أصداء «لاءات الخرطوم الثلاث» تتردد في العالم العربي من جديد الآن وفي اعقاب الجهود المكثفة التي بذلها مبعوث الولايات المتحدة للشرق الاوسط جورج ميتشيل من اجل اعادة اطلاق العملية الدبلوماسية التي ستؤدي للسلام الشامل في المنطقة، يبدو ان ردود العالم العربي ستتماثل مع تلك اللاءات الثلاث الشهيرة التي اعلنها في الخرطوم بعد حرب عام 1967.
ففي صيف ذلك العام، اجتمع زعماء الدول العربية بعد الحرب في العاصمة السودانية وقالوا: لا للسلام مع اسرائيل، لا للاعتراف بها ولا للمفاوضات معها.
حسن، لقد اصبحت تلك المرحلة جزءاً من الماضي الآن، لكن ثمة ثلاثة مؤشرات مهمة انطلقت من العالم العربي في الآونة الاخيرة وهي كلها سلبية.
ففي خطاب له بمناسبة عيد الجيش السوري قال الرئيس بشار الاسد ان سورية لن تدخل بمساومة حول مرتفعات الجولان، وان اعادة هذه المنطقة اليها امر غير قابل للتفاوض، وان الجولان ستبقى عربية وتعود للوطن. وهذه بالطبع الـ «لا» الاولى، وهذا ليس بالامر المفاجئ في الحقيقة لأن سورية كانت تقول دوما ان المفاوضات مع اسرائيل لن تبدأ الا بعد التزام اسرائيل الشامل بالانسحاب من مرتفعات الجولان. غير ان هذا الموقف يقودنا لسؤال بسيط جدا: اذا وافقت اسرائيل على الانسحاب قبل المفاوضات فحول ماذا بالضبط ستكون المفاوضات بعد ذلك؟
اللاء الثانية التي توشك ان تنطلق جاءت من خلال تقارير الصحافة العربية التي اعلنت ان حركة فتح سوف ترفض نداء رئيس الحكومة الاسرائيلية بنجامين نتنياهو الذي دعا فيه الجانب الفلسطيني للاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية.
ان من شأن هذا الرفض في حال تأكده ان يشكل بالطبع انتكاسة للمحاولات التي تستهدف اعادة اطلاق العملية الدبلوماسية لأن حكومة اسرائيل ستواجه مشكلة في دفع عملية السلام اذا لم يقتنع الرأي العام الاسرائيلي بأن الاتفاق الذي سيتم التوصل اليه في المستقبل سيضع حدا نهائيا للصراع.
ان رفض الفلسطينيين الاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية يعني ان مشكلة اللاجئين ستبقى دون حل وذلك لأن الفلسطينيين يطالبون دوما بحق احفاد اللاجئين الفلسطينيين الذين نزحوا عام 1948 بالعودة الى «اسرائيل». وبدورها، سوف تستمر اسرائيل برفض هذا الطلب لأنه يعني نهاية لها كدولة يهودية.
ولا بد ان تكون «اللاء» الثالثة التي حملتها الايام القليلة الماضية قد شكلت اكبر خيبة امل لادارة الرئيس اوباما، وذلك لأنها اظهرت ان كل عمل ادارته المكثف على مدى الاشهر القليلة الماضية لم يصل لشيء جوهري بعد.
فقد وقف وزير خارجية المملكة العربية السعودية الأمير سعود الفيصل بجوار نظيرته الامريكية هيلاري كلينتون في وزارة الخارجية الامريكية وقال ما معناه: ان على اسرائيل ان تنسى ان بمقدورها الحصول على اية مؤشرات أو اجراءات لبناء الثقة من المملكة العربية السعودية.
واضاف: نعتقد بان نهج «الخطوة خطوة» لم ولن يحقق السلام، كما لن تحققه ايضا اجراءات بناء الثقة والامن المؤقت.
واضاف: ومن الملاحظ ان اسرائيل تحاول الآن ابعاد الاهتمام عن المسألة الاساسية المتمثلة في انهاء الاحتلال الذي بدأ عام 1967 ومن ثم اقامة الدولة الفلسطينية، وهي تهتم بقضايا عرضية مثل المؤتمرات الاكاديمية والطيران المدني وكل هذه الاشياء لا تشكل طريقا للسلام.
ومثلما فعل السوريون، اكد سعود الفيصل ان الحوار لن يبدأ مع اسرائيل الا بعد انسحابها اولا وبالكامل من الضفة الغربية، القدس الشرقية ومرتفعات الجولان.
وبذا يكون الفيصل قد رفض بوضوح تام خطة ادارة اوباما التي دعت العالم العربي وعلى رأسه السعودية لابداء ولو مؤشر ضعيف للاسرائيليين كالسماح لطائراتهم بالتحليق في المجال الجوي السعودي وهي في طريقها الى تايلاند أو عقد اجتماعات اكاديمية، وذلك لكي تصبح اسرائيل في مزاج افضل يدفعها لتقديم التنازلات التي طالما ترددت في تقديمها بالماضي.
جدير بالذكر ان خطة ادارة اوباما استندت في فكرتها الى مبدأ الطلب من كل طرف شيئا يقدمه للطرف الآخر. فقد طلبت من اسرائيل علنا التنازل في مسألة المستوطنات والسماح بحرية اكبر لحركة الفلسطينيين في الضفة الغربية. وطلبت من الفلسطينيين تحسين وضع الامن والكف عن التحريض كما طلبت من العالم العربي البدء بخطوات بناء الثقة مع الاسرائيليين. لكن وزير الخارجية السعودي اغلق الباب على ما يبدو امام اية مؤشرات سعودية مما اصاب ادارة اوباما بخيبة امل كبيرة على الرغم من محاولة كلينتون تدارك الامر بشكل غير مفهوم عندما قالت ان ما قاله وزير الخارجية السعودي بانجليزية واضحة لا يشكل انتكاسة لخطط ادارتها.
غير المصادر في اسرائيل كانت اقل تمسكا بالاسلوب الدبلوماسي. فقد قال مصدر رفيع في الحكومة الاسرائيلية: منذ سنوات والعالم العربي غير منخرط مباشرة بعملية السلام، وهو يتخذ موقف المتفرج في مباراة لكرة القدم، ولا يشارك فيها كلاعب. لذا اذا استمر في هذا السلوك سيفقد عندئذ قدرته على التأثير في عملية السلام. ومن المؤكد ان قدرة اسرائيل على التحرك الى الامام سوف تكون محدودة ايضا.
إذاً، وبعد ستة اشهر من دخول اوباما البيت الابيض، وتعامله على نحو جاد بمسائل الشرق الاوسط، كان كل ما حصل عليه مع مبعوثيه الذين اجروا محادثات مكثفة في المنطقة، هو عدم ثقة الرأي العام الاسرائيلي به، واستمرار العالم العربي في رفضه القيام بأي تحرك عملي تجاه اسرائيل. هل هي عودة الى لاءات الخرطوم الثلاث؟. |