عددت الأسباب بين.. ضعف الميزانية والدخلاء على الفن والبحث عن الربح بلا قيمة
غياب الإبداع المسرحي.. تجاهل دولة أم تخاذل فنانين؟!
محمد مبارك بلال: دور الفرق الأهلية معطل وميزانيتها لا تكفي سعداء الدعاس: الفنان اتجه للتلفزيون والمسرح لم يعد منبراً للتعبير د. سكينة مراد: انتشار الشللية والسعي وراء الربح المادي سببا تراجع مستوى التأليف والإخراج فتحية الحداد: مهرجاناتنا تشبه «حقن البوتكس» تنفخ وتجمل ولا تعالج د. موسى آرتي: السعي وراء الأضواء واختفاء الكاتب المايسترو علي الحسيني: الدخلاء على الفن يبحثون عن الشهرة الزائفة تحقيق يحيى عبدالرحيم: ربما يصل عدد الأعمال المسرحية التي قدمت خلال السنوات الخمس الماضية الى عدد كل ما قدمه المسرح الكويتي منذ نشأته وحتى الآن، ولكن للأسف لم يَعْلق عمل واحد منها في ذاكرة الجمهور، وبالمقابل مازالت الاعمال التي قدمها عقب نشأته محفورة في الذاكرة حتى الآن، ونستطيع ان نتذكر منها ضمن ارشيف تاريخ المسرح مثل «باي باي لندن»، «حامي الديار»، «على جناح التبريزي وتابعه قفه»، «حرم سعادة الوزير»، «ممثل الشعب»، «عزوبي السالمية»، «سيف العرب» وأعمال مسرحية اخرى عديدة قُدمت بفكر ووعي رجالٌ آمنوا برسالة المسرح على الرغم من قلة الامكانات المادية والتقنية في ذلك الوقت.. والسؤال هنا: لماذا غاب الابداع عن واقعنا المسرحي الحالي؟! ولماذا لم تقدم الساحة منذ سنوات عملا يعلق بالذاكرة؟، وهل هناك اسباب تتعلق بالدولة وآخرى بالفنانين تفسر سبب غياب هذا الابداع؟.. للاجابة على هذه التساؤلات رصدنا آراء عدد من المهتمين بالشأن المسرحي على صعيد الكتابة والاخراج والنقد لعلنا نصل الى حل: عدم التواصل في البداية يقول الناقد الكبير محمد مبارك بلال: «من اسباب هذا الغياب عدم وجود ما يسمى بالموسم المسرحي الثابت، وفي هذا الجانب هناك اسباب تنظيمية تؤثر سلبا، منها عدم وجود مرتكزات ثابتة في مستوى الجانب الفني للعروض، كذلك نجد ان دور المسارح الأهلية الأربعة معطل خاصة عندما ندرك ان الميزانية المرصودة لهذه الفرق ضئيلة للغاية ولا تتجاوز «16 الف ديناراً»، وهي ميزانية لم تعد تتناسب مع تغير ظروف الانتاج حالياً، والأهم من ذلك ان المسرح نفسه لم يعد هو الأساس في مسار الفن والثقافة داخل دولة الكويت، بل ان الثقافة والفكر ليسا من اولويات الدولة على عكس السابق عندما كان هناك مشروع ثقافي تتبناه الدولة في فترة الستينات، ونتيجة لذلك ابتعد الرواد الآن عن المسرح، حتى أصبح القائمون عليه هم من فئة الشباب وهو الأمر الذي دفع أغلب الفنانين الى الاتجاه للعمل التلفزيوني». جهات معينة ويضيف الناقد بلال اسبابا اخرى لغياب الابداع عن المسرح بقوله: «أصبحنا الآن لا نملك سوى نوعاً واحداً من المسرح في الكويت وهو «الكوميدي»، كما ان هناك قصور في وجود الكاتب المسرحي المتطور، وكذلك غياب الجمهور الحقيقي للمسرح، كنت قد قدمت أحد الحلول للمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب من خلال تبني وزارة الاعلام لبرنامج شبيه بالمنتج المنفذ واعطاء كل فرقة مسرحية أهلية مبلغاً سنوياً لإنتاج أعمال مسرحية ضمن ضوابط معينة ولكن يبدو ان مثل هذه الحلول ليست من اولويات المجلس». عوامل جديدة وترى الناقدة سعداء الدعاس ان هناك عوامل جديدة اثرت سلباً على وجود الابداع في المسرح منها اتجاه الفنان الى العمل التلفزيوني، وتدني اهتمام الدولة بالمسرح، وتقول هل يعقل الا تقدم الدولة سوى مهرجان واحد ويهدف فقط لحفظ ماء الوجه ونتساءل لماذا لا تتبنى الدولة سياسة تقديم عروض مسرحية طوال العام؟!، ولماذا لا تتم الاستفادة من مسارح مثل الدسمة، كيفان والشامية بدلاً من ان تظل مهجورة وغير مفعلة الا في مواسم معينة؟ وكذلك لم يعد المسرح هو المنبر الأساسي للتعبير في ظل تعدد وسائل التواصل الاجتماعي، وبالتالي قل التركيز عليه وتضاؤل الابداع فيه عدا بعض التجارب الفردية في كل عام». إيجابيات وسلبيات د.سكينة مراد الأستاذة في قسم النقد والأدب المسرحي بالمعهد العالي للفنون المسرحية تقول اننا لا نستطيع ان نحكم حكماً قاطعاً على الابداع في المسرح، لأن هناك اعمال فنية تضم ايجابيات وسلبيات معا، ولكن من تحديد السمات الأساسية للمسرح نستطيع ان نحدد اسباب تراجع الابداع فيه خاصة من خلال انتشار مايسمى بـ«الشللية الفنية»، وما يطلق عليه الاستعانة بنجوم التلفزيون في المسرح، على الرغم من ان التلفزيون في السابق هو ما كان يعتمد على فناني المسرح، كما أصبحنا اﻷن أمام هدف رئيسي وهو السعي لتحقيق الربح المادي وليس تقديم عمل مسرحي ذي قيمة، ونتج عن ذلك تراجع اﻹبداع المسرحي على مستوى التأليف واﻹخراج والتمثيل». وأشارت د.سكينة مراد ان السبب في عدم وجود أعمال فنية لها بصمة مثل «باي باي لندن»، «حامي الديار» وغيرهما هو الاعتماد على التقليد وتقديم موضوعات مستهلكة. زاوية مختلفة وتناولت الناقدة والباحثة فتحية الحداد القضية من زاوية مختلفة مؤكدة انها لا تحب التنظير، ولكنها تطرح رؤية وحل من خلال توفير مكاتب لكبار ورواد المسرح في الكويت في دور العرض المسرحي يستقبلون من خلالها المواهب الفنية الشابة ويحتكون كذلك بالجمهور بهدف استعادة تقديم روائع اعمالهم المسرحية التي قدموها في السابق، ومثل هذا الأمر يساهم في انتاج جيل مسرحي جديد، وكذلك يوثق الأعمال القديمة لعدم وجودها في أرشيف المسرح، وتساءلت فتحية الحداد: «لماذا نسارع بتخصيص مسارح وقاعات لأسماء كبار الفنانين عندما يموتون ولانفعل ذلك في حياتهم، وتجيب: لو فعلنا ذلك في حياتهم سنستفيد من تجاربهم وخبراتهم فيما يسمى بالورش والدورات المسرحية». من جانب آخر عبرت فتحية الحداد عن أسفها بسبب المهرجانات المسرحية الحالية والتي شبهتها بـ«حقن البوتكس» التي تنفخ وتجمل ولكنها لا تعالج، كما اشارت الى سوء دور العرض المسرحي وعدم صلاحيتها لتقديم العروض. أسباب الغياب المخرج والديكوريست التلفزيوني والمسرحي د.موسى آرتي يقول: «أرى ان الابداع في المسرح الكويتي موجود على المستوى الفردي ولكنه مغيب جماعياً، وهناك اسباب لذلك منها توجه معظم المنتجين والفنانين النجوم الى القنوات التلفزيونية سعياً وراء المكاسب المادية والأضواء، وكذلك اختفاء الكاتب «المايسترو» مثل عبد الأمير التركي الذي جمع الرعيل الأول بأعمال مسرحية جعلت الكويت رائدة في المسرح خليجياً، وكذلك الكاتب والمايسترو محمد الرشود الذي جمع كوكبة اخرى من النجوم في مرحلة اخرى من المسرح ونجح الى حد كبير في احياء المسرح واستقطاب أكبر عدد من الجمهور في ظل وجود العمالقة والرواد، كذلك الفنان طارق العلي والذي له عالمه ومسرحه الخاص، كما هو الحال مع الفنان عبدالعزيز المسلم، بالاضافة الى وجود خلافات بين الفنانين، ولذلك فالمسرح الكويتي بحاجة الى من يجمع هذه الأوراق المبعثرة لينهض ويرتقي به الى مستوى الجمهور». الحرية ويشير المخرج علي الحسيني الى ان الحرية يجب ان تسبق الابداع، فالفنان يجب ان يكون حراً وان يبحث عن التجديد والتنويع، ويرى ان اسباب غياب الابداع اهتمام بعض المنتجين بالجانب المادي فقط متناسين القيمة الفنية وكذلك هناك تقصير شديد من قبل الدولة وغياب الدعم الثقافي وغياب دور العرض، وعدم ملاءمتها بما لا يساعد على اطلاق الخيال، وأخيراً اقول ان هناك دخلاء على الفن بحجة امتلاك المال أو البحث عن الشهرة الزائفة. المصدر : جردية الوطن