صباح الخير يا مسرحنا !
كشفت فترة الانتخابات التي مرت على الكويت خلال الأيام الماضية عن قضية مهمة جدا، تتلخص في جملة بسيطة هي «واقعنا في واد.. ومسرحنا في واد آخر» وهي حقيقة مرة علينا أن نعالجها على الفور، لأن المسرح من أكثر الفنون التي تعكس الواقع وتلامسه ويتفاعل معه الجمهور بصورة أكثر جدية من بقية الفنون.
كاد الناس في الشارع الكويتي يتقاتلون، بل إنهم فعلوا ذلك على استحياء، وكان الوضع في كل مناطق الكويت متأزما إلى درجة كبيرة، والوضع محتقن سياسيا واجتماعيا، والناس بحاجة إلى من يدلهم على الطريق الصحيح، وبحاجة إلى من يأخذ بأيديهم إلى بر الأمان ويكشف لهم الأمور، كانوا يتطلعون إلى أي أمل ممكن أن ينظم أفكارهم ويرتب أولوياتهم، ويساعدهم على اتخاذ القرار الصحيح المناسب.
كان الكويتيون في الفترة السابقة بحاجة إلى دليل مخلص يحمل في يديه مصباحا لينير لهم الدرب، لأن الكثير منهم تاهوا وضاعوا.. لا يعرفون أين الحقيقة وضلوا الطريق، من غير قصد أو تجاهل، بل إن عددا غير قليل من الذين التقيت بهم كانوا يبحثون عن دليل لهم في الحياة السياسية والاجتماعية.
نحن وغوانتنامو
وسط هذه المعمة والاحتقان السياسي طلع علينا الفنان سعد الفرج في مسرحية «عنبر و11 سبتمبر» ليقدم لنا عملا مسرحيا عن غوانتنامو! ياللعجب ما لنا ولغوانتنامو في هذه اللحظة، الناس في وضع حرج جدا يبحثون عن من يدلهم على الطريق، ونجومنا الكبار الذين ننتظر منهم أن يكونوا قادة للفكر خاصة على الخشبة يطلعون علينا بمواضيع ليست لها علاقة بالواقع على الأقل في الوقت الحالي.
لا نختلف على أهمية طرح قضية وموضوع سجن غوانتنامو، ولكن ليس في هذا الوقت، فالجميع ينتظر على أحر من الجمر، والناس متخوفون من الفترة المقبلة وقلقون من الأوضاع وغير مرتاحين لنتائج انتخابات 2012، وليس لديهم الوقت ليشاهدوا مسرحا يتحدث معهم عن موضوع بعيد عن واقعهم الذي يعيشون فيه.
شاطئ بنيدر
وفي مسرح آخر قدمت مرام وأختها هند البلوشي عملا آخر هو «شاطئ بنيدر» وكأن أحوالنا على ما يرام حتى نأخذ قسطا من الراحة على شاطئ بنيدر، أو كأننا انتهينا من كل أزماتنا السياسية والاجتماعية ولم يبق لنا سوى التمدد على رمال البحر الناعمة تدغدغنا أمواجه الساحرة، وتعبث بنا أمواجه البيضاء والزرقاء!
لا أعلم كيف كان العاملون في المسرحيتين يقدمون عروضهم، وهم يعلمون أنهم يتحدثون عن واقع غير موجود، وأن الناس والجمهور في واد آخر بعيد عنهم، أين الحس الفني الثقافي لديهم؟ أعتقد أن المسرح الذي رأيناه أيام الانتخابات ليس مسرحنا الذي عرفناه من قبل.
واقع خطير
في الثمانينات عندما كانت الكويت تعيش أزمة سياسية إقليمية وداخلية خاصة مع مجلس 86 قدم سعد الفرج مسرحية «حامي الديار» وأتبعها بمسرحية «دقت الساعه» وكانتا من أفضل الأعمال التي قدمها الفرج إلى يومنا هذا، بل إنها جسدت الواقع الخطير الذي كانت تمر به الكويت آنذاك، وقبلها أي في بداية الثمانينات عندما أصيب الاقتصاد الكويتي بنكسة سوق المناخ الشهيرة، قدم عبدالحسين عبدالرضا مسرحيته الشهيرة «فرسان المناخ» وقبلها في بداية الستينات عندما بدأت الطفرة المالية في الكويت قدم الفرج مسرحيته الشهيرة «الكويت سنة 2002» تحدث فيها عن المستقبل الذي ينتظر الكويت مع التغييرات الجديدة التي بدأت بين الناس.
هكذا كان المسرح في السابق، أما اليوم فالوضع غريب جدا، هل يمكن أن يعيش الكويتيون أزمة حادة والمسرح يتحدث عن شاطئ بنيدر الجميل، أو يلقي الضوء على قضية مضى عليها أكثر من عشر سنوات؟! أعتقد أن مسرحنا اليوم بحاجة إلى إعادة تقييم بالنسبة لدوره الذي أصبح مثل أحلام العصافير، وفناناته اللواتي يعملن فيه كأنهن الأميرة النائمة التي ترى كل شيء في أحلامها جميلا ورومانسيا، أو نجومنا الكبار الذين يبحثون عن الراحة والهدوء كأنهم يعيشون في منتجع جميل على شواطئ الكاريبي أو الجزر العذراء، وليس وسط معمعة عاتية وأمواج عالية وعاصفة قادمة من بعيد تنذر بأجواء ترابية خانقة.
المسرح والواقع
أين أهل المسرح مما يحدث في الواقع.. أليس من واجبهم اليوم أن تكون لهم كلمة فيما يحدث، أين عبدالأمير التركي وبدر محارب وأحمد جوهر وسعاد عبدالله وحياة الفهد ونجف جمال، أين الفنانون ودورهم المهم في تهدئة الأمور ونشر الفكر الصحيح؟ أين الكتاب والمفكرون والمثقفون ليأدوا دورهم في هذه المرحلة الحساسة، إننا بحاجة إلى الشباب ليقوموا بواجبهم في هذه المرحلة، فالسابقون أمثال سعد الفرج وعبدالحسين قاموا بواجبهم وآن لهم أن يرتاحوا، وجاء الدور اليوم على الفنانين الشباب ليحملوا المشاعل ولكن بطريقة صحيحة، وليست مضحكة كما هي الآن.
مرام
بدر محارب