23-03-2011, 08:55 PM
|
#4 (permalink)
|
عضو شبكة الدراما والمسرح
العــضوية: 12904 تاريخ التسجيل: 14/02/2011
المشاركات: 84
الـجــنــس: أنثى | بذلت وقت وجهد لكي أتذكر أين نُشر هذا المقال، والحمد لله حصلته، وتستاهل التعب يالعيدان كتاب اليوم إيمان القويفلي امرح وتعلـم مع الأناشيد الوطنية كنتُ أتساءل بينَ وقتٍ وآخر عن السبب الذي يجعل النسخة المعتمدة في المحافل الدولية من الأناشيد الوطنية هي النسخة الموسيقية غير المصحوبة بكلمات النشيد الوطني؟ في الألعاب الأولمبية - كهذه التي ستنطلق غداً - يستخدمون نسخة مسجلة من النشيد وبينما يرتفع علم موطن الرياضي الفائز، تـُـشغّل الموسيقى ويتمتم الرياضي كلمات النشيد بصوتٍ منخفض كأنهُ يُخبر سراً. لماذا؟ ألأنها باللغة المحلية التي لن يفهمها أحد، مثلاً؟ بحثاً عن سبب، أنفقتُ هذا الأسبوع أقرأ كلمات الأناشيد الوطنية، العربية أولاً، ثم مجموعة مختارة من أناشيد العالم. في ثنيات الأناشيد الوطنية يمكن العثور على الكثير من الأسباب التي تجعل النشيد غير صالح للاستخدام دولياً. بعض الأناشيد لو غـُـنيّت في مناسبة رسمية سببت أزمة دبلوماسية. بعضها ضخم جداً من أجل وطنٍ صغيرٍ جداً والصورة كاريكاتيرية. وبعضها لا علاقة له بتاريخ الدولة الحقيقي، والبعض الآخر محض تمجيدٍ فجّ للفرد الحاكم. النشيد الوطني رمزٌ وكأيّ رمزٍ يُصنع بواسطة السُّـلطة الأقوى ويُـعبّر عن نسختها من الحقيقة (أو الوهم). هذه النسخة يمكن بيعُها بسهولة على مواطني الدولة، مثل أكلاتهم الشعبية وملابسهم التقليدية، هل يمكن بيعها بنفس السهولة على العالم؟
هناك 19 نشيداً وطنياً عربيا، رغم أن عدد دول الجامعة العربية 22 دولة، ذلك أن 3 دول (جيبوتي، الصومال، جزر القمر) تنشد بلغاتها المحلية، لا العربية. تختلف موضوعات الأناشيد، لكن اللافت أنها تُجمع على الإشارة إلى "المجد"، و"المجد" عندما يرد في النشيد الوطن فهو مجد لكل الوطن ولا ريب. لكنّ المجد - الوطني - في هذه الأناشيد لا يرد مجرداً ومرفوعاً إلى الوطن، بل إلى قيمة معيّنة. في 11 نشيداً من أصل 19 ورد المجد مرفوعاً إلى واحدة مما يلي: ( الماضي - الله - الآباء والأجداد - العاهل - الشباب - الأرز - الأشلاء - الزمان ). ينفرد النشيد الوطني الكويتي بنسبة المجد إلى الكويت كلها "وطني الكويت سلمتَ للمجد"، وهناك إشارة غامضة للمجد في النشيد السوداني لا يمكن تصنيفها لأنها تقول "نشتري المجد بأغلى ثمن"، ولا تقول مجد مَن ومن يدفع ثمنه؟ تعبير "المجد" جذاب عالمياً. تعثر عليه في أناشيد العالم. الفرق هو مصدر المجد الوطني ورمزه. في الأرجنتين، المجد هو أسلوب حياة المواطنين كما يقول النشيد: "نحيا متوّجين بالمجد". في فرنسا ولأن المارسليز نشيد الثورة الدموي فالمجد عبارة عن "يوم قد أتى". في المجموعة العشوائية من الأناشيد من باكستان، وروسيا، وكوريا، المجد يرد مرفوعاً للوطن بكامل كينونته، لا إلى الماضي، لا إلى الأشلاء والدماء، وليس إلى العاهل، باستثناء النشيد البريطاني الذي يطلب المجد للملكة، ربما لأنها عبر مئتي عام بعد تأليف هذا النشيد؛ تنازلت تدريجياً عن سلطاتها الفعلية لرئيس الوزراء والبرلمان، ولا بأس أن تكافأ ببعض التمجيد لقاء كونها عجوزاً طيبة إلى هذا الحد.
هناك أيضاً مسألة "الحرب" في الأناشيد العربية. الحرب ومعانيها ترد كثيراً وبدرجاتٍ مختلفة من الضراوة. من 19 نشيداً هناك إشارات إلى معاني الحرب في 11. إذا كان مفهوماً أن يحكي النشيد الفلسطيني عن الحرب، فإن ما لا يُفهم هو أن يُشير سطرٌ في نشيد وطني لدولة خليجية إلى الحرب والدماء رغم أنها دولة مسالمة جداً ولم تدخل حرباً منذ استقلالها وليست في وارد ذلك. مصر غيّرت نشيدها بضع مرّات تبعاً لتقلبات السلم والحرب، في البداية كان هناك نشيد ملكي، ثم بعد 23 يوليو وضع "كامل الشناوي" نشيده الذي يقول فيه "و تعلم كيف تكره"، الشطر الذي لا أستطيع وضعهُ ضمن سياقٍ منطقي ووطني إلا بجرعة من الأيديولوجيا العتيقة. وبعد عام 1967م ارتفعت درجة الاستنفار وأصبح النشيد الوطني أغنية "والله زمان يا سلاحي"، وبعد كامب ديفيد، في 1979م أصبح أجمل الأناشيد الوطنية العربية على الإطلاق - وأبعدها عن الحرب أو تمجيد الفرد - "بلادي... بلادي"، وشيء بهذا الجمال لا ينتمي إلى الحاضر بل إلى عهد مصطفى كامل وسيد درويش. أناشيد الدول المغاربية ضارية اللغة عموماً. نشيد ليبيا منذ عام 1969م هو "الله أكبر فوق كيد المعتدي"، وهو مُفرز ثقافي لحرب السويس عام 1956م ونبرته الحربية عالية جداً، بل الحرب هي القيمة الوحيدة في النشيد، والغريب أن يبقى النشيد الذي لا يُمجّد في الوطن شيئاً سوى الحرب؛ نشيداً في أوطانٍ لا تـُـحارِب. النشيد الجزائري الذي يبدأ بـ"النازلات الماحقات" كـُـتب في زنزانة تحت الاستعمار الفرنسي وهو مصدر جدل دائم. الجزء الذي يقول "يا فرنسا مضى وقت العتاب، وطويناه كما يطوى الكتاب، يا فرنسا إن ذا يوم الحساب، فاستعدّي وخذي منا الجواب..."، عندما حذف من الكتاب المدرسي العام الماضي أصبحت قضية رأي عام، ثمّ أعيدت الأبيات إلى قواعدها سالمة. الرئيس الجزائري ذهب الشهر الماضي إلى فرنسا لحضور قمة الاتحاد من أجل المتوسط، وتخيـّـل، لو كانت البروتوكولات تقتضي عزف الأناشيد الوطنية مصحوبة بالكلمات. يشكّل النشيدان الموريتاني والبحريني استثناءاتٍ خاصة ضمن الأناشيد العربية. النشيد الموريتاني يبدأ هكذا "كن للإله ناصرا، وأنكـِر المناكِرا" ويمضي واعظاً حتى نهايته دون إشارة إلى موريتانيا كدولة قـُطرية. أما النشيد البحريني فهو من الأناشيد القليلة التي لا إشارة فيها إلى الحرب، والنشيد العربي الوحيد الذي يشير إلى "الدستور".
النشيد الوطني موسيقى فقط، مثل فيلم صامت، عليك أن تخمّن معناه. النشيد الوطني مصحوباً بكلماته فيلم ناطق، يقول قصة خيالية. النشيد الوطني مع كلماته ومُقايستهِ بواقع الوطن فيلم وثائقي، يقول الكثير من الحقيقة عن الخيال والأوهام. غداً ستـُـفتتح الألعاب الأولمبية. رمز التنافس الإنساني السلمي. الطريقة المتحضّرة لإشباع نزعة الإنسان إلى الحرب. ستـُعزف موسيقى النشيد الوطني الأمريكي الذي في كلماته "صواريخ وقنابل"، والنشيد الياباني القصير، المسالم والشاعري الذي يطلب النماء لذلك الحجر الصغير، "عسى أن يُصبح صخرة ضخمة"، ونشيد فنلندا التي ربما ليست بارعة جداً رياضياً باستثناء حقل ألعاب القوى؛ لكنها حتماً تتربع على قمة العالم في قوائم الشفافية ومكافحة الفساد، سيُعزف بضع مراتٍ نشيدها الذي هو قطعة شعرية خالصة عن الجبال والوديان والبراعم، لا مجدَ ولا حرب. الأناشيد كلها أقوال وستـُـدعم الأقوال بالأفعال وستحصد هذه الدول النصر في مَعرض القوّة هذا. ورغم كل معاني "المجد" و"الحرب" و"النصر على الأعداء"، لن تـُـعزف الأناشيد العربية إلا مراتٍ قليلة جداً. العرب شعراء كلهم، انظر إلى أناشيدهم، والشعراء لا يعنيهم أن يتدرّبوا لكسب سباق 100 متر، هل رأيت في حياتك شاعراً بجسم عضلي؟ الشعراء ضعاف البُنية، والشعراء يقولون ما لا يفعلون.
* كاتبة سعودية
|
| |