رد: مذكرات أسير كويتي في المعتقلات العراقيه الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه وسلم تسليما كثيرا حمامات معتقل أبو صخير كان الخروج للحمام يتم من خلال الوقوف بالدور أمام الباب حيث يخرجوننا للحمام على شكل مجموعات يخرج عشرة للحمام ثم يعودون فيخرج عشرة آخرون وهكذا ، وكان الأسرى يحمل كل واحد منهم ما تيسر له من إناء أو قنينة أو كوب معدني كبير أو إبريق أو علبة صدئة من بقايا معلبات الأطعمة ، وكان يملؤها بالماء بعد الخروج من بقايا مياه المطر من السبخة التي نشرب منها، ( ويع) وكانت الحمامات عبارة عن مبنى صغير فيه حمامات صغيرة جدا ليس فيها ماء وتلوع اللوعة بكبرها ، بس ما باليد حيلة ، كما قال الشاعر : وما حيلة المضطر إلا ركوبها . خشينا من الاعدام فساق الله إلينا الطعام في اليوم الثاني وقبل الغروب بقليل ونحن كنا قد خرجنا من الباراكس للحمام وكنا عشرة أشخاص فجأة أمرونا بإلقاء ما بأيدينا من أواني وقناني كنا قد ملأناها بالماء من السبخة والبحرة المجاورة للباراكس استعدادا لدخول الحمام ، في البداية تجاهلت الأمر أول مرة ولم ألق ما بيدي وكان إبريقا للوضوء وقلت في نفسي لقد كان نصيبي هذه المرة هو الابريق فلست أدري في المرة القادمة قد يكون نصيبي علبة صدئة من مخلفات معلبات الطعام ، وحاولت إخفاء الابريق لكن لمحه الجندي فصرخ في وجهي صرخ الجندي وقال : لك ذب هايا الابريج ذبه . فألقيته وأنا أنظر إليه بحسرة ، فأخذونا وأخرجوا خلفنا عشرة آخرون على غير عادتهم !؟ وكانوا ساعتها في حالة من الهستريا والهياج الغير طبيعي وقد دبت الحركة السريعة والمجنونة على غير هدى في المعسكر فهنا عسكر يركضون وهناك آخرون يتصايحون ومجموعة تحمل الأغراض وتجمع الأسلحة وأخرى تتلف الأوراق وتحرقها وثالثة تشغل الآليات وهم لا يلوون على شيء ويتناقشون فيما بينهم بطريقة غير منظمة بحيث اختلط الحابل بالنابل وأصبحت لا تعرف من الآمر الناهي ومن المأمور المنفذ فالكل بدأ يعطي الأوامر للآخر وأصابتنا ريبة وقشعريرة ودار في خلدنا موسوعة كاملة من التساؤلات عما يجري ويحدث وكلما سألنا أحدا منهم عما يجري وجدناهم يتكلمون بهستريا ويتبرمون من قوات التحالف وعدم رغبتها في إيقاف الحرب وأن الجيش العراقي انسحب فماذا يريدون بعد ذلك !! وكانوا في حالة غضب شديد يخالطها خوف وهياج وتوتر طابور العشرة الخارج للحمام أصبح عشرين وأخذونا إلى مبنى في المعسكر لا أدري ما هو ، أوقفونا في الخارج أمام المبنى على شكل طابور ، واحدٌ خلف الآخر ، وحمل أحد الجنود من خارج المبنى تشولة طبخ رأسها مدور ومصنوعة من البايبات المخرومة من الأعلى التي تستخدم في طبخ الولائم الكبيرة أو في التعذيب وكان فوق التشولة سكينة كبيرة حملها وأدخلها إلى داخل المبنى وقالوا للأسير الذي كان الأول في الطابور: روح ادخل المبنى فخاف ورفض وظننا أنهم سيذبحوننا واحدا تلو الآخر فأخذوا الأول وجروه إلى داخل المبنى ونحن ننتظر على أحر من الجمر وبدأ بعضنا يتمتم بالشهادتين وآخر يقرأ القرآن وعندما نطقت الشهادتين قال الأسير الذي كان خلفي قال الاسير : شنو شنو أخوي بيذبحونّا قلت : مادري بس ان ذبحونا ان شا الله شهدا وبعد قليل خرج الأسير الأول وبيده صحن ماذا تتوقعون ؟ صحن عيش ودجاج فيه وجبة تكفي لشخص واحد رز وربع دجاجة وأخذنا الوجوم وأخذنا ننظر في وجوه بعضنا البعض !! ما الذي يحدث ؟ إعدام يتحول إلى إطعام !! ثم جالت في خواطنا الهواجس والأفكار وقلنا أنهم ربما وضعوا لنا السم في الأكل وبينما يدخل الأسرى واحدا تلو الآخر ويخرجون محملين بأطباق الأكل رز ودجاج نظرت إلى أحد الجنود الذين كانوا يحرسوننا فإذا هو ( odd man out ) عن بقية الجنود يعني داش عرض كما نقول شكله يختلف تماما عن كل الجنود العراقيين الذين رأيتهم طوال فترة الاحتلال ، فقد كان أبيض عطر مربرب ، وذرب المظهر والملبس بخلاف باقي الجنود العراقيين الذين كان الواحد منهم أتشلح أملح والهندام رايح فيها والمظهر ميح عدا بعض الضباط الذربين وهم قلة أيضا . نظرت إلى وجهه فقرأت في تقاسيم وجهه ألف كلمة ومليون رسالة من الغضب على الوضع وعدم الرضا بما يحدث وأنه مجبور على العسكرة وأنه خائف ومرتبك بشكل يصعب على الكافر ولا يملك من لديه مثقال حبة من خردل من إنسانية ومشاعر وإحساس إلا أن يتعاطف معه ويعطف على ضعفه ووضعه بل ويشفق عليه ، لهذه الدرجة وقد تستغربون كيف يتعاطف أسير ومسجون مع سجان يحرسه في المعتقل ، لقد قالت تعابير وجهه ما لم يستطع لسانه أن ينطق به ، ولكن كان من الواضح جدا أنه مجبور على فعله هذا ، وفي زيارتي للبصرة والزبير بعد سقوط نظام صدام مع لجنة الإغاثة أخبرني شاب يدرس الماجستير من شباب السنة في البصرة كيف كان الجيش العراقي يوزع الأسلحة على الطلبة ويجبرهم على القتال وتنفيذ المهام العسكرية كحراسة المواقع وغيرها . وهذه الزيارة للعراق بعد سقوط النظام كانت مغامرة من المغامرات التي مررت بها في حياتي المليئة بالتجارب والمغامرات ، وقد أكتب عن هذه الزيارة لا حقا بعد انتهائي من هذه المذكرات . أعود إلى صاحبنا الجندي المجبور الذي كسر خاطري ، وقد تذكرت قول الشاعر مروان حديد الذي قال عن أحد السجانين في معتقله الذي كان فيه في قصيدته التي منها قوله : أبتاه ماذا قد يخط بناني – والحبل والجلاد ينتظراني لم تبق إلا ليلة أحيا بها – وأحس بأن ظلامها أكفاني لكن إذا انقشع الضياء ومزقت – بيد الجموع شريعة القرصان ِ فلسوف يذكرني ويكبر همتي – من كان في بلدي حليف هوان ِ ثم تحدث عن سجان كان يحرس في المعتقل : أنا لا أحس بأي حقد نحوه – هو طيب الأخلاق مثلك يا أبي – نسيت الأشطر الثانية من البيتين ومثله قول الشاعر أحمد مطر عن سجانه في قصيدة له : جاء به وبي قرار هذا عن السجان الطيب المغلوب على أمره بخلاف السجان الغليظ القلب الفظ سيء الخلق عديم القيم فهذا قال عنه : أحدثكم عن بطل ٍ سجانه حمار فأعلنت رابطه الحمير الغضب والاستنكار قائلة ً : إن حموريتنا تأبى أن يلحقنا هذا العار . وبعد هذه الوقفة حول المشاعر الإنسانية نعود إلى موضوعنا حيث عدنا إلى الباراكس حاملين معنا الغنيمة ومن طول الغيبات جاب الغنايم وأخرجوا عشرة آخرين أحضر كل منهم صحنا من الرز والدجاج وبالمناسبة الصحن كان بالحجم العادي حجم الصحن المخصص للشخص الواحد وليس صينية كبيرة وضع كل منا الصحن واجتمع حوله أربعة من الأسرى ترددنا في الأكل بداية لكن الجوع له صولة وجولة فقلنا نتوكل على الله ونأكل خصوصا أن بعض الأسرى جربوا وأكلوا كفدائيين ولم يصبهم مكروه بحمد الله فقام كل منا وفسر عن أكمامه وقال بالخمس وما هي إلا لحظات وإذا بالصحن خا على عروشه يقول طن طن فاضي فاضي ويرجع منه الصدى ولا يحتاج إلى غسيل بعد ذلك
|