يعتبر «القرقيعان» من أهم العادات الرمضانية الشعبية في المجتمع الكويتي واحدى اكبر المناسبات السعيدة للاطفال بشكل خاص، ومؤخراً اتخذ القرقيعان اشكالا اخرى غير التي نعرفها في السابق ووجد طريقه ليصبح عادة او مظاهر تنتشر بين الكبار وتحديداً في السنوات الأخيرة السابقة ؛ وتحول مفهوم «القرقيعان» من ظاهرة وتقليد بسيط الى مناسبة كبيرة تقام بالفنادق الكبرى بالنسبة لدى البعض واصبحت مظهرا للتباهي بين الاسر، بل ان القرقيعان الان يرسل الى المنازل مع السائق.
ايضا تغير شكل ومضمون «القرقيعان» وانحرف عن شكله الاساسي والتقليدي واصبحت التكاليف التي تصرف عليه تتجاوز آلاف الدنانير في بعض الاحيان، اضافة الى اختلاف الشكل العام للاحتفال به الا ان القرقيعان يبقى ذكرى جميلة من الماضي ومن احدى العادات الجميلة لدى الكبار والصغار رغم اختلاف الزمن.
فلكلور شعبي
القرقيعان فولكلور شعبي مازلنا نحافظ عليه يذكرنا بعبق الماضي والتراث العريق، وعلى الرغم من أن الزمن تطور وتغير إلا انه ما زال موجودا، صحيح اختلف شكليا وفعليا، لكن كل هذه الأمور متوقعة بفعل الزمن وتغير الوقت، فاليوم ليس كما الأمس، ولا أبناء اليوم هم أبناء الأمس، فالتطور والعولمة والعمران والتوسع الذي شهدته البلاد والعالم بأسره إضافة الى ظروف الازدحام وأمور كثيرة غيرت المعنى الحقيقي والفعلي للقرقيعان.
فما كان يقدم في القرقيعان سابقاً أصبح مختلفا عما يقدم اليوم من حلويات ومكسرات منوعه لم تكن موجودة في ذلك الوقت، والقرقيعان عادة جميلة بالفعل وجميل الحفاظ عليها حتى وإن اختلف الأسلوب وإن كان عصريا أو جديدا فهو من التراث والحضارة التي هي نتاج الإنسان، كما أن القرقيعان موجود أيضا ليس في الكويت فقط إنما في دول عديدة مجاورة لنا، مثل السعودية وعمان وقطر والبحرين والإمارات والعراق، لكن الاختلاف في الأناشيد والغناء وليس في المحتوى والمغزى.
ليالي القرقيعان
ليالي القرقيعان في الكويت هي ليالي (14، 15، 16) من شهر رمضان المبارك. والقرقيعان في شكله التقليدي عبارة عن سلة كبيرة مصنوعة من سعف النخيل يُوضع بداخلها خليط من المكسرات من النخيل والفول السوداني «السبال» والجوز والتين المجفف إلى جانب بعض الحلويات.
وكلمة قرقيعان شعبيّه تعني الشيء المخلوط والمتعدّد الأصناف، وفي ليلة القرقيعان يسرع الأطفال، في تناول طعامهم للتجمع والتلاقي مع الأصدقاء للسير جماعات متفرقة صغيرة مرددين أهازيج وأغاني القرقيعان المعروفة، وفي ذلك الوقت كان الأولاد يرتدون الدشاديش القصيرة ويدهنون وجوههم بما يعرف «بالسنون» وهوبقايا لهب النار المتراكم على الحائط، ويحملون في أيديهم العصي الصغيرة «مقصي» وعلبا فارغة ويقرعون عليها بالعصي لتكون كأداة موسيقية تتماشى مع أهازيج القرقيعان، ويعرف عن الأولاد شقاوتهم ففي القرقيعان كانوا يتعاركون مع بعضهم البعض فكانت جماعة منهم تسطوا على حصيلة الجماعة الأخرى، وكانوا يتنافسون في الحصول على اكبر كمية من القرقيعان وفي أحيان كثيرة كانوا يتقاسمونها فيما بينهم، وكانوا أيضا عندما يطرقون الأبواب بحثا عن القرقيعان ولا يتوافر في بعض المنازل وترد عليهم صاحبة البيت وتقول لهم بأنه لا يوجد لديهم قرقيعان ويسألها الأولاد «جابلة» بما يعني غدا، فترد عليهم «لابلة» أي بعد غد وبالتالي يغنون أغاني عكسية ويقولون يسوق حماركم ولا ما يسوق ويقولون ويص ويص كل بيتكم جعاميص أووصاويص.
أما البنات فكن يلبسن الدراريع والبخانق البسيطة ويسرن خلف الأولاد في هذه الاحتفالية ليكن في حمايتهم وبمعيتهم في السكك والحواري القديمة، وان كانت القمرة «شقاقية» أي ضوء القمر قويا وساطعا يكون القرقيعان مبهجا والكل يحرص عليه وعلى الحضور والمشاركة في هذا الاحتفال، حتى الكبار كانوا يفرحون بفرح الصغار ويشاركونهم هذه الفرحة التي تلازمهم منذ بداية الشهر الكريم إلى يوم القرقيعان.
فقر وأمان
كانت بعض العائلات الفقيرة لا تملك زاد يومها ولا تستطيع أن توفر للأولاد القرقيعان ولا تقوى على شرائه فكان أولادها هم الذين يقومون بتوفير القرقيعان لها من خلال خروجهم للتقرقع، وما يحصلون عليه يأخذونه إلى بيوتهم ومنازلهم، حتى أن بعضهم يطرقون الأبواب ذاتها في نفس اليوم متنكرين أكثر من مرة للحصول على القرقيعان، وفي السابق كانت الكويت القديمة آمنة ولا تخاف الأسر من خروج أولادها للقرقيعان فكل السكان كانوا أهلا ومعارف، وكل منهم يعرف الآخر ويخاف ويحرص على أبناء الآخر فلم يكن هناك من يزعزع الأمن ولم يكن الخوف موجودا في ذلك الوقت وكان الأولاد والبنات يسألون من قبل الناس عن أهاليهم مثلا أنت ابن من؟ وأنت ابنة من؟ وكانوا يحملونهم السلام إلى أهاليهم وأمهاتهم.. وكما أن القرقيعان كان فرصة للنساء عندما تأتي البنات الصغار للقرقيعان يتأملن فيهن ويضعن اعينهن على البنت ليتخيرونها زوجة لولدهم بعد عدة سنوات عندما تكبر البنت.
ويشير أيوب حسين في كتابه (مع الاطفال في الماضي):قديماً كان القرقيعان للكبار أكثر منه للصغار وحتى النساء (يكَركَعن)، وعلى اثر ذلك وقعت مشاجرات دمويّة مؤلمة بين صبيان بعض الأحياء عام 1946م جرت وقائعها في فريج الزهاميل، حيث استعمل فيها الضرب بالعصي والسكاكين وسقط الجرحى وعظمت المصيبة وتدخّلت الحكومة آنذاك وفضّت النزاع بين الطرفين ومنعت كبار الصبيان من (القرقيعان).
أبو طبيلة
وكان أبو طبيلة يشارك في جمع القرقيعان ومعه حماره، ويستمر في ترديد الدعوات، وإذا تأخر العطاء قال: (يسوق الحمير لوما يسوق)؟ فإذا قال أهل البيت (يسوق) انصرف، وإذا قالوا: (ما يسوق) أخذ يردّد المزيد من الدعاء حتى يقدّمون له القرقيعان ثم ينصرف وهو يردّد: (عساكم تعودونه).
أما الأولاد فيسألون أصحاب البيت يسوق الحمار ولا ما يسوق؟ فإذا كان الجواب (ما يسوق) أخذوا يردّدون ( صراخهم ) تطل الأم ربة المنزل وتقول قولوا: (الله يسلم فلان) ويفعلون.. ثم يطل فرد من البيت ويقول: قولوا (الله يسلّم فلان أو فلانه)، أما إذا قال أهل البيت: (إن الحمار يسوق) فيا ويلهم من سخط الأولاد حيث يرجفون الباب رجفاً حتى ليكاد أن ينكسر ويضربونه بالحجارة وهم يردّدون: ( عساكم ما تعودونه ) أي ما تعودون إلى صيام رمضان القادم، وهذا يعني دعاء بالموت لكل من في المنزل والعياذ بالله ! فإن أعطوا رضوا وقالوا: ( عساكم من عواده كل سنة وكل عام ) وإن لم يعطوا إذا هم يسخطون ! ولقد تطوّر القرقيعان وأضيف إليه الفستق والكازوز والبندق والشيكولاته.
معنى «القرقيعان»
هناك أكثر من قول في معنى كلمة «قرقيعان»: الأول أن «قرقيعان» لفظ عامي مأخوذ من قرع الباب، وذلك لأن الأطفال يقومون بقرع أبواب البيوت في هذه المناسبة فسميت بالقرقيعان. أما القول الثاني فهو مشتق من «قرَّةُ العين» وهو ما فيه سرور الإنسان وفرحة.
وسواءً كان القول الأول هو الصحيح أم الثاني فإن مبدأ القرقيعان يرجع إلى مولد سبط رسول الله (صلى الله عليه وآله) الحسن بن علي (عليه السلام)، إذ إن ولادته الميمونة كانت في النصف من شهر رمضان المبارك من السنة الثانية أو الثالثة من الهجرة المباركة.
وتقول السيدة غنيمة الفهد الباحثة في التراث أن أصل كلمة (قرقيعان) تعني قرة العين والتي ترجع إلى قرة عينك بصيام منتصف شهر رمضان، ويعرف القرقيعان بأنه في ليلة الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر من رمضان، أي منتصف شهر رمضان، ولكن الأهالي أسرعوا إلى تقديم أيام الاحتفال من اجل إسعاد الأطفال بهذه المناسبة التي يفرحون بها ويستعدون لاستقبالها منذ فترة طويلة، ويحصون المنازل والأحياء التي سيطرقونها طالبين فيها القرقيعان، إضافة إلى أن الأمهات كن كذلك يقمن بالاستعداد من خلال قيامهن بتدبير وخياطة ملابس وأكياس القرقيعان للأطفال التي تتدلى من أعناقهم.
أهازيج القرقيعان
كان الأطفال يرددون أهازيج خاصة بالقرقيعان ومازالوا وهي:
قرقيعان وقرقيعان بيت قصير برميضان
عادت عليكم صيام كل سنة وكل عام
يالله سلّم ولدهم يالله خلّه لُمّه
عسى البكعا ما تخمّه ولا توازي على أمه
عطونا الله يعطيكم بيت مكة يودّيكم
يالمكّه يالمعمورة يام السلاسل والذهب والنورة
القـرقيعـان فـي دول الخـلـيج
وللقرقيعان أهازيج مشابهة في دول الخليج المختلفة منها قـرقـع قـرقيـعـان
عطـونـا الله يــعطيـكـم .. بـيت مـكـة يـوديـكـم
يـا مـكـة يـامـعـمـورة .. ام السلال والذهـب
عـطونـا مـن مال اللـه .. يـسـلم لـكـم عبـدالله
عـطونـا دحـبـة مـيـزان .. يـسـلم لكـم عـزيـزان
بـاب الكـرم مـا صـكـه .. ولا حـط لـه بـوابـه
أما اهـازيــج القـرقيـعـان فـي دولـة الإمـارات فتقول
انـطـونـه حـق اللـه
يـرضـى عليـكـم اللـه
جـدام بـيتـكـم دلـه
عـسـى الـفـقـر مـا يدلـه
أهازيج القرقيعان «الماجينه» في العراق فتقول:
مـاجـيـنـه يـا مـاجيـنـه .. حـل الكـيـس وانـطـيـنـه
انـطونـه الله يـنـطيـكـم .. بـيت مـكـة يـوديـكـم
واذا طـال عـلـيهـم الـوقـوف ولـم يـخـرج اليهـم صـاحـب الدار يـصـرخـون بـأعـلـى اصـواتـهـم ويـقـولـون :
يـا اهــل الســطـــوح .. تـنـطـونـه لـو نـروح
__________________
___________
كونك احد أعضاء هذا المنتدى فأنت مؤتمن ولك حقوق وعليك واجبات
ليس العبرة بعدد المشاركات!!
وانما ماذا كتبت وماذا قدمت لإخوانك الأعضاء والزوار
كن مميزا...
في أطروحاتك..صادقاً في معلوماتك..محباً للخير...
مراقباً للمنتدى في غياب المراقب...
مشرفاً للمنتدى في غياب المشرف...
للتواصل :