عرض مشاركة واحدة
قديم 03-04-2009, 08:08 PM   #1 (permalink)
المغربي
عضو شبكة الدراما والمسرح
 
 العــضوية: 2592
تاريخ التسجيل: 23/03/2009
المشاركات: 41

افتراضي قصة جديدة لإخواني بالمنتدى بقلمي - منشورة بجريدة الأنباء الكويتية 1997


الرعد والتوبة
وقف (الدون جوان) العجوز أمام المرآة.. يصفف تلك الشعيرات المصطبغة باللون الأسود والباقية فوق رأسه.. فقد بقيت بعضها يمين رأسه.. وأخريات يسارها، أما منتصفها فصار أشبه بالطريق الصحراوى لا زرع فيه ولا حياه.
أعاد ربط "الكرافت" أكثر من مرة بعد ارتدائه بذلة أنيقة.. لقد تجاوز الخامسة والخمسين من عمره ولكنه فى قرارة نفسه يعتقد أنه مازال مراهقا.. أغرق نفسه بعطر معين.. هرول ناحية حجرة مكتبه والتقط "مفكرة" صغيرة يدون فيها مواعيده وقد دسها فى أحد الكتب.. فتحها.. يبحث عن حرف معين.. يردد بصوت مسموع: - ميم .. ميم.. ميم… ميمى.
ينظر لساعته.. يجدها الرابعة بعد العصر.. يتمتم:
- باقى ساعه كاملة على موعدى معها.
يضع "المفكرة" فى جيب الجاكيت الداخلى.. يحاول الخروج من المكتب وهو يسير مزهوا بنفسه.. وفجأة.. سمع دويا هائلا آتيا من السماء.. ارتجفت معه أوصاله حتى كاد يسقط أرضا.. هرولت زوجته ناحيته.. ينظر كل منهم للآخر.. يخرج مسرعا ناحية الشرفة.. ينظر للسماء وقد اعتراه خوف واضح.. رآها وقد تلبدت بغيوم قاتمة.. فصارت أشبه بسحب دخان أسود بلا نار.. تشق تلك السحب خيوط نارية من البرق سرعان ما تختفى.. يسمع بعدها دوى رعد هائل يهز الأرض هزا.. تنبثق من خلال تلك السحب أمطارا رعدية غزيرة تغرق المكان.. تزداد رويدا رويدا حتى يخيل لمن يراها بأن فيضان آت على الأبواب.. وقوة الرعد وشدة البرق يوحيان بأن الساعة آتية الآن.. تحرق وتغرق الأرض ومن عليها.
تنظر زوجته إليه وقد جذبها رحيق ذلك العطر الذى يفوح من ثيابه.. تنظر إليه فى ريبة وشك.. تسأله.. أين سيخرج الآن، خاصة فى هذا الجو؟!
يتلعثم قليلا ومازال الخوف يدب فى أوصاله من صوت الرعد:
- لابد من إنجاز بعض الأعمال المتأخرة فى الشركة اليوم.. ولابد من وجودى شخصيا.
ينظر لنفسه مرة أخرى فى المرآة.. يخرج مفكرته.. يتفحصها ببطء حتى يصل لحرف "الميم" مرة ثانية ليتأكد من الموعد.. ولكنه سرعان ما يلقيها جانبا ويهرول ناحية الشرفة.. فقد كان صوت الرعد يخترق الآذان.. ينظر للسماء.. يرتعد رعبا.. فزمجرة الرياح كادت تسقطه.. البرق يخيف أقوى القلوب تصلبا.. صوت الرعد يكاد يفتك برأسه.
شعر لأول مرة بخوف يطغى عليه.. اهتز كيانه.. سمع صوت ابنته الكبرى تصرخ.. هرول إليها.. أخذها بين ذراعيه والخوف يدب فى جميع أوصاله.. يطمئنها بأن كل شئ سيكون على ما يرام.. يتركها مع أمها.. يعود مرة أخرى للشرفة.. يفتح بابها، ولكن سرعان ما يغلقه.. بعد أن شعر بأن جدار الغرفة سوف ينهار فوق رأسه من قوة الرعد.
نظر لأعلى.. يستغفر ربه.. يعده بالتوبه إن بقى على قيد الحياة.. يخرج "المفكرة" من جيبه.. يلقيها خارج الشرفة.. تلتقطها الرياح والأمطار وتلتهمها الأوحال.. يذهب لحجرة نومه.. يبدل ثيابه بسرعة، ويلبس جلبابا أبيض.. يذهب للحمام فيتوضأ.. ثم يعود ليصلى ركعتين لله.. طالبا النجاة له ولأسرته.. يستغفر ربه.. يعده ألا يعود إلى المعاصى أبدا.. وليسامحه الله على ما ارتكبه من خطايا وآثام.. وظلم موظفيه الضعفاء بالشركة.. يعلو صوت الرعد فيرتفع صوته مناجيا:
- يارب.. يارب.
دقت الساعة تعلن الخامسة مساء.. لقد حان لقاؤه مع "ميمى".. نظر لساعته المعلقة على الحائط ويؤكد لنفسه بأنه لا يكترث لهذا الموعد أو لغيره.. يرتفع صوت الرعد.. تسقط الساعة المعلقة محطمة من شدة الصوت.. يتركها.. ينهض فيصلى مرة ثانية.. يستغفر ربه على جبروته وظلمه للضعيف.. يستغفره على كل لحظة إثم انغمس فيها.. يعده أن يتوب.
مرت ساعة.. تلو الأخرى.. كأنها الدهر.. وفجأة لم يعد يسمع شيئا بالخارج.. كل شئ ساكن كسكون القبر.. أزال قطعتا القطن من أذنيه.
نهض من مكانه متوجها إلى الشرفة.. السماء صافية.. انقشعت السحب.. وصمت الرعد.. واختفى البرق.. عاد كل شئ كما كان عليه من قبل.. الجو صحو.. والسماء صافية.. ما أحلاه من طقس بديع.. طقس يستحق فيه الخروج والاستمتاع بنسماته العطرة..
نظر لساعته فوجدها قد قاربت الثامنة مساء.. قفز بسرعة للداخل.. ارتدى بذلته الأنيقة بأسرع من البرق وعاد يضع عطرا من نوع آخر.. وما هى إلا لحظات حتى كان على أهبة الاستعداد للخروج.
قفز درجات السلم فى خطوتين حتى أصبح تحت شرفة منزله من الخارج.. تفحص الأرض الموحلة يمينا ويسارا حتى وجد بغيته "المفكرة".. التقطها.. أزال من عليها الماء والطين.. يقلب صفحاتها فى بطء.. يبحث عن حرف معين.. يردد بصوت مسموع:
- السين.. السين.. أيوه "سوسو".. موعدى معها اليوم الساعة التاسعة.. لابد من اللحاق بهذا الموعد.

 

 

المغربي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
 
7 9 244 247 267 268 269 270 271 272 273 274 275 276 277 278 279 280 281 282 283 284 285 286 287 289 290 291 292