستزيد حرارة الاتصالات بشأن تشكيل الحكومة لأنه من مصلحة الجميع تشكيل الحكومة في أقرب فرصة ممكنة، خصوصا انه تم الاتفاق على الإطار السياسي وعلى مفهوم تطبيق مبدأ الشراكة في هذه الحكومة التي تحقق للجميع دورا فاعلا ومؤثرا في قراراتها».
وقال: «نحن كمعارضة وحزب ايجابيون ومنفتحون، وكما سهلنا في الأيام والأسابيع الماضية، نحن مستعدون للايجابية لتسريع تشكيل الحكومة».
وكان رئيس «تيار المردة» النائب سليمان فرنجية اكد أنّ النائب جنبلاط «لا يقتنع بأي شيء يقوم به، سوى حماية المجتمع الدرزي، وكل ما قام به أنه ركب تلك الموجة ضد السوريين ومشى، واليوم يرى أن هناك تغييراً في السياسة الإقليمية والدولية، وهو يحاول أن يركب الموجة مجدداً، وهو أجرأ من غيره».
وأوضح فرنجية في حديث الى برنامج «كلام الناس» عبر شاشة «المؤسسة اللبنانية للإرسال» أنّ قوة جنبلاط «هي بوجود جمهور وراءه ونواب يذهبون معه أينما ذهب، وبذلك أصبح مكسباً للسوريين».
وشدد على أنّ زيارة رئيس «اللقاء الديموقراطي» لسورية «ستكون لقاء مصالحة ولفتح صفحة جديدة». وقال: «جنبلاط خائف وأعلن خوفه من أن المحكمة الدولية قد بدأت تتعرض للتسييس، خصوصاً أنها قد تمهّد لفتنة داخلية وتجرّ البلد إلى مواجهة»، لافتاً إلى أنّ البعض يراهن على استدعاء قيادات من حزب الله إلى المحكمة، وبالتالي يضع الحزب المعارضة في موقع دفاعي لمدة عامين».
وعن المحكمة أيضاً، قال فرنجية إن هناك من يعتقد أنه في حال صدور قرار يدين حزب الله «فسيخرج سعد الحريري ليقول أنا أرفض إدانة حزب الله، ثم عندما نرفض أي مشروع سيقومون علينا بأن الحريري تخلى عن الحقيقة فداءً للوطن، فهل تشككون اليوم بمشروعه الاقتصادي؟».
وعن الموقف السوري العام، قال: «سورية تشتغل سياسة، وهي حين ترى مكسباً لها ولجوّنا السياسي فإنّها لا تقول لا»، مشيراً إلى «أنّ سورية تقوم بما يصبّ في مصلحتها، «فإن كانت تناسب مصلحة لبنان فلا بأس، وإن لا فإنه يقوم بمصلحة سورية». وقال إنه قبل الانتخابات «بدأت الضغوط على الرئيس السوري بشار الأسد كي يتدخل في لبنان وفي الانتخابات، وبعد نتائج الانتخابات، جاءت الدول لتقول لسورية شكراً لأنكِ لم تتدخلي في الانتخابات، والآن ساعدينا على تأليف الحكومة، لكن سورية أجابت: لم أتدخل في الانتخابات، فلن أتدخل في تأليف الحكومة».

[احمد نادر]

الف الف شكر لك اخي الفنون ..


-