القيادة على المحك 2 القيادة على المحك 2
"البقاء أحياء خلال مخاطر القيادة" القيادة ليست صلاحيات وسلطة فقط، ولكنها أيضا أسلوب تفكير وفن في توصيل ما يؤمن به القائد إلى الآخرين بطريقة تجعلهم يمنحوه الثقة والصبر على ما سيأخذهم نحوه حتى لا تضيع فرصة الإنجاز التي وعدهم بها بسبب تهديد مصالحهم. نؤكد على قول أن القيادة بالمخاطرة .لو أن القيادة كانت فقط لإدارة أوضاع الغير للوصول إلى نتائج وحلول هم على علم بها ومقتنعين لكانت أسهل ما يمكن، ولكن الحقيقة غير ذلك، فالناس يأتون للقائد لغرض الحل ويعتقدون أن القائد يجب أن يكون لديه الحل الذي يغير نتائج الوضع الذي هم فيه وفي نفس الوقت يتوقعون أن على هذا القائد سواء رئيس دولة أو رئيس شركة أو طبيب أو مدير أو رب أسرة ) أن يعطيهم الحل الذي لا يكلفهم خسارة في الوضع الذي هم عليه الآن.
القائد له دوران محوريين : الأول يطلقان عليه تعبير الفني (Technical ) وهو الذي يعني بإعطاء الوصفة أو الحل النهائي وغاليا ما يكون بسبب منصب القائد أو صلاحياته التنظيمية أو صلاحياته الفنية المرتبطة بالمعرفة و الخبرة اللتان يحملهما.
والثاني يطلق عليه تعبير ألتكيفي (Adaptive) وهو الذي يعني بإدارة السلوك خلال المضي في التحدي أو المشكلة. ويرى بأنة ثمة جوانب لا يمكن للمنصب أو الخبرة التعامل معها إلا بالتعايش والدخول في صلب السلوكيات التي أدت إلى النتائج الغير مرضية وهذا الأمر لا يحسه المستفيدين من نتائج وحلول القائد فهم يريدون من القائد الحل السحري وهو تغيير وضعهم الحالي دون أن يشعروا بأي ألم ولا بأي خسارة تذكر.
ولذا فإن القائد الذي يخوض التحدي عليه أن يتذكر الجانب ألتكيفي لكي يستطيع بناء تغيير مستديم مبني على اقتناع المستفيدين من حلوله بأن التغيير والمعاناة الوقتية هما من ضرورات الوصول إلى النتائج الموعودة.
و السؤال الذي نستنتجه من هذا كله بأن القائد ( أيا كان) لديه من السلطة والصلاحية ما يمكنه من تطبيق خبراته ومعارفه للوصول إلى الحل الفني، ولكنه لو نجح في الجانب الأخر ( التكيف) بأن يكسب قناعة ورضا المتعاملين معه والمستفيدين ( أو المتأثرين ) من نتائج حلوله فإنه سيستطيع توسيع نطاق سلطته وصلاحياته أكثر من ما يمكن للسلطة الأعلى أن تمنحه إياها.
فالناس كما أخبرنا في مقالنا السابق لا يحبون أن تهدد مصالحهم وإن أحسوا بذلك حجبوا عن القائد السلطة والصلاحيات التي يحتاجها للإيفاء بوعوده تجاههم ولذا فالفن في القيادة يكمن في كيفية التعامل مع تهديد مصالح الناس دون أن يتضايقوا من ذلك.
ولتوضيح هذه الفلسفة أكثر لنا مثال عن شركة (IBM) وكيف أنها تأخرت فترة في اتخاذ القرار المناسب للدخول في مجال الانترنت رغم أنها في بداية التسعينات كانت من الشركات الرائدة في الأنظمة والأجهزة المرتبطة بتقنية المعلومات.
وتبين لنا أن دور أحد المهندسين ( دايفيد كروسمان) في اكتشاف نقاط الضعف في شبكة معلومات (IBM) وكيف أنه تم استراقها من قبل شركة أخرى تدعى سان مايكرو سيستمز (Sun Micro Systems) ، وهناك محاولة (IBM) ( تقنيا Technical ) لحماية موقعها عن طريق محاميها إلا أن الموضوع كان يحتاج إلى تفكير تكيفي ( Adaptive) لحماية ريادة (IBM) في السوق.
وكان لدى كروسمان اقتراحات بشأن ذلك إلا أن ثقافة (IBM) المنبثقة على حصول النتائج سريعا وعدم الخوض في تجربة السلوك أدى بها إلى إهمال تحذيرات واقتراحات كروسمان ولكنه أصر على ذلك وبدأ يحاول أن يؤثر من الداخل على أسلوب تفكير أصحاب القرار في (IBM) من خلال عرض أفكاره عليهم إلى أن وجد من يساعده في ذلك وهو (جون باتريك) الذي عمل كمدير للتسويق لأجهزة الحاسوب المحمول لـ (IBM) المسمى ( ThinkPad) وأيد باتريك كلام كروسمان بإدخال مفهوم الـ ( Adaptive) في قراراتهم ونتج عن ذلك أن تطورت (IBM) بطريقة أكثر استباقية من السابق.
وأوضح ذلك الرئيس التنفيذي لـ (IBM) لو كريستنير في عام 1999م حين وصف ما حصل لـ (IBM) بأنها عندما تجزأت إلى شركات صغيرة أهملت ثقافة التعامل كشركة انترنت وبذلك بدأت تفقد قوتها الإبداعية ولكنها عندما قامت بتفعيل هذا الجانب وجدت أنها تستطيع أن تعمل كمؤسسة كبيرة من خلال الانترنت تضاهي اكبر مؤسسات الانترنت ولكن في نفس الوقت احتفظت بالمرونة العالية من خلال هيكلة عملياتها وإداراتها بشكل لا مركزي ، وهذا التوازن نتج فقط من خلال تغيير في أسلوب التفكير القيادي لدى مدراء ( IBM).
ومن هذا المثال نستنتج أن باتريك وكروسمان كان بمقدورهما الاكتفاء بصلاحياتهما وسلطتهما كمدير وكمهندس في الشركة لتحقيق النتائج المرجوة منهم ولكنهم أيضا استطاعوا كسب سلطة أوسع وصلاحيات أكبر دون تغيير في مستوى وظائفهم من خلال إيمانهم بالفكر القيادي الجديد الذي وجداه غائبا عن مرأى ومسمع الكثير من المدراء في (IBM) فجاهدوا لنشر هذا الفكر الجديد وعندما نجحوا في كسب الثقة تمكنوا من التوصل إلى النتائج التي وعدوا الجميع بها دون نفور أو رفض.هذه هي القيادة
المقدرة على التأثير الإيجابي في سلوك العاملين والتنظيم بكل خفة وسلاسة واقتناع وتقبل ..وبذا تتحقق مقدرة الموائمة بين أهداف العاملين والمنظمة والجمهور على حد سواء ولولا ذلك لما وجد التنظيم أصلا ..مرة أخرى نؤكد
مما مضى تبين لنا أن القيادة ليست صلاحيات وسلطة فقط، ولكنها أسلوب التفكير والفن في توصيل ما يؤمن به القائد إلى الآخرين بطريقة تجعلهم يمنحوه الثقة والصبر على ما سيأخذهم نحوه حتى لا تضيع فرصة الانجاز التي وعدهم بها بسبب تهديد مصالحهم. ولكن لا يعني تجاوز الصلاحيات الممنوحة ليست هي الهدف من القيادة لأنها في أحيان ما قد تؤثر سلبا أو تسبب كارثة!
لكن ثمة مقولة نؤكدها هنا ثانية القيادة بالمخاطرة تجاوز السلطة والصلاحيات إذا كان مبنيا على مبادئ صحيحة تفيد الجميع، فإن القائد قد يتعرض للمخاطر بالبداية لتجاوزه هذه الصلاحيات ولكنه إذا نجح بكسب ثقة وود الآخرين معه فإن جهوده ستثمر أولا بتحقيق النتائج وثانيا سيترك أثرا لن ينساه جميع من تعاملوا معه وهذا هو معنى القيادة المؤثرة.. والقيادة بالمخاطرة. نهاية المقال مما راق لي من كتاب القيادة على المحك
"البقاء أحياء خلال مخاطر القيادة" Leadership ON THE Line
"Staying Alive through the Dangers of Leading" Ronald A. Heifetz & Marty Linsky
Harvard Business School Press __________________ لم يكتشف الطغاة بعد سلاسل تكبل العقول... اللورد توماس
|