رد: مذكرات أسير كويتي في المعتقلات العراقيه بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه . أما بعد ها نحن عدنا والعود أحمد عدت للكتابة في الموضوع الذي لطالما طمحت أن أنجزه وأكمله وأخرجه من أدراج صدري وذاكرتي بعد أن علاه الغبار وتننحنحت حنجرة البوح به أملا في إطلاق أحبالها الصوتية لتريح ضميرها بنقل هذه التجرية التي هي حق للأجيال لا يجوز بحال أن تظل حبيسة الذاكرة ومنحصرة بالبال والحس والضمير مهما خالطت ذلك وساوس الشيطان من رغبة مجلبة المدح والثناء أو إضاعة الأجر في ترك الأمر طي الكتمان لتستعمله وقت الحاجة وتتوسل إلى الله تعالى به كعمل صالح خفي أردت به وجه الله تعالى فتسأله به أن ينجيك من كربة أو يجلب لك خيرا أو ييسر لك أمرا ، وبحمد الله لن نعدم من عمل صالح نسأل الله تعالى به ، ولا فخر ( وأما بنعمة ربك فحدث ) رغم علمي بما لدي من تقصير وذنب تجاه الله رب العالمين ، إلا أن أملنا بعفوه وكرمه ومغفرته كبير كبير قال تعالى في سورة الأعراف : وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَـاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ {156} فاللهم اجعلنا من المتقين المؤتين للزكاة المؤمنين بالآيات آمين . ثم أعتذر أشد الاعتذار لكل أخ أو أخت أحسنوا الظن وتابعوا هذه المذكرات واستاء بعضهم من تأخري في الرد وتأخري في إكمال هذه المذكرات وألتمس لهم العذر وأقول لهم : جد لأخيك سبعين عذرا فإن لم تجد فقل عسى أن يكون له عذر لا أعلمه وقد قال الشاعر : ومثلك الكريم يعذر ُ فقد كنت خلال الفترة الماضية مشغولا جدا في ارتباط صباحي ومسائي يعقبه ويتخلله ارتباط ذهني ومساحة مشغولة في العقل والبال ، ولا يخفى عليكم أن كتابة المذكرات تحتاج إلى خلو الذهن وصفائه كما أنها بحاجة للتفرغ ، واليوم وقد أخذت إجازة تنتهي بعد عيد الفطر بعد أن فرغت من حل المعضلتين اللتين ألمتا وانتهيت تقريبا من حلها ، وتبقت مسألة هي بين يدي علام الغيوب بذلت فيها السبب ووضعت جدولا ومراحل للتحرك فيها ، كما أنني مشغول منذ شهر تقريبا بترميم البيت واقترب الأمر من نهايته . وقد كان من المناسب جدا أن أنتهز فرصة مرور ذكرى اليوم الأليم يوم 2 أغسطس اليوم الأسود من عام 1990م الذي حدثت فيه جريمة الغدر والخيانة اليوم الذي احتلت فيه دولتنا الحبيبة من قبل قوات غاشمة لقيت جزاءها من الله على يد قوات سخرها الله من الشرق والغرب صديقة وعربية وإسلامية . نسأل الله أن يكتب للأمة العربية والإسلامية وحدتها واتفاقها وتعاونها على البر والتقوى على صلاح من الأمر وبراءة من الأفكار والتيارات الأرضية الناشئة من عند أهواء البشر ( إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس ولقد جاءهم من ربهم الهدى ) وأن يجمع شمل المسلمين لما فيه صلاحهم في دينهم ودنياهم ليقدموا نموذجا راقيا للبشرية يتصف بالحرية المنضبطة والحضارة والتنمية والرقي لإسعاد البشرية والعيش في وئام مع سائر الناس بالعدل والقسطاس المستقيم وعدم استخدام القوة إلا حيث لزم الأمر بعد استنفاد كافة السبل صدا للعدوان ومنعا للاعتداء كما تنص عليه الشرائع الدينية والقوانين الدولية والفطرة الإنسانية السليمة . . وصلت إلى أننا نمنا في اليوم الأول في معسكر الرشيد وكان نصيبي أن نمت على قطعة من الكرتون في الجهة اليسرى من غرفة السجن التي كانت كبيرة نسبيا حيث يمكن أن نسميها قاعة حيث كان طولها تقريبا ثمانية أمتار وعرضها حوالي أربعة أمتار يقع بابها في الجهة اليمنى وإذا فتحت الباب وجدت صبة اسمنتية ربع دائرية توازي طرف الباب أثناء فتحه فلو وضعت طبشورة أسفل طرف الباب وفتحت الباب سترسم الطبشورة على الأرض ربع دائرة تبتديء من بداي الباب وهو مغلق وتنتهي عند الحائط المجاور للباب الذي يصطدم به الباب عند إغلاقه وتجد هذه الصبة الاسمنتية بارتفاع 3 سم على بعد بوصتين من خط الطباشير الربع دائري تقريبا ، والغرض من هذه الصبة الاسمنية هو أن تعمل مثل السد الذي يمنع ارتداد السوائل إلى قاعة السجن . وهذا السد في هذه المساحة التي تشكل ربع دائرة هو الحمام الفاخر للمرتهنين المسجونين في هذا السجن ليستخدموه في الليل ، ذلك أنه يمنع خروج أي سجين أو مرتهن في الليل خشية الهروب ، وكم هم مساكين من كان نصيبهم الجلوس والنوم في الزاوية المجاورة لهذا الحمام الفاخر! ، فقد آذتهم روائح البول والغائط كرمكم الله ، وباتوا ليلة صعبة مريرة . إذا فتحت الباب – باب السجن – تجد أمامك الحائط على بعد أربعة أمتار ثم تلتفت لليسار فترى السجن ممتدا ثمانية أمتار فإذا دخلت السجن من الباب ودخلت خطوتين ثم استدرت لليسار ومشيت مسافة ستة أمتار ستجد سريري الفاره تحتك وهو عبارة عن كرتون واللحاف هو السقف وما وارى جسدي المتعب من ملابس كنت أرتديها آنذاك ، تنادى الزملاء المنكوبون بقرب الباب وطلبوا من الجميع أن يجمع كل منهم ما استطاع من أكياس نايلون وقراطيس لتستخدم في قضاء الحاجة في الليل ، وهذا ما حدث في اليوم الثاني حيث قام كل من اضطر لقضاء حاجته ليلا عند الباب بفعل ذلك في أكياس النايلون التي أخذناها من الجنود فإذا انتهى ألقى الكيس من الشباك عبر الليوان ، وكان الله في عون من أصيب بالاسهال تلك الأيام . في الصباح سمحوا لنا للخروج إلى الحمامات على شكل مجموعات . وكذلك فعلوا بعد العصر ، وكان الغداء هو الرز الأبيض الغير مطهي جيدا والعشاء هو تلك الصمونة اليابسة ، في المساء كان جميع الأسرى يتحدثون ويتسامرون ويتكلمون فيما بينهم إلا شابين صغيرين جلسا مستندين إلى الحائط صامتين صمت القبور لا يتكلمان ولا يتحدثان ولم ينبسا ببنت شفة منذ أن تم اعتقالهما ، هكذا أخبرني أحدهم عندما حاولت الكلام معهما ، قال " لا تتعب نفسك ما يبون يتكلمون " . كانت أعمارهما 14 و15 ما هي قصتهما وكيف استطعت حملهما على الكلام والاندماج معنا ؟ هذا ما سنعرفه في الحلقة القادمة بإذن الله
|