|   مسرحية إنه .. مجرد معلم ! 
 
   مسرحية
 إنه .. مجرد معلم !
 
 
 
 
 
 
 قصة وسيناريو وحوار
 حامد العلي
 
 
 
 
 الإلحاد .. يواجه الدين
 
 الفكرة :
 مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي وارتباط أغلب أبنائنا بما يطرح بشكل عشوائي من قبل الأفراد أو منظم من قبل المؤسسات المختلفة التي ترصد مجتمعاتنا ، فإن فكرة الإلحاد قد بدأت تنتشر سواء كفكرة أو كقناعة ، وقد بدأ بعض الأفراد يتفاعلون مع هذه الأفكار ومن يطرحها ، وهنا مكمن خطورة في حال لم يلتفت المسؤولون إلى مواجهة هذه الأفكار المنحرفة في الوقت المناسب .
 خصوصا وأن وسائل التواصل الاجتماعي باتت تغزو منازلنا في كل وقت ومن دون استئذان .
 
 المسرحية :
 هذه المسرحية ، تطرح موضوع الإلحاد للنقاش والتفكر والنقد من خلال طرح درامي مشوق ، يناسب المثقفين والطبقة المهتمة بهذا النوع من القضايا ، ومن خلال قصة درامية تقع كما يبدو للمشاهد في عصر سابق ، في مملكة تنتظر من الملك اختيار خليفته ، ولكنه محتار بين أخيه الملحد وولده الذي لم يفقد إيمانه بعد ، فيقوم المعلم بإرشاده إلى الطريق القويم .
 ولكن قوى الشر كعادتها ، ترصد للمعلم لتضع العقبات في طريقه .. حتى تظهر لنا المفاجأة .
 
 
 وصف الشخصيات الرئيسية حسب خيال الكاتب :
 الملك : خمسيني ، رزين ، ذو هيبة وجسم مناسب ، ذو صوت رخيم .
 الوزير : في نهاية الأربعينات ، ضعيف البنية ، له حاجبان يدلان على خباثة .
 المعلم : خمسيني ، متواضع ، متوسط البنية ، مرتب الهيئة .
 الأمير الممدوح : شاب في مقتبل العمر ، ثيابه فخمة ، جميل الهيئة .
 القبيح 1 : سمين ، طويل القامة ، أبيض .. قبيح ، مشعر .
 القبيح 2 : ضعيف البنية ، قصير القامة ، أسمر .. قبيح ، أصلع .
 
 اللوحة الأولى :
 المسرح مظلم تماما ، إلا من إضاءة خافتة تظهر عرشا ملكيا على يمين المسرح تحيط به من الجهتين كراسي جمعت حوله تمثل مجلس الملك .. يسار المسرح ظلام كامل .
 يدخل الأمير الممدوح وهو يقرأ في كتاب جلدي قديم :
 قد سألت البحر يوما هل أنا يا بحر منكا ؟
 هل صحيح ما رواه بعضهم ، عني وعنكا ؟
 أم ترى ما زعموا بهتانا وإفكا ؟
 ضحكت أمواجه مني وقال : لست أدري .
 أيها البحر ، أتدري كم مضى ألف عليكا ؟
 وهل الشاطيء يدري أنه جاث لديكا ؟
 وهل الأنهار تدري أنها منك إليكا ؟
 ما الذي الأمواج قالت حين ثارت ؟ لست أدري ؟
 
 يُطبق الكتاب الجلدي .. ثم يفكر لحظات ويتمتم :
 ما أجمل هذه المعاني ، وما أشد ما تستبطنه من حيرة .. كأن الشاعر ينطق بلساني !
 
 يسمع الممدوح صوت الحاجب :
 مولاي الملك العادل .
 يبتعد الممدوح نحو الظلام بهدوء تاركا المكان خلفه .
 يدخل الملك مع وزيره ، ومن خلفهما الفاضل ( مشلول - متخلف ) ، بينما يتمشى الملك ووزيره بتفكر قرب العرش ..
 يقف الملك وهو يهز رأسه محتارا ، ثم يقول :
 لا أدري يا وزيري .. لا أدري .. ما أشد ترددي بينهما .
 
 يمشي المشلول عندهما ويقلدهما مهموما ..
 يشير إليه الوزير غاضبا ، فيتجه إلى الكراسي ويجلس بصمت .
 ثم يقول الوزير بتردد :
 الأمر لك يا سيدي .. لن يحاسبك أحد على اختيارك .
 الملك يتنهد ثم يقول :
 ليس كما تقول ، سأبقى أنا الملام إن أسأت الإختيار .
 
 الفاضل : ووو ماذا ع ع ع عني أنا ؟ أأأأ ألا أنفع م م م ملكا ؟
 
 الوزير بنظرة كره واشمئزاز يرمقه ليصمت ..
 ثم يتجه خطوات ثم ينظر للملك ، ثم يقول :
 هب أن لائما لامك ؟ وما عسى أن ينفعه لومه ؟ أو ما عسى أن يضرك لومه ؟
 
 يضحك الملك متفهما ، يتمتم :
 تقصد .. إذا كنت تحت التراب .. فلن يضرني لوم لائم ولا عتب عاتب !
 يقوم المشلول ويكرر رافعا صوته :
 الملك سيموت ! عاش الملك ، عاش الملك .
 يدخل الحاجب ويقف بأدب :
 المعلم يا سيدي .. ينتظر الإذن بالدخول .
 الوزير مستغربا :
 من ! أدعوت هذا إلى القصر يا سيدي ؟ إنه ..
 يقاطعه الملك ويشير للحاجب :
 دعه يدخل ..
 الوزير معترضا بأدب :
 ولكن ..
 الملك موضحا ، يغلق باب الاعتراض :
 لقد كان المعلم ناصحا لي مذ كان أبوه معلما لأبي .. بل .. لقد كان صديقا لي لأننا ولدنا في سنة واحدة ، ولا ريب أنه ورث الحكمة من أبيه كما ورثت أنا الحكم .
 
 مشمئزا .. الوزير :
 إن مثلك لا يصادق مثله ، ثم إن كان صديقا لك ، لماذا ترك قصرا منيفا .. ولجأ إلى قرية فقيرة ؟ لو كان حكيما .. لحافظ على الحياة وسط هذه النعم التي ترتاح لها النفس .
 
 صوت المعلم من وسط الظلام يقول :
 تركت القصر عندما أصر الملك الجد على الحرب ..
 وأما النعمة ، فأنا أرفل في النعم سيدي الوزير .. مادمت هي تحت حكم مولانا الملك العادل .. في مدينة كنت أم في قرية .
 
 يتجه الملك إلى المعلم مصافحا بمودة .
 بينما يبقى الوزير بعيدا غير راض عن دخوله .
 يشير الملك للمعلم بالجلوس ، فيجلس على جانب العرش ، ويجلس الوزير على الجانب الآخر .. ويجلس الملك عندهما قريبا من المشلول .. ولا يصعد إلى العرش .
 الملك يقول بهدوء موجها كلامه للمعلم :
 أيها المعلم ، لا يخفى إخلاصك لي على أحد ، فأنت محب لي زاهد في ملكي ، وعندي .. هذه أعلى درجات الحب .
 
 المشلول : ننننعم .. صدقت .. مثل الوزير تماما
 الملك يربت على كتفه ليصمت ..
 المعلم بتواضع :
 أرجو ألا يخيب رجاؤك في يا سيدي .. فالوزير لا يرى ما تراه ، لذلك ، أنا بين سندان الإخلاص ومطرقة الوزير .
 
 يضحك الملك ، بينما يبقى الوزير على جموده .
 المعلم يشير إلى العرش ويقول :
 لعلك يا سيدي طلبتني لأجل هذا .. من هو خليفتك بعدك ؟
 
 الوزير بضيق يقلده بصمت مشمئزا
 الوزير ، ثم يلتفت إليه قائلا :
 ألا يخفى عليك شي من شئون القصر يا هذا ؟ ألك جواسيس من بيننا ؟
 
 يقوم ، ثم يقول بحماس
 الفاضل : الجواسيس .. اقتلوهم .. ثم أطعموهم من أجود الطعام .
 
 يبتسم المعلم :
 كل الناس يعرفون ما يجري في قصركم ، ولكن قصركم لا يعرف ما يجري في بيوت الناس .
 
 يضحك الملك ..
 يوضح المعلم للوزير :
 إن سيدي الملك يعاني من مرض ، فتقتضي الحكمة أن يعين وليا للعهد ، وهو الآن حائر بين الأمير المنصور أخيه ، وابنه الأمير الممدوح .. الذي بلغ عمرا يؤهله للإمارة كأبيه .
 الملك معجبا :
 هه .. بالفعل ، لا تخفى عليك خفايا القصر ! .. نعم .. نعم .. أنا عليل منهك .
 
 يشير إلى قنينة دواء قريبة من العرش ويقول
 المعلم : إنما علمت ذلك من قارورة الأقرباذين .. قرب العرش .
 
 يبتسم الملك ويقول
 الملك : لا تزال كيسا فطنا .. نعم .. نعم .. إن الحيرة تأسرني يا صديقي معلم .
 
 الوزير يوضح ميوله ، بنفاق يكاد يخفيه :
 إن أخاك يا سيدي .. أكبر .. وأخبر .. وهو الذي وقف إلى جانبك في حروبك .
 
 المعلم يبادر ، وكأنه يسبق الكلام إلى أذن الملك :
 ولكنه قاس ، يخلو قلبه من الإيمان ، وله لسان أكبر من أذنه .
 
 الوزير غاضبا :
 ماذا تقول يا هذا ؟ أهكذا تكلم الملك عن أخيه ؟
 الملك يبتسم موضحا :
 إن المعلم لا يخفي ما في قلبه ، لذلك دعوته ، وهو يرى أن أخي الأمير المنصور كثير الكلام قليل الاستماع ، وهذه خصلة قبيحة ،  فالملك يجب أن يستمع كثيرا ويتكلم قليلا .
 
 الوزير مبسطا الأمر:
 هذه من خبرات الإدارة ، ستنمو عند الأمير مع الأيام يا سيدي .. وسأكون – إن أردت – إلى جانبه ، أرشده لما فيه الخير .
 المشلول : أنا .. كبير إخ إخ إخوتي .. الح ح ح كيم .. وعندي سيف خشبي كبير .
 
 الملك ينظر للمعلم ويقول بهدوء :
 على الجهة الأخرى ، ولدي الأمير الممدوح .. شهم ، محب للرعية ، قريب من الناس ، يستمع لما يقولون ، لكنه .. يفتقر لخبرة الحكم ، والعدالة ، ولا يسعه الحروب .
 
 المعلم بشيء من الخبث :
 والوزير ! ألن يكون إلى جانب الأمير الممدوح ؟
 
 يرتبك الوزير ، ويتمتم الملك موضحا :
 لا أظن .. فالممدوح لا يطيب للوزير نفسا ، لعله لا يعرفه كما أعرفه .
 
 المعلم يتمتم :
 أو ، لعله يعرفه كما لا تعرفه .
 
 الملك : ماذا ؟ لم أسمع ..
 
 المعلم : أنا في خدمتك يا سيدي.. لن أبخل بحياتي من أجلك ، فبماذا تأمرني ؟
 
 الملك : أعلم ذلك .. أعلم .. لذلك طلبتك للمشورة .. فأنا محتار .
 
 المعلم : ممّ ؟ الشعب شعبك ، وهم محبون لك ، ولا يألون جهدا في طاعتك يا سيدي .
 الملك قلقا ، يقول بمودة :
 لذلك .. لا أريد أن أتركهم بلا راع ، تصطلمهم الأيام ، ولا أريد أن أولي عليهم فظا غليظا كالمنصور ، ولا أميرا لا خبرة له بالحكم كالممدوح  .
 تعلمت أن أكون رفيقا برعيتي ، أحبهم كما يحبوني .
 
 يطرق المعلم لحظة ، ثم يرفع متسائلا :
 هل يعلن المنصور إنكاره لوجود خالق للعالم ؟ أم ما زال يسر ذلك ؟
 
 الوزير ينتفض :
 ما أنت وشئون القصر يا هذا ؟!
 الملك يشير بيده ليهدئه ويتابع :
 بات المنصور يعلن ذلك مع جلسائه حتى يكاد أن يؤثر على الأمير الممدوح ، ولعل أخاه المحمود الأمير الأصغر يدخل دائرتهم .. إذ يبدو أنني أحكم قبضتي على أمور مملكتي دون بيتي .. لهذا أنا أراجع نفسي في إيكال الأمر إلى المنصور .
 
 المعلم يتمتم :
 إن إنكار الخالق لهو أسكن لنفسٍ تخالط شهواتها .. فينام الليل مرتاحا بلا تأنيب ضمير
 
 ينظر الملك للمعلم ويقول باسما :
 سواء أصح وجود خالق أم لم يصح ، فإن الإيمان بخالق جبار يدفع الناس لمراقبة أنفسهم إذا غابت عين الملك في مكان أو زمان ، هكذا نأمل .
 يبتسم المعلم ويتمتم :
 حتى في الإيمان بالخالق ، تتدخل السياسة والمنفعة ؟!
 
 يدخل الأمير الممدوح ، يسلم بأدب من بعيد على أبيه :
 الممدوح : عمت صباحا يا سيدي الملك .
 
 الفاضل : هل دخل الصباح ؟ ظننت أننا في المساء !
 
 الملك بابتسامة يقترب منه ويقبله ، ثم يأتي به إلى المعلم ويقول ..
 الملك : يا بني .. أسمعني شيئا من الشعر الذي يردده عمك .
 
 الوزير يبتسم بخبث من خلفهما ..
 ينتظر الممدوح لحظة مترددا ، ثم ينشد :
 جئت لا أعلم من أين ، ولكني أتيت .
 ولقد أبصرت قدامي طريقا فمشيت .
 وسأبقى ماشيا إن شئت هذا أم أبيت .
 كيف جئت ؟ كيف أبصرت طريقي ؟ لست أدري .
 الوزير باعجاب :
 يا له من شعر راق ! أكمل يا بني .. أكمل ..
 يكمل الأمير :
 أجديد أم قديم أنا في هذا الوجود ؟
 هل أنا حر طليق أم أسير في قيود ؟
 هل أنا قائد نفسي في حياتي أم مقود ؟
 أتمنى أنني أدري ولكن .. لست أدري .
 الملك يكلم المعلم هامسا :
 أرأيت ؟!
 
 الفاضل : ه هل .. تحب أن أنشدك شع شعرا يا أبت ؟
 
 الوزير يخرسه بإشارة من يده
 ثم يتجه إلى العرش وهو يعبث بخاتمه ذي الفص الأزرق ، ويقول بصرامة :
 أنا في الحقيقة لا آبه بما يعتقده الممدوح في قرارة نفسه لو كان رجلا من العامة ، ولكن- كما قلت لك - إن آل أمر الأمة إليه غدا ، لن يتقلب فراشه ليلا إن سجن هذا أو أعدم ذاك . إن الإيمان بخالق يفيده في كبح جماح نفسه ، والحفاظ على عرشه .
 
 يصطف الجميع أمام العرش باحترام .. يقول المعلم مقترحا :
 هل تأذن لي يا سيدي أن أخرج مع الأمير الممدوح في رحلة قصيرة ، أعرفه بها .. ومن بعد ذلك أكون لك من الناصحين ؟
 
 يهز الملك رأسه ، ثم يقول موافقا :
 نعم الرأي .. لا بأس .
 
 يقوم الوزير الممتعض والملك ويخرجان .
 الفاضل المجنون يسأل :
 هل تريدون أنأخرج معكم .. لحمايتكم ؟
 
 المعلم : كلا .. ليس الآن ..
 
 الفاضل : أيها المعلم الفقير ! هل هل .. هل جاء الوقت ؟
 
 يهز رأسه المعلم بابتسامة ، ثم يخرج
 إظلام
 
 
 اللوحة الثانية
 تفتح الستارة ، الديكور عبارة عن صحراء ، شجرتان هناك ، وعرفج هنا .. وبقايا كوخ خشبي على الجانب الآخر ، وبئر انثلمت حوافه بفعل الأيام  .. كتب عليه بخط رديء ( ذكرى الموت .. زلزال 392  ) .
 يدخل الكادر الأمير الشاب وهو يتصفح المكان بشيء من الكبرياء ..
 يدخل بعده المعلم ، ويتجه إلى بقايا الكوخ ويجلس متعبا .
 الأمير يتساءل :
 هل هذا مكان آمن أيها المعلم ؟
 
 المعلم الذي تمدد ليرتاح ، يقول وهو يغطي عينيه :
 سأحاول أن أنام قليلا ، فإذا استيقظت .. سيكون ذلك دليلا على أن المكان آمن .. ارتح قليلا يا ممدوح .
 
 الأمير : ممدوح ؟! ألا يفترض بك أن تناديني .. الأمير الممدوح ؟
 
 وهو مغطى العينين يجيب :
 إذا شئت ، سأقولها لك .. لكن ، إذا سمع بها قطاع الطرق ، ستندم أنك سمعتها مني في هذا المكان .
 
 يجلس الأمير يتفحص المكان ، بينما يحاول المعلم أن يغمض عينيه ليرتاح .
 يقف الأمير أمام الكوخ المهدم ويقرأ لنفسه :
 زلزال الموت !
 لقد حصد خالقكم من رؤوس الناس خمسمائة إنسان في سويعة !
 لا أدري لم يهدم الإله أرضه التي خلقها ؟ لا أدري .. لم الموت ؟
 
 يضع يده على الخط .. يتمتم :
 وماذا قصد السابقون من تأريخهم السنين بـهذه الباء والألف ؟
 
 ينظر للسماء ثم يخاطبها بشيء من الألم :
 لست أدري ..  لماذا لست أدري .. لست أدري !
 
 ينظر الأمير إلى قبر قريب من الكوخ ، يتوجه إليه .. يجلس عنده .. يلمسه بيده ثم يقول :
 أيها القبر تكلم ، وأخبرني يا رمام
 هل طوى أحلامك الموت وهل مات الغرام ؟
 من هو المائت من عام ومن مليون عام ؟
 أيصير الوقت في الأرماس محوا ؟ لست أدري .
 
 يسمع من خلفه صوت المعلم يرد عليه وهو جالس :
 فكرة الشاعر كلت ويراع الكاتب
 ولسان المصقع الفذ وقلب الراهب
 ودماغ الفيلسوف اندك دون الواجب
 أدرك الآثار ولكن ما وراها ؟ ليس يدري
 
 يقوم المعلم وينضم للأمير عند القبر ويشير للأمير ، وللعالم من حوله :
 حسبي العجز اعترافا بوجود المقتدر .
 ما اندحار الجيش إلا رمز جيش منتصر .
 وغموض السر قد يستدرج العقل لسر .
 فهو لولا الليل بالشهب السواري .. ليس يدري!
 
 مباشرة يقول الأمير كالمعترض :
 لم الزلازل إذا ؟ لم الموت ؟
 المعلم يتنهد ويقول :
 أنت ترى الزلازل نقصا ، والطبيعة تراها كمالا ، أنت ترى الموت ألما ، والعدل يراه حياة .
 أنت ترى سم العقارب ألما والحاجة تراه ضرورة .
 لكل إنسان ضفتان ، أنت اليوم في هذه الضفة ، لتبعث إلى ضفتك الأخرى ما تشاء ، وغدا يرسلك سفر الموت لتلحق بكل ما بعثت به إلى الضفة الأخرى .
 
 الأمير محتارا :
 هذا كلام ، مجرد كلام .. لا ألمسه بيدي ، ولا أراه بعيني !
 
 يمشي الأمير خطوات ثم يشير إلى آثار الكوخ والقبر :
 إله يرسل الزلزال والبراكين ليهلك خلقه ؟ أتهدم أنت دارك ؟ أين الحكمة في ذلك ؟
 
 المعلم يبتسم :
 لقد أهلك جدك 10000 آلاف إنسان في ليلة حرب واحدة .. لم تكن بعدك قد ولدت .
 
 الأمير يبتعد خطوات ويتفكر ثم يقول :
 أبي يقول أن مصلحة البلاد اقتضت خوض الحرب ، حتى لو ذهبنا كلنا ضحية لها .
 
 المعلم : الملك يعرف ما يصلح للبلاد ، ورب العالم يعرف ما يصلح للعالم .
 
 يمط شفته غير مقتنع ، الأمير :
 لو كان هناك خالق ، لشفى جميع المرضى ولما مات الصغار و..
 
 يجلس المعلم ويخط على الأرض بغصن جاف .. ثم يرفع رأسه ويسأل مقاطعا ..
 المعلم : بكم تشتري قصر أبيك ؟
 
 باهتمام يجلس عنده ، يتفكر ثم يقول الأمير :
 بآلاف الدراهم .. ومئات الجواهر .. فهو قصر منيف . لم تسأل ؟
 
 المعلم : ماذا لو كان قصر أبيك المنيف .. من غير كنيف .
 يبتسم الأمير :
 قصر بلا كنيف ؟! لا يسكنه أحد .. بل لا يشتريه عاقل .
 المعلم باحتقار :
 وما قيمة الكنيف ؟
 الأمير محتارا :
 أأأأ .. لا قيمة له .. إنه كنيف .. أقذر مكان في القصر .
 
 المعلم : ومع ذلك .. لا يكتمل القصر المنيف إلا بالكنيف !
 
 يقوم ويمضي خطوات متفكرا ، ثم يتمتم
 الأمير : أتقول أن هذه الدنيا ، لا تكتمل من غير الزلازل والبراكين والأمراض ؟
 
 المعلم يكمل جملته :
 العالم عظيم رحب فسيح ، ونحن لا نحيط علما إلا بالقليل ، لذلك فإننا نقصر في كثير من الأحيان عن معرفة الحكمة من الأمور .. فربما تظهر الزلازل كنوز الأرض لنا ، لا ندري!
 
 يشير إلى الرقم المكتوب على الحائط المهدم ساخرا ..
 المعلم : بالله عليك يا ممدوح .. كيف نعرف أسرار كون بهذه العظمة ، ونحن نجهل من أنفسنا ما نجهل .
 نحن لا نعرف حتى ماذا تعني 392 باء ألف ، التي نكتبها ونلفظها كل يوم .
 
 لحظات صمت ..
 يجلس الأمير محبطا متفكرا وهو يعبث في خاتم أزرق الفص في اصبعه .
 المعلم : أهذا خاتم الملك الأكبر .. جدك ؟
 
 الأمير يهز رأسه ويتمتم ..
 الأمير : نعم .. أعطانيه أبي قبل أن أخرج معك في هذه الرحلة ، وقال .. احفظه كما تحفظ حياتك ، ففيه سر عظيم لا يعرفه حتى هو .. لعله قدري أنا أن أعرف سره .
 
 يمد الخاتم للمعلم ، الذي يتفحصه وهو يمشي خطوات ، ثم يقف عند البئر .. يلقي الخاتم في البئر بكل برود .
 يجن الأمير وهو يرى ذلك .. يقوم مسرعا ويدور حول البئر ، يقول بغضب :
 ماذا فعلت ؟ ماذا فعلت ؟ سيقتلك أبي إن عرف بذلك !
 كلا ، لن أعود بلا خاتم أبي .. يالها من بئر عميقة !
 
 يبتسم المعلم ويقول ببرود :
 دعك عن هذه الخرافات ، سر ، وقدر ، وتنين يخرج من هذا الخاتم .. ويدخل في ..
 
 يقاطعه الأمير بضيق :
 إنها أمانة أبي .. حتى لو كانت سخيفة بنظرك .
 
 يتنهد الأمير محتارا ، ثم يحسم أمره ويلقي نفسه في البئر بلا مزيد من التفكير .
 المعلم ، بهدوء يتجه إلى خرج الثياب ويستخرج ثوبا .. ينتظر الأمير ليخرج من البئر .
 على الجهة الأخرى من المسرح ، يضاء فلاش دخاني أحمر يظهر من تحته الوزير وهو يناجي رامي السهام خفية ، كأنهما يخططان لشيء .. تطفأ الأضواء عندهما ويعود الظلام في تلك الجهة .
 بعد لحظات يخرج الأمير من البئر مبللا وهو يهز رأسه بضيق ويقول
 الأمير : لم أجد الخاتم .. لم أجده .. كدت أختنق في هذه البئر المظلمة العميقة .
 سأعود مرة أخرى .. أريد مشعلا حتى أبحث عن الخاتم جيدا .
 
 يبدل الأمير ثوبه خلف بقايا الكوخ .. بينما يبتسم المعلم وهو ينظر في البئر باحثا عن الخاتم .
 يخرج الأمير من وراء الكوخ وينظر في البئر مع المعلم متفكرا ..
 يقول بضيق مشوب بالغضب :
 لماذا فعلت ما فعلت ؟ لقد أمرني أبي باحترامك .. وإلا ..
 
 فجأة يغطي المعلم جسد الأمير ليمنعه من الخطر خلفه ، يلتفت الأمير فيرى رجلين قبيحين غير متشابهين ، وبيديهما قوسان موجهان إليهما.
 المعلم : تمهلا .. لا حاجة لكما بالسلاح ، نحن مسالمان .
 قبيح1 : ما الذي جاء بكما إلى أرضي ؟
 
 قبيح 2 يضربه على يده ويصحح ..
 قبيح 2 : أرضنا .
 الأمير بشجاعة :
 نحّيا سلاحيكما حتى نتحدث ، لسنا أسرى عندكما ، نحن مواطنان حران .
 
 يلتفت قبيح 1 إلى قبيح 2 ويوافقان على إنزال السلاح .
 قبيح 1 : دخلتما إلى أرضي من دون استئذان .
 قبيح 2 : أرضنا يا أحمق .
 قبيح 1 : أنت الأحمق .
 قبيح 2 : هذه تركة والدي ولم نقسمها .. وإلى أن نقسمها ستبقى أرضك أرضي وأرضي أرضك فلا تقل عن أرضي انها أرضك ولا عن أرضك أنها أرضي ، إنما هي ارضنا .
 قبيح1 : تماما كما بطت بطتنا بطن بطتكم وبطتكم بطت بطن بطتنا !
 قبيح 2 : ماذا ؟
 قبيح1 : لا أدري .. هيْ .. أنتما ماذا تفعلان في بطتنا ؟ أقصد في أرضنا ؟
 
 المعلم : نحن نمر منها ، نقصد النهر الكبير .
 يتلافت القبيحان بخوف يقولان  :
 أوه ..النهر ؟!
 قبيح 1 يحذرهما :
 إياكما وبلوغ النهر ، فإن فيها مخلوقات غريبة المنظر ، كريهة الرائحة ، متوحشة ، تأكل الإنسان بقضمة .
 قبيح 2 : الأفضل أن تتوجها إلى الغرب .. فهو أأمن لكما .
 
 قبيح 1 يضرب قبيح 2 بيده ويهمس :
 ما أشد غباءك ؟ ترشدهما إلى الحائط الممنوع ؟!
 
 قبيح 2 بغضب :
 أنا شريك لك في الإرث ..  أنت منعتهما من طريق وأنا دللتهما على طريق آخر .. لست أجمل مني حتى تتكلم أنت وأصمت أنا !
 
 الأمير يهدؤهما :
 حسنا .. حسنا .. اهدئا ..
 
 ينظران إليه وهما ينتظرا ماذا يريد أن يقول .
 الأمير : نحن لسنا إلا ضيوفا في هذا المكان ، وسننصرف من دون أية مشاكل .. أعدكما بذلك ، عودا أدراجكما وسنمضي قريبا .
 يهز رأسه قبيح1 رافضا ..
 قبيح 1 : كلا ..
 قبيح 2 : أنتما الآن أسيران عندنا ..
 قبيح 1 : ولن نترككما حتى ..
 
 الجميع ينتظرون ما بعد كلمة حتى .. ولكنه يتوقف محتارا ..
 المعلم :  حتى .. نحل مشكلتكما !
 قبيح 2 متحمسا :
 نعم .. نعم ..
 المعلم : حسنا .. اجلسا .. ولنتحدث .
 
 يجلسون جميعا ، فيبدأ قبيح 1 ويقول :
 نحن توأمان متشابهان ، و قد كان والدنا رجلا غنيا ، صديقا للملوك ، ثم مات ..
 
 قبيح 2 بغباء :
 بل توفي ..
 
 قبيح 1 موافقا :
 نعم ، صحيح لأنه مات ليلا ، نعم .. توفي .. ولكنه منعنا من الإرث حتى نتوافق على تقسيمه بيننا بالتراضي .
 قبيح2 : ومنذ ذلك الوقت .. نحن مختلفان .
 قبيح 1 : بل .. غير متوافقين .
 
 المعلم يفكر لحظات وهو يفرك ذقنه .
 الأمير يقترح بسذاجة :
 ولم تنتظران أن يقسمها أحد بينكما ؟ قسماها أنتما .. وارضيا .
 
 قبيح 1 : لقد قسمناها مرات عدة ، ولم نفلح .. حتى تضاربنا ، وأضحينا قبيحين بعد أن كنا أجمل إثنين في المنطقة .
 
 المعلم بعد لحظات من التفكر يشير إلى القبيحين :
 أنت .. أنت قسّم الإرث إلى قسمين في ورقتين ، وأنت .. تختار إحدى الورقتين قبله .
 
 الأمير يدرك ذكاء المعلم فيقوم ويقول مؤكدا :
 نعم ، بهذا .. أنت مرغم على أن تقسمها بدقة وعدالة ، لأن أخاك سيختار قبلك ..
 
 فرحا يرفع يديه ويدور .. وهو يقول فرحا
 الأمير : يا لك من كيّس أيها المعلم  !
 
 يقومان وقد فهما دورهما ، يقول قبيح 1 :
 أنا سأختار أولا ..
 قبيح 2 : وأنا كذلك ..
 
 يحبط الأمير ويضع يده على وجهه بضيق ثم يقول :
 أحدكما سيرسم خارطتين يقسم فيهما العيون ومجاري المياه والأرض .. والحائط .. والآخر منكما .. سوف يختار أولا ..
 
 قبيح 1 : وما الفائدة من ذلك ؟
 
 المعلم : سيكون الأول دقيقا في تقسيمه حتى لا يظلم نفسه .
 
 يهزان رأسيهما وقد فهما .. ثم يتهامسان .
 يهز رأسه قبيح 1 ويقول :
 قبيح 1 : ما دمتما قد حللتما مشكلتنا ،
 قبيح 2 : نريد أن نطلعكما على سر حرنا فيه طويلا .
 قبيح 1 : هيا ، تعالا معنا .
 
 يتبادل الأمير النظرات مع المعلم .. ثم يتبعانهما إلى خارج الخشبة حيث يسود الظلام .
 
 اللوحة الثالثة :
 تفتح الستارة ، في الجهة اليسرى من المسرح حيث عم الظلام إلا من غرفة قديمة مغبرة ، نسج العنكبوت خيوط الزمان عليها .
 يتأملان المكان .. يبدأ المعلم بالسؤال :
 ماهذا المكان ؟
 قبيح1 : إنها غرفة تقع خلف الحائط الممنوع .
 قبيح 2 : نعم لا يصلها إلا أنا وأخي .
 قبيح : تقصد ، إلا أخي وأنا .
 
 الأمير وهو يجيل طرفه أنحاء الغرفة يقول بصوت محتار ، مشوب بالقلق :
 ولم هي ممنوعة إلا عليكما ؟ لا أرى فيها شيئا يستحق كل ذلك !
 
 قبيح2 موضحا :
 كان أبي يتسلل إلى هذه الغرفة كثيرا من دون أن يراه أحد .
 قبيح 1 : لقد ورثها عن جده الأكبر ، الذي كان يصرف جل وقته فيها ..
 قبيح 2 : كان يبحث عن شيء لم يجده .
 قبيح 1 : ولما قربت الوفاة من أبي قال :
 قبيح 2 : كم كنت أتمنى أن يكون لي ولد عاقل أعهد إليه بسرّ هذه الغرفة .
 قبيح 1 : وقال : ولكن مادام حظي من الدنيا أنتما .. خذا هذا المفتاح ولا تسمحا لأحد بالدخول إليها .
 
 القبيحان يتلافتان ويضحكان على كلام أبيهما .
 الأمير والمعلم يجولان في الغرفة مستغربين ، لا يوجد شيء يستحق كل هذه السرية ، يقول المعلم :
 مادام الظاهر منها لا يستحق كل هذه السرية ، وهذا الاهتمام ، لعل لباطنها أمر آخر !
 
 الأمير : أو لعل أباهما كان يلعب معهما .. أو يخيفهما حتى لا يعبثا في غرفته .
 
 قبيح1 : نحن ؟
 قبيح 2 :  أبدا ..
 قبيح 1 : كلا ..
 قبيح 2 :  لا نعبث ..
 
 يدور الأمير في الغرفة وينظر في زواياها الأرضية ويضع يده على الحوائط ..
 يمط شفته يائسا .
 المعلم يتفحص السقف ، وزوايا السقف الأربع .. ثم يقول باستغراب منبها الأمير ومشيرا إلى السقف :
 انظر أيها الأمير !
 يتلافت القبيحان ويكرران معا باسغراب :
 الأمير ؟!
 
 يجثوان على ركبتيهما وينحنيان احتراما له .
 الأمير مندهشا يقول وهو يشير لزوايا السقف :
 نعم .. إنها .. إنها ..
 
 المعلم موافقا باهتمام :
 نعم .. نعم ..
 
 بعتب ، يقول الأمير :
 هل رأيت نتيجة فعلك ؟
 قبيح 1 : ماذا فعل ؟
 قبيح2 : أظنه قام بفعل سيء ، ولكن :
 قبيح 1: هل رأيتما شيئا ..
 قبيح 2 : يكشف سر هذه الغرفة ؟
 
 الأمير يمط شفته :
 لا .. ولكن .. في ذاك الزمن الذي بنى جدك هذه الغرفة ، كان جدي قد أعطى خاتما لابنه ، يشبه فصه هذه الفصوص الثلاثة الموزعة في زوايا السقف ..
 آآه .. لولا أن المعلم ألقاه في بئر عميقة .
 قبيح1 : ماذا ؟
 قبيح 2 : ألقاه ..
 قبيح 1 : في البئر ؟
 قبيح2 : لماذا ؟
 أثناء ذلك ، كان المعلم يجر بعض الكراسي وصناديق الخشب ويضعها فوق بعضها عند زاوية من زوايا الغرفة .
 يقترب من الزاوية الخالية من الفص ، ثم يخرج من جيبه خاتم الأمير .
 الأمير باستغراب :
 ما هذا ؟ من أين جئت بالخاتم ؟ ظننت أنك قد ألقيته في البئر !
 
 المعلم : لم ألقه أصلا في البئر ، إنما ألقيت حجارة صغيرة .
 أنت الملك في قادم الأيام ، أردت أن أرى همتك في حفظ الأمانة ، وشجاعتك في دخول بئر مظلمة .. فوجدتك أهلا لها .
 
 يعطيه الخاتم قائلا :
 هيا أيها الأمير .. ضع الخاتم في الزاوية الرابعة ، في مكانه .. لننظر ..
 يصعد الأمير برشاقة إلى زاوية الغرفة ، بتردد يضع الخاتم في مكانه ..
 فجأة تضاء إضاءات مختلفة مع صوت فرقعة ، يقفز الأمير ويختبيء الجميع خلف ركام الخشب ..
 تضاء شاشة تلفزيون متطور وسط الحائط المغبر ..
 يظهر في الشاشة جندي خائف ، يصور نفسه ( سلفي) وهو مختبئ من صوت الانفجارات التي تحيط به .. يقول هلعا :
 " لمن تصله هذه الرسالة .. نحن في يوم العالم الأخير  نحن في سنة ألفين و .. ( يتقطع الصوت ) ، لقد قرر عدونا أن يستخدم أعتى أسلحته ليمحونا ، وقد قررت حكومتنا أن تستخدم أقوى سلاح عندنا لتمحو العدو ، لم تنفع المفاوضات .. أنا لا أظن أن أحدا سيبقى بعد هذا .. ولكن .. إذا بقي أحد .. أظنكم ستبدأون حساب الزمن من جديد . لا أدري .. لعل من يبقى بعدنا سيحسب التاريخ باء ألف .. أي بعد الانفجار .. سلوا لنا المغفرة .. لقد فقأنا أعيننا بأيدينا "
 
 تشوش الشاشة .. ثم تطفأ ، ويعود كل شيء كما كان .. مظلما ..
 يخرجون من مخبئهم .. مستغربين ، يتلافتون وعلى وجوههم ارتسمت الأسئلة .
 يلاحظون وجود أسلحة في الخزائن التي انفتحت مع حالة الاتصال الكهربائي التي حدثت ..
 الأمير : هذه هي الآفة التي ذكرها الجندي في الصورة التي كانت تتحرك !
 قبيح 1 : ههههل يمكننا أن نطلعما على سر ؟
 المعلم : قل .. لا تتردد ..
 قبيح 2 : قبل شهرين ، اقتلعنا شجرة كانت قد توفيت .
 قبيح1 : ماتت ..
 قبيح 2 : نعم ، وعند الجذور وجدنا ..
 قبيح 1 : صندوقا فيه .. شيئان ..
 قبيح 2 :  غريبان .
 الأمير متفاعلا :
 ماذا وجدتما ؟
 قبيح 1 : لا نعلم ، أخذ أخي واحدة وأنا واحدة ، وانطلقنا إلى الصحراء قرب واحة الملك ..
 قبيح 2 : ولما .. جلست أقلب ذلك الشيء بيدي ، فجأة ..
 قبيح 1 : انطلق نور إلى السماء .. عاليا ..
 بيح 2: عاليا ..
 قبيح 1 : ثم اضاء بشدة ، وبقي لحظات ..
 قبيح2 : ألقى أخي الشيء الذي كان في يده هلعا ..
 قبيح 1 : وقفلنا عائدين .
 
 المعلم يدور قلقا .. ثم يأمر القبيحان :
 أتلفوا هذه الغرفة ، وأتلفوا كل ما فيها .. فالسابقون قد أتقنوا صنع الدمار ، حتى لفّهم الموت .
 أكاد أقسم ، لو أنهم صرفوا ثرواتهم في بناء الإنسان والمدارس والمشافي ، وأعطوا حقوق الفقراء .. لكنا نعيش اليوم فوق القمر .
 وأظن أن قبحكما ، وما ذكرتماه من حيوانات غريبة كلها جاءت نتيجة الأمراض التي أعقبت الإنفجار الكبير .
 
 الأمير يهز رأسه وقد فهم كل شيء :
 ممممم ! هذا هو سر باء أف .. نحن نعيش سنة 392 بعد الانفجار ، باء ألف !!
 يا لها من حكاية لن يصدقها أحد .
 إظلام
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 اللوحة الرابعة
 تفتح الستارة ، صحراء .. شجرة على يمين المسرح ، وعلى يساره المكان خال إلا من نبتة عرفج هنا وأخرى هناك ، وصخرة كبيرة في الخلف .
 يدخل الأمير والمعلم إلى المسرح ، يجلسان على الصخرة ، يفتح المعلم الخرج ويستخرج خبزة وخيارتين ، يعطي الأولى للأمير ثم يقطع الخبزة إلى قسمين ، ويعطي قسما للأمير .. يأكلان بهدوء .
 يتمتم الأمير بعد أن ياخذ نفسا عميقا :
 يا لها من رحلة أيها المعلم ، الآن عرفت سر حب أبي لك .
 
 باسما ، المعلم :
 وسر بغض الوزير أيضا .
 
 الأمير : ما هي حكايتك معه أيها المعلم ؟ قل لي ؟
 
 يطرق لحظة ثم يرفع رأسه ويقول :
 أيها الأمير ، لا يجتمع الإخلاص والنفاق في قلب واحد ، ولا في مكان واحد .
 لقد كنت معلما لأبيك ، وكان الوزير معلما لعمك المنصور ، وعندما رأى جدك الملك ما بلغه أبوك من علم وأدب ، وما افتقره المنصور من علم وأدب ، اختار الملك أباك ليكون خليفته من بعده ، فعمل الوزير مع عمك المنصور على طردي من القصر .. فتآمرا علي .. وكان لهما ما أراداه .
 الأمير : وأبي ؟ لماذا تركك ولم يتمسك بك ؟
 المعلم : كلا لم يتركني ، وكان يرعاني ويتفقدني ، ولكنه رأى أن بعدي عن القصر أأمن لي .
 
 الأمير : إن أول ما سأفعله إن أمسيت ملكا ، أن آتي بك إلى القصر .
 
 يصمت المعلم لحظات ، ثم يربت على كتف الأمير باسما :
 لن تكون الملك عن قريب الأمير ، فهناك سر لا يعرفه أحد .. غيري ..
 
 الأمير : يجب أن أطرد عمي والوزير من القصر أولا .
 
 المعلم : سوف تكون تكلفة طرد الوزير كبيرة ، ستدرك خطورة من حولك وجشعهم مع الأيام .
 
 يأخذ المعلم المتبقي من الطعام ويضعه قرب الصخرة بعناية وهو يتمتم :
 لعل طيرا أو حيوانا جائعا يجد الطعام .
 
 يمشيان نحو الجهة الأخرى من المسرح .. إظلام تام ..
 إلا من إضاءة خافتة على تظهر على رامي السهام القابع وراء الشجرة ، فيرمي السهم نحو الأمير وسط الظلام ، يسير السهم ببطء ، فيصيب صدر الأمير ، فيقع على إثر ذلك بالحركة البطيئة إلى الخلف متأثرا بقوة السهم الذي استقر في قلبه .
 يبقى الأمير معلقا في الهواء لحظات .
 والمعلم ممددا على الأرض ينظر جزعا إلى الأمير ..
 يتوقف الزمان تماما .. كل شيء ثابت على المسرح ..
 بعد لحظات يقع الأمير بهدوء على الأرض والسهم في قلبه ، يتجه إليه المعلم وهو يبكي .
 إظلام
 
 الرحلة الأخيرة
 يضاء الجزء الأيمن من المسرح ، الملك والوزير وبعض الحاشية اجتمعوا وهم يأكلون الطعام في الخيمة ، إلا الملك ، جلس كئيبا .
 وقد جلس عنده الفاضل ، حزينا .. والمعلم عنده .
 من خلف الخيمة ، يطل القبيحان .. ثم يهربان مبتعدين .
 يستدعي الوزير المعلم بحركة من يده ليقفا وسط المسرح خارج الخيمة .
 الوزير : لا أدري ماذا أصنع ! فالكآبة قد أخذت من الملك العادل مأخذها .
 
 المعلم يتنهد ويهز رأسه متعاطفا .. ثم يتمتم :
 حق له ، لقد تبخرت آماله بلحظة ، فقد روحه التي بين جنبيه أيها الوزير .. الـ .. طيب .
 
 الوزير كما يبدو من وجهه ، يريد أن يفتح بابا بخبث ، يقول :
 لا أدري ، كيف يمكن أن يحكم البلاد وهو كئيب حزين ، كأنه لا يفقه ما يقال له ، يصعب علينا أن نفاتحه بشؤون البلاد والعباد !
 
 المعلم : ماذا عن ولده المحمود ؟ أين هو ؟ لا أراه بين الحاشية !
 
 الوزير بحدة :
 هو صغير .. صغير .. لا يفقه شيئا .. لن ينفعنا بشيء .. ولا هذا الأحمق المسمى بالفاضل
 
 متصنعا ، المعلم يقول :
 أترى أنه قد آن أوان الأمير المنصور ، لـ ..
 
 الوزير يلقف الفكرة التي كان يترقب طرحها بنفسه ، يقول مبتهجا متحمسا :
 نعم .. نعم .. آن أوانه .. فهو ، لعمري ، فرح مرح ، جواد ، كريم ..
 لن يبقي في القصر أحد إلا ويغدق عليه الخير .. حتى أنت .. سيجود عليك بالكثير ..
 
 المعلم مستغربا :
 القصر ، أنت ، أنا ! وماذا عن رعيته ؟
 
 بشيء من الامتعاض
 الوزير : لا تقل أنت .. تأدب وقل لي : سعادتك !
 
 الوزير يعود إلى الخيمة غير آبه بالمعلم ..
 يتجه إلى أحد الجالسين ويسر إليه بالأمر في أذنه ، فيفرح .. ثم يشارك الجالسين الشراب وهو فرح بما سمعه من المعلم .
 يقترب المعلم من الخيمة ، ثم يقف بجرأة ويقول :
 سيدي .. أيها الملك العادل !
 
 يرفع الملك العادل رأسه ، في نفس الوقت يرفع الوزير يده ليسكته ..
 الوزير : صه .. صه .. كيف تبادر الملك في الكلام .
 
 بنظرة من عينين صارمتين ينظر المعلم للوزير .. فيتراجع الوزير محرجا ..
 المعلم : إن فقدنا للأمير الممدوح أمر يؤلمنا جميعا ، حيث كان هو أملنا ليكون خليفتك - أطال الله عمرك - ولقد كان لائقا لها حفيا بها .. ولكن ، مثلك لا ينسى رعيته ، إن الله سبحانه ..
 
 يقاطعه الملك بغضب :
 الله ؟! تقول الله ؟! وهل حقا هناك إله ؟
 
 المعلم : وهل خلق كل هذا إلا إله حكيم ؟
 
 بامتعاض
 الملك : وما فائدة إله لا يراه أحد !
 إله لم يرع ابني وأنا في أمس الحاجة إليه . إله لا يستجيب دعائي !
 
 المعلم موضحا بهدوء :
 يا سيدي .. لا يذهبن بك الغضب إلى حيث لا تريد .. لقد كان أباك موحدا وهكذا كان جدك .
 
 الملك بامتعاض مشوب بحالة انهيار :
 لم يفقد أبي عزيزا له في ريعان شبابه حتى يدب الشك في قلبه .. لقد دعوت الليل والنهار أن يحفظ لي الممدوح ، لم يسمع لي .. لو كان موجودا لسمع ، لوكان موجودا حقا لسمع .
 المعلم بأدب وتأثر :
 ليس الموت عدما يا سيدي ، إنما هو معبر .. جسر .. إلى العالم الآخر ، ولولا الموت لتزاحم البشر على هذه الأرض حتى يتمنوا الموت لأنفسهم .
 
 يلاحظ الوزير تأثر الملك بكلام المعلم ، فيبادر موسوسا :
 كم ملوك ضربوا حولك في الليل القبابا ؟
 طلع الصبح ولكن لم نجد إلا الضبابا
 ألهم يا بحر يوما رجعة أم لا مئابا ؟
 أم هم في الرمل ؟ قال الرمل .. لست أدري
 
 المعلم يتجه نحو الوزير ويقول :
 حسبي الكون دليلا كلما عز الدليل
 وتخطيت بإمكاني ضفاف المستحيل
 إن لي في وجودي ألف سبيل وسبيل
 قد تغشيت به الكون إلى ما ليس يدري !
 
 ينظر المعلم للملك ثم يقول :
 أيها الملك الكريم ، أن الكمال شأن من شئون النشأة الأخرى ، وا عجبا لمن يكذب النشأة الأخرى وهو يرى النشأة الأولى ! وبقدر آلامك .. تصعد درجاتك يا سيدي .
 الملك يائسا يتمتم :
 أظنهم صدقوا ... شيء لا ألمسه ، ولا أراه بعيني ، كيف أصدق به يا معلم ؟
 
 ينشد المعلم وهو يخاطب السماء :
 أي آثارك تخفى أي آلائك تجحد ؟
 أنت في الكوخ المعفى ، أنت في الصرح الممرد
 أنت أنت الله بالأمس ، وأنت الله في الغد
 أنت سر السر في العالم ، لكن .. ليس يدري ..
 يتسامى نحو العقل إذا ضل الدليل
 فوجود الكون لولاك وجود مستحيل
 سبحت باسمك آبائي جيلا بعد جيل
 فحنانيك تفضلت على من ، ليس يدري .
 
 يطرق الملك لحظة ، متفكرا ..
 يتنهد أمام هذا الكلام عاجزا ، ثم يقول :
 إنا ذاهب إلى خيمتي لأرتاح ..
 
 يبتعد الملك متفكرا متجها إلى خارج خشبة المسرح ..
 يدور المعلم متأثرا في جهة من المسرح ، يتفاجأ بالوزير وهو يجره من يده إلى جهة أخرى ، وهو يقول :
 اسمع يا معلم .. لقد كان أبي وزيرا للملك الراحل ، وأنا وزير لسيدي الملك ، وابني سيكون وزيرا للملك القادم .
 نحن سلسلة توازي سلسلة الملك ، ومثلك لا يقوى على ولوج عالمنا ، إنه عالم الكبار .
 
 المعلم بتواضع :
 نعم ، أصدّقك ، ففي هذه الدنيا الدنية يعجز مثلي عن مجاراتكم يا سيدي ..
 
 بلومٍ يشير إليه ، الوزير :
 فلماذا إذن تملأ رأسه بكلامك هذا ؟ وما ينفعك إن آمن أو كفر ؟
 
 ببساطة مشوبة بالجرأة ، المعلم :
 المؤمن .. يأمنه الناس على كل شيء ..
 ومن هنا .. لعلك – يا سيدي – تريد ملكا لا يؤمن ، حتى تكون خزائنه مفتوحة لرغباتك وشهواتك .
 
 يدخل الملك فجأة ، وعليه علامات الدهشة ، وهو يقول :
 أرأيتم ما رأيت ؟! أرأيتم ما رأيت ؟!
 
 بحيرة ، تحيط الحاشية بالملك .
 يمسك بالوزير والمعلم من ثيابهما ، ويكرر باستغراب :
 أرأيتما ما رأيت ؟!
 
 يتلافتون جميعا منتظرين ، فيقول شارحا ما جرى له ..
 الملك : لقد رأيت جسما غريبا يظهر بعضه من تحت الرمال ، فلما أزحتها عنه ، قلبت ذلك الشيء بيدي ، لا أعلم .. لعلي ضغطت على نتوء ، فطار ذلك الجسم من يدي إلى السماء ، وسطع نور ، ثم اختفى .. ألم تروه ؟
 
 الوزير ينظر إلى الحاشية متسائلا :
 كلا يا سيدي .. لم نر شيئا .. هل رآه أحد منكم ؟!
 الحاشية : لا .. لم نر شيئا .
 الملك : لقد كان شيئا غريبا ، لا أعرف ما تفسيره ؟
 
 يطل القبيحان من جهة في المسرح يتابعان .
 يتلافت الجميع مستغربين من كلام الملك .
 بحيرة يتساءل الملك ، وهو يتصفح وجوههم :
 هل تصدقون كلامي ؟ أم تظنون بي الجنون ؟
 
 الوزير يلقف الكلمة ، فيقول موجها كلامه للمجتمعين ليزرع فيهم الشك تجاه مشروعية الملك :
 الجنون ؟ يقول الجنون ! حاشاك يا سيدي ، حاشاك .
 ربما أثر بك موت ابنك الممدوح ، فاختلطت عليك الأمور .
 الملك : صدقوني .. صدقوني .. ظهر نور من يدي متجها إلى السماء .
 
 المعلم يمشي خطوات وهو يتمتم :
 لقد صدق القبيحان ! هذا ما تحدثا عنه من قبل !
 
 يعود إلى حيث اجتمعوا على الملك الذي يتمتم ..
 الملك : ما أغرب ذلك ! ما أغرب ذلك !
 
 المعلم يلعب لعبة مستفيدا من هذا الموقف :
 كيف تريدنا أن نصدق ما تقول أيها الملك الكريم ؟
 وهو مجرد كلام لم نره ولم نلمسه .
 الملك بحدة :
 أننكر كلما لا نرى أو لا نلمس ؟ أي خبل هذا ؟
 أتلمس الجوع ؟ أترى العطش ؟
 أين هو الحب أو البغض ؟ هل تلمسه أو تراه ؟
 
 الوزير : إن آثار الحب والجوع والعطش تغني عن رؤيتها.. لذلك فأنا أصدقك .
 كم نصحتك بشأنه يا سيدي ؟ مالك أيها المعلم ، ما هذا الخبل ؟
 
 يبتسم المعلم ويقول منتصرا :
 صدقتم ، إنكار ما لا نرى ولا نلمس مع جلاء آثاره .. خبل .
 
 ينشد خاتما :
 صرخة الحق ترامت في صدى الكون المرن
 وفم الخلق يناجي كل ذي لحن بلحن
 إن تكن أذنك صماء فما ذنب المغني ؟
 أو تكن ، لا تفقه اللحن فكم من .. ليس يدري !
 
 يقترب الملك من المعلم واضعا يده على كتفه متفهما كلامه .
 يطرقون جميعا مغلوبين ، إلا المعلم .. يبتسم .
 المعلم : سيدي الملك ! لقد جاء الوقت .
 
 الملك والوزير ينظران إليه مستغربين
 يشير المعلم إلى جهة من المسرح ، فيدخل الفاضل بخطوات جادة ويقف .. بثيابه الجميلة
 ينظران إلى بعضهم
 الفاضل : لقد جاء الوقت يا أبت ، حتى أكون على يمينك .
 
 الوزير : أنت ؟! أنت ؟!
 
 يحتضنه بمحبة ..
 الملك : بني ! الفاضل !
 لقد .. هل أعادك الله لي بعد ابتلائي ؟
 
 الفاضل : نعم يا أبي .. لقد حاول هذا الوزير أن يقتلني بالسم ، ولكن الله لطف بي ولم أمت ، فتصنعت ما رأيتم حتى أسلم من دسائسه ، كما نصحني المعلم عندما زارني سرا .
 
 باسما
 المعلم : لقد أتقنت في تصنعك حتى كدت أن أصدقك .
 
 الفاضل :  خمس سنين وأنا أتصنع الخبل ، حتى لا يراني هذا الوزير عائقا في طريق أطماعه ، ولقد رأت منه عيناي ما لا أحتاج معهما إلى شهادة شاهد ..
 
 يشير الفاضل إلى العسكر :
 خذوه ..
 
 الجندي : هل نقطع رأسه يا سيدي ؟
 
 الفاضل : كلا .. كلا ..
 يجب أن يعرض على القضاء أولا ، ثم يأخذ كل ذي حقه حقه منه ..
 إن الممالك لا تدوم بالظلم ، ولن أحكم أرضا يعينني فيها هذا الفاسد ورهطه .
 
 يحتضن الملك ولده ، بينما يتابع المعلم الوزير وهو يخرج مع الجندي .
 من خلف الستار يخرج القبيحان ويقفان عند المعلم .
 
 إظلام
 
 
    
		
		
	 |