عرض مشاركة واحدة
قديم 11-04-2009, 05:19 PM   #1 (permalink)
المغربي
عضو شبكة الدراما والمسرح
 
 العــضوية: 2592
تاريخ التسجيل: 23/03/2009
المشاركات: 41

افتراضي النوم سلطان قصة بقلمي


النوم سلطان
انطلق جرس الباب بصوته المزعج فى رنات متلاحقة أزعجت أحمد رمضان الذى كان يغط فى نوم عميق بعد عناء يوم عمل شاق.. تحامل على نفسه.. يجر اقدامه ناحية الباب فيفتحه..
يدخل أحد أصدقائه مازحا وهو يعاتبه على كثرة نومه:
- إيه يا ابنى!… إنت من أهل الكهف؟!
نظر إليه وكأنه لا يسمعه… فتلك هى عادته… ينام يوميا من الثالثة بعد الظهر وحتى بعد التاسعة مساء يقوم بعدها لتحضير عشاؤه وكوب من الشاى الكبير ثم يواصل نومه حتى السادسة صباحا موعد استيقاظه قبل ذهابه إلى عمله.
تثائب "أحمد" وهو يمسك برأسه التى شعر أن بداخلها طاحونة لا تكف عن الدوران أو التوقف.. ضغطه مرتفع.. حرارته مرتفعة.. وقد تناثرت بالشقة بعض من ثيابه.. القميص على الأرض.. البنطلون على السرير.. الكرافت فوق التليفزيون.. وهكذا. وبالمطبخ قطع من الأوانى والأطباق ملقاه هنا وهناك… بعضها مغسول والبعض الآخر فى الانتظار.
صرخ صاحبه فى وجهه مازحا:
- إيه حكايتك يا حبيبى؟… هى الغربة مخلياك نايم على طول كده!
لا يرد.. يبدو عليه الإرهاق الشديد والخمول وكأنه صار واحدا من "أهل الكهف".. يدخل المطبخ.. يضع براد الشاى.. بعد دقائق يخرج حاملا كوبين من الشاى له ولصديقه..
متسائلا صديقه فى دهشة:
- مالك يا ابو حميد… باين عليك التعب عن كل يوم.. بتشعر بإيه؟.
يجيبه أحمد بيأس شديد:
- كل شئ.. ومن كل شئ.. لدرجة إنى موش عارف أنا باشتكى من إيه بالضبط.
نظر إليه صديقه متسائلا:
- وليه النوم الكتير ده… دا حتى كتر النوم يضر بصحتك.
قاطعه بعصبية وهو يتأفف فى ضجر:
- وليه عايزنى أصحى؟!.. النوم أحسن علاج لارتفاع ضغط الدم من اللى بيحصل.
بادره صديقه بدهشة:
- إيه اللى بيحصل؟!
قام أحمد يجر رجليه جرا حتى وصل إلى التليفزيون وفتحه. جلس صديقه وترقب، اعتقد أن هناك أغنية يريد صاحبه أن يسمعه إياها أو فيلم كوميدى يود أن يراه معه، ولكن خاب أمله عندما رأى نشرة الأخبار أمامه… سيلا من أنباء "النكد" فى العالم.. ووابلا من الاخبار عن مذابح ومجازر فى مناطق لا حصر لها من دول العالم… وأمطار من الدماء تتساقط من سحب ملبدة بالدمار والوباء والتشاؤم.. ورعد من القذائف يحرق الأخضر واليابس.. يرتفع ضغط الدم البارد إلى الرأس.. يفجرها.. يوقف نبضاتها، يحرق ثناياها.. يتوقف المخ عن التفكير.. يصطبغ شعر الرأس باللون الأبيض.. يشيب الشباب قبل المشيب.
يجلس الصديق ساهما واجما.. كأن على رأسه الطير.. يتابع.. يشعر أن العالم قد انتهى.. والساعة آتية على الأبواب.. يفزع كأن حية قد لدغته.. يهرول.. يغلق التليفزيون بعنف ويعود لمكانه يلهث وكأنه كان يدور حول العالم عدوا على الأقدام دون توقف.
يتجه ناحية المذياع.. يفتحه، نفس القذائف.. نفس السحب القاتمة السوداء من الأخبار.. دمار.. جوع.. اغتراب.. تشرد.. انقلاب.. احتلال.. اغتيال.. وباء.. شقاء.
يجلس صامتا.. ينظر لـ"أحمد" الذى كان ينظر اليه بدوره بنظرات ذات مغزى.. يبتسم فى إعياء وتقزز.. تمتد يده إلى صحيفة ليقرأها ولكنه سرعان ما يغلقها ويلقى بها على الأرض.. فكل الأخبار واحدة.. يصرخ فزعا:
- ماذا حدث فى العالم؟..
يمسك برأسه.. يشعر أنها ستنفجر.. ينظر لصديقه مستعطفا.. يريد أن يصرخ.. أن يبكى.. أن يسأل – لماذا؟-
نظر إليه صديقه.. نهض من مكانه وهو يجذب أحمد فى رفق من ذراعه.. أوصله ناحية سريره.. استلقى أحمد عليه محاولا أن يغمض عينيه بشدة لعل النوم يراودها من جديد.. ابتسم صديقه وهو ينظر إليه كأنه ينظر إلى طفل أرعبته حدوتة قبل النوم.. اتجه ناحية الأنوار فأطفأ نور غرفة النوم عليه.
خرج من الغرفة وهو يغلق غرفة نوم أحمد خلفه… سار ناحية الباب الخارجى وفتحه … وقف قليلا مترددا ثم عاد لينظر باتجاه غرفة نوم أحمد وهو يبتسم ابتسامة ساخرة مريرة وهو يردد:
- هنيئا لك يا احمد بنومك.. أنا آمنت صحيح بأن النوم سلطان.
وخرج وهو يغلق الباب خلفه.
(مع خالص تحياتي لكم)

 

 

المغربي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
 
7 9 244 247 267 268 269 270 271 272 273 274 275 276 277 278 279 280 281 282 283 284 285 286 287 289 290 291 292