نتحرى، ونحن نستقبل العشر الأواخر من رمضان، الليلة المباركة.. ليلة القدر، فماذا يعني نزول القرآن الكريم في هذه الليلة المباركة? وما هو فضلها? وهل لها علامات? وما دام يستحب فيها الاعتكاف، فهل يجوز أن يكون الاعتكاف في المنزل? هذا ما نتعرف عليه اليوم في صندوق الفتاوى.
عن فضل الأيام العشر الأخيرة من رمضان، يقول فضيلة الإمام الأكبر الدكتور عبد الحليم محمود، رحمه الله تعالى، في كتابه "فتاوى الإمام"، إن فيها أولا الفضل الذي في جميع أيام شهر رمضان، ثم هي تزيد على هذا بأنها مظنة ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، وعن السيدة عائشة رضوان الله تعالى عليها أن النبي صلى الله عليه وسلم "كان إذا دخل العشر الأواخر أحيا الليل كله، وأيقظ أهله وشد المئزر". وشد المئزر كناية على الاجتهاد في الطاعة والجهد المضاعف في طاعة الليل، حيث كان يحيي الليل كله.
وعن الاهتمام بالعشر الأواخر من رمضان يقول فضيلة الدكتور يوسف القرضاوى: "هي ختام رمضان والأعمال بالخواتيم، وكان من أدعية النبي صلى الله عليه وسلم : "اللهم اجعل خير عمري آخره وخير عملي خواتمه وخير أيامي يوم ألقاك"، أيضا بها مظنة ليلة القدر لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال "التمسوها في العشر الأواخر من رمضان" وقال فيما رواه البخاري "تحروا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من رمضان"، ولم يصرح باليوم لأننا لو عرفنا أي ليلة هي سنتكاسل طوال الليالي ونبذل الجهد الأكبر في هذه الليلة، كذلك أخفى الله عز وجل عنا ليلة القدر لنجتهد في رمضان ما استطعنا ونزيد الاجتهاد في العشر الأواخر".
روى الإمام أحمد عن عبادة بن الصامت قال: "أخبرنا رسول الله ( عن ليلة القدر قال: هي في شهر رمضان في العشر الأواخر، ليلة إحدى وعشرين، أو ثلاث وعشرين، أو خمس وعشرين، أو سبع وعشرين، أو تسع وعشرين، أو آخر ليلة من رمضان، من قامها إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه". وعن أبى هريرة رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه"، وقال سبحانه وتعالى: "ليلة القدر خير من ألف شهر". كما ورد ذكر علامات ليلة القدر في حديث ابن عباس، رضي الله عنهما: "ليلة سمحة طلقة، لا حارة ولا باردة، وتصبح الشمس في صبيحتها ضعيفة حمراء"، كما روي في صفتها أيضا: "أنها صافية بلجة كأن بها قمرا ساطعا لا برد فيها ولا حر، وأن الشمس صبيحتها تخرج مستوية ليس لها شعاع، مثل القمر ليلة البدر". والله تعالى أعلم.
ويقول الإمام عبد الحليم محمود: "ذكر الإمام الصاوي في حاشيته على الجلالين: وأحسن ما يدعى به في تلك الليلة العفو والعافية. قالت السيدة عائشة رضي الله تعالى عنها: إذا صادفت ليلة القدر وعلمت أي ليلة هي يا رسول الله... ماذا أقول? قال: "قولي: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني". يضيف فضيلته: وينبغي لمن شق عليه طول القيام أن يتخير ما ورد في قراءته كثرة الثواب، كآية الكرسي، فقد ورد أنها أفضل آية في القرآن الكريم، وكأواخر البقرة لما ورد: "من قام بهما في ليلة كفتاه"، وسورة "إذا زلزلت" لما ورد أنها تعدل نصف القرآن، وسورة "الكافرون" لما ورد أنها تعدل ربع القرآن، و"الإخلاص" تعدل ثلثه، و"يس" لما ورد أنها قلب القرآن وأنها لما قرئت له، كما ينبغي أن يكثر من الاستغفار والتسبيح والتحميد والتهليل وأنواع الذكر والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ويدعو بما أحب لنفسه، ولأحبابه، أحياء وأمواتا، ويتصدق بما تيسر له، ويحفظ جوارحه عن المعاصي.
ويقول فضيلة الدكتور يوسف القرضاوى عن سر تفضيل هذه الليلة أنها أنزل فيها القرآن الكريم، وسر تفضيل شهر رمضان أنه أنزل فيه القرآن، وسر تفضيل هذه الأمة أنها أمة القرآن الكريم، هذا يدلنا على فضل هذا الكتاب الذي لم تؤت أمة بمثله. وأضاف فضيلته أن هذه الليلة خير من ألف شهر أي خير من 83 سنة وأربعة أشهر، وهذه 83 سنة صافية من العبادة، فمن يعش 80 سنة فيها 15 عاماً قبل البلوغ، فهذه ليس فيها أي شيء، فهي صافية.. ليلة العبادة والطاعة فيها أفضل من الطاعة والعبادة في ألف شهر ليست فيها هذه الليلة، في ليلة واحدة يقومها لله عز وجل، يتعبد له، يذكره ويشكره ويحسن عبادته ويتضرع إليه، ويقف على بابه خاشعا ضارعا، تائبا منيبا، داعيا، قائلا ما قال أبوه وأمه، آدم وزوجه من قبل: }رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ{ (سورة الأعراف:الآية23).
وكان النبي صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان، حين ينزل جبريل فيدارسه القرآن الكريم، (كان الرسول (أجود بالخير من الريح المرسلة)، فالمفروض أن المسلم في العشر الأواخر يقلل من اللغو وإضاعة الأوقات فيما لا ينفع لأنها أوقات ثمينة. فالمسلم مطالب في رمضان أن يحسن الصيام، ويحسن القيام ويطيله، ولو فرض أن المسلم يصلي صلاة خفيفة فإنه يأتي في العشر الأواخر يصلي بشكل أطول، يقضي معظم وقته في تلاوة القرآن والتكبير والاستغفار، وفي صلة الأرحام وفي الصدقة وفي معونة المسلم، إصلاح ذات البين، يفرج كربة عن مكروب، كل هذا من أعمال الخير. وقال ( : "إن من حرم خير هذه الليلة فقد حرم الخير كله، ولا يحرم خيرها إلا محروم".
وليلة القدر ليلة عامة لجميع من يطلبها، ويبتغي خيرها وأجرها، وما عند الله فيها، وهي ليلة عبادة وطاعة، وصلاة، وتلاوة، وذكر ودعاء وصدقة وصلة وعمل للصالحات، وفعل للخيرات.. وكلام بعض العلماء في اشتراط العلم بليلة القدر كان هو السبب فيما يعتقده كثير من عامة المسلمين أن ليلة القدر طاقة من النور تفتح لبعض الناس من السعداء دون غيرهم. ولهذا يقول الناس: إن فلانا انفتحت له ليلة القدر، وكل هذا مما لا يقوم عليه دليل صريح من الشرع.
ولكن متى تكون ليلة القدر مع اختلاف بداية صوم رمضان في البلاد الإسلامية، يجيب فضيلة الدكتور عبد الفتاح إدريس، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر.. يعلم الله تعالى متى تكون هذه الليلة، والأولى ألا نعلم أي ليلة تكون حتى نجتهد لله تعالى في العبادة في جميع الليالي بلا فرق بين الليالي الوترية والشفعية. وقد أخفاها الله تعالى عن النبي صلى الله عليه وسلم وإخفاؤها عن غيره من باب أولى، وعلى ذلك فلا سبيل لمعرفتها بعينها مسبقا ولكن على المسلم أن يحرص على تحريها في العشر الأواخر من رمضان.
أما عن الاعتكاف فلا يصح إلا في مسجد جامع تقام فيه الصلاة، وهو سنة، فمن تمكن من الإتيان به أثيب، ومن لم يتمكن لظروف خارجة عن إرادته فلا حرج عليه إن شاء الله تعالى إن اعتكف في بيته.
__________________
___________
كونك احد أعضاء هذا المنتدى فأنت مؤتمن ولك حقوق وعليك واجبات
ليس العبرة بعدد المشاركات!!
وانما ماذا كتبت وماذا قدمت لإخوانك الأعضاء والزوار
كن مميزا...
في أطروحاتك..صادقاً في معلوماتك..محباً للخير...
مراقباً للمنتدى في غياب المراقب...
مشرفاً للمنتدى في غياب المشرف...
للتواصل :