عرض مشاركة واحدة
قديم 08-03-2011, 02:32 AM   #1 (permalink)
*هاشم العلوي*
عضو شرف
 
الصورة الرمزية *هاشم العلوي*
 
 العــضوية: 1922
تاريخ التسجيل: 18/01/2009
المشاركات: 531
الـجــنــس: ذكر
العمر: 30

افتراضي السّينما الإيرانية : من المحلية الى العالمية





بقلم: اسماء العزاوي

ما من شك ان السينما الإيرانية في العشرين سنة الأخيرة اكتسبت شهرة واسعة في المهرجانات العالمية بل و أصبحت بعض الأفلام تعرض بالقاعات التجارية المتخصّصة في الإنتاج الهادف و مع ذلك بقيت غائبة عن شاشات بلدان العالم الثالث على قلّتها رغم أنها السوق الحقيقيّة التي كان من المفروض أن تستوعبها، و هنا لابدّ من الاعتراف بسيطرة الاستعمار الثقافي الغربي على أذهان جماهير هذا العالم الثالث التي لاتسعى إلى كسر الحواجز التي تضعها المؤسسات الغربية أمام الإنتاج المحلّي بل تكتفي بالمخدّر التي تقدّمه تلك الامبراطوريات التجارية و المتمثّلة في الأفلام الأمريكيّة بكلّ أصنافها من حربية و ايديولوجية و بوليسّية و عاطفيّة و هزلية، و ممّا يزيد الطين بلّة أن الجهات الرسميّة في بلدان العالم الثالث تنصاع إلى شروط شركات الإنتاج العالميّة التي تغرقها بالإنتاج المثير و لاتحاول السعي للبحث عن أسواق سينمائيّة جديدة بل إن الاتفاقات الثقافيّة بين هذه البلدان تشير إلى أهميّة التبادل في مجال الثقافة بكل فروعه و يبقى حبرا على ورق في ميدان السينما، و الأدهى أن هذه البلدان عندما تقتني الأفلام لارشيفها السينمائيّ الوطنيّ فهي تتجه للشركات الغربيّة التي تغرقها بشتى العناوين و يزداد الخطب حدّة عندما يكتشف المرء أن المهرجانات السينمائيّة التي تقام في شتى أنحاء العالم الثالث تركّز على الإنتاج العالمي المثير و تبقى أفلامها المحليّة في الظل، و قد يبرز أحد هذه الأفلام لمدّة قصيرة ثم يختفي في حين أصبحت المهرجانات الكبرى في البلدان الغنية تعتمد في نواحي الخلق و الابتكار على أفلام العالم الثالث لأن مواطنيها يعيشون أصناف الحرمان في ميدان الابداع الفكري و الابتكار العقلي و بقي التجديد مختزلا في الأعماق.
و رغم عدم توفر الإمكانيات المادية الواسعة التي يسبح فيها المثقف الغربي فإن أفكار المنبوذين تذهل الآخرين الذين يقفون مشدوهين أمام ثورة عارمة تعرفها العديد من البلدان التي ليس لها شهرة تجارية سينمائيّة مثل تركيا و فيتنام و كوريا و تايلند و تايوان و الصين و الفيليبين...التي يبقى إنتاجها محليا و تزداد الدهشة حين يعلم المرء أن بعض الأفلام المحليّة تتخطى في الإيرادات و في الإقبال أشهر الأفلام الغربية و هذا ما وقع في السنة الماضية في تايلند و في كوريا، لكن التعتيم على أخبار التطوّر السينمائي في تلك البلدان يبقيها بعيدة عن أنظار الجماهير العريضة التي تحاول ببطء شديد كسر السلاسل الحديديّة التي وضعتها الامبراطوريات السينمائيّة الأمريكية.
و مثل هذه القضايا الفكريّة تبقى صعبة لمحدوديّة ردّ الهجوم الشرس لأن متفرّجي العالم الثالث لم يستيقظوا بعد من مخدّر إثارة السينما الغربيّة بل إنّهم يتلذذون بالحلم الوردي و القبضة تزداد شراسة من حولهم خاصة و أن الأجيال الصاعدة بصدد التعلّم من الفضائيات التي تتفنّن في الاستعانة بالبرامج الأمريكيّة، فمن الأفلام الروائيّة إلى الصور المتحركة و الأفلام الوثائقية حسب وجهة نظر أمريكيّة إلى البرامج الأسبوعيّة العادية عن النشاط اليومي في عدّة مجالات حياتيّة أمريكية كان من المفروض أن لا يهتمّ بها سكّان العالم الثالث لوجوب الاهتمام بقضاياهم الداخلية. و لاأظن أنه يوجد من يحسد أبناء هذا العالم المظلوم على كثرة المشاكل التي يتخبطون فيها من بطالة و أميّة و فقر و مصائب متنوّعة يشيب من هولها الرضيع...
فرغم كثرة الإنتاج المحلي في العديد من البلدان إلا أن العبورالى العالمية يكاد يكون مستحيلا و مع الأسف فإن جماهير العالم الثالث لاتبدي تحمسّا لمقاومة هذا الانغلاق... و الأدهى أن المهرجانات السينمائيّة التي تنظم في هذه البلدان لاتعمل على شراء نسخ الأفلام التي تمنحها جوائز و هذه شطحة لايمكن غض الطرف عنها و ما أكثر هذه الثغرات التي لايعمل المسؤولون المعنيون على حلها...

فهناك سينما في تركيا و في إيران و في باكستان و في الفيليبين و في العديد من البلدان الآسيوية التي ضربت هوليوود حولها حصارا فولاذيا من الممكن أن يتم اختراقه لو أصرّت جماهير تلك البلدان على رفض الأحلام المزيّفة التي تتزيّن بها أفلام هوليوود... و من أنجح أفلام العالم الثالث في الوقت الحاضر ما تقدّمه السينما الإيرانيّة في المهرجانات الدوليّة و الجوائز الهامة التي تحصدها...


سينما النظام البائد



الكتب المعنية بالفنون و الابداعات شحيحة بالمعلومات عن هذه السينما و تقتصر جلّها على أسطر معدودة و مبهمة تبرز آراء المؤلف أكثر ممّا تعطي بيانات واضحة حول مراحل انطلاق هذا الفن في إيران و مثل الفيلم فإن المطبوعات إن وجدت فهي غير متوفرة بسهولة ...
و يقول الناقد الفرنسي ـ غي هونيبال ـ في كتابه عن السينما العالميّة إن الإنتاج السينمائي يوجد منذ القدم في إيران و عرف الازدهار في أواسط الأربعينات حين كانت توجد أكثر من 540 قاعة عرض تقدّم إلى متفرّجيها مختلف أصناف الأفلام بما فيها الثمانين شريطا التي كانت تنتجها الشركات المحليّة و يرى المؤلف أنها رديئة من جميع النواحي تقنيا و معنويا إذ هي أنتجت لمتفرّجين جلّهم من الطبقة الشعبيّة التي تبحث عن الإثارة سواء الأفلام المثيرة عن بطولات صبيانيّة تثير الاستهزاء لبلاهتها أو العاطفيّة الغارقة في الملودراما التي كانت منتشرة في ذلك الوقت انتشارا واسعا و همّها انتزاع دموع المتفرّجين و تحريك عواطفهم الرقيقة... و هذه السينما تشبه في تصميمها العام السينما المصريّة إذ لابدّ من إقحام ثلاث أو أربع رقصات شرقيّة في الفيلم مهما كان صنفه، ذلك أن البطل مهما كانت مهنته لابدّ أن يدخل المرقص حتى و هو في طريقه لتنفيذ أخطر عمليات الأخذ بالثأر...

و مع ذلك كان الجمهور متساهلا مع أهل السينما و لم يكن يبحث عن الروعة بل كان يفضل إنتاج بلاده على أفلام هوليوود أو لندن إذ وصلت نسبة الإقبال 70 بالمئة على الأفلام الإيرانيّة الشيء الذي دفع بالأمريكيين إلى شن حرب شعواء على هذه السينما و فشلوا في حملتهم التي كانت عامة في آسيا و خاصة على الإنتاج المحلّي في الهند و في تركيا و التصدّي بقوّة لانتشار السينما السوفياتيّة إلى جانب الحملة المنظمة على السينما المصريّة. و هذه ظاهرة لايمكن إنكارها في مختلف بلدان العالم الثالث قد تكون ناتجة عن انتشار الأميّة فعامة الناس يرى في السينما وسيلة تسلية أي الإبحار في عالم الأحلام...

و ذكر المؤلف أن البعض من الشبّان حاولوا في نهاية الستينات إنجاز أفلام هادفة تمّت بواسطة وزارة الثقافة و التلفزة الإيرانيّة و هم يريدون إبراز حقيقة المجتمع الذي يعيشون في نطاقه و ليس المجتمع الذي يحلمون به و إذا أقبلت الطبقة المتعلّمة على مشاهدة هذا الصنف من الأفلام فإن الجمهور العادي لم يتأثر بها و لم يقبل عليها رغم محاولة الشبّان الذين تأثروا بالموجة الجديدة في فرنسا تحسين التقنيات و جعلها تتماشى و المتطلبات العادية لإنجاز فيلم سينمائي...

و في المقابل بقي المنتج التقليدي يصرّ على الأسلوب الكلاسيكي لأنه يخشى هروب المتفرّجين الذي يبحثون عن المتعة السطحيّة التي تعودّت عليها عدّة أجيال و عندما يفاتحهم مخرج صاحب سيناريو عصري ـ يصرون على إقحام عدّة رقصات و مشاهد عنف في حين يرمي هؤلاء إلى إبراز الحقائق التي يعيشها المجتمع و المشاكل التي يعرفها المواطن العادي في حياته اليوميّة و لكن لا مآسي الفلاحين و لا الصيادين و لا الحرفيين جلبت اهتمام المتفرّجين... و لتحسين مستوى السينما الهادفة تمّ ااقامة مهرجان دولي في إيران عام 1973 و لكن لم يتم اختيار أفلام هادفة فيه و مع ذلك سجّلت مئات الأفلام التجارية التي تتشابه في الشكل و في المحتوى نجاحا ساحقا و تمّ تصديرها في حين اقتصر عرض الأفلام الهادفة على المهرجانات الدوليّة و كان اكثرها من إنتاج وزارة الثقافة الهندية أي أن الخواص لا يغامرون في مثل هذا الانتاج.

السينما الجديدة: سينما القيم و المثل العليا

و جاءت الثورة و تغيّر الواقع بل إن السينما العالميّة عرفت منعرجات خطيرة سواء بأفول سينما البلدان الشرقيّة و بصعوبات الإنتاج في أوروبا و تقلص دورها في إثراء هذا الفن و توقف الإنتاج كليا في أمريكا الجنوبيّة و تعثر الإنتاج في بلدان العالم الثالث لأسباب اقتصاديّة... ففي الربع الأخير من القرن الماضي تغيّرت المفاهيم في العالم و تأثرت السينما بهذه التغيرات و التطورات...
و مع ذلك برزت السينما الايرانيّة الجديدة في المهرجانات الدوليّة الكبرى رغم العداء السياسي الذي تكنّه البلدان الغربيّة لإيران و من خلال تلك الأفلام التي توجّ جلّها مهدت الامور للتعرّف على أسماء جديدة في ميدان الابداع و الابتكار حيث امتاز الإنتاج الجديد بالبساطة في بسط الأفكار التي تكون نابعة من صميم الحياة اليوميّة في البلاد و تتّم معالجتها بكل هدوء و اتزان و بالإمكانيات التقنيّة المتوفّرة و هي بذلك تصل إلى تحريك العواطف الإنسانيّة الكامنة في الأعماق بدون أن يشعر المتفرّج مهما كان اتجاهه أو ميوله أن ذلك الموضوع لايهمّ مجموعة معيّنة من الناس بل هو موجّه إلى الجميع و نابع من أي مكان يوجد به بشر و هذا ما فرض هذه السينما على أشهر المهرجانات لأنها تمتاز بالصدق في إثارة المواضيع الإنسانيّة العادية بعيدا عن الإبهار و عن الألغاز و الرموز الغامضة، و يتأكد هذا في الندوات الصحفيّة التي تعقد إثر عرض الأفلام حين يلاحظ المخرج الإيراني أمام الأسئلة التي لاتخلو من مكر أنه لم يبحث عن طرق ملتوية لتمرير أفكار مبهمة بل إنه صوّر ما كان يختلج في خياله و لابدّ من قراءة ذلك و تفسيره كما ظهر على الشاشة بدون محاولة إعطائه تفسيرات من نسيج خيال بعض الناقدين الذين يصدمون المخرجين بتفسيرات غربيّة...
و السينما الإيرانيّة الجديدة خالية من المظاهر التجاريّة المتداولة في بعض الأصناف التي تحاول إغراء المتفّرج بعرض التفاهات الشاذّة التي يطرب إليها الغرب و ينعتها بالجريئة و بالشّجاعة و كأن تلك المشاهد المبتذلة تتطلب عبقريّة خاصة...
و فعلا فإن نجاح السينما الإيرانيّة في المهرجانات الدولية ألجم العديد من (المستغربين) الذين فشلوا في إرضاء منتجي الغرب و فشلوا في إقناع متفرّجي بلدانهم... و بذلك خسروا ثقة مختلف الأطراف لأن الفنان الصادق يعبّر عن إحساس باطني و لايمكنه أن يصطنع العواطف و يغالط الآخرين... و حبل المغالطة و التصنّع قصير للغاية.

السينما الإيرانيّة: تقريض عالمي

ذكرت مجلة (الفيلم الفرنسي) في عدد خاص أن مؤسسة ـ الفارابي ـ للأعمال السينمائية و هي جمعيّة خاصة تضمّ عددا من المخرجين السينمائيين و تتمتّع بإعانة رسميّة أعدت جناحا في سوق الأفلام الذي نظم في نطاق مهرجان كان ـ عرض خلاله ثمانية أفلام إيرانيّة من إنتاجها و هذا جانب من الإنتاج العام الذي يتخطّى ستين شريطا كلّ سنة و يتمّ اختيار هذه الأفلام التي تعرض في السوق بواسطة المخرجين الذي ينتمون إلى المؤسسة، و لاحظت المجلة الفرنسيّة أن الموزعين في العالم يتسابقون للحصول على حق استغلال الأفلام الإيرانيّة في مناطق معينة خاصة بعد أن لمع عدد من السينمائيين الإيرانيين في العالم، فشهرة عبّاس كيارستمي و جعفر بناهي فتحت الأسواق على مصرعيها أمام الأفلام الإيرانيّة و بلغ الامر بالمخرج الايراني ـ مجيد مجيدي ـ إلى بيع شريطه (باران=المطر) بمبلغ مليون دولار لشركة أمريكية بعد أن كان الفيلم الإيراني يباع ما بين مائة ألف و مائتي ألف دولار في السوق العالميّة...
و ترمي مؤسسة ـ الفارابي ـ إلى إدخال ديناميكية جديدة على الإنتاج و ذلك بجلب المموّلين الأجانب الذين يثقون في السينمائيين الإيرانيين و كذلك إلى إقامة قاعات جديدة عبر البلاد و هذه إحدى وسائل جلب اهتمام أكبر عدد ممكن من المتفرّجين و يرى المسؤول عن هذه المؤسسة (... أن السينما تبقى أحد الفنون التي تتمتع بحرية التعبير(.

من أشهر الأسماء التي سطعت في ميدان السينما في ايران و اخذت شهرة عالميّة يمكن ذكر:

عباس كيارستمي

من مواليد طهران سنة 1940 اهتمّ منذ صغره بالرسم و بعد أن نجح في مناظرة اندفع في معترك الحياة بعيدا عن عائلته و إلى جانب هوايته عمل موظفا إداريا في مركز للشرطة و شارك في إعداد عناوين الأفلام الروائيّة الطويلة المحليّة من سنة 1960 إلى سنة 1968 و في هذا الأثناء دخل كلية الفنون الجميلة و في سنة 1969 أسّس مع أحد معارفه مركز السينما في معهد التنمية الثقافيّة و تطوّر فيما بعد هذا المركز و جلب أشهر هواة السينما في البلاد الذين لمعوا مع مرورالزمن. و في سنة 1970 أمكن لهذا السينمائي إنجاز الأفلام القصيرة و كانت اهتماماته تتجه نحو مشاكل الطفل و ما أكثرها في إيران و لعلّ عناوينها تبرز محتواها إذ صوّر على التوالي (الخبز و الشارع) و (الاستراحة) و (التجربة) و (حلان لمشكلة واحدة) و (أنا أيضا استطيع) و في عام 1974 أخرج أوّل أفلامه الروائيّة حسب ظهورها (التقرير) و (تلامذة الدرس الإعدادي) و (أين بيت صديقي؟) و (درس المساء).
و في سنة 1992 سجّل نجاحا واسعا في مهرجان ـ كان ـ حين اختير شريطه (و تمضي الحياة) في قسم (نظرة ما) و صوّر فيه سيارة تنطلق و على متنها السائق و ابنه الصغير عبر مدينة دمرّها الزلزال الذي ضرب إيران سنة1990 وطيلة الرحلة التي تستغرق جلّ وقت العرض لايتوقف الطفل عن توجيه أسئلة بريئة إلى والده و عند وصول السيارة إلى مكان نصبت فيه الخيام لإيواء الهاربين من المدن المدمّرة يلاحظ محاولة عدد من الشبّان تنصيب هوائي لالتقاط عرض مقابلة كرة القدم بين الأرجنتين و إيطاليا ضمن تصفيات كأس العالم لعام 1990 و بعد سنتين عرض )عبر أشجار الزيتون) و في سنة 1997 كان عبّاس كيارستمي على موعد مع أشهر تتويج يمكن أن يحلم به أي سينمائي إذ فاز شريطه (مذاق الكرز) بالسعفة الذهبيّة في مهرجان ـ كان ـ و في نفس السنة منحته ـ اليونسكو ـ ميدالية )فلليني) و في سنة 1999 فاز في مهرجان البندقية الإيطالي بجائرة لجنة التحكيم عن شريطه (تحملكم الرياح) و في العام 2002 قدّم على هامش مهرجان ـ كان ـ شريط (ا.ب.ت أفريقيا) من إنتاج المنظّمة العالميّة للصحّة و أبرز خلاله ما تقاسيه إحدى البلدان الإفريقيّة و اختيرت ـ أوغندا ـ كنموذج من مرض فقدان المناعة، و الوباء منتشر في القارة السمراء بشكل يدعو إلى الفزع... و اشترك ـ عباس كيارستمي ـ في لجان تحكيم مهرجانات عالميّة مثل لوكارنو سنة 1990 ـ و كان ـ سنة 1993ـ و البندقيّة ـ سنة 1995ـ و سان سبستيان الإسباني ـ سنة 1996...
من مميزاته أنه يميل إلى إثارة قضايا الطفل و يعالج قضايا أفلامه بشيء من الهزل المرّ و يتعامل مع الممثلين الهواة...اكتسب شهرة عالمية بحيث ان شركات الإنتاج الكبرى تتسابق للتعامل معه.

بهمن قبّادي

فاز عام 2000 بجائزة ـ الكاميرا الذهبيّة ـ و هذه جائزة تسند إلى أحسن شريط يعرض في أحد فروع مهرجان ـ كان ـ و يكون العمل الأوّل لمخرجة... فاز ـ بهمن قبّادي ـ بهذه الجائزة القيمة و عمره 31 سنة عن شر يط (زمن شكر الخيل) و تأثر الحاضرون في حفل توزيع هذه الجوائز حين تحدّث السينمائي عن الجهاد الذي قام به في سبيل إنجاز أفلامه القصيرة و المجهودات الجبارة التي كان يبذلها للانتهاء من إعداد شريطه الروائي الطويل الأول...تأثر الجميع حين أكد ـ بهمن قبّادي ـ أنه كان يتوقف عن التصوير لأيام بسبب فقدان الفيلم الخام و عدم تمكنه من توفيره بعد أن نفد المال القليل الذي كان بين يديه و لم يعد يجد ما يبيعه... و طرق أبواب مختلف المؤسسات المحلية و الدولية و تمّ له ما أراد بعد عناء و عذاب.

تدور أحداث الشريط في منطقة كردستان الإيرانيّة قرب الحدود العراقيّة و تثير مأساة عائلة صغيرة تتألف من خمسة أشقاء و شقيقتهم و فجأة يصاب أصغرهم بمرض يتطلب علاجا سريعا و أدوية باهضة الثمن و يشير عليهم الحكيم أنه لامفرّ من إجراءعملية جراحيّة دقيقة حتى يفلت من الموت و يبذل الشقيق الأكبر ما في وسعه لجمع المال و يكتشف أن الأعمال المتواضعة التي يقوم بها لن توفّر له أي شيء و تقبل الشقيقة أن تتزوّج من أجنبيّ أكد أنه على استعداد للإنفاق على العائلة و على العمليّة الجراحيّة، و على الحدود بين إيران و ذلك البلد يرفض أفراد عائلة العريس أن يحملوا معهم الشاب المريض و في المقابل يُهدونهم فرسا و يعود الشقيق الأكبر مع أخيه إلى القرية و تزداد حالة المريض تدهورا...


ذكر المخرج ـ بهمن قبّادي ـ أنه اقتبس القصّة من صميم الواقع و شاهد واقع الحياة الصعبة في كردستان على الحدود الجبلية الوعرة مع العراق و رأى كيف يتصرّف الأطفال و الشبان هناك بشجاعة لامثيل لها و اقتبس عنوان الشريط من ملاحظة كان يرددها أهل تلك المناطق و هي تذكير أولادهم بأنه إذا انهار الخيل إثر التعب الذي يصيبه أو بسبب برودة الطقس التي تنحدر فيها درجة الحرارة إلى الأسفل و تتكاثر الثلوج فلا بأس من اعطاء الحيوان جرعة كحول تعيد إليه الحرارة و تجعله ينهض و ينطلق بدون وعي...


و هذا الشريط يشبه الأفلام الوثائقيّة نظرا لصدقه...مراهقون يقومون بأعمال صعبة تفوق طاقاتهم و هم مرغمون على ذلك للحصول على لقمة العيش لهم و لأفراد عائلاتهم و هذه مشاهد عادية في بلدان العالم الثالث عرف ـ بهمن قبّادي ـ تحويلها إلى قصّة مؤثّرة تنبض بالحياة...

و لم يتعامل المخرج مع ممثلين محترفين بل صوّر المراهقين و هم يتصارعون مع الواقع على قمم الجبال المغطاة بالثلوج...و هذا ما أثٌر على المتفرجين.
ولد ـ بهمن قبّادي ـ سنة 1969 في كردستان الإيرانية و كان يتابع دراسته و يعمل في الإذاعة ثم انضمّ إلى هواة السينما الذين كانوا يحلمون بظهور سينما حقيقيّة و تمكن في هذه المرحلة من إنجاز عدّة أفلام قصيرة و في طهران دخل كلية السينما إلا أنه لم يتمكن من مواصلة تعليمه و في الفترة من 1995 إلى 1999 تفرّغ لإنجاز الأفلام الوثائقية و فاز جلها بجوائز قيّمة في المهرجانات المحلية و العالميّة و عمل مساعدا للمخرج عباس كيارستمي على شريط (سيحملكم الريح) و قام بدور أحد المعلمين في شريط (السبورة السوداء(
هذه لمحة عامة عن السينما الإيرانيّة الحديثة التي عبرت الحدود و أصبحت مشهورة في المهرجانات العالمية... سينما نابعة من صميم الواقع المحلي تثير قضايبا إنسانيّة عادية قد تقع في أي بلد و هذا ما فرضها على المهرجانات التي تبحث عادة عن الإثارة و عن التهكم و الإساءة إلى الحضارات و التقاليد و إبراز الشذوذ.
السينما الإيرانية درس للعديد من البلدان التي تفسّر ضعف إنتاجها بسبب قلّة الإمكانيات و هذا عذر مرفوض فالسينما الإيرانية صاحبة الجوائز العالميّة لم تعتمد الابهار بل صوّرت الفكرة العامة بوسائل بسيطة للغاية... كما لم يستجب فنانوها إلى الإغراءات الغربية التي تطالب عادة السينمائيين الشبّان باتخاذ مواقف خاصة في أفلامهم أو مدح الثقافة الغربيّة على حساب وطنيتهم ... فإلى الآن هناك صمود مثالي يزيد في قيمة هذه السينما النابعة من أعماق أصحابها بعيدا عن التأثير و الضغط.
فيلم ”المطر”... لمسة أنثى حركت رجل تجاه عمقه الإنساني
أنثى واحدة قادرة على تغيير العالم، هذا ما يريد مجيد مجيدي أن يقوله في فيلمه (المطر)، الذي عرض ضمن فعاليات مهرجان “دمشق السينمائي”، الفيلم يتحدث عن بيئة إيرانية من خلال قصة يجسد بطولتها حسين عابديني، (لطيف)، الذي يشكل عمله (شراء المواد الغذائية وإعداد الشاي) متعة له خصوصاً أنه يتنقل بين عمال البناء اللذين يبذلون جهداً في قسوة الظروف؛
الفيلم يطور أحداثه ضمن تواجد المهاجرين الأفغان المقيمين والعاملين في إيران بشكل غير نظامي. في ظل هذه البيئة الباردة الممطرة، تتكون تفاصيل فيلم “المطر”، من خلال تحريك الكاميرا على أساليب بناء العمال، وكيف تشعل مواقد النار لتسخين الماء وجلب الدفء لاستمرار العمل، لكن المجيدي أراد أن يقود المشاهد إلى ما هو أعمق!.
تبدأ القصة الفعلية في هذا الفيلم عندما يسقط أحد العمال “نجف” وتكسر ساقه، فيأتي ابنه المراهق للعمل عوضاً عنه، هذا الفتى لا يمتلك أي قدرة عضلية مما يجعل المسؤول يبدل عمله بعمل (لطيف)، ويترك الأخير يمارس أعمال البناء الشاقة، هنا يثور (لطيف)، ليس لأنه فقد عمله المريح فقط، بل لأن الفتى (رحمت) كان قادراً على تغير معالم المكان وتنظيمه بتقديم شاي ذي طعم حقيقي للعمال، وبجمعهم حول مائدة واحدة في وجبة الغداء، فحتى المطبخ الذي يثير فيه (لطيف) الغاضب الفوضى، يتحول إلى مكان جميل مع إصرار (رحمت) على استمراره في عمله. (رحمت) هو فتاة اسمها (باران) ويعني المطر، صوتها في إحدى المشاهد وهي تمشط شعرها الطويل وتدندن أغنية خلف ستارة المطبخ، التقطه شخص واحد في البناء، (لطيف) الذي لم يكن يشاهد إلا الإسمنت حوله يرى للمرة الأولى معنى لحياته وسط برد الجدران ووحشتها، فيتحول كل حقده ورفضه التعامل مع (رحمت) إلى لحظات سعادة تخترقه، لاسيما أنَّ المخرج قدم البيئة كمكان للعمل، لا وجود فيه للمشاعر سوى مشاعر القلق من المفتشين الذين يرغمون العمال الأفغان على الاختباء بجولاتهم الأمنية، بالإضافة إلى مشاعر الفقر والعوز التي ترافق حياة البسطاء في هذه الدول، والمشهد هنا لا يختلف أبداً عن معاناة العديدين في العالم والذين يعملون بنفس الظروف. هذه الأنثى (باران) استطاعت أن تحرك جمود حياة إنسان بسيط، لا تعني الحياة له سوى وضع قطعة نقود جديدة في مخبئه، لقد كان وجودها الذي حكمه القدر والفاقة، قادراً على تبديل ماهية المكان دون شعور ممن تواجدوا.
“لمسة الأنثى” هذه، كانت تحرك (لطيف) باتجاه عمقه الإنساني، فأصبح “نجم بوب” في ورشة بناء، وأصبح شهماً بعد أن كان لا يعنيه عذاب فتى يؤدي عمله (رحمت). وهنا يقدم لنا المخرج طرحاً مهماً بغض النظر عن أية أفكار نظرية في المعالجة، (الشفافية المطلقة التي يلخصها الحب هي شيء موجود ومستمر عند الإنسان) حتى لو اختلف شكل المكان أو تشوه. إنَّ ما يغفل عنه رجل مثل (لطيف) ولا يعنيه، سيشده حتماً لو أنه وجد قيمة لحياته، لقد كان يعايش لذة كبيرة في جمع القليل من المال، ومع أنَّ تفكيره المستمر وسؤاله لرئيس عمله (لماذا يعطيه أجره كاملا؟)، يخمد في كل مرة بجواب من رئيسه (ماذا ستفعل بالنقود؟، هل أنت قادر على التصرف بها كما يجب؟)، هو يجهد لاحقاً للحصول على أجر عام كامل من رئيسه، ليساعد (باران).
البحث عن (رحمت) أو (باران)، الذي هرب من الأمن خلال إحدى جولاته، أعطى (لطيف) النبض الذي كان يفتقده في عالمه، فردة فعله على فقد هذه الفتاة، وشعوره بواجب مساعدتها، جعله يطالب بالخروج من المكان، ليبدو أمامنا أكثر حرية. أصبح يعيش أزمة مع الوقت، فهو أمام ثلاثة أيام للبحث عن (باران) وإيجادها، يتنقل بخفة بين مساكن الأفغان لعله يجد أثراً لها، عذاباتها وهي تعمل في نقل الحجارة من مجرى النهر، تفجر سعيه للحصول على المال للمساعدة.
(لطيف) مع كل الاندفاع يبدو متردداً مقهوراً في بعض المشاهد، لأنَّ ما حدث في حياته لن يلغي سنين عاش فيها جموداً يشبه إسمنت الأبنية التي كان يعمل بها، هو لم يتخذ موقفاً في المشهد الأخير، حيث يظهر وهو يساعد عائلتة (باران) على نقل متاعهم للسفر، المخرج حمَّل مشاهداً معينة حساسية عالية، حيث حوَّل تعاسة الصورة الواقعية إلى حرية مطلقة في فهم العمق الإنساني لدى المتلقي، وكأننا أمام جمل حية سواء قيلت مثل “كل الأفغان يعملون بالبناء” وهي تلخيص لواقع الفيلم، أو لم تقال كما المشهد الأخير، حيث تترك (باران) أثر قدمها على الأرض الطينية بعد أن غادرت، (لطيف) يقف بلا حرك والشاحنة تمضي، “الأفغان كانوا هنا يوماً” هذا ما أراده المشهد الأخير، لكن (لطيف) لم يفعل شيئاً سوى أن بقي ذاهلا أمام حبات المطر وهي تمحو أثر قدم (باران). لكن المخرج ختم الفيلم بصناعة حقيقية لإنسان جديد "تستحق الحياة أن يكون فيها ما هو أهم"، لقد حولت امرأة مجرى حياته، وتبدو هنا فكرة راسخة للمتلقي “قد لا يستطيع (لطيف) تغيير حياته كلياً لكنها تغيرت”.

المصدر

http://www.ifilmtv.ir/article/2592-2011-02-19-18-03-16

 

 

__________________

 


نافذة على التاريخ - الجاسوس الأسطورة ( د/ ريتشارد سورج )

https://www.youtube.com/watch?v=50SV1RI1xvs


*هاشم العلوي* غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
 
7 9 244 247 267 268 269 270 271 272 273 274 275 276 277 278 279 280 281 282 283 284 285 286 287 289 290 291 292