عرض مشاركة واحدة
قديم 02-08-2012, 10:07 AM   #7 (permalink)
بيت العائلة
عضو شبكة الدراما والمسرح
 
 العــضوية: 14703
تاريخ التسجيل: 04/04/2012
المشاركات: 186
الـجــنــس: أنثى

افتراضي رد: مذكرات أسير كويتي في المعتقلات العراقيه

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن

والاه أما بعد

الطريق إلى العراق

أخذونا في عدة باصات يصل عددها إلى حوالي 9 أو 10 باصات

وكنا في الباص الثاني وكانت الاضاءات الأمامية للباصات مصبوغ

أعلاها بصبغ لونه أزرق كما تفعل كثير من السيارات أثناء

الحروب حتى إذا أضاءت ليلا لا يرتفع ضوؤها إلى الأعلى فيراه

الطيار فيقصف الباص أو الآلية ظنا منه أنها عسكرية ، ولست

أدري سر اختيار اللون الأزرق ولم لا يكون أحمر أو أخضر مثلا .

تجهزنا للانطلاق من سجن الأحداث بعد أن جمعونا في الحافلات

( الباصات ) ، ولم يفصحوا لنا بالضبط إلى أين سيأخذوننا ، فمن

قائل ٍ إلى بغداد ومن قائل إلى الجبهة !! وقد كانت بعض الإذاعات

تقول إن العراقيين يأخذون الكويتيين أسرى ويجعلونهم دروعاً

بشرية في جبهات القتال وقد كان هذا مما يقلقنا ، وظن آخرون

عندما رأوا نساءً تبكي في وداع الباصات خارج سجن الأحداث

بمنطقة الفردوس أثناء المغادرة ، ظن هؤلاء أن الباصات ستأخذ

الأسرى إلى موقع للإعدام الجماعي !!!  

( هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا )

( أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم

مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين

ءامنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب )

( ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال

والأنفس والثمرات وبشر الصابرين الذي إذا أصابتهم مصيبة قالوا

إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة

وأولئك هم المهتدون )

جمعونا في الباصات وانتظرنا حوالي ساعتين في الباص أكلنا فيها

القلق ، ثم علمنا أنهم أرسلوا ضابطا يستطلع الطريق إلى المطلاع

، وكانت الحرب في أوجها والقصف مستمر ويزداد ضراوة وشدة

، مما ينبيء عن احتمال وقوع الحرب البرية في أية لحظة ، ثم لما

عاد الضابط الذي أرسلوه وأخبرهم أن الطريق إلى المطلاع سالكة

وليس بها قوات عسكرية ، أمر ضابطهم الكبير وكان برتبة مقدم

وكان يقود سيارة ميتسوبيشي جالانت بيضاء مدنية – مسروقة

على الأغلب - موديل 1987 تقريبا ، فقاد وتقدمنا في الأمام

وأمر أن تمشي الباصات بالقرب من بعضها البعض ، وكانت تمشي

الهوينى ببطء شديد مثير للاشمئزاز والملل ، وكان ذلك الهابط أو

الضابط يسير أمامنا ببطء ويشعل أضواءه أحيانا ويطفؤها أحيانا

أخرى ويسير أمامنا مسافة ثم يعود مرة أخرى ويتقدم جموع

الباصات حتى وصلنا إلى المطلاع فتوقف وأمر الباصات

بالاستمرار في المسير إلى العراق وعاد هو إلى داخل الكويت ،

وأذكر أن الجندي المسلح المرافق لنا بالباص قال : ذبنا للهاوية

والقصف ورجع الجبان .

تخطينا المطلاع وظلت الباصات تسير ببطء وظللنا نمشي ببطء

ونتقدم بطريقة سلحفائية حتى وصلنا البصرة مع شفق النور في

الفجر وكنا قد تيممنا وصلينا الفجر في الباصات ونحن جلوس إذ

ألجأتنا الضرورة قبل دخول الوقت حيث خشينا فوات الوقت وكما

تعلمون ينقسم وقت الصلاة إلى ثلاثة أقسام أول الوقت وهو وقت

الفضيلة وأوسطه وهو وقت السعة وآخره وهو وقت الضرورة

فإذا فات وقت الصلاة أثم الإنسان إن لم يصل قبله إلا في حالة

الاغماء وما شابهه أو غلبه نوم من غير تفريط، فالصلاة لا تسقط

بحال من الأحوال حتى في حالة الحرب فلها صلاة بصفة

مخصوصة وحتى أثناء احتدام القتال يصلي كل على حاله وعلى

أي قبلة تلجؤه إليها الضرورة وهذا يدل على أهمية الصلاة .

في معتقل معسكر أبوصخير بالبصرة

أخذونا إلى معسكر في منطقة تابعة لقضاء البصرة

( محافظة البصرة ) واسم هذه المنطقة أبو صخير وأظنها تقع

شرق البصرة، وهذا المعسكر الذي أخذونا إليه هو معسكر لتدريب

الجيش الشعبي ، كان هذا المعسكر مسورا ويتضمن مجموعة من

الباراكسات والباراكس عبارة عن مبنى من دور واحد مبني

بالخرسانة المسلحة طوله حوالي عشرة أمتار وعرضه أربعة

أمتار تقريبا ، في بدايته باب مكن الحديد وفيه شباك صغير

وقضبان مثل أبواب السجون بحيث يستطيع الناظر عبره مشاهدة

من بالداخل والعكس كما أنه ينفع أيضا للتهوية ويحتوي الياراكس

أيضا من جهاته الطولى على شبابيك مغلقة بقضبان الحديد مثل

الحمايات التي نضعها للشبابيك وزجاج هذه الشبابيك مكسور

بطبيعة الحال من شدة القصف الجوي للمعسكرات ، أنزلونا في

الصباح الباكر من الباصات وما إن أنزلزنا وجعلونا صفوفا بجانب

الباصات حتى رمقت من بعيد الأخ الصديق مرشد الدويلة

فقلت له : ها مرشد جابووك

قال : جابوني الله يقلعهم ويقلع من جابهم .

أخذونا صفوفا وكدسونا في الباراكسات ، كان الباراكس مملوءً

وضيقا حيث كان عددنا داخل الباراكس 86 شخصا عددتهم بنفسي

بعد ذلك ، كان كل من معنا كويتيون إلا واحدا شككنا فيه وكان

شكله عراقيا وشاربه ثخين كلاسيكي يشبه شارب الفار ميكي من

شخصيات والت ديزني وفي لهجته لكنة تشبه لكنة مدربينا بالتجنيد

مثل : اجعد جاعد ، لا تضحتش .. وهكذا ، وكنا نتعامل معه بحذر

بل كنت أصلا أتجنب الاحتكاك به ، وأذكر أنه لم يبق معنا حتى

الليل فعلى ما أذكر انهم أخذوه في المساء ولم يرجع مما زاد

شكوكنا .

الطعام والشراب بالحسرة

بالنسبة للطعام كان العراقيون في سجن الفردوس قد أخذوا منا

نقودا كثيرة لجلب الطعام ولكنهم لم يحضروا لنا في اليوم الأول إلا

بيضا مطبوخا بالماء المغلي " مفيوحا " فكان نصيب كل أسير

بيضة وبعض الأسرى اقتسموا بيضة بينهم فكان نصيب كل واحد

منهم نصف بيضة ، وفي اليوم الثاني وبعد احتجاج الأسرى الذين

دفعوا مالا أحضر العراقيون الرز وطبخه بعض الأسرى الكويتيين

وكنت أنظر إليهم من الدور الأول وأشكرهم وأصبرهم بالكلام

الطيب والمشجع وكان ظاهرا من هيئتهم أنهم في هذا السجن منذ

مدة فسألتهم منذ متى وأنتم في هذا السجن ؟ فكان بعضهم في هذا

السجن منذ شهرين وآخرون منذ ثلاثة أشهر .

وقد كان نصيب كل أسير من طبخهم لقمة رز واحدة تأخذها بشق

الأنفس من شدة الزحام على الأكل والأسرى يتضورون جوعا

حتى إنني رأيت منظرا لا أنساه وقد آلمني أشد الألم وهو أنني

رأيت أستاذ دكتور في جامعة الكويت وكان عميدا لأحد الكليات

وأصبح بعد ذلك عميدا لكلية أخرى أهم وأعلى وقد وقف ينظر إلى

مشهد تكدس الأسرى على قصعة الطعام القريبة منا مزدحمين كل

يأخذ لقمة ويأكلها والدكتور ينظروقد بلغ منه الجوع مبلغه ولا

تسمح له نفسه أن يزاحم بهذه الطريقة الغير حضارية التي اضطر

إليها الأسرى وبالطبع هم في وضعهم العادي ليسوا كذلك وليس

أحد منهم " مشفح " كما يقولون ولكنها الضرورة والحاجة واتباع

غريزة البقاء ،

فقلت له : دكتور خذ لك لقمة ترا ورانا درب طويل واحتمال

ياخذونا للعراق وهناك ما راح نحصل مثل هالأكل ،

قال : انت اخذت لك لقمة ؟

قلت له : لأ .

قال : انت اخذ أول ، فدخلت في الزحمة وخرجت بلقمة وأنا

أنقد على نفسي

فتشجع الرجل ودخل الزحام وأخذ له لقمة وخرج وهو ممتعض

أشد الامتعاض مما يحدث وقرأت في وجهه ملامح الإحراج

الشديد.

وفي الحقيقة كنت قد فكرت أن أحجم عن نقل هذا المشهد المحرج

الذي أكتبه الآن وأنا أتصبب عرقا ولكنه أمر حدث وهو جزء من

التاريخ أدونه لتبيان مدى مكابدة ومعاناة الأسرى بشتى أنواعها

حتى المعاناة الناتجة عن سلوك مسلك ساقتنا إليه الضرورة

الملجئة مما نتعاظم في أنفسنا أن نقع فيه أو نتصرفه ولكنها

المعاناة بشتى أنواعها نسأل الله تعالى أن يثيبنا على صبرنا في

تخطي هذه المحنة والأزمة التي مررنا بها بجميع آلامها ومراراتها

النفسية والبدنية .

إننا أحرار أبناء أحرار ومن حمايل ذوي عزة ومروءة نأنف من

الأفعال التي تمجها الطباع السليمة ، ولكن ألجاتنا إليها الضرورة

الملحة ، وكما قيل الجوع كافر ( يعني لا يرحم ) .

ساقنا الحديث عن الطعام إلى العودة جبرا إلى سجن الأحداث

بالفردوس بعد أن كنا قد خرجنا من الحديث عنه ووصلنا إلى سجن

أبوصخير بمحافظة البصرة .

نعود إلى أبو صخير بعد هذا الاسترسال العفوي ، كنا قد وصلنا


إلى نوعية الطعام في معسكر أبو صخير فقد كانوا يعطوننا صمونة

يابسة مخبوزة من مطحون الذرة والشعير ونوى التمر الغير

مطحونين جيدا حتى إنك تجد في الصمونة التي تشبه "الصمّي"

وهو الحجر الصلد تجد فيها نصف حبة شعير وجزءً من حبة الذرة

وهكذا ، وكانت صلبة لا تؤكل بهناء إلا بعد تنقيعها في الماء .

وأما الشراب فالشراب الوحيد المتوفر كان عبارة عن مياه يجلبها

الأسرى بقنينة ماء من بقايا مياه الأمطار ومن السبخات التي

تكونت بفعل المطر ، هذه المياه التي يعبر خلالها العراقيون

بأحذيتهم وبساطيرهم فتأتي قنينة الماء وفيها الماء الخابط رملي

اللون من كثرة ما خالطه من تراب وطين فنتركه ساعة أو ساعتين

حتى يصفو الماء بقدر ما يمكن فيشربه الأسرى وهم يرفعون

القنينة بكل هدوء مع إنزال الوجه إلى الأرض في وضع الجلوس

مع الانحناء حتى لا يتحرك الماء فيعود الماء خابطا رملي اللون

مرة أخرى ويشرب الأسير أقل ما يمكن بما يبل ريقه فقط خوفا من

التلوث والأمراض ، شربنا من هذا الماء الخابط مضطرين وحسبنا

الله ونعم الوكيل .

ذكرني هذا بكلمة سمعتها من الشيخ عبدالحميد كشك رحمه الله

الذي مات ساجدا لله حيث قال في أحد خطبه :

أخذونا في المعتقل وأبقونا بلا ماء لمدة يومين في الصيف الحار

الشديد الحر ، وفي ظلام الليل في ظلمة الليل البهيم ، فتح باب

الزنزانة فمد إلي أحد السجانين بطاسة باردة فيها ما ظننته ماء

باردا فشربته في الحال فإذا بي ولأول مرة في حياتي أشرب

البول . !!!

فرفعنا أكف الضراعة نشكو إلى الله ظلم العباد .

فأرانا الله في الظالم يوما . أ.هـ .

ونحن أيضا نقول : لقد أرانا الله في الظالم يوما ، وسيرينا في بقية

الظلمة أياما ، وليس ذلك على الله بعزيز . (ولا تحسبن الله غافلا

عما يعمل الظالمون )



نتابع البقية في المرة القادمة

 

 

بيت العائلة غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
 
7 9 244 247 267 268 269 270 271 272 273 274 275 276 277 278 279 280 281 282 283 284 285 286 287 289 290 291 292