[بحر الحب]

شاهين ( 2007 )

في زمان ما ومكان ما .. يشكل الصراع بين الوهم والحقيقة أساسا لهذه الرؤية التي تقر الحلم غير أنها تستنكر الانتظار لحلم قد يأتي وقد لا يأتي

هذه هي الكلمات التي نشاهدها مع نهاية كل مقدمة غنائية وبداية كل حلقة لهذا المسلسل , أسلوب غريب في طرح العمل يميل كثيرا الى الفانتازية واللاواقعية , شيء لم نعتد على رؤيته في الدراما الخليجية , فالقصة هنا ليست مجرد قصة اجتماعية او احداث متسارعة تبدأ وتنتهي وينتهي بعدها النقاش والتساؤل , بل يبدأ هذا النقاش وينطلق بعد انتهاء العمل .. لنقف ونسأل أنفسنا ونتساءل .. ماهو المغزى من هذا العمل ؟ الى ماذا يريد الوصول ؟ ماهي أبعاده وماهو محتواه ؟!



القصة غرائبية مختلفة .. هي حكاية ام شاهين (سعاد عبدالله) المرأة الطاعنة بالسن , العنيدة جداً والتي لاترضى من أحد أن يخالف رأيها , لها ولدّين .. فهد (خالد أمين) وهو ابنها الأصغر , شاهين وهو ابنها الاكبر , وشاهين شخصية غير مجسدة بالاحداث , لاتظهر طوال المسلسل على مر حلقاته , ولكن يتردد اسمه مع كل مشهد وفي كل حلقة , فهو ليس متواجد بالقرية , بل هو نوخذة ذاهب في رحلته على سفينته , تأخر في عودته الى الديار .. فانقسم اهل القرية الى أغلبية تظن انه مات ولن يعود , وأقلية تنتظره وتراه عائدا لا محالة , وأم شاهين .. المرأة العنيدة جدا , هي أكثر من ينتظر شاهين , وهي التي زرعت هذه الفكرة المشكوك بها في عقول أهل القرية , بل وتكمم أفواه كل من يخالفوها وكل من يظن ويشك مجرد شك بسيط بأن عودة شاهين هي مجرد وهم ولن تأتي هذه العودة .

من هو شاهين ؟ هل هو انسان حقيقي ؟ أم وهم ؟ أم فكرة شيطانية زُرعت في عقولهم ؟ ولماذا تأخر في عودته الى الديار ؟ وإن عاد ماذا سيفعل للقرية التي تعاني من مشاكل وأزمات ؟
أسئلة كثيرة يضعنا أمامها العمل بدون أن يجيب عنها بشكل مباشر , لنحلل اهم شخصيتين في العمل , أم شاهين .. إمرأة عجوز عمياء لكنها لم تكن هكذا من البداية , بل لاحداث ما اصبحت عمياء .. ورغم انها عمياء الا أنها قوية البأس ولاترضى بالغلط , تُصر مرارا وتكرارا على ان شاهين عائد لا محالة , قوية الكلمة , صلبة الملامح .. ونتساءل لماذا اختار المؤلف "شاهين" كاسم للشخصية الغائبة والمنتظرة ؟ هل لأن (الشاهين) كما نعرف معناه هو أحد الطيور الجارحة والسريعة والقوية ؟ أو ان اختيار هذا الاسم صدفة ؟!



في الحلقة الأخيرة من العمل - ومن لا يريد أن يحرق عليه الاحداث عليه ألا يكمل القراءة - تأتي اللحظات الحاسمة والأخيرة من جانبين , الأول هو هجوم وغزو من قبل مجموعة (النهابة) على القرية , والثاني هو انتظار كثيرين من أهل القرية لشاهين وهم واقفون على البحر .. إذن فهي فرصة لـ (النهابة) للهجوم على القرية وقتل من فيها وسرقتها لأن الاغلبية غائبين عنها , وأم شاهين التي نجحت في زرع وترسيخ فكرة الغائب العائد في عقول أهل القرية .. هاهم يجتمعون لانتظاره ومتلهفين أكثر منها , وفجأة نشاهد معهم من بعيد قدوم قارب صغير يجلس على متنه "فهد" الابن الثاني لأم شاهين , وفهد لطالما عانى من حرمان والداته له من ابسط الأشياء واقتسمت كل شيء في حياته من أجل عيون الغائب المنتظر شاهين ؛ ومع عودة فهد ومعرفته بهجوم (النهابة) على قريته .. يذهب مسرعا ويأخذ معه من يأخذ من اهل القرية لكي يحاربوا النهاية ويحموا قريتهم مع بقاء آخرين منتظرين شاهين , وأم شاهين التي تنتظر ولدها .. تصرخ وتصر وتجزم على أن من عاد بالقارب الصغير هو ابنها شاهين وليس فهد .. كيف ولماذا وأين شاهين المنتظر ؟؟؟ .. وبما ان فهد كان صاحب الفضل الأكبر من بين من وقفوا بوجه المخربين في التخلص منهم ,, اذن فهو "شاهين" بنظر امه .. شاهين لأنه انقذ قريته , شاهين لانه افاق أهل قريته من غيبوبة الانتظار , شاهين لانه اعاد لهم الروح , شاهين لانه حقق ما عجز كثيرين عن تحقيقه , شاهين لانه اتى من البحر واتى بالخير والنصر , وشاهين لاسباب واسباب واسباب ..



لكن كيف لشخص عاش حلم شاهين وحلم عودته وحرم من اشياء كثيرة من أجل شاهين وفي النهاية يكون هو شاهين نفسه ,,, هل الانتظار كان من أجل شاهين النوخذة الغائب , أم كان من أجل الشاهين الذي سيأتي من بعيد ويصلح ما سيتم اصلاحه ؟! هذا ما سيوضحه العمل وما يريد المؤلف ان يصل اليه

وينتهي المشهد الختامي من المسلسل مع هذه العبارات :
إلى الذين أرهقهم الانتظار , نقول .. إن شاهين كان حلما وجميل أن يكون للانسان حلمه , وأجمل منه أن يمتلك القدرة على تحقيق ذلك الحلم ..

يرى البعض أن مسلسل ( شاهين ) هو واحد من أسوء الاعمال التي قدمتها سعاد عبدالله !!! , أنا شخصيا أجده من أفضل ما قدمته طوال مشوارها , وادائها في في هذا الدور المركب أفضل بمراحل من ادائها لادوارها الثلاث الاخيرة والشهيرة "فضة" و"موزة" و"شريفة" ؛ وكذلك تألق الفنانان جمال الردهان الذي قام بدور "بن خيران" وخالد أمين في اداء ادوارهم , وكان للمخرج محمد دحام لمسته وبصمته المميزة على العمل وابدع في اخراجه من جميع الجوانب ..



لم يضرب المسلسل ولم يثير الجدل الواسع المرتقب له , وما لا يعرفه الكثيرون أن ام طلال كانت تريد تقديمه في عام 2003 ولكن لظروف رقابية وانتاجية وفنية تأخر الى العام 2007 , ومن أهم أسباب عدم شهرة العمل : ضياعه في زحمة رمضان 2007 وبين أعمال حققت نجاح جماهيري كبير في ذلك العام مثل ( الخراز ) و ( نعم ولا ) و ( عرس الدم ) ؛ اضافة لعرضه بتوقيت ميت جدا وهو التاسعة مساء كعمل حصري على تلفزيون دبي , ووجود الكثير من فناني الدرجة الثانية والثالثة بالعمل وهذا لم يشجع الكثيرين على متابعته , اضافة الى تصويره في قرية الفنان خليفة خليفوه التراثية والتي استهلكت كثيرا بالاعمال التراثية على مدار سنتين , فظن الكثير أنه عمل تراثي عادي لكنه في الحقيقة غير عادي أبدا .

مع تحياتي
وشكر خاص للأخت العزيزة / زهرة البحرينية على هذه المجموعة من الصور التي أضافت للموضوع