رد: مذكرات أسير كويتي في المعتقلات العراقيه بسم الله الرحمن الرحيم كان المكان يعج بالصوت المتداخل ، بعضه عال وبعضه خفيت ، فهنا داخل هذه القاعة في معتقل الرشيد ببغداد تقبع مجموعات من الشباب الكويتي الذي أخذ عنوة من المساجد والبيوت والطرقات في أيام نحسات اختلط فيها الحابل بالنابل وغدا الباطل حقا والحق باطل ، ومن بين هذا الركام من البشر المدموك ( ههه تعبير يدل على التخصص ) على بعض المحشور في أماكن ضيقة وإن بدت كبيرة ذلك أن القلوب متحابة والصفوف متراصة - عكس ما يحدث هذه الأيام مع الأسف – من بين هذه الأصوات المتشابكة ( mixed ) ينطق صمت الاثنين الجالسين أمامي ويعبر عن نفسه كأنه صراخ من الأعماق ، فرب صمت أبلغ من الكلام ، ورب هدوء أشد من العاصفة ، ورب سكون أشد ارتجاجا من الزلازل ، صمت يشوبه قلق مع وجوه متجهمة وكأنها تسبح في فضاء رحب يقودها إلى حتفها أو يسوقها إلى مصير مجهول . لا تتعب نفسك قال لي أحد الشباب الجالس بجوار الشابين الصغيرين الصامتين ، وجومٌ أناخ بكلكله على محياهما ، لذت بالله وتوجهت إليه أن يعينني على تخليص هذين الشابين من هذا الوجوم وقد خشيت عليهما ، فإنه من الخطر على صحتهما النفسية أن يبقيا على هذه الحال ووضعت أمام نفسي تحد ٍّ أحبه وهو علاج النفوس بما حباني الله من علم شرعي وخبرة تربوية اكتسبتها من عملي في الميدان التربوي في جمعية الاصلاح الاجتماعي وبالذات مع الناشئة من هذه الأعمار ومن خلال الدورات والقراءات ، بدأت الحديث معهما بلغة يفهمونها وهي لغة هذا العمر من الشباب وبنفس أسلوب الناشئة الذين كنت أعمل معهم فقد بدأنا في تأسيس عمل ٍ للناشئة في محافظتنا من بداية عام 1987 م كعمل رديف لعمل الشباب وكنت آنذاك مسئول عن هؤلاء الناشئة مع بعض الإخوة ولم تكن لجنة النشء الإسلامي قد تأسست آنذاك ولكن كانت هذه نواة لها ، نحفظهم القرآن وبعض الأحاديث النبوية ونعلمهم العقيدة الصحيحة ونربطهم بالله تعالى ونعلمهم على المفاهيم التربوية والأخلاقية ونساهم في تقويم سلوكهم وكنا على اتصال دائم بأهلهم للتنسيق وتبادل الآراء وكان بعض أولياء الأمور يحضرون معنا الرحلات ويبدون ملاحظاتهم وكان هذا مفيدا لنا بشكل كبير، ومن هنا تعرفت على أسلوب خطاب هذه الشريحة العمرية والمفردات التي يستخدمونها وطريقتهم في الكلام واهتماماتهم وهمومهم ( بالمناسبة " العيال كبرت " وأصبحوا اليوم من قيادات العمل التربوي للشباب والناشئة ) . دخلت من هذا المدخل على هذين الشابين فأحسا أنني مشفق عليهما قريب من فهمهما أستخدم المفردات الدارجة في أعمارهما وجيلهما وماذا يسمون المدرسين وهكذا .. شيئا فشيئا بدآ يتحدثان وانطلقا في التعبير عما يجيش في صدورهما من مشاعر ومخاوف وكنت أطمئنهما وأن الأمر مآله إلى خير ونجاة بإذن الله . نسيت أن أذكر أن الشابين أحدهما اسمه عزام والآخر نسيت اسمه وهما من سكان منطقة الجهراء القديمة . ذكر الأخ بوعلي أنني لم ألتق به في سجن الأحداث بمنطقة الفردوس وهذا وهم منه وربما نسيان فقد عرفني عليه الشيخ ناصر الطليحي عندما كنا جلوسا في الممر بالدور الأول ، ولكن لم نجتمع ونكون سوية ً هناك وهذا صحيح حيث كان اجتماعنا كمجموعة وكوحدة واحدة تأبى التفرق في سجن معسكر أبوصخير . حمامات معسكر الرشيد ، الفنان العسكري والعلاقة بين السجان والمسجون ومتابعة آخر الأخبار وحملة التفتيش في السجن وخبر التحرير وخطاب صدام حول الانسحاب ، هذه عناوين الحلقة القادمة .
|