25-08-2009, 03:15 PM
|
#1 (permalink)
|
عضو شرف
العــضوية: 3807 تاريخ التسجيل: 01/07/2009 الدولة: الكويت
المشاركات: 4,963
| أحمد زكي«جاك نيكلسون» العرب ... شخصياته على الشاشة... سكنت جسده وسجنته
ساحر في أدائه لشخصياته... مرعب في تقمصه لأدواره... إطلالته على الشاشة الكبيرة أو الصغيرة وحتى على خشبة المسرح مختلفة إلى حد التميز ومتميزة إلى حد التفرد، استحق عن جدارة أن يستحوذ على نصف دستة ألقاب - أو أكثر- لا ينازعه فيها أحد.
فهو «العبقري»... رئيس جمهورية التمثيل... الامبراطور، المريض بالفن... زعيم مدرسة فن التقمص... وجاك نيكلسون العرب.
هكذا قالوا عن النجم الأسمر الراحل أحمد زكي الذي رحل عن عالمنا قبل 4 سنوات وعدة أشهر لكنه بقي خالدا في ذاكرة «الفن السابع» بأفلامه المتفردة.
هذا «الفتى الأسمر»... الذي عانى اليتم والحرمان والانكسار منذ ولادته في مدينة الزقازيق «عاصمة محافظة الشرقية»ـ على بعد نحو 85 كيلو مترا شمال شرق العاصمة المصرية - جاء إلى القاهرة «هوليوود الشرق» ليقلب الموازين في عالم السينما، ويصبح بالرغم من سمرة وجهه التي تشبه طمي النيل فتى الشاشة الذي تفوق على نجومها السابقين والمعاصرين له حتى ان نجم هوليوود روبرت دي نيرو والفنان عمر الشريف... أكدا أنه لولا حاجز اللغة لأصبح «ابن الزقازيق» نجما عالميا لا نظير له.
عندما تشاهد أعمال «أحمد زكي» على الشاشة فأنت ترى نجما فوق العادة... ملامحه منحوتة من أرض مصر... يتكلم ويعبّر فتشعر أنك أمام بطل شعبي وليس ممثلا يعشق الفن إلى حد الجنون، حتى انهم قالوا عنه «صاحب مدرسة الفن المنحوت»، وقالوا: إنها مدرسة من إبداعه... وربما لهذا أحبه الجمهور واعتبره بطله الأول الذي يحرص على مشاهدة أفلامه.
أسرار ومواقف وحكايات مثيرة كثيرة في حياة أحمد زكي... سنتعرف عليها في 30 حلقة، عبر «الراي»... نقترب من شهادات عدد من الذين اقتربوا منه وآراء النقاد وزملاء المشوار لنعرف النجم الأسمر عن قرب، ونعرف ما كان بداخله وكيف استطاع الوصول إلى هذه المكانة، وكيف استحوذ على قلوب عشاق السينما والمسرح والتلفزيون، وكيف أحبه كل من عمل معه، وكل من تعامل معه... فابقوا معنا... حلقة بعد أخرى.
قالوا إن شخصيات أفلامه تحكم عليه بالسجن الموقت، تسكن تحت جلده، ترفض أن تغادر روحه إلا بطلوع الروح... هكذا كان أحمد زكي على شاشة السينما. خاض رحلة انتصار عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين ضد العتمة وظلام الجهل، وكان مسلسل «الأيام» الذي لم يستطع أحمد زكي التخلص من جبال الأعباء والأزمات التي صادفت بطله الحقيقي إلا بعد سنوات، تحمل مسؤولية أمة تحاول أن تنقذ نفسها من براثن الاستعمار والهيمنة.
فكان أحمد زكي هو ناصر 56 الذي عاش عقب انتهاء تصوير الفيلم فترات طويلة يدفع عن ذاته غبار الظروف الصعبة التي واجهت الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر وعواصف القلق والاضطراب التي هبت عليه خلال معارك التحرير.
وجد نفسه بين يوم وليلة مسؤولا عن إعادة الكرامة للأمة العربية التي ضاعت مع الساعات الأولى لصباح نكسة يونيو العام 1967، فجسد أحمد زكي شخصية الرئيس المصري الراحل أنور السادات وكشف في أيامه عن تضاريس السادات الإنسان والقائد حتى وصل معه إلى نصر أكتوبر المجيد.
لم يشأ أحمد زكي أن يرحل من دون أن يحصل على نصيبه من رحلة معاناة العندليب الأسمر عبدالحليم حافظ الذي عشقه ملايين الجماهير فكان فيلم «حليم» الذي أيقظ مشاعر اليتم داخل أعماق النجم الأسمر.
نجم... فوق العادة
ويرى كثير من نقاد السينما أن هذه الحالة الفنية النادرة صنعت نجما فوق العادة اسمه أحمد زكي، معتبرين أنه أهم موهبة في فن التمثيل في مصر خلال الثلاثين عاماً الاخيرة على الأقل من خلال أفلامه «البيه البواب» و«أرض الخوف» و«شفيقة ومتولي» و«هستيريا» و«ضد الحكومة» و«الهروب» و«البريء» و«الحب فوق هضبة الهرم» وغيرها.
ويؤكد الناقد الفني المصري أحمد شوقي عبدالفتاح في كتابه «أحمد زكي... الموهبة والتفرد»... أن زكي كان يتمتع بموهبة فذة، واصفاً إياه بأنه «ممثل نادر الوجود».
معتبرا أن نجاحه كان هو ثمرة مشتركة بينه ونخبة من مخرجي الثمانينات، وعلى رأسهم محمد خان الذي قدم مع زكي أفلاماً، منها «زوجة رجل مهم» و«أحلام هند وكاميليا» و«أيام السادات».
وتساءل عبدالفتاح: هل أحمد زكي بطل شعبي؟، مشيراً إلى أنه قدم في مسيرته الفنية أدوار ابن الطبقة المتوسطة، كما قدم أفلام المهمشين «في جراءة فنية خاصة تحدى بها نفسه قبل المجتمع، ولكن هل هذه الأدوار ما يجعله بطل الأحياء الشعبية؟».
ولفت إلى أدوار أو نماذج بشرية قدمها في أعماله «خرجت من تفردها إلى الحالة الجمعية»، ومنها شخصية منتصر في فيلم «الهروب» التي تختلف عن شخصيتي الرئيسين المصريين السابقين جمال عبدالناصر وأنور السادات اللذين برع زكي في تقمص شخصيتيهما.
وقال: إن زكي الذي كان سببا في نجاح فيلم «ناصر 56» تقمص شخصية عبدالناصر الذي كان يزوره في المنام كما قال مؤلف الفيلم محفوظ عبدالرحمن... إنها لحظات يأتي فيها عبدالناصر ويحل في الجسد لبرهة وينصرف، ويعرف أحمد زكي المواءمة بين التقاء الأرواح ولقاء العين بالكاميرا، إنه عمل خيالي مئة في المئة، وقد توارى أحمد وراء هوية عبدالناصر التي اتضح أنها طاغية بفعل روعة أداء الممثل.
وأضاف: أداء زكي في فيلم «أيام السادات» كان أكثر توهجا وأطول نفسا وأعمق شعورا رغم تباين الحالات الانفعالية على عكس فيلم «ناصر56».
لحظة نقية
ويقول أحمد زكي عن شخصياته السينمائية: الشخصيات التي أديتها في السينما حزينة، ظريفة، محبطة، حالمة، متأملة... تعاطفت مع جميع الأدوار، غير أنني أعتز بشخصية إسماعيل في فيلم «عيون لاتنام»، فيها أربع نقلات في الإحساس... في البداية الولد عدواني جداً كريه جداً، وساعة يشعر بالحب يصبح طفلاً... الطفولة تجتاح نظرته إلى العالم وإلى الآخرين... لأول مرة الحب، وهاهو يبتسم كما الأطفال، ثم يعود يتوحش من أجل المال، ثم يحاول التبرئة، ثم يفقد صوابه... كلها نقلات تقتضي عناية خاصة بالأداء. في «عيون لا تنام» جملة أتعبتني جداً، جعلتني أحوم في الديكور وأحرق علبة سجائر بأكملها.
مديحة كامل تسأل: إنت بتحبني يا إسماعيل؟ فكيف يجيب هذا الولد الميكانيكي الذي يجهل معنى الحب، وأي شيء عنه ؟ يجيبها: أنا ما عرفش إيه هو الحب، لكن إذا كان الحب هو أني أكون عايز أشوفك باستمرار، ولما بشوفك ما يبقاش فيه غيرك في الدنيا، وعايزك ليّه أنا بس... يبقى بحبك. سطران ورحت أدور حول الديكور خمس مرات... لحظة يبوح ابن آدم بحبه، لحظة نقية جداً، لابد أن تطلع من القلب... إذا لم تكن من القلب فلن تصل... واحد ميكانيكي يعبر عن الحب، ليس توفيق الحكيم وليس طالباً في الجامعة، وإنما ميكانيكي يعيش لحظة حب... هذه اللحظة أصعب لقطة في الفيلم.
على الشاشة، تألق أحمد زكي في شخصيات من الطبقة الفقيرة، وراح في كل مرة يقدم وجهاً أكثر صدقاً للمصري الأصيل، واحتفظ بميزة التعبير عن الإنسان الشعبي...ويفسر أحمد زكي ذلك بقوله: تغيرت السينما كثيراً عما كانت عليه وزادت الشخصيات تعقيداً، والسينما الواقعية اليوم ليست تلك التي تنزل فيها الكاميرا إلى الشارع فقط، بل أيضاً تلك التي تتحدث عن إنسان الحاضر بكل مشاكله وأفكاره ودواخله.
شخصيات... رمادية
كما يرى أحمد زكي أن التركيبة الشخصية اختلفت باختلاف الأدوار التي أداها: صحيح لعبت دور صعلوك أو هامشي في أفلام «أحلام هند وكاميليا وطائر على الطريق وكابوريا»، لكن كل دور له شخصية مختلفة. شخصيات اليوم غالباً رمادية ليست بيضاء وليست سوداء... ليست خيرة تماماً وليست شريرة تماماً، وما على الممثل سوى ملاحظة الحياة التي من حوله حتى يفهم أن عليه أن يجهد ويجتهد كثيراً في سبيل فهم هذه الحال.
والواقع أن أحمد زكي عرف كيف ينتقل من دور إلى آخر حتى لو لم تكن هناك قواسم أساسية مشتركة بينها. فهو الفلاح الساذج في فيلم «البريء»، ومقتنص الفرص الهائم على وجهه في فيلم «أحلام هند وكاميليا»، وابن الحي الذي قد يهوى، إنما يحجم ويخجل في فيلم «كابوريا»، كما هو الضابط القاسي الذي يفهم حب الوطن على طريقته فقط في فيلم «زوجة رجل مهم».
الأداء المقنع
والثابت المؤكد هنا قدرة أحمد زكي على تقديم أداء مقنع في كل هذه الحالات المختلفة، مقدرة يعتقد أنها ناتجة عن اهتمامه منذ الصغر بالملاحظة وحب التعبير. حيث يقول: اختزنت الكثير من الأحاسيس والرغبات الكامنة في التعبير عما أشعر به، لذلك تراني حتى الآن لا أهتم بالمدة التي ستظهر فيها الشخصية على الشاشة، بل بالشخصية نفسها إذا استطاعت إثارتي ووجدت فيها فرصة جديدة للتعبير عما بداخلي.
ولأن أحمد زكي يعشق شخصياته إلى حد الجنون فقد كان يرفض أن يقوم عنه دوبلير أو البديل بالأدوار ذات الطبيعة الخطرة، ويقول أنه في فيلم «عيون لا تنام» حمل أنبوبة غاز مشتعلة، وألقى بنفسه من سيارة مسرعة في فيلم «طائر على الطريق»، وأكل علقة ساخنة حقيقية في فيلم «العوامة 70 ».
ويعتقد أحمد زكي أن عدم استخدام البديل يعطي الفنان قدرة وتدريباً أكثر، وقد حمله هذا الاعتقاد على أن ينام في ثلاجة الموتى بعد أن أسلم نفسه للماكيير الذي كسا أو دهن وجهه بزرقة الموت والجروح الدامية كما اقتضي دوره في فيلم «موعد على العشاء». وقد بقي في الثلاجة إلى أن دخلت عليه بطلة الفيلم سعاد حسني لتكشف عن وجهه وتتعرف عليه بعد أن صدمه زوجها السابق بسيارته. وقد أعيد تصوير المشهد، الذي استلزم إقفال الثلاجة على أحمد زكي، عدة مرات حتى تأتي اللقطة التي لا تستغرق أكثر من بضع ثوان من وقت الفيلم مقنعة للمتفرج.
يقول عن تجربته داخل الثلاجة: أحسست بأن أعصابي كلها تنسحب وكأنما توقفت دقات قلبي وأنا أحاول تمثيل لقطة الموت... وقد ضغطت على قدمي بشدة لأنبه أعصابي وأنذرها.
وفي فيلم «طائر على الطريق»... أصر على تعلم السباحة، عندما طلب منه المخرج محمد خان أن يستعين بالبديل في مشهد السباحة، باعتباره لا يعرف السباحة، خصوصاً عندما علم منه أن التصوير سيبدأ بعد شهر ونصف الشهر.
فقد اختفى نحو أسبوعين، وعندما عاد قال لمحمد خان مازحاً: تحب أعدي المانش؟! فرد عليه: إزاي؟ قال: أنا عازمك على الغداء بجوار حمام السباحة بالنادي الأهلي. وأثناء جلوسهما هناك، ذهب أحمد زكي إلى غرفة الملابس، وارتدى ملابس السباحة، ثم حيا المخرج خان... وقفز في حمام السباحة وقام بعبوره عدة مرات بحركات فنية، وعندما خرج من الماء قال لمحمد خان: لقد ظللت أتدرب هنا 15 يوماً.
هذا هو أحمد زكي، الفنان الذي يعاني ويتعذب كثيراً من أجل شخصياته التي يؤديها. http://www.alraimedia.com/Alrai/Article.aspx?id=152060
|
| |