رد: مذكرات أسير كويتي في المعتقلات العراقيه الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه وسلم كان تنظيمنا داخل الباراكس في اليوم الأول منظم بصورة عفوية ولكنه غير تام التنظيم حيث لم يتم تحديد مسئول للباراكس ولا مسئولين للمجاميع ، وكل ما كان هنالك من تنظيم أننا تقسمنا بفعل الصداقات والتجمعات إلى مجاميع بشكل عفوي ، وكان عدم تنظيم الأمور مما أقلقني وأزعجني ، لكن تأخير تنظيم العمل كان مبررا فلقد كنا وحتى هذه الساعة لا ندري كم سنبقى في هذا المكان وقد كان لدينا شعور أن بقاءنا في هذا المكان مؤقت وأنهم لا بد من أن ينقلوننا إلى مكان أكبر ومعتقل مخصص للأسرى وليس مجرد مدرسة تدريب ، ولهذا لم ننظم أنفسنا في اليوم الأول . ولكن بعد أدائنا لصلاة العشاء مباشرة قلت في نفسي هل أقوم وأطلب من الجميع التعاون لتنظيم أنفسنا وأباشر الموضوع ؟ أم أن ذلك يعد تطفلا و " لقافة " في ظل وجود من هم أقدر مني وأكثر خبرة في تنظيم الأعمال ، مثل التوأمين الشيخ خالد القصار الذي أمّـنا في صلاة المغرب والعشاء وشكره الأسرى وارتاحوا من قراءته وأحبوا وجوده معنا ، وأخاه التوأم فوزي القصار الذي كان رئيسا سابقا للاتحاد الوطني لطلبة الكويت أي أنه كان يدير شئون ومصالح حوالي 16 ألف طالبا في الجامعة ( هذا كان عدد الطلبة والطالبات في الجامعة في ذلك الوقت ) وقلت في نفسي : لإن رجلا ترأس ستة عشر ألف ما بين طالب وطالبة وأدار شئونهم هل سيعجز عن إدارة باراكس لم يصل عدد من فيه إلى مائة ؟!! وما هي إلا لحظات حتى قطع الشيخ خالد حبل أفكاري فقام وتحدث عن أهمية تنظيم العمل وقدم أخاه فوزي فقام فوزي وتكلم عن فوائد تنظيم العمل وأنه لمصلحتنا وأن علينا أن نتعاون مع بعضنا البعض ونتقاسم ويحمل قوينا ضعيفنا ونلملم جراحنا ونصبر على هذه المحنة ونتعامل معها بروح المسئولية وأن نستشعر أن كل هذا في سبيل الله وابتغاء مرضاته وأن وطننا الذي قدم لنا الكثير يستحق الكثير والكثير من التضحية ، وأننا بإذن الله سنتخطى هذه المحنة وكلام من هذا من قبيل الصبر والتصبر والجلد والتحمل والتأقلم . ثم قسمنا إلى مجاميع وقد كانت مشكلة بالفعل بشكل تلقائي لكن تم تحديد المسئوليات فعلى رأس كل مجموعة مسئول ، وقد كنت قد ابتليت بأن أحسن إخواني في المجموعة الظن بي فجعلوني مسئولا على المجموعة ، وقد كانت هذه بداية مسئولية مضاعفة ، وكنت في هذا الباراكس قد التقيت بالأخ يحيى الحمادي من شباب العديلية ومعه الأخ علي الراشد والأستاذ وائل بورحمة إضافة إلى الاخوة الذين كنا قد اتفقنا أن نبقى سويا باستمرار. وكان من لطيف ما دار بيني وبين يحيى من حوار للتعرف والتعارف أنه قال لي : احنا لازم يكون عندنا المنطلق الكافي اللي يخلينا ننطلق في مسيرتنا فقلت : صحيح ولازم نتخطى العوائق التي تمر علينا . فرد علي : وعشان نتخطى العوائق نحتاج إلى الرقائق على الدوام . فقلت : وكل هذا يقودنا إلى البوارق لتحديد المسار . قال : عيل وصلت خير قلت له : هلا بالحبيب ، والشباب يعني علي ووائل قال والشباب . . طبعا دار هالكلام بيننا وبعض الشباب يقولون في نفسهم شفيهم ربعنا قاموا يقطون خيط وخيط ! شنو منطلق وعوائق ورقائق وبوارق ومسار شقاعد يقولون الشباب ؟ والمنطلق والعوائق والرقائق والبوارق والمسار كلها أسماء لكتب كانت ولا زالت مشهورة ومنتشرة بين شباب جمعية الاصلاح الاجتماعي بالكويت من تأليف الشيخ العلامة محمد أحمد الراشد حفظه الله وله كتب أخرى مثل كتاب دفاع عن أبي هريرة وكتاب تهذيب مدارج السالكين وكتاب مناقب أبي هريرة وكتاب صناعة الحياة وسلسلة العين وغيرها من الكتب . إذن انقسمنا إلى مجاميع كل مجموعة ما بين 7 إلى عشرة أشخاص في باركس قد ضاق بنا وكان موقع مجموعتنا في زاوية الباراكس اليسرى للداخل في آخر الباراكس بجانب الباب ، وكان الجو باردا آنذاك ،ولحسن الحظ كنت قد لبست جيدا في ذلك اليوم بخلاف الكثيرين الذين كانوا ينوون العودة إلى البيت بعد صلاة الجمعة فلذلك قد تخففوا من الملابس لأن حرارة الجو في الظهر ترتفع ثم يعود البرد في المساء ، أما أنا فقد كنت أتوقع المكث عند الأخ بوعمر الخليفي وأنام عنده ليلة ثم أعود لبيت خالي حيث مقر إقامتي في ذلك الوقت ، وعليه فقد لبست الحذاء والجورب والدشداشة الشتوية وتحتها الملابس الداخلية الشتوية والشماغ مع "القحفية" على الرأس . وقد أعطيت الشراب ( الدلاغ ) لأحد الاخوة في سجن الأحداث بالفردوس ليلبسه إجبارا بعد رفض وتمنع من قبله وذلك لأنه لم يكن يلبس ما يدفؤه في برد الليل ، ثم في معتقل أبو صخير في الباراكس وجدت أحد الشباب من مجموعة أخرى مكانها عند باب المدخل وكان يلبس الملابس الرياضية الصيفية وكانت فانيلته خفيفة جدا وذات كم صغير فخلعت غترتي وألبسته إياها بعد رفض وتمنع شديدين ، وأذكر أنه بعد ذلك في الموصل اشترى غترة جديدة وأهداني إياها . بعد صلاة العصر دفعنا مبلغا جمعناه من الأسرى إلى الجنود ليحضروا لنا طعاما فأحضروا بعض البرتقال وبعض المأكولات ، وكان بعض الأسرى من المدخنين قد دفعوا مبلغا للجنود ليأتوا لهم بالسجائر وعندما أحضروها حاول أحد الأسرى أن يستأثر بالنصيب الأكبر منها وادعى أن الجنود قد أحضروا كمية قليلة منها وسلم الأسرى المدخنين الذين دفعوا مبالغ للسجائر حبات معدودة من السجائر ، وعندما فتش أحدهم أغراضه وجد علبة كاملة ( كرز) وفيها بضعة باكيتات كان قد أخفاها عنهم ، فتجمعوا عليه يريدون ضربه وخنقوه بأيديهم حتى كاد أن يموت وما أنقذه من يدهم إلا الشيخ خالد القصار جزاه الله خيرا . وقد حصل الشيخ القصار بعد ذلك على تهميزة ( مساج ) من يد خبيرة حيث قام أحد الأسرى ويلقب بالعقرب بعمل مساج للشيخ ، وكان ماهرا في التدليك والمساج وقد نصحني الشيخ خالد القصار بالحصول على خدمته في المساج والتهميز فقلت له : يا الـعقرب يقولون انك مهمزتشي درجة أولى فاقترب مني وأمسك بيديه الاثنتين بعرقين على جانبي كتفي بشدة وقوة لمدة ثم شعرت بخدر في الكتفين وشرع الأخ بالتهميز على الكتفين واليدين ووالرقبة والرأس ثم الظهر ، ثم أمسك بيديه الاثنتين أيضا بعرقين تحت الركبة بشدة مثل المرة الأولى فشعرت بخدر في قدماي ثم قام بعمل المساج لساقي وقدمي وقلت له : الله يعز مقامك ويرفع شانك فقال : لي مشكور ملا مشكور ملا حاضرين للملا لوة نخدمكم احنا بعيوننا فقلت له : يا العقرب انت وين تعلمت هالمساج ؟ فقال : ملا ملا استر عاد على ما واجهت . في المساء نمنا وكان الباب خلفي وكنت أصد الهواء بظهري لأنني كنت بحمد الله قد لبست جيدا إلا أن شدة البرد ونومنا على الأرض الأسمنتية وبدون لحاف ولا غطاء قد أذهب النوم عن عيني ناهيك عن ألحان الروك أند رول المزعجة التي كانت تنطلق من فم وأنف أحد الأسرى كلما غط ونام ( صوت الشخير ) فكنت أنغزه برجلي كلما أيقظتني ألحانه فيسكت هنيهة حتى إذا عاد واستغرق في النوم وكنت على وشك النوم أطلق بوقه وأيقظني عدت لتحريك رجله فيتوقف وهكذا دواليك بين لسعة البرودة على الظهر وبين ألحان الشخير قضيت تلك الليلة المزعجة التي قضيتها مع السهاد لا أراكم الله ليلة مثلها .
|