عرض مشاركة واحدة
قديم 02-04-2009, 05:46 PM   #1 (permalink)
المغربي
عضو شبكة الدراما والمسرح
 
 العــضوية: 2592
تاريخ التسجيل: 23/03/2009
المشاركات: 41

افتراضي في سوق النخاسة - قصة جديدة بقلمي


في سوق النخاسة – قصة بقلمي/ المغربي
- عشرة آلاف درهم… من يشتريه؟!… فرصة لا تعوض.
تجمع الناس حول "المنادى" الذى وقف معتليا صخرة صغيرة… ينظرون إليه وفى عيونهم حب الاستطلاع والشوق لمعرفة ما يباع… يرتفع صوته فى تهدج:
- عشرة آلاف درهم… أبيض الوجه… نقى السريرة… مفتول العضلات.
نظر إليه الناس وكلهم شوق لمعرفة نوع تلك البضاعة… زاغت أعينهم وهم ينظرون إلى يده التى كان يلوح بها فى الهواء وهى تنساب فى بطء إلى سرواله الذى أخرج منه خرقة من القماش…
أخذ يجفف بها عرقه المنهمر على وجهه كالمطر من حرارة الشمس… يجفف تلك الشعيرات البيضاء التى نبتت فى رأسه… فقد تجاوز الأربعين عاما بقليل… ولكن من يراه يعتقد بأن الكهولة لم تترك من جسده موضعا إلا والتهمته… كان يلوح بيد… ويتكئ على عصاه بالأخرى… الإرهاق باد على وجهه… أحزان الدنيا قد انصبت فى عينيه اللتين انطفأ بريق نورهما…
جفف عرقه… لف خرقة القماش حول رقبته… صاح مرة أخرى فى تعب:
- لنجعلها خمسة آلاف… من يشتريه؟ّ… لقد ألبسته أحلى خصالى… أبيض من زهرات القطن… أنعم من ملمس الحرير… عيناه براقتان لا تنامان… حارس أمين… من يشتريه؟!
اقترب الناس منه أكثر… ازداد ازدحامهم حول الرجل… ينظرون أمامه وخلفه… لعل أعينهم تقع على بضاعته النادرة… يعلو صياحه:
- ألف… ألف درهم فقط… من يشتريه؟!… إنه يساوى ملايين… ستنامون وهو رقيبكم… ستضحكون ملء أشداقكم وهو رفيقكم… من يشتري يا سادتى؟!
نظر إليه الناس وقد زادهم الشوق شوقا… ارتفعت أيديهم بأكياس نقودهم فى الهواء… يريدون رؤية تلك البضاعة ومعاينتها قبل الشراء… فقد انخفض السعر من عشرة آلاف درهم إلى ألف درهم فقط… ولكن… لينتظروا قليلا… ربما خفض الرجل فى السعر مرة أخرى.
جاءهم صوته هذه المرة بعيدا… كأنه يتحدث من مكان آخر… وقد غلبه التعب والإرهاق:
- مائة درهم… من يشتريه؟!
صاح أحد الواقفين:
- لماذا تبخس الثمن يا رجل طالما أن بضاعتك بهذه الأهمية؟!!!
- إن بضاعتى نادرة الوجوه فى هذا الزمان… ورغم ندرتها إلا أنى أصدقك القول فقد جعلتنى هذه البضاعة تعيسا… وحيدا… يبتعد الناس عنى… يرموننى بالتخلف والجنون بسبب احتفاظى به… لذا فكرت فى بيعه بأى ثمن…
ثم صاح وقد انهمرت الدموع من عينيه:
- بدرهم واحد يا ساده أبيعه… من يشتريه؟!!
اقترب منه رجل آخر كان يقف فوق صخرة… ملوحا فى وجهه بكيس نقوده… يصرخ فى أذنيه متوعدا حتى كاد يخترقها:
- هل جننت يا رجل… من عشرة آلاف درهم إلى درهم واحد لبضاعتك… ثم… ثم عن أى بضاعه تتحدث… إننا لا نرى شيئا معك!!!
نزل الرجل من فوق الصخرة… وقد بدا عليه الإعياء التام… جر رجله جرا حتى وقف وسط الناس… محدقا فى وجوههم… ربما يجد ضالته المنشودة… وبصوت ضعيف… وجسد هزيل يرتعش قال:
- إنى أبيع " ضميرى" بلا مقابل… فهل من مشتر؟!
صمت الجميع… كأن على رؤوسهم الطير… ينظرون إليه كأنهم ينظرون إلى رجل مسه الجنون… وفجأة… انفجر الجميع بضحكات السخرية… وهبطت أيديهم التى تحمل أكياس نقودهم مرة أخرى إلى سراويلهم… وانصرفوا من حوله الواحد تلو الآخر.. وهم ينعتوه بأقذع الكلمات…
وبقى وحيدا… يعتلى الصخرة من جديد… بح صوته... فلم يعد قادرا على الصياح... يهمس وكأنه يحادث نفسه في مرارة:
- لم يعد يجدي هذه الأيام... لقد انقضى زمنه وولّى... أيها الناس... سأدفع مالى لمن يشتريه… فهل من مشتر؟!!!

 

 

المغربي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
 
7 9 244 247 267 268 269 270 271 272 273 274 275 276 277 278 279 280 281 282 283 284 285 286 287 289 290 291 292