20-07-2010, 10:44 PM
|
#4 (permalink)
|
خبيرة في التنمية البشرية
العــضوية: 5529 تاريخ التسجيل: 17/09/2009
المشاركات: 3,872
الـجــنــس: أنثى | .
. ولقد عيب على مسرح شوقي عدة أمور: منها عنايته الزائدة باستكمال الأوزان والبحور، واتخاذ هذه الأوزان والحور من الصيغ التقليدية الشائعة في الشعر الغنائي العام، وتظهر جلية في المسرحيات الأولى، ولا تزول في المسرحيات الأخيرة أنظمة الحوار التي تقترب من نظام القصيدة العربية مبنى ومعنى، وتطول في أماكن الوصف والرثاء والشكوى والغزل.
ولست أدري ما يقصده الذين يعيبون على شوقي بأنه كان يستكمل الأوزان والبحور، وأنه يتخذها من الصيغ التقليدية الشائعة في الشعر الغنائي. لم يستطع شوقي طبعا أن يصوغ مسرحيته بالشعر المرسل كما فعل شكسبير، لأن الذوق العربي لم يألفه، ولأنه أشبه بالنثر، وقد نظم به بعض الشعراء مثل شكري في مستهل هذا القرن، فلم يجد لدى جمهرة القراء قبولا، ثم إن شوقي على الرغم من أنه قد سبق ببعض مسرحيات شعرية، وببعض مسرحيات امتزج فيها النثر المسجوع بالشعر فإن هذه المسرحيات لم تكن النموذج القوي الذي ذلل الشعر العربي للمسرحية.
وقد كان شوقي بحق أول من وضع مسرحية جيدة السبك رصينة فيها شيء من الفن المسرحي، وعليها طابع الأدب الرفيع شعراً، وبذلك عد عمله هذا فتحاً جديداً، ولا سيما وقد توالى نتاجه المسرحي، وفي كل مرة يخطو نحو الكمال الفني خطوات ولا يزال شوقي على الرغم من انقضاء أكثر من ثلاثين عاماً على وفاته يقف وحده في هذا الميدان وكل المحاولات التي بذلت للحاق به لم تكلل بالنجاح التام.
على أن شوقي له قدوة في شكسبير خير من كتب للمسرح في العالم أجمع، وقد كان أول أمره يقلد الأسلوب الشائع عند مؤلفي المسرح في عصره تقليداً بلغ من التقيد حداً جعل النقاد فيما بعد يتساءلون: هل كان هو حقاً مؤلف التمثيليات الأولى المنسوبة إليه؟ ولقد بلغ شكسبير فيما بعد الذروة ففي فن المسرحية لما طال به العمر، ولو لم تخترم المنية شوقي لأتى بالعجب العجاب ولا سيما وقد بدت تباشير نجاحه وإتقان فنه في آخر مسرحياته. ولو أن شوقي شغل بالمسرح منذ نشأته كما كان قد اعتزم، ولم يتأخر نتاجه أربعين عاماً لكان له شان آخر. وأخيراً هل التقيد بالبحور والأوزان معيب في المسرحية؟ ونحن نعلم أن سادة المسرحية الفرنسية في عصرها الذهبي راسين وكورني قد تقيدا بالبحور والأوزان، وجريا على تقاليد الأدب والشعر الفرنسي؟ وكذلك فعل هوجو. وإذا كان هناك من عيب أقره ، فهو أن يطول الحوار حتى يبلغ حد القصيدة، فإن هذا يبعث الملل ويبطئ بالحركة المسرحية، و هذا عيب فني قد تداركه شوقي فيما بعد أو كاد. وحسب شوقي فضلا أنه ارتفع بالمسرحية الشعرية إلى منزلة الأدب الرفيع في وقت كثرت فيه المسرحيات النثرية باللغة العامية، ولقد وفق شوقي في اختيار الشعر غالبا لمسرحياته على الرغم من صعوبته، وقد كان في استطاعته أن يصوغها كلها نثرا كما فعل في مسرحية (أميرة الأندلس)، ولكنه شاعر فحل، وقد رأى أن المسرحية في الأدب الغربي لم تخلد إلا في صيغتها الشعرية، وأن كبار الأدباء الغربيين حتى في العصر الإبداعي مثل (هيجو وبيرون وشيلي) قد آثروا الشعر على النثر في كثير من مسرحياتهم، لما يخلفه من جو خاص يضفي على المسرحية شعوراً جميلاً.
وها هو ذا أديب انجليزي معاصر هو موم وقد أفنى حياته يكتب للمسرح نثراً يقول: "لا يسعني إلا أن أقر ما أعتقده من أن المسرحية النثرية التي وقفت حياتي كلها عليها سوف تموت عما قريب، ولعل أحسن فرصة أمام الكاتب المسرحي الواقعي هي أن يشغل نفسه بما لم تستطع الخيالة أن تنجح في إبرازه وعرضه، ألا وهو المسرحية التي يكون فيها العمل باطنياً لا خارجياً، ثم ملهاة الذكاء والنكتة. في اعتقادي أن المسرحية ضلت الطريق حينما قادتنا الرغبة في الواقعية لهجر حلبة الشعر. إن للشعر منزلة مسرحية سامية فضلا عما يحدثه النغم والوزن من الأحاسيس والانفعالات حين يلقى على المسرح، فإن الشعر يخلص المسرحية من الواقعية، ويضعها في مستوى آخر. ويجعل من اليسير على الجمهور أن يهيئ لنفسه حالة شعورية جديدة محببة، وتلك هي الجاذبية المسرحية الخاصة". وقيل أن شوقي لم يوفق في اختياره لبعض موضوعات مسرحياته، ولا سيما المسرحيات التاريخية، كما أخذوا عليه سوء دفاعه حيث أراد الدفاع، ويخيل إلى أن شوقي لم يكن عاجزاً عن إخراج مسرحيات تاريخية فيها كثير من القوة، ولا يحتاج إلى الدفاع، كما فعل في كليوباترة مثلا. فالتاريخ المصري القديم، والتاريخ العربي الاسلامي يزخر بالشخصيات التي سجلت بطولات ستظل أبد الدهر موضع الإعجاب والتقدير، ولكنه آثر أن يطرق التاريخ عند نقط التحول في حياة مصر في عصورها المختلفة، حين تضعف الدولة، ويستميت الحكام في الدفاع عن كيانهم واستقلال بلادهم. ولا شك أن شوقي قد اختار مواطن الضعف ليظهر براعته في الدفاع عن هؤلاء الذين ظلمهم التاريخ في نظره؛ لأن هذا التاريخ سجل على يد أعدائهم الذين قهروهم وأذلوهم، واستمع إليه يقول في تسويغ دفاعه عن كليوباترة: "أليس المؤلف المصري إزاء هذا الاضطهاد الصارخ لهذه الملكة المصرية، بحكم الثلاثة قرون التي قضاها أجدادها العظماء على ضفاف النيل مستقلين عن كل نفوذ اجنبي، أبرياء إلا من العمل المستقل لمجد مصر ورفاهيتها، مستحيلة دماؤهم قطرة فقطرة إلى دماء مصرية خالصة على توالي الأيام، أو ليس المؤلف المصري في حل- ما دما البحث العلمي يكشف بين الحين والحين هذا التاريخ المتهم عن حلقات ضائعة أو أوهام أنزلت فيه منزل الحقائق- من إنصاف هذه المصرية المضطهدة، ولو إلى الحد الذي يتفق مع هيكل هذا التاريخ المجرد ، ولا يحرمها على الأقل سمو الغاية ونبالة المقصد؟ أعتقد أنه ليس في حل من هذا الإنصاف فقط، ولكنه مسئول عنه، إلى أن يصل البحث الحديث في تقرير حقيقة التاريخ القديم إلى آخر مداه، فيعز من يشاء ويذل من يشاء.
ومن العجيب أن الأستاذ سليم حسن العالم المصري الأثري قد دافع عن كليوباترا دفاعاً مجيداً ومؤيداً دفاعه بوثائق وحجج قوية. عقب الجملة التي شنها عليها بعض من يحقدون كل الحقد على شوقي لا لسبب إلا أنه كان أقوى من ملك ناصية البيان الشعري في العصر الحديث. ثم إنه ليس من الضروري أن يتقيد الشاعر والكاتب المسرحي بحرفية التاريخ ما دام محافظاً على الطابع العام، وله أن يصور البطل بالصور التي يراها من خلال مخيلته الشعرية، وبالعاطفة التي تسيطر على مشاعره، ولقد تناول موضوع كليوباترة غير شوقي – شكسبير، ودريدون، وشو، وجوديل، ومورو، وكان لكل منهم نظرة خاصة إليها. وإذا كان من عيب يؤخذ على شوقي في مسرحية كليوباترة فهو أنه اهتم بها الاهتمام كله ونسى الشعب بل أظهره بمظهر مزر (يا له من ببغاء عقله في أذنيه) ولم يظهر الشخصية المصرية الأصيلة وطنية مخلصة متفانية إلى النهاية في سبيل قوميتها، ولقد جاء بشخصية (حابي) أمين المكتبة وأجرى على لسانه بعض العبارات الوطنية ويظهر التمرد على كليوباترة ومخازيها، ولكنه لا يلبث أن ينسى تمرده وكرامة وطنه بعد أن أغرته كليوباترة بهيلانة وصيفتها اليونانية، ومنحته ضيعة بصعيد مصر يعيش بها هو وعشيقته، فقضت على كل ما لديه من وطنية وتمرد.
على أن شوقي قد أجاد في بعض الموضوعات التاريخية كل الاجادة وذلك حين تعرض لشعراء مثله، يتفهم نفسيتهم ويدرك مشاعرهم، وكان من السهل عليه أن يدير عواطفه حول نواة واحدة هي الهوى وإنشاء الغزل كما في مجنون ليلى وعنترة، وإذا كان ثمة مأخذ على شوقي في مجنون ليلى وعنترة،فذلك ما يبدو من تناقض في العرف والعادة ومدى التمسك بهما، فبينما نرى ليلى وهي المتيمة المغرمة بقيس حين يستشيرها أبوها في الزواج تفضل ورداً الثقفي على حبيبها قيس ، لأن قيس شبب بها.
وتقول ذلك في يسر بدون تردد أو صراع نفسي يبرزه الشاعر وهذا ما أضعف العقدة، إذ بنا نرى عبلة في مسرحية عنترة تفضل عنترة وترضى به زوجاً، مع أنه هو الآخر شبب بها وكان عبداً وأمه أمة، وكانت هذه التقاليد على أشدها في الجاهلية لم يخفف منها الزمن ومجيء الإسلام كما في عهد ليلى والمجنون.
وكان مالك أبو عبلة عدواً لعنترة متمسكاً بالتقاليد بينما المهدي أبو ليلى رءوفاً بقيس محباً له.
فما الذي دفع شوقي إلى هذا التناقض؟ هل كانت فروسية عنترة وحسن بلائه أقوى في نظر عبلة من شعر المجنون وقوة تدلهه لدى ليلى؟
على كل لم نشهد كذلك لدى عبلة أي صراع، ولا شدة هذه التقاليد ووطأتها، بل راحت تتآمر وعنترة على الزواج، ضاربة بهذه التقاليد عرض الحائط، وإن كنا لا نلمس لهذا التمرد على التقاليد مظاهر مسرحية.
ولم يفسر لنا شوقي هذا التناقض على كل حال، ولست أزعم أنه كان أكثر توفيقاً وإجادة حين ترك التاريخ والتفت إلى الحياة يستمد منها صور الناس كما نراهم ونحسهم في الحياة، ولعل هذا التوفيق لا يرجع إلى الموضوع والانتقال من التاريخ إلى الواقع فحسب، فإذا كانت ثمة صعوبات في إبراز الشخصية التاريخية فإن الواقع أصعب ، بل إن من النقاد من قرر "أن إحياء الماضي أسهل من تمثيل الحاضر، ومهما كانت المسرحية تبدو طبيعية على المسرح فلا يمكن بأية حال أن تماثل واقع الحياة، لأن شخصيات المسرحيات يتكلمون في ذكاء، والحوادث تقع مرتبة متوالية سريعة، وبإعداد تام أكثر مما نرى بين أيدينا، وكل ما يستطيعه المؤلف هو أن يخلق جواً يجعل المسرحية تبدو فيه طبيعية". وإنما يرجع هذا التوفيق في رأيه إلى تمرس المؤلف بالتأليف المسرحي، وزيادة تجربته في هذا الفن بتردده على المسرح كثيراً والإفادة من النقد، واتباعه للقواعد الفنية المسرحية.
ولست أريد في هذا المقام أن أفيض في المفاضلة بين المسرحية التاريخية والمسرحية الواقعية وبحسبي أن أقول : إن المسرحية التاريخية تؤثر الشعر عادة، لأنها تتحدث عن أشخاص خلدهم التاريخ فهم أبطال في أي صورة من الصور، والبطولة والعظمة من شأنها أن تقدم على أفعال جليلة، وحوادث عظيمة الشأن كبيرة الأثر، وأن يكون ثمة راع تتجلى فيه هذه البطولة، والشعر أصلح أداة لمثل هذا اللون، وقد فطن إلى ذلك أمراء المسرح القدامى سواء أكانوا من أتباع المدرسة التقليدية أو الإبداعية؛ أما المسرحية الواقعية، فهي تؤثر النثر لأنها تتحدث عن أشخاص من أوساط الناس، وعن مشكلات اجتماعية وأخلاقية مما يقع تحت ناظرينا كل يوم، وتحاول أن تحكي الواقع وتقلده متى استطاعت إلى ذلك سبيلاً، وهي تميل إلى التحليل والعمق؛ والنثر يؤدي ذلك ويمثله أتم تمثيل.
بيد أن كثيراً من النقاد اليوم يرى أن الشعر أصلح للمسرحية، وأن الكتاب اعتسفوا الطريق حينما حاولوا أن ينافسوا الحياة في الواقعية كما عرفت ذلك عند (موم).
ثم ظهر بعد شوقي طائفة من الشعراء ترسموا خطاه في المسرحية الشعرية، وأبرزهم عزيز أباظة الذي اتجه إلى التاريخ العربي الاسلامي، ووضع بعض مسرحيات شعرية منها (قيس ولبنى) و (العباسة) و (عبد الرحمن الناصر) و (قافلة النور) وقد أفاد عزيز أباظة من تجربة شوقي المسرحية، فحاول جهده أن يتجنب ما وقع في من أخطاء، كما انه احتك كثيراً برجال المسرح فعرف أصوله وقواعده.
ومن الشعراء الذين ترسموا خطى شوقي كذلك محمود غنيم، وله عدة مسرحيات نالت الجوائز الأولى في المسابقات التي عقدتها وزارة الشئون منها: (المروءة المقنعة)، (وغرام يزيد)
ومن هؤلاء الشعراء : علي عبد العظيم وقد ظهرت له (ولادة ) ونالت الجائزة الأولى التي عقدتها وزارة الشئون، ومن هؤلاء أحمد باكثير وظهرت له مسرحيات (قصر الهودج) شعراً، وقد حاول من قبل أن يضع مسرحيات بالشعر المرسل على طريقة شكسبير مثل مسرحية (اخناتون) و ( نفرتيتي)، ولكنه عدل عنه لأنه لا يلائم الذوق العربي. المصدر __________________ لم يكتشف الطغاة بعد سلاسل تكبل العقول... اللورد توماس
|
| |